إخضاع الشركات متعددة الجنسيات لضريبة 15% اعتباراً من أول 2024

تستهدف جمع 220 مليار دولار.. وهيئة رقابية أوروبية تتحدث عن ثغرات

* تستهدف الصفقة بشكل خاص مراكز الاستثمار ذات الدخل المنخفض

* بحسب مرصد الضرائب الأوروبي، كان من المتوقع أن يجمع الاتفاق حوالي 10% من عائدات الضرائب على الشركات العالمية

* الكونغرس الأميركي غير راغب في منح الأجانب المزيد من الحقوق لفرض الضرائب على شركاته

اعتباراً من الأول من يناير (كانون الثاني) 2024، بدأت الشركات الكبرى متعددة الجنسيات تخضع لضريبة دنيا عالمية للمرة الاولى، مع بدء تنفيذ الإصلاحات الضريبية عبر الحدود، سعياً إلى جمع ما يصل إلى 220 مليار دولار من الإيرادات السنوية الإضافية.

وقد أصبحت الآثار الدولية غير المباشرة في ضرائب الشركات مصدر قلق سياسي بارز في السنوات الأخيرة. وهذا يعكس الاعتراف المتزايد بأن السياسات الضريبية للبلد يمكن أن تؤثر على كل من النشاط والإيرادات الضريبية في البلدان الأخرى، مما يخلق منافسة ضريبية ضارة.

كوريا الجنوبية هي من بين الدول التي تنفذ الحد الأدنى من الضرائب العالمية

وأدت هذه المخاوف إلى قيام مجموعة العشرين ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بقيادة مشروع تآكل القاعدة وتحويل الأرباح، وبلغت ذروتها في الاتفاق على إصلاح أساسي للهيكل الضريبي الدولي بين ما يقرب من 140 دولة في أكتوبر (تشرين الأول) 2021. ويتمثل أحد الجوانب الرئيسية وغير المسبوقة في هذا الاتفاق في الحد الأدنى العالمي لمعدل ضريبة الشركات الفعلي البالغ 15 في المئة على أرباح الشركات متعددة الجنسيات (كشركتي أبل ونايكي) التي لا تخضع حالياً لضريبة دخل الشركات.

ووصف الاتفاق في حينه بأنه تاريخي لمنع “السباق نحو القاع” حيث خفضت الحكومات لسنوات معدلات الضريبة على الشركات لجذب الاستثمار.  وبالتالي، فإنه من شأن هذه الصفقة الضريبية العالمية أن تقلل الحوافز من الشركات لاستخدام الملاذات الضريبية والحوافز للدول لتكون ملاذات ضريبية.

ويعتمد الاتفاق على “ركيزتيٍن” للإصلاح الضريبي: الركيزة الأولى تغير المكان الذي تدفع فيه الشركات الكبرى الضرائب (مما يؤثر على ما يقرب من 200 مليار دولار من الأرباح)؛ فيما تقدم الركيزة الثانية الحد الأدنى العالمي للضرائب (زيادة الإيرادات الضريبية بما يقدر بنحو 220 مليار دولار على مستوى العالم).

ونظراً للخلاف والتأخير في التنفيذ، لم يتم نشر مسودة المعاهدة المتعددة الأطراف للركيزة الأولى إلا مؤخرًا في أكتوبر  (تشرين الأول) 2023، وسيتم تنفيذ الركيزة الثانية في عام 2024 بالنسبة لأقرب المتبنين.

وسوف تستهدف الصفقة بشكل خاص مراكز الاستثمار ذات الدخل المنخفض. وبموجب القواعد الجديدة، على سبيل المثال، فإن الشركات متعددة الجنسيات التي تستفيد من اتفاقية الضرائب المنخفضة مع الحكومة المحلية قد تواجه ضرائب أعلى في نطاق الولاية القضائية للشركة الأم.

بمعنى آخر، وبموجب سلسلة من القواعد المتشابكة، إذا تم فرض ضريبة على ربح شركة متعددة الجنسيات أقل من هذا المعدل في بلد ما، فستتمكن البلدان الأخرى من فرض ضريبة إضافية.

وتقدر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي قادت الإصلاحات، أنها ستزيد عائدات الضرائب السنوية بنسبة تصل إلى 9 في المئة، أو 220 مليار دولار في جميع أنحاء العالم.

