الانتخابات اللبنانية تحقق ديمقراطية الطوائف

 لبنان في مواجهة أزماته الداخلية واستحقاقاته الإقليمية

 غسان الحبال

ـ يصعب الادعاء أن مصاعب اللبنانيين انتهت مع نجاحهم في السادس من شهر أيار/مايو الماضي في إنجاز انتخابات نيابية شابها الكثير من الشوائب خلال التحضير لها، وخلال إجرائها، وما بعد الإعلان عن نتائجها.

ـ أما الكلام الكثير الذي رددته وما زالت، الأطراف المتنافسة، في تحليل أهمية الانتخابات كحدث يتوقف على نتائجه المصير اللبناني برمته، فيؤكد على أن للاستقرار اللبناني مزيدا من المتطلبات الضرورية قبل أن يأخذ العمل في المؤسسات الدستورية مجراه الطبيعي، وقبل أن تحكم العلاقات الطبيعية والديمقراطية القوى السياسية اللبنانية.

 وبالفعل وضعت نتائج الانتخابات البلاد أمام تحديات مصيرية إضافية واستحقاقات يمكن اختزالها بأسئلة ثلاثة:

1 – هل سينجح لبنان في السير قدما في تحقيق انتخاب رئيس لبرلمانه الجديد؟

2 – هل سينجح بالتالي رئيس الحكومة المكلف في تأليف حكومة جديدة؟

3 – هل يمكن للبنان ببرلمانه الجديد وحكومته الجديدة الخروج من دوامة التجاذب الإقليمي وسط احتدام الصراع الإقليمي والحروب الإقليمية من حوله، وبعد أن كان الرهان على على أن النجاح في إنجاز الانتخابات، أيا جاءت نتائجها من شأنه أن يضع البلاد أمام فترة طويلة من الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي، وفق الوعود الانتخابية الكثيرة التي أطلقت، ولاسيما بعد أن شهدت نتائج الانتخابات نجاح عدد من رموز النظام السوري في الوصول إلى سدة البرلمان عبر لوائح »حزب الله« في أكثر من منطقة؟

 رئيسا البرلمان والحكومة؟

ـ وبالفعل فإن لبنان يعيش، ومنذ الإعلان عن نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، أزمة حكم يبدو أنها لن تكون قصيرة. وملامح هذه الأزمة بدت قبل إجراء الانتخابات في 6 أيار/مايو الماضي، ولاحت تحديدا مع إقرار القانون النسبي الذي جرت الانتخابات على قاعدته، إلا أنها أكدت ذاتها علنا مع الإعلان عن نتائج الانتخابات ومسيرات الدراجات النارية لعناصر »حزب الله« و»أمل«، والتي شهدتها شوارع العاصمة بيروت عشية وغداة الاعلان عن نتائج الانتخابات، إحياء لذكرى »غزوة بيروت« في السابع من أيار/ مايو 2008، والتي سبق للأمين العام لـ»حزب الله« أن وصفها بـ»اليوم المجيد«.

ـ ولكن يبقى المؤشر الإقليمي على أن أزمة الحكم في لبنان، بما يعني انعقاد مجلس النواب الجديد لانتخاب رئيسه ومن ثم تسمية رئيس للحكومة وتكليفه تشكيل حكومة جديدة، لن تكون قصيرة ولا سهلة الحل، هو الاشتباك الإقليمي الإسرائيلي-الإيراني-السوري في أعقاب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي مع إيران.

 القانون النسبي والشرخ العمودي

ـ وفي قراءة في نتائجها وتوزع مختلف القوى لمقاعد المجلس النيابي الجديد، يمكن أن نرى بوضوح، أن الانتخابات الأخيرة حملت محطات سلبية عدة:

1 – كرست الشرخ العمودي بين فريقين ومشروعين متوازيين، أحدهما مدعوم من إيران والنظام السوري، ويقوم محليا على قاعدة تمسك »حزب الله« بسلاحه، والدعوة للتكامل بين الجيش والشعب والمقاومة، فيما يقوم إقليميا على دعم النظام السوري ومناهضة الانظمة العربية والخليجية في تصديها للتدخل الإيراني في دولها، ومشروع مقابل مدعوم من السعودية يدعو محليا إلى نزع سلاح »حزب الله« واستعادة لبنان لهويته العربية، وإقليميا إلى النأي بالنفس عن النزاعات في المنطقة.

