لينا شكّور وحرائق ظلّها

بين الضوء والنار، الظل والرماد، يسطع وهج لينا شكور في مجموعتها الشعرية »حرائق الظل« الصادرة في سوريا عن دار العوّام للطباعة والنشر… ف لينا ترسل إشارات غبارية فضفاضة تحتكم على ذاكرة أغنيات حزينة وأصوات دافئة :

 »تقول أمي : عُدِّي الخراف بعدما تنامين / نسيتُ أن أخبركِ : رحل القطيع كلّه يا أمي، وبَقيتْ السكين…«

انها مأساة سوريا الوطن والأرض والإنسان، فجّرتها لينا صوراً تركض باتجاه الريح، لكنها أوثقتْ قديمها في جديدها بلحظة آسرة، ابتكرتها لتبني عليها لحظة التصوّر… انها ذاكرة تمعن في تمزيق فمنا، قولاً وطعماً وشغفاً مع وجع التحوّلات… هذا ما يحصل للشاعر حين يبكي الطفل الذي في داخله، وهو يركض خلف ألعابه النائمة في صوت الأيام وصدى الأحلام، يسترجعُ أفكاره ليُصيب فيها نشوة نجواه…

 وفي قلب الحرائق يخرج ظلّ لينا شكور، ليعلن عن ثورة في داخلها تحمل عناوين جديدة لوطن استشهد ولم يُقتل فيه صوت الرجوع… ربما هي صدى تلك الحرائق، حيث حظيت بأمر يقول :

»اتركْ ماءكَ يغسلُ غبارَ الخرابْ،

لا تصلُب نفسكَ بمسامير سرابْ«

وهي أمام التحدي تشهق أنفاسها الى أعلى لتستطلع جنون الحرائق التي طالت الوطن : »وأنا ألفُ سيّاف على الباب، ولا عُنقَ لي…«

ولكنها تشهد لولادة القضية التي تكافح لأجلها والتي نهبتنا جميعاً، فتقول : »وأنتِ مرّري لي الصباح، نسيته عالقاً بين شفتيك ِ…«

لم أكن أدركُ أن الدم يوعِّي الحياة، وأن النار تنقذ الماء من سمعة الطين، فحرائق لينا شكور الخارجة من سرداب الوقت جاءت لتضيء مفردة الزمن، فها هي بأناقة عباراتها قالت لحبيبها : »لآنكَ تحب الأسود على جسدي، ارتديتُ أيامي…«

أقول ل لينا شكور، كونها تدرِّس اللغة الإنكليزية، وكاتبة انكلوفونية بامتياز : أنكِ سمحتِ للغة العربية أن تُعيدَ مَشْهدَة الحياة، وحدَّثتنا بصور جمالية أدْركتنا بجمالية حداثتها، وها قد توَاصَلَ الصدى مع الظل، فاحتملا قيامة جديدة تُحيكُ براعة اللعبة الشعرية، بتأنٍ وهدوء وانسيابية… وكأن ما حصل في سوريا على مدى ثماني سنوات قد لخّصته لينا ببضع كلمات من حرائق ظلّها وصداها…

»مدنٌ تحترق تحت الجلد…

مدنٌ منفية،

اقتلعوا أشجارها،

فنَزَفتْ أبناءها…«

»رتّلني بصوتكَ، كي أعلن بداية الصلاة، فكل آهٍ في وطني توجعني…«

إذا استمعتم الى لينا شكّور في »حرائق الظل« ستحبّون القصيدة َ والحياة…