في حوار مع الشاعر علي الحازمي، استعادة الرّوح من خلال الكتابة

بيروت من ليندا نصار

علي الحازمي للحصاد: “الجوائز التي تمنحها البلدان الأجنبية للشعراء العرب، قد تسهم بطريقة أو بأخرى في لفت انتباه القارئ الأجنبي للشعر العربي وهذا أمر مهم بطبيعة الحال، فالشعر العربي يستحق أن يذهب بعيدًا”.

-” في الشعر رسالة لمقاومة نوبات الألم والحزن، وذلك كونه  قادرًا بما لا يدعو للشك على إحياء ضمير العالم، واستعادة الأمل لتلك القلوب المجروحة.”

     يمثّل الشاعر السعودي علي الحازمي تجربة ثريّة من التجارب العربيّة وقد استطاع الوصول إلى العالميّة من خلال موهبته الشعرية المتوقّدة بحيث تعمّق في أسرار القصيدة ونظر إليها من خلال الغوص في الذات وعلاقتها بالوجود. نشرت قصائده في عدّة صحف ومجلات ومواقع عربية وعالمية وترجمت دواوينه إلى عدّة لغات، كما

علي الحازمي

شارك في عدة مهرجانات وملتقيات شعرية عالمية. وقد فاز بعدّة جوائز منها  جائزة الشعر بمهرجان الأورجواي الشعري 2015م والجائزة العالمية الكبرى لمهرجان ليالي الشعر العالمي في رومانيا 2017م كما فازت قصيدته ( شارع في جدار ) بجائزة ” Verbumlandi ” الشعرية الدولية لمدينة ” Galateo ” الإيطالية 2017

وجائزة أفضل شاعر دولي لعام 2018 من المركز الدولي للترجمة والبحوث الشعرية في الصين

و جائزة الأيقونة العالمية 2020 من Writers Capital International Foundation – إيطاليا والجائزة الكبرى ” المؤلف الأجنبي ” جائزة ألوان الروح ” I COLORI DELL’ANIMA ” سانريمو – إيطاليا 2021

 وحديثًا فاز بجائزة  ”  IL FEDERICIANO  ” الإيطالية.

وللشاعر خمسة دواوين وهي: بوابة للجسد، خسران، الغزالة تشرب صورتها، مطمئنا على الحافة، الآن في الماضي وقد صدرت له حديثًا مختارات شعرية بعنوان “تحطّ الفراشة وشمًا” عن دار بتانة في معرض القاهرة الدولي 2022.

يقول في قصيدة تُلقي بحزنكَ صخرةً في الماء “:

“في الأَربعينَ وأَنتَ مقصوصُ الجناح

تُحرِّضُ المعنى على الطيرانِ ثانيةً

كأَنَّكَ قادرٌ بالفعلِ أَنْ تخطو

على دربِ السحابةِ من جديد

…..

ماضٍ لِتِيهِكَ

حَمَّلَتْكَ الريحُ أَوزارَ الحكايةِ مُذْ وقفتَ

ببابِ أَمْسِكَ مُوثَقَ القدمين،

لا العمرُ يَرْجِعُ صوبَ أهدابِ النشيدِ

ولا الصَبايا الفاتناتُ يَعُدْنَ

من شجرِ الطفولةِ نحوَ حقلِكَ باسمات.”

   هنا حوار معه في مناسبة فوزه بالجائزة:

الحصاد: يكتب الشاعر وفق مزاج يتحكم بالكتابة. ما هي الحالة التي تكتب بها الشعر؟ وكيف تختلف طقوس الكتابة بينك وبين باقي الشعراء؟

علي الحازمي: كتابة الشعر تخضع في العادة لشروط اللحظة الشعرية ذاتها ، لأن الحالة الشعرية هي التي تتحكم في ولادة النص الشعري من عدمه ، الأمر الذي يضاعف صعوبة القبض على طائر الشعر ، لذلك تجدني أحرص على الكتابة في عزلة تامة ، بعيدًا عن أي مصدر لأصوات أو ضوضاء متوقعة ، أنأى بنفسي عن الآخرين عند محاولتي الكتابة ، غالبًا ما أفضل الكتابة في الليل تحديدًا ، لأن الليل يمنحني ذلك الصفاء الروحي الذي احتاجه لكتابة قصيدتي، في أثناء الكتابة أحبّ أن أكتب على الورق الأبيض بالقلم السائل الأزرق ، في أوقات كثيرة نقوم بتهيئة كل شيء لكتابة القصيدة لكنها تظل عصيّة ، هي من تقرّر المجيء متى تشاء ، أحيانًا أشعر بالكثير من الدهشة عندما أسمع أن هناك من الشعراء من يكتب الشعر بثقة مفرطة ، فقط يقوم بأخذ القلم ويجلس خلف ورقة بيضاء وبكل يسر وسهولة يكتب الشعر مباشرة هكذا بشكل يومي ، لا أعرف حقيقة بماذا أصف هذا النوع من الشعراء . لكن الأمر المؤكد أنني لست منهم على الإطلاق . أنا من النوع الذي يحتاج إلى أسبوع أو ربما شهر لكتابة قصيدة واحدة ، لا أحب أن أتعجل في هذه المسألة ، أحتاج أن أشعر بالكثير من الرضا عن قصيدتي ، متى ما شعرت بأنها تستطيع الاعتماد على نفسها أبدأ التفكير في نشرها .