ـ ونتيجة لهذا الشرخ، تمحورت الانتخابات حول الشأن الإقليمي وابتعدت الوعود عن الشؤون والقضايا المحلية، المعيشية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، فأعاد الخطاب الانتخابي لبنان ساحة للصراعات الإقليمية، كرسها أيضا تصاعد التوتر الاسرائيلي الايراني، واحتمال تحوله إلى مواجهة عسكرية.

2 – كرست الانتخابات عبر قانون النسبي الجديد المحاصصة الطائفية والمذهبية والمناطقية، حيث تمحورت الحملات الانتخابية حول استقطاب كل مرشح لطائفته أو لأبناء المذهب الذي يتبعه ولرعايا المنطقة التي ينتمي إليها.

ـ وفيما كان كبار المسؤولين اللبنانيين، ومعظمهم من المرشحين، يتغنون بديمقراطية الانتخابات، جاء القانون الانتخابي الجديد ليثبت أنه أكثر طائفية من كل ما سبقه من قوانين انتخابية، واضعا المواطنين أما تساؤلات حول حقيقة أن النسبية خطوة نحو الديمقراطية، فيما هي تقسم المجلس النيابي على قاعدة طائفية، وتؤسس لحكومةً سوف تقوم على أساس طائفي. وهكذا وقف الناخ حائرا في مواجهة قانون »نسبي« ولكنه »طائفي« و»مذهبي«، جاءت لوائحه الانتخابية مركبة على أساس طائفي ومذهبي، فهل يعطي الناخب صوته للمرشح عن طائفته أم لمن ينسجم معه في تفكيره وفي طموحه إلى التحر من »القيد« الطائفي؟

ـ مسيرات الدراجات.. رسائل

3 – مسيرات الدراجات النارية في شوارع العاصمة فور إعلان نتائج الانتخابات، والتي رفعت فيها أعلام »حزب الله« وحركة »أمل«، وأطلقت فيها الهتافات المذهبية، جاءت لتعيد أيضا رسم خطوط الانقسام الطائفي والمذهبي، ولتذكر أهالي بيروت بمناخات اجتياح عاصمتهم قبل عشرة أعوام.

ـ وفيما بدا استفزاز أهالي بيروت وتكسير لافتات وصور وإهانة رموز، عفويا بادئ الأمر، إلا أنه سرعان ما تحول إلى رسائل سياسية تتجاهل معنى الشراكة الوطنية بعد أن نزعت عن نفسها صفتي الصدفة والعفوية، وكشف أهدافها رضى القيادات المعنية عنها على مدى يومين كاملين كانا كافيين لترجمة هذه الرسائل الشروط ومنها على الصعيد الداخلي أنتسند وزارة المالية لوزير شيعي، أما على الصعيد الخارجي فإن الرسالة تطلب الصمت والرضوخ لمعطيات ومتطلبات أي صراع خارجي، وعدم التعرض بأي شكل من الأشكال لمشاركة »حزب الله« به، أيا كان شكل هذه المشاركة، لاسيما أن أهداف هذه المشاركة أصبحت مثار تساؤلات عند فريق كبير عند اللبنانيين يكاد يعادل بحضوره وصوته المسموع فريق »جمهور المقاومة«.

ـ وجاءت الرسائل التي حملتها مسيرات الدراجات النارية إلى جانب الأعلام، بهدف قطع الطريق على أي إعتراض حول مستقبل قد يغير واقع لبنان.

