إشتعال الجبهات اومنح نتنياهو “مكسباً” للتراجع؟

  إغتيالات اسرائيل في لبنان لا تُعيق مساعي هوكشتاين

  خلافاً لبعض التوقعات والكثيرمن التمنيات بنجاح المساعي الغربية والفرنسية والاميركية تحديداً لوقف المواجهات العسكرية في جنوب لبنان ومنع تمدد الحرب من غزة الى لبنان، اسقط الكيان الاسرائيلي في اليوم الثاني من بداية العام الجديد كل الخطوط الحمر بعد خرق قواعد الاشتباك العمول بها منذحرب تموز 2006، بعدوان جوي “مدروس ودقيق” على عمق معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، اغتال خلاله نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشيخ صالح العاروري واثنين من القياديين واربعة ناشطين عسكريين في الحركة، اضافة الى اغتيال عدد من القادة الميدانيين لحزب الله لاحقاً. مافتح الباب امام ردود فعل عسكرية عنيفة على عمليات الاغتيال على طول الجبهة الجنوبية للبنان.

شقة العاروري المستهدفة.

  عمليات الاغتيال كادت أن تؤخر حتماً إن لم تكن تُعطّل عملياً المساعي التي كان قد باشرها الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لو ريان ووزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا ووفد فرنسي مشترك بين وزارتي الخارجية والدفاع، والموفد الاميركي كبير مستشاري الطاقة في الادارة الاميركية آموس هوكشتاين ووزيرة خارجية المانيا ووكيل الامين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام جان بيارلا كروا ومفوض السياسة والامن في الاتحاد الاوربي جوزيب بوريل، من اجل منع تمدد الحرب الى لبنان والبحث عن حلول مستدامة للصراع اللبناني –الاسرائيلي حول الحدود البرية.

   على هذا، توسعت دائرة الازمات السياسية الداخلية والامنية في لبنان، على وقع حرب غزة وارتدادها اللبناني العنيف على جبهات الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وتصاعدت مشكلات لبنان الناتجة عن المواجهات العسكرية في الجنوب خلال الاشهر الثلاثة الماضية بين فصائل المقاومة وبين جيش الاحتلال الاسرائيلي، والتي اتخذت نمطاً تدميرياً للقرى اللبنانية والمستعمرات الاسرائيليةعلى جانبي الحدود، بعدما تجاوز جيش الاحتلال قواعد الاشتباك بقصف عمق القرى واهداف مدنية وصحية فيها وسقط شهداء وجرحى وبلغ التدمير على الحد الجنوبي حجماً كبيراً أظهرته وسائل الاعلام اللبنانية، قابله تدمير كبير ايضا في المستعمرات على الحد الفلسطيني للحدود وسقوط عشرات الاصابات بين العسكريين والمدنيين بإعتراف وسائل الاعلام العبرية. عدا استهداف مدفعية وطيران الاحتلال لمراكز الجيش اللبناني حيث سقط له شهيد وعدد من الجرحى، ومراكز قوات الامم المتحدة (اليونيفيل) العاملة في الجنوب حيث سقط له عدد قليل من الجرحى وتضررت بعض المراكز.

بين التحذير والمساعي

 ونتيجة تصاعد التوتر استمرت المساعي الأميركية والأوروبية لتحقيق التهدئة على جبهة لجنوب ومنع توسع الحرب بعدما بلغت اسماع الاميركيين والاوروبيين معلومات اسرائيلية عن تحضير خطة للحرب على لبنان او عملية عسكرية واسعة في الجنوب وضعها وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الاركان هرتسي هليفي، تحت عنوان “إبعاد قوات حزب الله عن الحدود الى شمالي نهر الليطاني و وقف قصف المستعمرات ولطمأنة المستوطنين ليعودوا الى مستعمراتهم”.

  ولم تخلُ مساعي الموفدين الى بيروت، من نقل تحذيرات وتهديدات من مخاطر استمرار وتصاعد عمليات المقاومة ضد مواقع الاحتلال وتجمعات جنوده، بما يهدد بتوسيع الحرب من غزة الى لبنان، وطلب تطمينات وضمانات للكيان الاسرائيلي، من دون تقديم اي ضمانات وتطمينات للبنان بوقف الخروقات الاسرائيلية المستمرة للقرار 1701 منذ سريانه عام 2006، بل تحدثت المعلومات عن “مغريات” نقلها الاميركيون والفرنسيون وبعض الاوروبيين، بتقديم دعم مالي واقتصادي وحوافز للبنان وإجراء مفاوضات لحل الاعتراضات اللبنانية على استمرار احتلال عدد من النقاط والمواقع اللبنانية عند الحدود، وتثبيت الحدود البرية اسوة بالحدود البحرية التي قام بها آموس هوكشتاين، مقابل التزام حزب الله بإبعاد قواته عن الحدود

هوكشتاين والحل المرحلي

التزاما بالقرار 1701 الذي ينص على اعتبار منطقة جنوبي نهر الليطاني منطقة خالية من السلاح والمسلحين.