لكن وفقاً لتقرير أصدره مؤخراً مرصد الضرائب في الاتحاد الأوروبي، كان من المتوقع أن يجمع الاتفاق مبلغا يعادل حوالي 10 في المئة من

الصفقة الضريبية العالمية تقلل الحوافز من الشركات لاستخدام الملاذات الضريبية

عائدات الضرائب على الشركات العالمية. وبدلاً من ذلك، نظرا لانه تم إضعاف الخطة، يقول المرصد إن الحد الأدنى من الضرائب سيولد نصف ذلك فقط – أقل من 5 في المئة من إيرادات الضرائب على الشركات.

الموجة الأولى للصفقة

وتشمل الموجة الأولى من الولايات القضائية التي تطبق الحد الأدنى العالمي للضريبة اعتباراً من يناير (كانون الثاني)، الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والنروج وأستراليا وكوريا الجنوبية واليابان وكندا. وسيتم تطبيق القواعد على الشركات متعددة الجنسيات التي يبلغ حجم مبيعاتها السنوية أكثر من 750 مليون يورو.

وقد اعلنت وزارة المالية في سيول أنه ستنفذ خطة ضريبة الشركات بنسبة 15 في المائة على الأقل للشركات متعددة الجنسيات بهدف منع الشركات الكبيرة متعددة الأطراف من التهرب من الضرائب. وهذا يعني أنه من المتوقع أن تتأثر نحو 200 شركة متعددة الجنسيات تعمل في كوريا الجنوبية بالاتفاقية العالمية.

وستشارك العديد من البلدان التي تعتبرها الشركات متعددة الجنسيات منذ فترة طويلة ملاذات، بما في ذلك أيرلندا ولوكسمبورغ وهولندا وسويسرا وبربادوس، التي كان معدل الضريبة على الشركات في السابق 5.5 في المئة.

معظم هذه البلدان تفرض بالفعل ضرائب على الشركات تزيد عن 15 في المئة. ولكن من الآن فصاعدا، ستبدأ أيضا في جمع الضرائب الإضافية من الشركات الكبرى التي تستخدم الثغرات القانونية لتحويل الأرباح إلى أماكن مثل الملاذات الضريبية في منطقة البحر الكاريبي التي تفرض معدلات أقل.

ورغم أن عدداً قليلاً فقط من الدول الكبرى سوف يفرض في البداية الحد الأدنى من الضرائب، إلا أن المزيد سوف يتبعه.

مع ذلك، حتى مع المضي قدماً في خطط الحد الأدنى من الضرائب العالمية في عام 2024، فإن جزءًا مهمًا آخر من الصفقة الضريبية الدولية الكبيرة قد لا يصبح حيز التنفيذ. فلسنوات عديدة، اشتكت الحكومات من أن المبيعات سريعة الارتفاع للمنتجات والخدمات الرقمية سمحت للشركات الأجنبية الكبرى بجني ثروة من مواطنيها دون إنشاء شركات محلية يمكن فرض ضرائب عليها. ولمعالجة هذه المشكلة، منح الاتفاق في عام 2021 الحكومات حقاً أكثر صرامة في فرض ضريبة على بعض الأرباح التي تجنيها أكبر الشركات في العالم من بيع الأشياء في أسواقها. وفي المقابل، وافقت الدول على التخلي عن خطط فرض ضرائب جديدة خاصة بها على عمالقة التكنولوجيا، الأمر الذي من شأنه أن يجعل ممارسة الأعمال التجارية عبر الحدود أكثر تعقيداً، وفقاً لما جاء في “إيكونوميست”.

المشكلة هي أن معظم الشركات المتضررة من هذه الأحكام هي شركات أميركية. والكونغرس الأميركي غير راغب في منح الأجانب المزيد من الحقوق لفرض الضرائب على شركاته (رغم أن إدارة جو بايدن لعبت دوراً فعالاً في ترتيب الصفقة العالمية). وإذا ظل هذا هو الحال بحلول نهاية عام 2024، فقد تمضي نحو 30 دولة قدما في فرض تعريفات جديدة. وقد يدفع ذلك الساسة الأميركيين الغاضبين إلى الرد بفرض ضرائب خاصة بهم. ومع اقتراب عام 2024 من نهايته، فإن الجهود الرامية إلى تجنب المناوشات المكلفة سوف تصبح أكثر صعوبة.

