عندما أتحدث عن الروائي الفلسطيني حسن حميد(1955) فأنني أتحدث عن الكتابة الإنسانية والتجربة الإنسانية بمعناها الكامل والناضج. فهو الروائي السيكولوجي الذي يبحث بأعماق الشخوص في اشتباك مع الأحاسيس لنشعر أننا داخل النص وأنه يحكي عنا. عباراته يستلهمها من أحاسيس وحنين يعبر بهما عن شخصيته الدافئة، وتوثيقه للأزمنة والأمكنة.
ولد حسن حميد في “كراد البقارة” بفلسطين، عاش في كنف المخيمات والآن مقيم في سوريا؛ فتلقى تعليمه في دمشق وتخرج من جامعتها حاملاً الإجازة في الفلسفة، وعلم الاجتماع، وحصل على دبلوم الدراسات العليا في التربية ودبلوم التأهيل التربوي، ثم نال الإجازة في اللغة العربية ودرجة الدكتوراه بدرجة امتياز شرف من جامعة “بيروت العربية”.
عمل في الصحافة الأدبية كأمين تحرير في جريدة “الأسبوع”. وهو عضو جمعية “القصة والرواية” في اتحاد الكتاب
العرب، وعضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتاب العرب. ورئيس تحرير مجلة “الموقف الأدبي”.
يُعدّ د. حميد أول روائي عربي نفذ تقنيات فنية كتابية جديدة من التراث العربي تلك الواردة على شكل حواش. كان نتاجه الأدبي أكثر من 30عملا ًتوزعت بين الرواية والقصة، والشعر، ودراسات أدبية اغنت المكتبة العربية.
حصلت نصوصه على جوائز في البلاد العربية وفي ألمانيا ومنها فاز مرتين بجائزة نجيب محفوظ وكانت الأولى في عام1999 عن رواية “جسر بنات يعقوب” والمرة الثانية في تاريخ 10-3- 2023حيث فاز بها في مصر والعالم العربي عن أفضل رواية عربية عن روايته “ناغوغي الصغير” الصادرة عن وزارة الثقافة الفلسطينية العام 2022.
ومن أبرز أعماله :(جسر بنات يعقوب / النهر بقمصان الشتاء / رواية انين القصب / كنت هناك/ تعالى نطيّر أوراق الخريف/القرمطي /الكراكي /الجرجماني/ زعفران والمداسات المعتمة) وغيرها، وترصد أعماله تاريخ وتراث الشعب الفلسطيني. وترجمت أعماله إلى عدة لغات.
حصل حميد على العديد من الجوائز من دول وجهات عربية وغربية، من ضمنها، “جائزة حنا مينا للرواية”. كما حصل على جائزة فلسطين التقديرية عن مجمل الأعمال للعام 2021 في إطار جائزة دولة فلسطين في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية، وهي الجائزة الأرفع في فلسطين .
الحصاد: أعلن المجلس الأعلى للثقافة في جمهورية مصر العربية في شهر مارس 2023فوزك بجائزة أفضل رواية عربية عن روايتك “ناغوغي الصغير” الصادرة عن وزارة الثقافة الفلسطينية لعام2022. ما أهمية الجوائز بالنسبة للأديب وهل تحقق الجوائز العربية أهدافها ؟
د. حسن حميد: الجوائز الأدبية هي أشبه ما تكون بمرآة للإبداع حين يؤيد من عقول عارفة بالأدب والفن معاً، وهي شكل من أشكال المكافأة التي تجهر بالشكر للكاتب وما كتبه.
أنني أحيي البلاد المصرية العزيزة ممثلة بوزارة الثقافة المصرية، والمجلس الأعلى للثقافة والفنون بمصر.. على تأييد روايتي وما فيها من شواغل المعنى والمبنى، وما احتوت عليه من غنى.
الفوز بجائزة أدبية.. هو تكريم للإبداع.
الحصاد: حصلت على جائزة فلسطين التقديرية عن مجمل أعمالك الروائية في العام 2021 ما هو شعورك عند حصولك عليها؟
د. حسن حميد: الفوز بجائزة فلسطين التقديرية، وهي أرفع جوائز الوطن، حلم أي كاتب بأن تصافحه يد الأبوة، وأن يسمع كلمة ثناء آتية من عنابر الأسرى البواسل، وأن تصير كتاباته معروفة في البلاد العزيزة فلسطين.
لقد دق قلبي لهذه الجائزة فرحاً، فهي أول تربيته وطنية تصل إلى كتفي.. كيما تهز روحي مثلما تهز الريح أزاهير الدودحان.
