أسباب كبرى وراء ليونة دول الخليج تجاه لبنان؟        

نصيحة فرنسية للجميع بترطيب الاجواء وبدعم اميركي

بيروت – غاصب المختار

   كان من المتوقع ان تبدأ عودة المياه الى مجاريها – ولو تدريجياً – بين لبنان ودول الخليج العربي لا سيما مع السعودية، نتيجة عوامل واسباب وتدخلات كبرى خليجية – اقليمية ودولية، كانت رافعتها الاساسية الكويت وفرنسا بجهد مشترك، لكن كان لا بد من مقدمات وتوافر ظروف لبنانية لهذه العودة، طلبها الكويتيون والفرنسيون ولبّاها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب ووزير الداخلية بسام مولوي، فعاد سفيرا السعودية والكويت وسفير اليمن الى بيروت (في 8 ابريل- نيسان)، وترافق ذلك مع اعلان الخارجية السعودية في بيان عن

بعثة صندوق النقد الدولي مع ميقاتي وشرط الالتزام بالاتفاق.

عودة السفير “تعهد حكومة لبنان باتخاذ إجراءات مطلوبة لدعم التعاون مع المملكة والخليج . وبوقف كل الأنشطة العسكرية والسياسية التي تمس المملكة والخليج”. كما اكدت “على ضرورة عودة لبنان إلى عمقه العربي”، وفي هذه الجملة الاخرى كل المغزى السياسي المطلوب من لبنان بمعنى ابتعاده عن ايران .

  و تردّد في بيروت أنّ السبب المباشر وراء الموقف الخليجي الايجابي كان بيان الرئيس نجيب ميقاتي الذي قدّم فيه تعهدات كبيرة سياسية وأمنية للخليجيين وللعرب عموماً، حيث اكد “التزام حكومته مقتضيات تعزيز التعاون مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، بما يشمل إبداء النية والعزم على مواصلة العمل الجدي والفعلي في سياق تنفيذ مندرجات المبادرة الكويتية والانضواء تحت سقف قرارات الجامعة العربية والشرعية الدولية”. ولاقت السعودية والكويت هذا البيان فوراً بموقفين مُرحبين ومُتجاوبين عبر وزارتي خارجية الدولتين.

اما في الكواليس، فقد قيل “انّ قرار العودة الديبلوماسية السعودية إلى لبنان جاء استجابة لمناشدات ونداءات قوى وشخصيات لبنانية معتدلة”، اضافة الى موقف ميقاتي ونداءاته للعودة.

 وكان وزير الداخلية مولوي قد سبق ميقاتي مراراً بتأكيد التجاوب مع المطالب الخليجية التي وردت في المبادرة الكويتية، بإتخاذ إجراءات امنية تتعلق بمنع معارضي السعودية الخليجيين من استخدام لبنان منبراً سياسياً للتهجم عليها، وبالتشدد في ملاحقة عصابات تهريب المخدرات الى المملكة ودول الخليج الاخرى، وبالفعل تم اكتشاف الكثيرمن عمليات التهريب ووقفها. لكن بقيت مشكلة موقف السعودية من حزب الله قائمة الى ان تم تجاوزها بتدخلات سياسية كبيرة فرنسية وعربية ودولية، بحيث تراجعت السعودية عن مطلب التصدي الرسمي للحزب وهي تراهن على معارضي الحزب في لبنان بهذا الموضوع لتحقيق غرضها.

   وفي سياق هذه التطورات الايجابية شارك الرئيس ميقاتي في “منتدى الدوحة للطاقة” الذي عقد أواخر الشهر الماضي في العاصمة القطرية، وكانت له على هامش المؤتمر لقاءات مع عدد من المسؤولين الخليجيين لبحث شروط عودتهم الى بيروت. علماً ان المعلومات افادت عن دور غير مباشر وبغير تكليف رسمي خليجي  لقطر في معالجة

عودة السفيرين السعودي والكويتي في توقيت مدروس.

الازمة بين لبنان ودول الخليج، ولو ان منطلقات المسعى القطري اختلفت عن سواها لجهة التدخل ايضاً لمعالجة الخلاف حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة وبطلب اميركي.

المسعى الفرنسي واسباب اخرى

  كانت  العودة الخليجية الى لبنان متوقّعة من أكثرمن شهر، إثر اتصالات قامت بها فرنسا بشكل أساسي مع السعودية، وتُوِّجت بلقاء وزيري خارجية البلدين في باريس خلال شهر مارس (آذار)، حيث اتفقا على إعادة ضخّ المساعدات الإنسانية للجمعيات الأهلية في لبنان لدعم المواطنين في الأزمات التي يواجهونها، وصولاً إلى عودة السفيرين السعودي وليد البخاري والكويتي عبد العال القناعي إلى بيروت، بإنتظار مزيد من التطورات الإيجابية التي ترتبط بحرص متجدد لدى فرنسا والسعودية ودول اخرى لا سيما الولايات المتحدة الاميركية  على منع انزلاق لبنان نحو ازمات إضافية خطيرة.

