بعد فشل الحلول الدبلوماسية… الجنوب في قلب المواجهة الواسعة

هذا ما طرحه الموفدون وهكذا رد بوحبيب عبر “الحصاد”

ما زال لبنان تحت تاثير ضغط عملية طوفان الاقصى وارتداداتها العسكرية المتصاعدة على جبهة الجنوب، والسياسية لجهة تعثر انتخاب رئيس للجمهورية، ما دفع الموفدين الغربيين الكثر الى بيروت الى طرح مقاربات وافكار جديدة لتبريد جبهة الجنوب وفصل مسارها العسكري عن مسار حرب غزة وعن انتخاب رئيس الجمهورية، مستندين الى المساعي الاميركية والاوروبية المكثفة لدى الكيان الاسرائيلي، ومنها ست زيارات لوزير الخارجية الاميركية انطوني بلينكن، وزيارة لوزير الخارجية البريطانية ديفيد كاميرون، ووزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورنيه والموفد

الغارة على جدرا استهداف العمق اللبناني.

الاميركي آموس هوكشتاين، بهدف الحد من اندفاعة جيش الاحتلال الاسرائيلي الوحشية في قطاع غزة ووقف القتال وترتيب صفقة جديدة لتبادل الاسرى ومحاولة تهدئة جبهة الجنوب اللباني.

  حسب مصادرسياسية لبنانية متابعة للحراك الجاري، تحاول “المجموعة الخماسية” التي تضم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر السعي لإنهاء أزمة الشغور الرئاسي، فيما حاول الموفدون الأميركي هوكشتاين والفرنسي سيجورنيه وجان ايف لودريان الدفع نحو الحلول في ملفي تهدئة الجبهة العسكرية وترسيم الحدود الجنوبية، والاستحقاق الرئاسي لكن عبثاً.

   واشارت المصادر الى انه بعد وزير خارجية بريطانيا كاميرون، كانت زيارة هي الأولى لوزير الخارجية الفرنسي سيجورنيه إلى لبنان، تلتها زيارة لوفد فرنسي مشترك منوزارتي الخارجية والدفاع، ما اوحى أن الخطى الديبلوماسية بدأت تتسارع نحو”حلٍّ ما” قد يتبلور قريباً نتيجة طرح اقتراحات عملية تنفيذية وآلية تنفيذية للقرار الدولي 1701 بما يُفترض ان يؤمّن التهدئة المستدامة في الجبهة الجنوبية.

  آلية تنفيذ الـ 1701

   في مجمل ما طرحه الموفدون الفرنسيون والبريطاني كاميرون والاميركي هوكشتاين، مع رئيسي مجلس النواب نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب وقائد الجيش العماد جوزاف عون، “خطة على مراحل لتبريد جبهة الجنوب”، تقوم المرحلة الاولى منها على وقف المواجهات العسكرية من الطرفين، وعدم ربط وضع جبهة الجنوب بوضع الحرب في غزة، وعلى تراجع قوات حزب الله مسافة بين 6 و10 كيلومترات شمالاً بما يسمح بعودة المستوطنين إلى الشمال في إسرائيل. والمرحلة الثانية تقوم على تعزيز وجود الجيش اللبناني بثمانية الاف جندي  وتوسيع انتشار قوات اليونيفيل الدولية، اما المرحلة الثالثة فتقوم على التحضير لمفاوضات لبنانية – اسرائيلية برعاية من الامم المتحدة وفرنسا واميركا حول الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة.

وفي المعلومات ايضاً، أن لندن وباريس مستعدتان للمساهمة الفاعلة بدعم الجيش اللبناني بالعتاد والسلاح لتسهيل انتشاره في الجنوب، ولتتمكن الدولة من بسط شرعيتها في منطقة عمل القوات الدولية “اليونيفيل”.

  ولكن كرّر الموفدون من جهة ثانية تحذير لبنان من “أن في إسرائيل من يفكر جدياً بشن حرب على لبنان في حال تعذّر الحل السياسي قريبا، وعليكم وقف النار في الجنوب اليوم قبل الغد تجنبا لتداعيات قد تكون خطرة جدا، لأنه ليس مضمونا لاحقا إذا توقفت الحرب في غزة أن يوقف الإسرائيلي عملياته العسكرية في لبنان”. مستندين بذلك الى ما اعلنه وزير الحرب الاسرائيلي يوآف غلانت. وتزامن ذلك مع معلومات اسرائيلية مفادها ان الجيش ارسل تعزيزات كبيرة الى الجبهة مع لبنان وقام بتدريبات كبيرة تحاكي الحرب مع لبنان.