الحصاد: ماهي أبرز المحددات السردية التي اعتمدتها في تأليف هذا العمل الروائي رواية “ناغوغي الصغير”؟
د. حسن حميد: منذ أن وعيت على نفسي متورط في الكتابة، وأنا أشدها نحو الموضوع الفلسطيني كي تغرق فيه أكثر، والغرق المتاح لها هو العشق لهذه البلاد الفلسطينية المرتدية لثوبها الأسود منذ 75 سنة، والتي لم يضحك سنها منذ 75 سنة، والتي لم تقرأ كتاباً، منذ 75سنة سوى كتاب الجسارة الوطنية.
في هذه الرواية/ ناغوغي الصغير/ أحاول الكشف الجهير للمخازي التي يقترفها عدونا الاسرائيلي بحقنا، وحق غيرنا، كي يبقى محتلاً للأرض الفلسطينية، باطشاً بالإنسان الفلسطيني.
في هذه الرواية محاولة لنسف واحد من أهم مرتكزات الكيان الإسرائيلي، وهو المرتكز المتمثل بالهجرة إليه ترغيباً وترويجاً.
الحصاد: لقد صرحت في أحد اللقاءات بأن:(الأديب يولد ليكون أديباً) ؟
د. حسن حميد: الأديب الحقيقي يولد في أي أمة أو شعب ليكون أديباً يعرف معاني القيم النبيلة التي توحدّ المشهد الإنساني؛ لأن غاية الكاتب هي السعادة والجمال والحق.. وهذه لا تكون حاضرة حين يتعرض الوطن للاحتلال والظلم.
الحصاد: و رواية” جسر بنات يعقوب” جسدت معاناة الشعب الفلسطيني، وحصلت على جائزة نجيب محفوظ عام 1999، والتي أعدها اتحاد الكتاب العرب ضمن قائمة أفضل 100 رواية عربية ؟
د. حسن حميد: في روايتي/ جسر بنات يعقوب/..ميثولوجيا أولى ترصد التسلل الأول للإسرائيلي لبلادنا العزيزة فلسطين.
ثمة إرادة طبيعية لأبناء قرية الشماصنة/ مسرح أحداث رواية جسر بنات يعقوب اجتمعت من أجل الخلاص من يعقوب الغازي وبناته اللواتي أغرين قطاع الطرق بالطعوم التي تعرفها عوالم الأنثى.
الحصاد: إلى أي مدى انعكست نشأتك في المخيم الفلسطيني على إبداعك؟
د. حسن حميد: أنا ولدت في المخيم الفلسطيني في الشتات.. فصرخت بهذا العالم الأطرش خلال كتابتي هنا فوق هذا المربع المخيم يقع ظلموت قهري.
عشت في المخيم، وما زلت أعيش فيه. وقد كتبت كل تفصيل فيه. أنا أعشق المخيم الفلسطيني؛ لأنه تعالى على ظروفه الصعبة، وأنّات أهله وشكاويهم، وكثرة الخيبات.. وصار مختبراً للوطنية والعافية في الآن نفسه.
يكفي أنه استنبت الفدائي والقائد والمهندس والطبيب والمعلم والشاعر والروائي والفنان.. من أجل أن يروي الجميع المأساة الفلسطينية بكل صورها الكثيرة المتعددة.
أغلب كتاباتي حفر معرفي في مربع أشبعت أرضه بالدموع والبكاء، والأمل
هذا المربع هو المخيم. مع أنه مكان وليس جغرافية.
الحصاد: ترصد أعمالك تاريخ وتراث الشعب الفلسطيني. ما هي القضية الرئيسية عند حسن حميد؟
د. حسن حميد: قضيتي الأساسية في حياتي، وفي كتابتي، هي القضية الفلسطينية هي المأساة الفلسطينية وسكوت العالم وعماه عن مجازر إسرائيل التي تقترف يومياً ويومياً نحن ندفن الأبناء والآباء.. ولا موسيقى تواكب جثامينهم سوى البكاء والهمهمات.
منذ أربعين سنة، وأنا أكتب عن جرحنا الفلسطيني المفتوح من الألم إلى الألم.
الحصاد: لقد قال الكتاب والأدباء الفلسطينيين عنك:” أن فوز الروائي الفذ حسن حميد يمثل تكريماً للروائيين وكتاب فلسطين في الوطن والهِجاج والمنافي وهو تأكيد على حضور السردية والرواية الفلسطينية باقتدار على خارطة الإبداع العربي والكوني، ونقل تراجيديا الواقع الفلسطيني بوقائعه ووجعه” .
د. حسن حميد: فوزي بالجائزة هو فوز لكل سارد فلسطيني ما زال يكتب عن وجعنا الفلسطيني الصادر من المشافي والمدارس والحقول والشوارع وعنابر السجون والجامعات والقرى والمدن ومن الحواجز.