الحصاد: علي الحازمي الذي نشرت قصائده في عدّة دول عربيّة وأجنبيّة. كيف يعيش اليوم سؤال الكتابة؟ وما هي رسالة الشعر اليوم والتي تريد إيصالها إلى المتلقّين؟

علي الحازمي: بالرغم من كل الخيبات التي تطوّق أجنحة العالم إلا أنّ الكلمة ظلت وستظل مصباحًا يضيء هذا الوجود ، لعل الشعر وحده معنيّ أكثر من غيره بأداء رسالته الكونية في هذا الاتجاه ، تلك الرسالة التي يسعى من خلالها لمقاومة نوبات الألم والحزن ، وذلك كونه  قادرًا بما لا يدعو للشك على إحياء ضمير العالم، واستعادة الأمل لتلك القلوب المجروحة، إنه الملاذ الآمن للأرواح المتعبة والمقهورة في العالم . أحاول على المستوى الشخصي أن أتقاسم مع شعراء آخرين من جهات عديدة من العالم هموم الكتابة ، أحبّ أن أكتب لحظتي الشعرية بكل آلامها وأحلامها ، لعل هذا الانحياز نابع من الحرص على أن تظل الأسئلة قائمة ، فالقلق هو وقود القصيدة الأبدي.

الحصاد: كيف يمكن اعتبار الشعر انتصارًا للإنسان في زمن تتحكم فيه الحداثة بوجوهها كافة ووفق المصالح الخاصة التي تقيّد المثقّفين أحيانًا؟

علي الحازمي: الشعر هو الشعر، وحاجتنا إليه كبشر تتضاعف مع مرور الوقت ، على الرغم من طغيان الماديات على يومياتنا إلا أن كل ذلك لن يغير شيئاً في طبيعة علاقة الناس بالقصيدة ، إنها عالمنا الذي نصنعه من بلور الخيال الخصيب ، نحب كبشر أن نعثر على تلك الكلمات التي باستطاعتها أن تربّت على أرواحنا وتضمّد جروحنا ، وهذا ما تمنحنا إياه القصيدة بامتياز ، صيرورة الحياة تغذّي في داخلنا تلك الرغبة لكتابة وتلقي الكلمات ، لذلك يظل الشعر في مأمن من مهبّ الحداثة لأننا جميعًا نسيّجه بالكثير من الحب ونسكنه في حجرات قصيّة في الفؤاد.

الحصاد: ترجمت قصائدك إلى عدة لغات عالمية ونشرت في عدة مجلات ومواقع . ماذا تقول عن هذه التجربة ؟ وماذا عن النقد، هل يحرق المعنى أو ينصفه ؟ وكيف يحتفي الشاعر بهذا الإنجاز على المستوى المعنوي ؟

علي الحازمي: بكل تأكيد سعدت بهذه التجربة التي مكّنت قصائدي المتواضعة من أن تطل على قراء كثر في بلدان مختلفة من العالم  لعلي كنت محظوظًا بحماسة العديد من الأصدقاء الشعراء الذين أسهموا بمحبة كبيرة في ذلك الانتشار من خلال ترجماتهم ونشرهم قصائدي في أنطولوجيات شعرية وصحف ومواقع أدبية متعددة ، أشعر على الدوام بأنني مدين لهذه المحبة التي غمروني بها ، في الأخير الشعراء أخوة كما قال رامبو ، أودّ أن أشير إلى مسألة مهمة قد تكون غائبة عن الكثيرين وهي أنني شعرت من خلال مشاركاتي في مهرجانات الشعر بالعالم بأن هناك تعطّشًا شديدًا لقراءة الشعر العربي الأمر الذي يحفّز ويحرّض على مسألة السعي لترجمة الشعر العربي وهذا ما يجب أن تتبناه المؤسسة الثقافية في البلدان العربية .

وبالنسبة إلى الشق الثاني من سؤالك ، هل يحرق النقد المعنى أو ينصفه ؟ في الحقيقة لا أمتلك إجابة واضحة لأن مسألة القرب أو البعد عن المعنى تظل مسألة نسبية ، الناقد هو متلقّ بطبيعة الحال ، لذلك قد نجد من النقّاد من يضيف إلى جماليات المعنى ويسهم في إطالة بنائه وهناك من يصنع العكس ، وللإجابة على الشقّ الأخير من سؤالك أظن أن على الشاعر أن يحتفي بما أنجزه من خلال مواصلة العمل والسعي لتقييم التجربة وحثّها للتماهي مع لحظتها الشعرية الراهنة.