وكانت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين قالت أمام نظرائها الاوروبيين إن اتفاقا بشأن فرض ضريبة على الشركات التي ليس لها وجود مادي في بلد ما ولكنها تحقق أرباحا هناك، مثل الخدمات الرقمية، لن يتم الانتهاء منه حتى عام 2024.

وقالت: “هناك بعض الأمور المهمة للولايات المتحدة ودول أخرى لا تزال دون حل — قضايا مفتوحة لا يزال يتعين حلها قبل توقيع المعاهدة”.

ثغرات

وأشار المرصد الضريبي للاتحاد الأوروبي إلى أنه حتى بموجب قواعد اتفاق 2021، ستحافظ الشركات على بعض القدرة على التهرب من الضرائب. إذ يمكن للشركات التي لديها أعمال ملموسة- المصانع والمستودعات والمتاجر والمكاتب- العاملة في بلد معين، على سبيل المثال، الاستمرار في دفع معدل ضريبة أقل من 15 في المئة. وحذر المرصد من أن هذا التقسيم يمكن أن “يمنح الشركات حوافز لنقل الإنتاج إلى البلدان التي تقل فيها معدلات الضرائب عن 15 في المئة”.

هناك ثغرة أخرى تتيح للبلدان تقديم إعفاءات ضريبية، لأشياء مثل إجراء البحوث والاستثمار في المصانع المحلية، والتي يمكن أن تقلل معدلات ضرائب الشركات إلى ما دون علامة 15 في المئة ولا تزال تمتثل لاتفاق 2021.ً

كما أعرب المرصد الضريبي عن قلقه من أن سباق الحكومات لمنح إعفاءات ضريبية للتكنولوجيات الخضراء لمكافحة تغير المناخ “يثير بعض القضايا نفسها مثل المنافسة الضريبية القياسية، ويستنفد الإيرادات الحكومية”. كما أنه “يخاطر بزيادة عدم المساواة من خلال زيادة أرباح المساهمين بعد خصم الضرائب، الذين يميلون إلى أن يكونوا في قمة توزيع الدخل”.

لا يدعو المرصد الضريبي للاتحاد الأوروبي إلى فرض حظر صريح على دعم التكنولوجيا الخضراء. لكنه يحث الحكومات على النظر في سياسات أخرى لتعويض المكاسب المالية للأثرياء من مثل هذه الإعفاءات الضريبية.

وقالت المجموعة إن الشركات متعددة الجنسيات حوّلت تريليون دولار — 35 في المئة من الأرباح التي حققتها خارج بلدانها الأصلية — إلى ملاذات ضريبية. علماً أن الشركات الأميركية تمثل حوالي 40 في المئة من هذا التحول في الأرباح العالمية.

وعلى الرغم من انتقاداته لما حدث للحد الأدنى من الضرائب، أشاد مرصد الضرائب في الاتحاد الأوروبي بجهد منفصل لمنع الأثرياء من التهرب من الضرائب. في عام 2017، بدأت السلطات الضريبية في جميع أنحاء العالم في تبادل معلومات دافعي الضرائب من المؤسسات المالية لتطبيق قوانين الضرائب بشكل أفضل. ووجد المرصد الضريبي أن النتائج، إنهاء السرية المصرفية بشكل أساسي، كانت دراماتيكية.

وقال إنه إلى أن تم تقديم “التبادل التلقائي للمعلومات”، فإن كل الثروة التي يحتفظ بها أغنياء العالم في الخارج لم تخضع للضريبة. أما الآن، فإن 25 في المئة فقط يفلت من الضرائب.

ومع ذلك، تقول المجموعة، “تبدو معدلات الضرائب الفعالة للمليارديرات أقل بكثير من معدلات جميع الفئات الأخرى من السكان” لأن الأغنياء يستخدمون مخططات التهرب الضريبي. في الولايات المتحدة ، كما تقول، يدفع المليارديرات متوسط معدل ضريبي فعال يبلغ 23 في المئة، بما في ذلك جميع الضرائب على جميع مستويات الحكومة. في حين أن أفقر 10 في المئة من الأميركيين يدفعون أكثر ( 25.6 في المئة).

ويدعو مرصد الضرائب في الاتحاد الأوروبي إلى فرض ضريبة عالمية بنسبة 2 في المئة على ثروة المليارديرات، وهو اقتراح يقول إنه سيجمع 250 مليار دولار سنويا من أقل من 3000 شخص.