الرفض المتوقع

  هذه الخطة لم تقنع لبنان ولا المقاومة، لأن الكيان الاسرائيلي لم يُقدّم لا للأميركي ولا للفرنسي اي جواب يُطمئن لبنان الى ضمان حقوقه في استعادة اراضيه المحتلة كاملة بما فيها مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وخراج بلدة الماري. وفي الالتزام بعدم خرق القرار 1701، وفي وقف الاعتداءات على المدنيين في القرى الحدودية والتزام القرارات الدولية الاخرى. لذلك كان من الطبيعي ان تسقط هذه الاقتراحات حكماً وفوراً، لأنها تعني اراحة جيش الاحتلال من عبء المواجهات التي كلفته كثيراً خسائر بشرية ومادية واقتصادية، وعودة مستوطنيه “آمنين” الى منازلهم، وتعني

بو حبيب هذه مطالب لبنان

عملياً انشاء منطقة عازلة آمنة للكيان الاسرائيلي، مقابل وعود بوقف الخروقات الاسرائيلية، تليها لاحقا مفاوضات حول الحدود البرية، لا يدري احد مدى قبول اسرائيل بمطالب لبنان حولها ومدى التزامها بوقف الخروقات.عداعن ان اقتراح لبنان الاساسي يقوم على خطوة اولى تقضي بوقف الحرب في غزة حتى تتوقف في جبهة لبنان. ولذلك كله بقي الحديث عن تبريد جبهة الجنوب يدور في حلقة مفرغة نتيجة تصلّب اسرائيل في مواقفها ونتيجة تصلّب لبنان في مطالبه.

ولعل كلام وزير الخارجية عبد الله بوحبيب خلال لقاء وزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورنيه يحمل الرد الكافي، حيث ابلغ نظيره الفرنسي وجهة نظر لبنان حسب معلومات “الحصاد” بما مختصره . “التطبيق الكامل والشامل للقرار1701 ضمن سلة واحدة”. بما يعني ان تشمل كل مطالب لبنان.

بو حبيب لـ “الحصاد”

وابلغ الوزير بوحبيب “الحصاد” نتيجة المساعي التي جرت خلال الشهر الماضي بالقول: أن زيارات الموفدين الى بيروت بعد محطة لبعضهم في تل أبيب، تركز بشكل خاص على طرح عودة المستوطنين الإسرائيليين الى القرى الحدودية مع لبنان، فيما مطالب لبنان معروفة لدى الجميع ويكررها مسؤولوه على مسامع الموفدين الدوليين، وقد أبلغنا المسؤولين الدوليين أننا على استعداد لتنفيذ القرار 1701 بحذافيره اذا طبقت إسرائيل  مطالبه وهذا موقف الحكومة ومضمون الرسالة التي نبلغها للجميع.

  اضاف: وخلال اجتماع الامم المتحدة في 23 كانون الثاني الماضي   والمخصص للحوار في قضايا الشرق الاوسط وليس للحسم في القرارات،  إنتهز لبنان حضوره لتوضيح وجهة نظره التي ضمنها في رسالته الى الامم المتحدة والاتفاقات النهائية بشأن حدود لبنان، والتي تحدد شرطين لإنهاء الاتفاق وتوقيعه هما وقف حرب غزة ووجود رئيس جمهورية في لبنان ومن صلاحياته التوقيع وهو لا يوقع مع اسرائيل بل مع الامم المتحدة.

* وهل يوجد تفهم أميركي لهذا التوجه اللبناني؟

  • اجاب بو حبيب: آموس هوكشتاين أبدى تفهّماً، ويسعى جاهداً لتقريب وجهات النظر. ولكن في النهاية إسرائيل هي التي تقرر أو لا تقرر. ويقول الموفدون إنه لا يمكنهم إجبار إسرائيل على اي قرار.

 وعما اذا كان في كواليس التفاوض الجدي عودة الى الاجتماعات الثلاثية في مقر قيادة قوات اليونيفيل في الناقورة وبدء المفاوضات؟ قال: لا اقتراحات بعد، لكن يجري التركيز على انسحاب حزب الله وعودة المستوطنين وليس تطبيق القرارات الدولية. نحن جاهزون وعلى اسرائيل ان تقرر ما اذا كانت مستعدة لتحقيق الاستقرار ام لا.

  واكد بوحبيب ان الولايات المتحدة تريد الاستقرار في الجنوب. ولكن لم نلمس لتاريخه أن إسرائيل حاضرة لذلك. ما يهمنا هو تحقيق الاستقرار والامن والسلام الدائمين ولأهالي الجنوب بشكل خاص.

  هذا الكلام معطوفاً على مواقف رسمية سابقة اعلنها بوحبيب ورئيسا المجلس نبيه بري و الحكومة نجيب ميقاتي عدا ما يعلنه الحزب، يعني ان كل ما “يُطبخ” بين اميركا واسرائيل غير قابل للتنفيذ من دون موافقة لبنان طالما انه يشمل استرضاء الجانب الاسرائيلي في امن جنوده ومستوطنيه، ولا يحمل اي تعهد بوقف حرب الابادة في غزة التي كانت سبب تفجر الوضع في الجبهة الجنوبية، ولا بوقف الاعتداءات على المدنيين في القرى الحدودية، ولا بإسترجاع كامل الارض المحتلة.