   ومع عودة هوكشتاين الى بيروت وما ستسفر عنه هذه “المغريات”، تبقى المشكلة قائمة من الجانب الاسرائيلي الذي اقترح قادته نشر قوات فرنسية في منطقة عازلة جنوب لبنان بعمق اقله خمسة الى عشرة كيلو مترات، مقابل نشرقوات اميركية في الجانب الفلسطيني المحتل تضمن إلتزام اسرائيل بمندرجات القرار ووقف الاعتداءات والخرقات اليومية.

وحسب معلومات “الحصاد” فقد نقل هوكشتاين في زيارته الى بيروت يوم 11 يناير/ كانون الثاني الماضي، اقتراحاً بناء على معطيات اسرائيلية بعد زيارته تل ابيب، مفاده “التوصل الى الحل المؤقت او المرحلي، وتبدأ المرحلة الاولى منه بتبريد جبهة الجنوب، داعياً الى ايجاد مقاربات جديدة طالما يتعذّر التوافق الآن مع اسرائيل على النقاط الاخرى العالقة ومنها الخروقات للقرار 1701 والانسحاب من الاراضي المحتلة، الى حين انتهاء الحرب على غزة، ويبدو انّها طويلة ولن تنتهي قريباً.

  وحسب المعلومات، نبّه هوكشتاين الى “ضرورة ايجاد الحل حتى لا تتوسع الحرب ويحصل دمار كبير في لبنان، داعياً الى عدم ربط الحل في لبنان بوضع غزة لأنه سيتحول من حرب إلى منطقة عمليات عسكرية موضعية”. وبالتالي، يعتقد هوكشتاين، أن هذا “يمكن أن يُفسر بأنه وقف للحرب على غزة، وبالتالي، لم تعد هناك حجة عند لبنان لاستمرار تغطية عمليات حزب الله على الحدود”.

  وبناءً عليه، اقترح هوكشتاين، أن يصار إلى وضع إطار للتفاوض على “آلية مضمونة لتطبيق القرار 1701 بما يسمح بوقف كل الأعمال العسكرية وعودة السكان إلى قراهم على طرفَي الحدود”. ووفق التفسيرات الأميركية، فإن هذه الخطوة، تسمح عملياً بالشروع في مفاوضات مكوكية تهدف إلى البتّ في النزاع القائم على النقاط البرية وإنجاز ما يسميه هو بالترسيم البري. وهو ما أثاره في محادثاته في بيروت أمس، مع التأكيد على أن “فكرته لا تشتمل على مزارع شبعا التي لها وضعها الخاص.

  وحسب ما قالت مصادر وزارة الخارجية لـ “الحصاد”، فإن الموقف اللبناني بقي على حاله: لامشكلة لدينا في القرار 1701 وفي تطبيقه برغم انه الحق الغبن بلبنان ونحن ملتزمون به طالما انه موجود، لكن يجب الضغط على اسرائيل لتوقف عدوانها على غزة وجنوب لبنان وتمتنع عن ارتكاب المجازر بحق المدنيين، وتلتزم بالقرار 1701 حرفياً وعملياً، وتنسحب من المناطق اللبنانية المحتلة كافة من الناقورة غرباً وصولا الى مزارع شبعا وتلال كفر شوبا شرقاً والقسم اللبناني من بلدة الغجر، عندها نحن نعرف كيف نتدبر امرنا مع حزب الله وسلاحه”. وإن الحل المؤقت يبقى من دون جدوى والحل المستدام هو المطلوب، وذلك عبر تنفيذ اسرائيل كل الاتفاقات والقوانين الدولية.

   وعلى هذا سيبقى التحضيرللتفاوض بالنار قائماً  مالم يحمل الموفدون الفرنسيون والاميركيون حلولاً واقعية تُرضي لبنان بكل ما يطلبه ايضا  لا الاكتفاء بما يتم تسريبه من رشى اقتصادية اومالية او موضعية في بعض النقاط الحدودية، ويعود سبب القلق من تفجر الوضع اكثر الى “انحياز” الغرب بالكامل الى مصالح اسرائيل، وقلة الثقة من بعض الاطراف اللبنانية بالوسيط الاميركي، وتوجه رئيس حكومة الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى مزيد من التصعيد ان لم يكن في غزة ففي جنوب لبنان، لتحقيق مكسب عسكري اوسياسي ما.