الشباب اقترعوا للتقليديين

4 – من المؤشرات السلبية لانتخابات السادس من أيار/ مايو 2018 والتي يفترض التوقف عندها مليا، هي تراجع نسبة المقترعين في انتخابات نيابية جاءت بعد انقطاع عنها دام 9 سنوات، إذ وفق أرقام وزارة الداخلية اللبنانية، لم يبادر إلى صناديق الاقتراع قبل ظهر يوم الانتخاب سوى ربع الناخبين، وقد تابع المواطنون من منازلهم النداءات التي وجهتها الأحزاب وسائر القوى السياسية، عير قنوات التلفزة والإذاعات ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي تتمنى فيها على المواطنين »القيام بواجبهم الوطني«، وفيما تحركت الماكينات الانتخابية بكثافة ابتداء من الظهر بدأت وتيرة المشاركة ترتفع تدريجيا إبتداء من الساعة الثانية بعد الظهر، إلا أنها نسبة المشاركة لم تصل مساء إلى 50 ٪ وإن كانت قد اقتربت منها.

ـ ويجمع المراقبون حول عدة أسباب لما وصفوه بـ»المقاطعة« وغياب إرادة التغيير، أبرزها:

ـ عزوف جماعي إحتجاجا على القانون الجديد للانتخاب.

ـ عدم إعطاء فرصة كافية للمرشحين للظهور التلفزيوني.

ـ النضوج السياسي الذي طال فئات كثيرة من الناخبين، والذي حملهم على المقاطعة نتيجة ظواهر كالتوريث وعدم الظهور إلا في المواسم الانتخابية.

ـ الوعود التي لا يتم الوفاء بها، كالوعود بحل أزمات الكهرباء والمياه والنفايات.

ـ سجلت لوائح الشطب الرسمية وجود 800 ألف ناخب جديد بين العام 2009 والعام 2018، تتراوح أعمارهم بين 21 و30 سنة، يشكلون ثلث الناخبين، كان من المتوقع إقبالهم على الاقتراع وإحداث التغيير المنشود، إلا أن النتائج أظهرت أن أصواتهم صبت بنسبة كبيرة لصالح المرشحين التقليديين وليس لصالح لوائح المجتمع المدني.

بين الجديد والقديم والعائد

ـ أظهرت النتائج أن عدد النواب الجدد بلغ 63 نائبا، وفق الآتي: النواب السنة 12، والشيعة 9 والموارنة 19 والدروز 2 والروم الارثوذكس 9 والروم الكاثوليك 4 والعلوي 1 والاقليات 1 والانجيلي 1 والارمن الارثوذكس 4 والارمن الكاثوليك 1.

ـ وعاد إلى المجلس النيابي 12 نائباً سابقاً هم: جهاد الصمد، فايز غصن، سليم سعادة، سليم عون، عبد الرحيم مراد، إيلي الفرزلي، البير منصور، عدنان طرابلسي )الاحباش(، امين شري )حزب الله(، فيصل الصايغ، أسامة سعد )التنظيم الشعبي الناصري(، فريد هيكل الخازن وجان عبيد )مرشح لرئاسة الجمهورية(.

ـ ودخلت وجوه معروفة بتأييدها للنظام السوري وهم: جميل السيد، البير منصور، جهاد الصمد، عبد الرحيم مراد، عدنان طرابلسي، ايلي فرزلي واسامة سعد.

ـ وزاد عدد النواب الإناث من 4 نواب إلى 6، بينهن 4 جديدات، ولأول مرة دخلت نائب شيعية هي الوزيرة عناية عز الدين التي فازت على لوائح التحالف الثنائي الشيعي )حزب الله وحركة أمل(. وفازت 3 سيدات من السنة هن: بهية الحريري وديما جمالي ورلى الطبش الجارودي.

ـ وعادت نائب »القوات« المارونية ستريدا جعجع، فيما خرقت لوائح دائرة بيروت الأولى الإعلامية بولا يعقوبيان عن المجتمع المدني.

 01

مبنى البرلمان اللبناني ينتظر سكانه الجدد

02

من سيجلس على كرسي الرئاسة

03

هل سيتجاهل الرئيس سعد الحريري هذه الرسالة

04

أية رسائل حملتها المسيرات الدراجة؟