  واشارت المعلومات ايضاً الى تقاطع بين فرنسا والفاتيكان على زيادة وتيرة العمل لمساعدة لبنان من اجل الخروج من أزمته، وان زيارة البابا فرنسيس الى لبنان في حزيران(يونيو) المقبل، تندرج في هذا الاطار وتعكس اهتمام الكرسي الرسولي بشكل شخصي في مساعدة ودعم لبنان واللبنانيين.

  كما تردد في الكواليس اللبنانية أن الإدارة الأميركية ساهمت في إعادة تحريك المبادرة الكويتية، وحثّت المسؤولين السعوديين على دعم الصندوق الإنساني المشترك بمئات ملايين الدولارات بما يساعد الشعب اللبناني على مواجهة الازمات المعيشية التي يعانيها. وان السعودية كانت تعهدت للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بدعم الصندوق، مؤكّدةً أنها ستتعاطى بإيجابية اكبر مع الملف اللبناني، خصوصاً بعد الأصداء الإيحابية لموقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبيانه الإيجابي الذي لاقى تأييداً اميركياً واوروبياً وخليجياً.

  وقالت مصادر متابعة للموضوع إنّ تطوّرات كثيرة قد أسهمت في ترطيب الجوّ الخليجي وبخاصة السعودي حيال لبنان، منها أوّلاً المسعى الكويتي بعد الفرنسي، ومنها مؤخراً التطوّرات المتسارعة في المنطقة وفي العالم وبخاصة الحرب الروسية – الأوكرانية التي شغلت دول العالم لاسيّما أميركا وأوروبا وخلقت أزمة نفط وغاز وغذاء عالمية؛ إلى جانب حصول تفاهمات على تهدئة الأوضاع في الخليج عموماً حيث تتّجه الأمور إلى حوار حول وقف حرب اليمن، بعد كلام أمين عام مجلس دول التعاون الخليجي عن الحوار الذي يشمل كلّ الأطراف في اليمن بما يعني إشراك “الحوثيين” فيه لوقف الحرب، عدا تطوّرات الحوار حول الإتفاق النووي الإيراني والمساعي المتقدّمة حول عودة سوريا إلى الجامعة العربية وزيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات العربية المتحدة كخطوة أولى نحو استعادة دمشق مقعدها العربي، ولوضمن شروط سعى البعض الى فرضها على سوريا من دون جدوى كما تردد، كتخفيف علاقتها بإيران والعودة الى الحضن العربي.

فتّش عن الانتخابات ايضاً

  ولا يُخفي المصدر أهمّية المعارك السياسية – الإنتخابية الجارية قبيل عمليات الإقتراع في 15 مايو(أيار)، إذ تسعى المملكة إلى أن تكون حاضرة في قلب الحدث لسببين: أولهما متابعة وضع حلفائها الإنتخابي، وثانيهما ترقّب نتائج الإنتخابات ودرسها بدقّة لمعرفة كيف ستُدار المرحلة المقبلة سياسياً في لبنان وأيّ أغلبية ستحصد المقاعد، وأيّ رئيس جمهورية سينتخبه هذا المجلس، بحيث يكون للسعودية دور أو “نصيحة” في انتخابه.

  وتردد في الكواليس ان نتائج استطلاعات الرأي التي تحصل وتصل نتائجها الى السعودية والدوائر الاميركية، تفيد ان حلفاء الطرفين في لبنان  لن يتمكنوا من حصد نتائج كبيرة تمكنهم من تشكيل اغلبية نيابية وتشكيل حكومة مختلفة عن سابقاتها، فكانت عودة سفير السعودية في لبنان وليد البخاري الى بيروت في توقيت انتخابي مدروس لشد عصب حلفائه وتوحيدهم حيثما امكن، وبخاصة بعد تشتت قوى المعارضة والمجتمع المدني وتشكيلهم اكثر من لائحة في

ماكرون وبن سلمان تقاطع على التهدئة في لبنان.