ماذا بعد؟

 في هذه الاجواء، عاد هوكشتاين الى واشنطن بعد زيارته الاخيرة الى فلسطين المحتلة، من دون زيارة لبنان، لأنه أدرك ان كل ما يُطرح من اقتراحات لن يوافق عليها لا لبنان الرسمي ولا حزب الله، برغم ترويج وسائل الاعلام الاسرائيلية خلال زيارته  بأنّه ” أعطى إشارات إيجابية

حشد فرقة مدرعة على جبهة لبنان

لإمكان الوصول لحل سياسي لتهدئة جبهة جنوب لبنان”. كما قالت هيئة البث الإسرائيلية نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، “ان هناك فرصة حقيقية لنجاح مساعي انهاء التوتر مع حزب الله”.

  وبعد فشل الجهود السياسية وسياسة المكوك الدبلوماسي التي اتبعتها الادارة الاميركية اولاً ومن ثم الدول الاساسية في الاتحاد الاوروبي فرنسا وبريطانيا والمانيا وبلجيكا واسبانيا وغيرها، عدا ما قام به مفوض السياسة الخارجية والامن للإتحاد جوزيه بوريل، ترقبت الاوساط المتابعة تصعيداً عسكرياً اوسع من قبل الكيان الاسرائيلي في الجنوب بالمرحلة المقبلة، ولتحقيق هدف واحد يكمن في ما وصفه رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو ووزيرحربه يؤآف غالانت “الإنتصار الكامل” في غزة، واستمرار القتال في جبهة الشمال الفلسطيني والجنوب اللبناني حتى لو توقفت الحرب في غزة.

  وفعلاً، وبما انه لم يحصل اي تقدم في المساعي الاميركية والاوروبية، استمر الكيان الاسرائيلي الشهر الماضي بإستهداف  قيادات وكوادر المقاومة بالاغتيال كما حصل في عدة قرى جنوبية، واستهداف المدنيين والاحياء السكنية والمؤسسات العامة والخاصة وتكثيف غاراته الجوية العنيفة التدميرية على قرى الحدود.

  وبعد توقف مساعي الموفدين تجاوزت قوات الاحتلال كل خطوط الضبط والتمنيات بعدم توسيع نطاق المواجهات، فنفذت في العاشرمن شباط /فبراير غارة على سيارة في بلدة جدرا بمنطقة اقليم الخروب قرب صيدا والبعيدة عن الحدود نحو 60 كيلومتراً مدعية انها “استهدفت مسؤولا عن التجنيد في حركة حماس”، لكنه نجا، إلّا ان احد كوادر حزب الله كان في البلدة على ما يبدو فسقط شهيداً مع عامل مدني سوري كان يمرصدفة على دراجة نارية في المكان. وفي اليوم ذاته قصفت قوات الاحتلال الاحياء السكنية في وسط بلدة حولا الحدودية ما ادى الى سقوط شهيدين عنصر في قوى الامن ومدني و9 جرحى، واغار طيرانها على بلدة الناقورة ما ادى الى سقوط شهيد، وكل ذلك في تصعيد عسكري مقصود.

هوكشتاين وفشل الصفقة

  وبالمقابل وقبل الغارةعلى جدرا والقصف على حولا، قامت المقاومة بتصعيد ردها العسكري بإستخدام اسلحة نوعية جديدة مثل صواريخ “بركان وفلق 1و2” ذات القدرة التدميرية الكبيرة، واستهداف قواعد وثكنات عسكرية اسرائيلية كبيرة ومهمة في عمق فلسطين المحتلة، وآخرها قصف قاعدة “ميرون” الجوية والتجسسية ثلاث مرات، وقصف معسكر “كيلاع” بعشرات الصواريخ للمرة الاولى منذ اندلاع المواجهات، وهو قاعدة رئيسية للتدريب و تنفذ فيه المناورات التي يجريها العدو بشكل دوري و يقع في هضبة الجولان السوري المحتل ويبعد عن الحدود مع لبنان قرابة 15 كلم مقابل القطاع الشرقي للجنوب. كما زادت المقاومة من وتيرة عملياتها اليومية ضد مواقع جيش الاحتلالمابين ست الى 1 عملية يومياً.

 ونتيجة لتعذر الحلول السياسية وتصاعد المواجهات، بدا أن الترابط بين وضع الداخل اللبناني ووضع الاقليم، لا انفصام له في المرحلة القريبة المقبلة، لا سيما اذا استمرت اندفاعة “صقور” الكيان الاسرائيلي  نحو تصفية ذيول خسائرهم السياسية والعسكرية والشعبية بإعتماد مزيد من الضغوط على كل المستويات لتصفية القضية الفلسطينة على حساب مصالح الشعب الفلسطيني والدول العربية واولها لبنان.