توني موريسون والرؤى المغايرة

بيروت – ليندا نصار

تعدّ توني موريسون من الكاتبات الروائيات اللّواتي استطعن إثبات وجودهنّ وسط الظّروف القاسية والتمييز العنصريّ الّذي كان يتحكّم بالمجتمع حيث كان للبيض حقّ الصّدارة وكان ذوو البشرة السوداء يعاملون بإقصاء لمجرّد هذه العقليّة المبنيّة على أسس الفوقيّة والاستعلاء والتّربيّة التي تؤسّس عقول أطفال البيض على العنصريّة والتّمييز بين الأفراد وغياب المساواة بين النّاس. هذا الأمرمطبق في المجتمع الأميركيّ خصوصا في العصر الذي عايشته الكاتبة، وقد استمرّ لعصور من المعاناة على الأصعدة كافّة سواء في المدارس أم في المؤسّسات أو الكنائس حتّى الأهل من ذوي البشرة السوداء كانوا يتمنّون ألا ينجبوا أطفالا وسط هذه الظّروف الأليمة لكي لا تتكرّر المعاناة نفسها الأمر الذي جسّدته موريسون في رواياتها المستوحاة من عمق المجتمع. لم يسكت الزنوج عن حقهم بل كانوا في ثورة دائمة وخير مثال على ذلك هو مارتن لوثر كينغ الذي كان ضحيّة مناداته بالمساواة وحق الإنسان الطبيعيّ في الحياة وغيره من المنادين باستعادة الحقوق الضائعة…. استطاعت توني موريسون أن تغلب العبودية عبر التاريخ وأن تكون مثال المرأة القوية ذات القبضة الحديدية في مجتمع يميّز بين الرجل والمرأة قبل

توني موريسون

أن يميز بين الأسود والأبيض.

وسط هذه الظروف المحيطة أطلقت موريسون صوتها من خلال روايات حملت طابع الإبداع وعبّرت عن قساوة المجتمع وتعرّض أهلها الأفارقة للاضطهاد.

استعانت توني موريسون بذاكرة رسمت خطوط وآثار طفولتها ومعاناة أهلها وقد أحسنت اختيار الأمكنة التي شكلت فضاء خاصا كما جسدت في رواياتها شخصيات عايشتها عبر المتخيّل السردي الذي يضي إليها جمالا وهنا تكمن حنكة الروائي الذي يعرف طريقة توظيف رؤاه في المكان المناسب. كشفت موريسون عمّا وراء الستار وعن كل ما هو مسكوت عنه في المجتمع الأميركي بتمييزه العنصريّ وتهميشه للمرأة وحقوقها فجاءت رواياتها تكملة لقصّة أجيال ومجتمعات. تجدر الإشارة إلى أن ثمّة خيط رابط بين روايات موريسون وهو الذي جعل القارئ المثقف أمام سلسلة أو منظومة كاملة متكاملةـ، فمنذ الحرف الأول سيدرك هذا الأخير اسم كاتب الرواية.

وعن حياتها كما كُتبت بعد وفاتها: توني موريسون : Toni Morrison روائية أمريكية وناقدة وأستاذة جامعيّة من أصل أفريقيّ- ولدت في أوهايو في 18 فبراير 1931، وهي أول  كاتبة أمريكية ذات بشرة سوداء التي تحصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1993 عن مُجمل أعمالها، وجائزة بوليتزر عن روايتها بعنوان  »محبوبة.« كذلك توني موريسون ببشرتها السّوداء كانت أولى من تحصل على مقعد للدراسة في جامعة برينستون وقد كانت هذه الجامعة مبنيّة على التّمييز العنصريّ وكانت المقاعد حصرا للرجال البيض.

 لموريسون إحدى عشرة رواية منها:  أكثر العيون زرقة، نشيد سليمان، صولا، وطفل القطران. تُرجمت أعمالها إلى مختلف لغات العالم، ومن بينها العربية. عملت في جامعة تكساس ثم في جامعة هاوارد، ثم انتقلت إلى نيويورك للعمل كمحررة في دار نشر

كانت موريسون تقرأ باستمرار ومن كتابها المفضلين جين أوستن وليو تولستوي، وكان والدها يروي لها العديد من الحكايات الشعبية عن مجتمعه ومعاملة السود بطريقة السرد القصصي والتي أثرت لاحقا على أسلوبها في الكتابة.

في جامعة هاوارد حصلت موريسون على شهادة الأدب الانكليزي عام 1953 ثمّ

نالت شهادة الماجستير من جامعة كورنيل. وعملت في جامعة تكساس الجنوبية ما بين سنتي 1955 و1957 ثم عادت للعمل في جامعة هاوارد. تزوجت من المهندس هارولد موريسون وأنجبت منه طفلين ثم انفصلت عنه بعد سنوات. عملت موريسون كمحرّرة كتب في نيويورك وهذا ما ساعدها على تشجيع أدب السود.