الدائرة الانتخابية الواحدة، بما يعني تشتت اصوات الناخبين وعدم القدرة على جمع حواصل انتخابية تؤهلهم للوصول الى البرلمان بكتلة مؤثرة في ظل قانون الانتخاب الحالي، لذلك  استبق السفير السعودي عودته بإتصال هاتفي بالرئيس الاسبق للحكومة فؤاد السنيورة، الذي قام بتشكيل لائحة في دائرة بيروت الثانية-  من دون ان يترشح هو شخصيا- برئاسة الوزير الاسبق الدكتورخالد قباني تحت اسم “بيروت تواجه”، كان شعارها الاساس “مواجهة مشروع الدويلة داخل الدولة والمشروع الايراني”. كما تم تسريب معلومات على لسان “مصدر دبلوماسي سعودي” يؤكد فيه دعم المملكة للائحة النائب الحالي في بيروت فؤاد مخزومي بإعتباره “يمثل موقف التحدي الاساسي بوجه لائحة حزب الله وحلفائه”.

  وفي المعلومات ان هناك مواعيدَ اُخِذَتْ سلفا في السفارة السعودية قبل عودة السفير بخاري لبعض الشخصيات السياسية للقاء السفير، فيما باشر السفير بإقامة عددٍ عددٍ من الافطارات الرمضانية لجمعيات اهلية وشخصيات سياسية بارزة بينها رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة السابقين، دُعي الى اولها مفتي الجمهورية والمفتون، وفي الثاني الرئيس ميقاتي بشكل مباشر بإتصال اجراه معه السفير البخاري، وهو اول اتصال سعودي بشخصية رسمية كبيرة بعد القطيعة الطويلة، لكنه كان مُعبّراً في مضمونه حيث “ثمّن السفير جهود رئيس الحكومة في سبيل حماية لبنان في هذا الظرف الصعب، واعادة العلاقات اللبنانية – السعودية الى طبيعتها”، حسب المعلومات الرسمية عن الاتصال.

   لكن المفارقة كانت في حضور شخصيات سياسية حزبية معارضة لحزب الله للإفطار الثاني، وأكثرها يخوض الانتخابات النيابية، وعدم دعوة حلفاء سياسيين للحزب مثل رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.

  مفارقة اخرى سجلت في حركة السفير بخاري تمثلت بزيارته لنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ علي الخطيب المؤيد بقوة لنهج المقاومة، من ضمن زيارات للقادة الدينيين في لبنان لدعوتهم الى حفل الافطار. ما يعني ان السفارة السعودية لن تقطع شعرة مع اي مرجعية دينية ولو اختلفت معها.

  وقد قرأ الحزب حركة السفير السعودي بعد عودته على انها موجهة ضده و”لشد عصب حلفائه في الانتخابات”، وعبّرعن ذلك صراحة وعلناً بُعيدَ وصول السفير بخاري، الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله وعدد من كبار قياديي الحزب ونوابه، ولو بلهجة اقل حدة من اللهجة التي كان الحزب يخاطب بها السعودية.

حملات ساخنة على مقاعد باردة

  في هذه الظروف والاجواء السياسية، تصاعدت بعد إقفال باب الترشيحات للإنتخابات نهاية شهر مارس (آذار) وإنجاز التحالفات الانتخابية وتشكيل كل اللوائح، حماوة الخطاب السياسي لكل القوى السياسية وهدفه الوصول الى مقاعد نيابية باردة اضافية للقوى السياسية لن تقدم حلولاً جذرية للوضع اللبناني ولمشكلات الناس وازماتهم. فلا يعدو الامر عن انه اصطفاف سياسي محلي واقليمي ودولي، وسط الحديث السمج المستهلك عن “حياد لبنان”. لكن بعد الانتخابات ستعود الامورالى مجاريها الطبيعية حسب التوازنات السياسية والطائفية الثابتة التي ترعى الوضع اللبناني “حتى يُقدّرُ الله امراً كان مفعولا”.

  وفي كل الاحوال تشكل عودة سفراء دول الخليج الى بيروت خطوة إيجابية بكل المعاني تُريح الوضع اللبناني من بعض الازمات، لا سيما لجهة المساعدة الانسانية – المعيشية، لكن نتائج هذه العودة سياسياً ستتظهر بعد فتح صناديق الاقتراع وصدور نتائج الانتخابات بعد 15 مايو (ايار)، وعليه تتضح صورة تعامل دول الخليج مع القوى النيابية ومع الحكومة الجديدة في المرحلة الجديدة، خاصة اذا التزم لبنان تنفيذ مندرجات المبادرة الكويتية واتفاق الاطار الاولي مع صندوق النقد الدولي لتحقيق الاصلاحات الاقتصادية والمالية البنيوية المطلوبة من العرب والغرب والموعودة من لبنان.

العدد 128 / ايار2022