الحصاد:  فزت حديثًا بجائزة  ”  IL FEDERICIANO  ” الإيطالية. كيف احتفيت بهذا التّقدير خصوصًا وأنّك أوّل شاعر عربيّ يفوز بهذه الجائزة؟

علي الحازمي: لعل أكثر ما أبهجني في مسألة الفوز بجائزة ”  IL FEDERICIANO  ” الإيطالية هو ذلك الصدى المتوقع للجائزة في إيطاليا والعالم ، أظن أن مثل هذه الجوائز التي تمنحها البلدان الأجنبية للشعراء العرب قد تسهم بطريقة أو بأخرى في لفت انتباه القارئ الأجنبي للشعر العربي وهذا أمر مهم بطبيعة الحال، الشعر العربي يستحق أن يذهب بعيدًا ، الجميع يحب أن يقرأ الشعر العربي، هذا ما شعرت به خلال مشاركاتي في مهرجانات الشعر في العالم، لذلك على المؤسسات الثقافية الرسمية في البلدان العربية القيام بواجبها تجاه الشعر  وترجمته للغات الحية من العالم ، في الحقيقة علمت من القائمين على جائزة ”  IL FEDERICIANO ” الإيطالية بأن هذه هي المرة الأولى التي يفوز بهذه الجائزة أحد الشعراء العرب وهذا أمر يضاعف من بهجة الفوز بالجائزة . ومع ذلك أشعر أنّ لدي الكثير لعمله في الأيام المقبلة ، مع كل نجاح أو إشادة تتضاعف مسؤوليتنا تجاه ما نكتب، كما أن الجائزة قد تنجح في إيصال شعور أنك جيد الآن ، لكن هذا لا يعني أنك ستكون كذلك في الغد ، لذلك عليك مواصلة العمل في هذا الاتجاه .

الحصاد: كثيرة هي المقالات التي كتبت عن دواوينك. هل تعتبر أن النقد أنصف تجربتك؟ ما الذي تنتظره من النقاد ؟

علي الحازمي: الحقيقة عندما أكتب لا يحضر الناقد في مخيلتي ، لذلك ظلّت قصائدي تتمتع بالكثير من الحرية، بعيدة كل البعد عن سطوة النقد ورؤاه ، ومع ذلك حظيت جميع مجموعاتي الشعرية بالعديد من القراءات النقدية وصدرت حولها ثلاثة كتب نقدية مستقلة ، لذلك أشعر في المجمل بالكثير من الرضا تجاه تعاطي النقاد مع تجربتي الشعرية، وبالنسبة إلى الجزء الأخير من سؤالك، ما الذي انتظره من النقاد ؟ في الحقيقة لا أنتظر منهم شيئًا على المستوى الشخصي، لكنني في الوقت ذاته أشعر بالكثير من الألم عندما يتمّ تجاهل أعمال شعرية رائعة لشعراء شباب، أعمال تستحق الكثير من الدعم والالتفات النقدي .

الحصاد: ما الرؤية التي تطمح إلى تحقيقها في الشعر ؟ وما هي القصيدة التي تتمنى كتابتها في المستقبل ؟

علي الحازمي: حقيقة هذا سؤال لا أمتلك إجابة دقيقة حوله ، ليس لأنني لا أحمل رؤية واضحة أسعى من خلال كتابتي للشعر إلى تحقيقها، وإنما لأنني أجد أن روح الشعر لا تتماهى مع التخطيط المسبق وإعمال العقل  لعل ما يعنيني هنا هو أن أواصل إصغائي لهتاف الروح منطلقًا من بشريتي وضعفي وآلامي وكل تلك الأحلام التي أسعى إلى ملامستها من خلال كتابة الشعر. وبالنسبة إلي القصيدة التي أتمنى كتابتها في المستقبل، ليس هناك قصيدة معينة بقدر ما هي أمنية ورغبة بأن تظل علاقتي بالشعر جيدة وحبل الوصل بيننا ممدود .

الحصاد: ما هو الجديد الذي يحضّره الشاعر علي الحازمي لقرّاء الشعر؟

علي الحازمي: على صعيد الأعمال الشعرية هناك مختارات شعرية جديدة بعنوان ” تحط الفراشة وشمًا ” ستصدر في الأيام القريبة المقبلة عن دار بتانة المصرية ، وهناك مجموعة شعرية جديدة أعمل حاليًا على وضع اللمسات النهائية عليها ستصدر في نهاية هذا العام بمشيئة الله ، أيضاً هناك أنطولوجيا شعرية ضخمة لشعراء من السعودية ستصدر قريبًا باللغة الإيطالية من إعدادي وترجمة المترجم المغربي القدير الرداد شراطي.