روايتها الأولى بعنوان  »العين الأكثر زرقة« عام 1970 كتبتها في أثناء تربية أطفالها وقد اختيرت هذه الرواية كإحدى مختارات نادي أوبرا للكتاب.

أما الجوائز التي نالتها بحسب الإنترنت:

في عام 1975 رشحت روايتها  »صولا« التي كتبتها عام 1973 لجائزة الكتاب الوطنية، أما روايتها الثالثة  »نشيد سليمان« فقد اختيرت كتاب الشهر وهي أول رواية لكاتب أسود يتم اختيارها بعد رواية الكاتب ريتشارد رايت  »الابن البلدي« التي اختيرت عام 1940 وقد حصلت أيضا على جائزة النقاد الوطنية. في عام 1987 شكلت روايتها  »محبوبة« نقطة حرجة في تاريخ نجاحها عندما فشلت في الفوز بجائزة الكتاب الوطنية وجائزة النقاد الوطنية مما حدا بعدد من الكتاب إلى الاحتجاج ضد إغفال موريسون، ولكن بعد مدة قصيرة فازت هذه الرواية

غلاف رواية موريسن

بجائزة بوليتزر عن فئة الأعمال الخيالية وبجائزة الكتاب الأمريكي. في نفس السنة عملت موريسون أستاذة زائرة في كلية بارد. في عام 1998 تحولت هذه الرواية إلى فيلم يحمل نفس الاسم من بطولة أوبرا وينفري ودان كلوفر. رشحت، دورية نيويورك تايمز للكتب هذه الرواية في عام 2006 كأفضل رواية أمريكية نشرت خلال الخمس وعشرين سنة الماضية.

توفيت موريسون في مركز مونتيفيوري الطبي في ذا برونكس، مدينة نيويورك في 5 أغسطس 2019، بسبب مضاعفات أثرت في صحتها.

عن عمر يناهز الثمانية والثمانين عاما.

من أقوال توني موريسون في رواياتها:

– إن الذاكرة هي الأسوأ فيما يتعلق بالتعافي.

 -حين يسيطر الخوف تكون الطاعة هي الخيار الوحيد للنجاة.

– حيث يوجد الألم تخنقني الكلمات.

وعن الكتابة تقول موريسون: -“في البداية انصرفت للكتابة كنوع من التعويض عن ذلك التبدّل الكبير الذي طرأ على حياتي، لكني، بعد ذلك، أدركت أن الكتابة أصبحت حاجة ضرورية في هذه الحياة، وبخاصة من أجل التعبير عن احتجاجي ضد الظلم الذي طال أهلي من السود الأميركيين.

في روايتها  »محبوبة« استطاعت موريسون الوصول إلى قمّة التعبير عن العبوديّة وقسوتها التي تجلّت في حياة النساء المستعبدات وهي تحكي قصّة الأمّ التي أقدمت على قتل ابنتها لكي تخلّصها من إرث العبوديّة الذي لازمها عبر الزمان من دون أن يكون لها ذنب وهي تعبّر بأسلوبها الشّيّق والفنيّ عن قسوة هذه الأمّ وقد كانت مزمعة أن تقتل كلّ أطفالها لولا توقيفها عن حدّها من قبل أسيادها. هذه الأمّ فقدت أعصابها واتّزانها بسب الجرح الكبير الذي حفرته المعاناة في أعماقها، وكانت موريسون تستمدّ الصّور من المجتمع الذي عايشته كما تقول في إحدى مقابلاتها وتصوغه بأسلوب كتابيّ نابع من تأثّرها منذ طفولتها بما حصل لأهلها السود.

في رواية   »أكثر العيون زرقة«، تخبرنا موريسون عن طفلة كانت تتمنى وتنتظر أن تحصل على عينين زرقاوين، وعندما لم تتحقّق أمنيتها اعتبرت الله غائبا ويظهر النقص الذي يعانيه الصغار السود منذ طفولتهم تجاه البيض.

يبقى من الحق أن نقول إن توني موريسون بامتلاكها أدوات الكتابة السردية، عبّرت عن تجربة مريرة فكانت حاضرة من بعيد في النص وكانت تقاوم الألم والموت وقد نجحت بذلك على صعيد التلقي وخير دليل على ذلك هو إثبات وجودها من خلال تقبّل المجتمع الأميركي لها وحصولها على جوائز عالميّة تحمل عدة معان رمزية.

العدد 96 – ايلول 2019