الحصاد: ما رأيك بالمشهد الثقافي الفلسطيني الآن؟
د. حسن حميد: المشهد الثقافي الفلسطيني، ورغم تشظيه ما بين رام الله والقدس وغزة والناصرة وشفا عمرو من جهة والمنافي من جهة أخرى.. هو مشهد ثقافي غني وحيوي وما ينقص هذا المشهد هو أن يكون حيوياً أي أن تصل الراوية الفلسطينية إلى الآخر، إلى البلاد العربية، والأجنبية بعد ترجمتها إلى اللغات العالمية. لو تتم ترجمة روايتنا الى لغات العالم لعاش الكيان الإسرائيلي في فضائح لا نهاية لها.
الحصاد: بدأت مشوارك الإبداعي شاعراً ثم اتجهت إلى السرد قصة ورواية، ما هو سر هذا التحول؟
د. حسن حميد: تركت الشعر لشعراء عظام، ما كان لي أن أكون من بينهم.
الحصاد: لقد صرحت بأن:” إن الفلسطيني يجب عليه أن يكون كل شيء، وعلينا كتابة سطرنا الوطني بكل إبداع”.
د.حسن حميد: اتسعت تراجيديا الإنسان الفلسطيني..فكان لا بد من طريقة للتعبير عن حقنا في الحياة،عن حقنا في الصراخ بأننا نعيش ظلماً أفسد الحياة علينا.
علينا أن نكون مميزين. أهل رهجة لا يعرفها الآخرون، وأن نكون أهل قيم لها جمالها الخاص ومعناها الخاص. نحن، داخل الوطن الفلسطيني العزيز، وفي المنافي، نفتك الحياة من عدونا الاسرائيلي افتكاكاً، ونواصل فعل أجدادنا الحضاري بكل المقدرة.
هنا وفي البلاد الفلسطينية أساطير تنادد أساطير مصر وسورية والعراق، وهنا في البلاد الفلسطينية، زراعة وأنسنة للأنهار والبحيرات ماكنت لتكون لولا ترادف الأيدي تترى من أجل أن يصير الترا زعفران أو حناء.
وفي هذه البلاد حذق وإبداع ومهارات بهّارة لم تعرفها بلاد غير بلادنا..
والآداب والفنون التي شغلنا بها هي مرآتنا الوسيعة التي جذبت العالم إليها.
الحصاد: ورواية “مدينة الله” التي فازت بجائزة أفضل رواية كتبت عن القدس والتي أخذتنا فيها إلى أزقة القدس، أسوارها، مساجدها، كنائسها، حجارتها، بأسلوب مشوق تصف جمال المدن المقدسة ومكانتها عبر العصور. ماهي السيميائيات اللغوية والجمالية التي جاءت بها الرواية؟
د. حسن حميد: رواية / مدينة الله/ رواية حلمت بكتابتها في وفي النهار، وعددتها حياتي، وجوهر كتابتي، وخلاصة الموهبة التي حباني بها الله عزّ وجلّ؛ لهذا ترويت في كتابتها، وساهرت سطورها سطراً سطراً كما يساهر العشاق مواعيدهم الآتية ،وقد استولدت لها من المعاني ما قدرت عليه، وأسبلت لها من مطارح الخيال.. ما قدرت عليه أيضاً.
لقد كتبت/ مدينة الله/ والألم يعمّني، والشعر يماشيني في كل مجاز وصورة. وحين انتهيت منها أنكرت أنني من كتبها؛ لأنها أكبر من أن تحيط بها ذراعاي غمراً وعناقاً.
الحصاد: هل صحيح أن العمل الناجح يُبشِّر بالثورة، ويعد بولادة أمة جديدة ؟
د. حسن حميد: نعم ،العمل الأدبي أو الفني الجميل يبشر بالأمل؛ لأنه يزيل ما راكمه الإحباط من تعب.
الحصاد: كيف تصف علاقتك بالجماهير، وما هي باعتقادك المعوقات التي تحول بين المثقف وإمكانية تأثيره على حركة الشارع والناس والحياة ، وإذا لم يصل الأدب للجمهور، فأين يكمن العيب، وكيف يمكن من وجهة نظرك للأدب أن يصل الى أوسع قاعدة جماهيرية ؟
د. حسن حميد: علاقتي بالناس هي علاقة مبنية على أمر شديد الأهمية وهو وصول كتابي إليهم، وللأسف الكتاب لا يصل بسهولة للناس سواء أكانوا قريبين او بعيدين؛ لأن الظروف المالية تتحكم بالأمر، والحدود والحواجز تتحكم بالأمر أيضاً، وغياب الناقد، وانصراف وسائل الإعلام عن الموضوع الفلسطيني كلها تتحكم بالأمر. أنا غير مقروء في وطني الفلسطيني بسبب غياب كتابي، ولكني معروف عبر الأخبار، وهذا لا يكفي أبداً، علينا أن نخوض في تعب لغوب كي نوصل كتابنا إلى كل مكان. من أجل أن يعرف العالم أننا نموت عشّاقاً .