فشل الوسطاء و”مكسب” نتنياهو

 وسبق لنتنياهو وعدد من المسؤولين الاسرائيليين ان اعلنوا عن قرار بتنفيذ اغتيالات لقادة حماس بعد العجز عن تحقيق انتصار عسكري عليها في الميدان. وجاءت عملية اغتيال العاروري في لبنان لتعطي ورقة لحكومة الحرب الاسرائيلية بانها قادرة على تحقيق “إنجاز كبير” عبر اغتيالها الرجل الثاني في قيادة حماس. وقد تردد في بيروت ان مثل هذه العملية برغم خطورتها وانعكاساتها التصعيدية في المنطقة لم تكن لتتم من دون غطاء او موافقة اميركية سابقة او لاحقة. ما يُعطي الاميركي فرصة لحث نتنياهو على التراجع خطوات كبيرة الى الوراء في غزة لوقف الاحراج الذي اصاب الغرب عموماً نتيجة دعمه المطلق لما ارتكبته اسرائيل في غزة من مجازر.

   وفي تقديراوساط حكومية لبنانية رفيعة المستوى، ان هدف نتنياهو ايضاً من اغتيال العاروري هو “محاولة جرّ حزب الله للرد بشكل واسع ما قد يُحوّل المواجهات الحدودية مضبوطة الايقاع حتى الآن الى حرب اوسع ضد لبنان وجر اميركا الى المشاركة فيها بحجة الانتهاء من خطر حزب الله نهائياً. ودعت الاوساط  الدول المعنية ممارسة الضغط على اسرائيل لوقف استهدافاتها ،كما حذّرت من لجوء الحكومة الاسرائيلية الى تصدير اخفاقاتها في غزة نحو الحدود الجنوبية لفرض وقائع وقواعد اشتباك جديدة “.

  لكن بدا ان للاميركي حسابات اكبر وأهم تختلف عن حسابات نتنياهو، بسبب إنشغاله ايضا بتعرض قواعده العسكرية في سوريا والعراق للقصف اليومي، والتهديد الجدي للملاحة البحرية في الخليج بعد استهداف الحوثيين للسفن المشتبه بأنها اسرائيلية او تتجه الى فلسطين المحتلة. لذلك رد على المقترحات الاسرائيلي بسحب حاملة الطائرات “جيرالد فورد” والاسطول المرافق لها من شرق المتوسط في راسلة واضحة الى اسرائيل.

  صعوبة فصل الازمات

 عملياً بات فصل الوضع الداخلي اللبناني عن الوضع الاقليمي المتفجر عملية صعبة حتى لدى الموفدين العرب والدوليين، ذلك ان التأثير الدولي على طرفي التوتر اسرائيل و”محور المقاومة والممانعة” ضعيف جداً إن لم يكن معدوماً طالما ان حرب غزة مستمرة بالوتيرة العنيفة وبتوجه سياسي اسرائيلي للتعاطي مع غزة ما بعد الحرب مختلف عما قبله لجهة من سيدير القطاع ومصير سكانه بعد التدمير والتهجير الواسعين. وباتت تهدئة الوضع المتفجر عند الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة هي المهمة الاساسية للمسعى الخارجي بالتوازي للمسعى المستمر لإنتخاب رئيس للجمهورية. ونزع فتيل التوتر الاقليمي يتطلب جهدأ مضاعفاً وضغوطاً اكبر وافعل على اسرائيل وعلى الدول الاخرى المعنية لوقف القتال وبدء الكلام السياسي عن التسوية المقبولة من كل الاطراف، وهذا بدوره امر صعب، فما يرضي اسرائيل قد لا يرضي الاخرين والعكس صحيح.

   وهنا تشير المصادر المتابعة للوضع الى ان الدور الاساسي في التهدئة ما زال يقع على كاهل الادارة الاميركية، كونها وحدها القادرة على ممارسة الضغوط الزجرية على اسرائيل لثنيها عن توسيع التوترات ووقف الحرب على غزة بما يتيح امكانية الكلام والتفاوض مع الدول والاطراف الاخرى.

  لكن برغم زيارات وزير الخارجية الاميركية انطوني بلينكن المتتالية الى الكيان الاسرائيلي للدفع نحو التهدئة، نقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن مسؤولين أميركيين قولهم :”ان خطر شن إسرائيل هجوما على حزب الله لم يختفِ أبدا”. ما يعني فشل المسعى الاميركية مجدداً   حتى الآن.

الصور

1

2 هوكشتاين والحل المرحلي