شفاه الريح لأسماء الشرقي، حزمة وجع مع كثير من الحب

دارين حوماني

علاقة حميمة تجمع بين الشاعرة أسماء الشرقي ونصوصها في ديوان »شفاه الريح« الصادر مؤخّراً عن دار فواصل وهو الديوان الثالث للشاعرة التونسية، فهي تتحدّث عن »أناها« بوجعٍ حيناً وبعشقٍ حيناً آخر، »لا نديم للأنا سوى أنايا/ أنا إبنة النار وفاتحة الشهوة في رقصة الفراشات / كل المنافذ أنا/ إشراقة الكون أنا/ بنت أسد أنا..
العنوان الذي اختارته الفنانة التشكيلية والشاعرة أسماء الشرقي »شفاه الريح« إنما هو عنوان قصيدة من الديوان مهداة الى غرقى البحر المتوسط »هروباً من الموت الى الموت«، هم العائدون الى الخفوت الهانىء/ الى القوت الناحل المخبأ بين الرفوف/ إنهم يتمسّكون بالريح/ وتتآكل ملامحهم عند الهبوب الأول للفجيعة، المشهد يشير الى بنية مأساوية تمثّل روح الديوان كون الديوان يشتمل على دلالات متقدّمة من الحزن والألم والإحساس المرير بالوحدة، توّجك الألم يا قدري/ أعصر فواكه حزني المتبقية من آخر لقاء/ أعدّ على شرف غيابك أصابع وحدتي/ هوذا زمني يذبل الماء على كفّ الرحيل.
وما يميّز هذا الديوان أن الشاعرة في عدد من نصوصها لا تفترض الأشياء من خيالها بل تضع واقعاً مؤلماً أمامنا بعبارات صادقة حقيقية يظهر من خلالها تأثرها بهذا الواقع، أمي.. تسرً لي بأن حشرجتها المزمنة هي زكام ليل موبق/ نون الجسد المسجون يعتلي شرفة الطائر المسافر الشامخ في النقصان/ بحزنٍ يشبه الأوجاع في جرح الوطن/ الجوع يا ولدي يدرّب القلب على العصيان.
وتستدعي أسماء الشرقي الآخر في عدد من نصوصها فهو حاضر يكاد يكون في أغلب القصائد، وهي بذلك تبني مرجعيّة حسيّة قائمة على الحب، كلّ شيء جاهز لحبك/ أحتاج حبك لكي أحبني/ كل ما فيّ يدور حول ظلّ رؤاك/ كلانا في قبضة النار نحترق بلجّها/ دعني أقولك أطوف بعينيك/

غلاف كتاب شفاه الريح للشاعرة التونسية اسماء الشرقي

أسمر يعربد في دمي/ تمضي بي عيناك الى زهر النبيذ/ تذكرت أن حمى حبّك لا تنطفىء/وأنا أحبك في ندى عيني مدى/ وأحب همسك أنجماً بمداري/ أيحبني! أم لا يحب؟ يحبني لا.. بل يحب– يحبني..
وليس بعيداً عن الحب تلك اللقطات السوريالية التي تتماهى في سياق جمالي كلي، تحت ظلّك يمرّ جواد ملول مكعب الأطراف/ تذوب غرّته الشهباء على أنف الوقت/ القيض يحتفي بدمائنا.. ينثرها فوق السواحل المالحة.. فتصعد حبلى.. وتنبت فاكهة في حلق الوقت..
وينتقل الحزن العميق المبني على وجدانيّة ملحّة عن الأوطان العربية من قصيدة »شفاه الريح« الى قصيدتي »ظل البلد« و»ملح قرطاج« حيث أن ثمّة رؤية عميقة وبعيدة عن التأويل، ثمّة وضوح في الأداء اللغوي له قابلية للوصول الى المتلقي بالمطلق وحيث نقبض على المعنى الذي يفضي به الشاعرة دون تجميل للمشهد والأشياء، لا خيارات لي في هذا البلد/ أمّ تحيك كفن الولد/ يردّد الرعاة أغاني الحياة/ ويعود القطيع في آخر المساء حاملاً رأس الشهيد/ حاملاً إفك البلد/ الأرض عذاب عتيق/ جنازة محمولة الأكتاف/ نحن أبناء الوطن المسجّى/ نغنّي في المنافي/ في معابر الفاتحين..
وفي تفاصيل ديوان الشرقي شواهد جمالية تعبيرية عن الواقع مركّبة بوعي كامل وبثنائيات التضاد، بمنتهى الفرح نعيش كذبة الحزن/ هم الحضور دون عزاء وهم الغياب في لوح القيامة/ أنا فاتحة الشهوة في رقصة الفراشات.. أنا الخاتمة في أحجية العاشقين/ كم كان يتمنى قطرة ماء.. ومات هو صلفاً دون ارتواء.
تتماهى أسماء الشرقي الفنانة مع الشاعرة في عدد من نصوصها حيث تترك مساحة واسعة للصور الشعرية المكثفة وتترك بصمتها كشاعرة كما تركتها كفنانة تشكيلية، في هذا الديوان أشكال متعدّدة ممّا هو مبني على الواقع وما هو مبني على الخيال وفي الحالتين تدعونا معها لإلتقاط كل ما هو حسّي وعميق ، ما تجيده الشاعرة بإتقان ريشة فنان أبدع في نقل المعنى الجمالي الى المتلقي.

 

 

العدد 93 – تموز 2019