تباين فرنسي- اميركي حول موضوع السلاح والتفاوض
بدأ الحديث عن تعثر في انطلاقة “حكومة الانقاذ والاصلاح” برئاسة الدكتورنواف سلام، نتيجة إجراءات عديدة اتخذتها، منها ما يتعلق بالتعيينات الامنية التي وصفت بأنها عودة الى المحاصصة الرئاسية، ومنها ما يتعلق بآلية التعيينات الادارية التي اثارت خلافات وملاحظات وزارية حتى بين رئيسي الجمهورية والحكومة والتي طالت ايضا تعيين حاكم مصرف لبنان المركزي كريم سعيد خلافا لرغبة سلام، وبممارسات بعض الوزراء في وزاراتهم، وابرزها مواقف الرئيس

سلام نفسه ووزير خارجيته ووزيرالاتصالات كمال شحادة المحسوبين على القوات اللبنانية يوسف رجي، حول سحب سلاح حزب الله. انطوى وان معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” اصبحت من الماضي، وان حزب الله لا يلتزم بإتفاق وقف اطلاق النار وآلية تنفيذ القرار 1701، ما اثار موجة اعتراض علنية من نواب الحزب والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان، وتوتراً شعبياً برز عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وبعد الضجة التي اُثيرت صحح الرئيس سلام موقفه بالقول لمجموعة من الاعلاميين: ان “حزب ‘الله لديه جمهوره ونوابه وتمثيله، وما قلته مؤخرا هو ان فكرة معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” هي التي انتهت لأنها لم تذكر في البيان الوزاري الذي يشدد على حصرية السلاح بيد الدولة. فيما صدرت مواقف لوزير الثقافة غسان سلامة حول الموضوع اعلن فيها “ان سلاح الحزب موضوع داخلي لبناني، وهو ليس سبباً للتوتر والانفجار الداخلي، وإن الرغبة بالبحث والتفاهم الداخلي على المستوى الوطني في الإستراتيجية التي سنعتمدها للسنوات العشر المقبلة أمر طبيعي وضروري، لكن لا يمكن إختزاله فقط بمسألة السلاح”، فأثارت مواقفه حملة ضده من القوات اللبنانية بشكل خاص.
اضافة الى هذا، ما اثاره قرار وزير الاتصالات كمال شحادة (المحسوب على رئيس الجمهورية)عزل مديرهيئة اوجيرو الرسمية للإتصالات عماد كريدية، لأسباب قيل انها لرفض كريدية تلبية طلبات الوزير بالترخيص لمعدات تملكها شركة معدات للاتصالات للوزير (وايفز) تتيح لها التحول الى شركة اتصالات خلوية خلافا للقانون. لكن الوزير اصدربيانا لاحقا اوضح فيه انه باع اسهمه في الشركة عام 2012و2015 في لبنان والاردن والكويت وان له اسهما في شركة تحمل نفس الاسم لكنها شركة عقارية.لكن هذا التوضيح لم يوقف الحملة ضده.كما اثير خلاف بين الرئيسين حول تعيين مجلس ادارة تلفزيون لبنان الرسمي والالية المفترض اعتمادها.
والاهم في تعثر الحكومة، عجزها التام عن وقف الاعتداءات الاسرائيلية والانتهاكات اليومية للقرار 1701، وعدم القدرة على معالجة وضع الحدود مع سوريا بعد التوترات العسكرية التي شهدتها في اذار – مارس الماضي، برغم التواصل ً بصورة رسمية مع الادارة السورية الجديدة، عبر اللقاء الذي جرى في السعودية نهاية اذار بين وزيري الدفاع اللبناني ميشال منسى ونظيره السوري مرهف ابو قصرة بوساطة ورعاية سعودية، للبحث في مواضيع التوترات المسلحة على الحدود وسبل ضبطها ووقف التهريب، وترسيم الحدود البرية الواسعة المتداخلة. وجرى توقع اتفاق بين الجانبين ولكن تبقى العبرة بالتنفيذ، بعد زيارة رئيس الحكومة الى دمشق مع وفد وزاري ضم وزراء الخارجية والدفاع والداخلية ولقاء رئيس السلطة الجديدة احمد الشرع ووزراء الخارجية والدفاع والداخلية السوريين.
العلاقة مع سوريا
هدفت الزيارة حسب قول احد مستشاري الرئيس سلام لـ “الحصاد” الى البحث كل الامور العالقة والتي تتركزعلى تصحيح مسار العلاقات بين البلدين انطلاقاً من تثبيت سياسة حسن الجوار والتعاون وتبادل المصالح المشتركة عبر الخطوات الاتية: اعادة البحث في الاتفاقات القديمة والغاء ما لم يعد مفيداً منها والبحث في إتفاقات جديدة على كل المستويات. وضبط الحدود لمنع التهريب بكل اشكاله، والبحث في التعاون الامني بكل مندرجاته (المسجونين وتنظيم الدخول والخروج عبر الحدود الشرعية، وعودة النازحين، ومصير المفقودين اللبنانيين في سوريا)، وصولا الى ترسيم الحدود بصورة رسمية بمواكبة سعودية اسس لها لقاء واتفاق وزيري الدفاع في جدة قبل نحو اسبوعين.

واضافت المصادر ان الزيارة ستكون محطة لمرحلة مقبلة من التعاون الايجابي بين لبنان وسوريا بما يخدم مصالح الدولتين والشعبين. .
اميركا ونزع السلاح
في الشق المتعلق بالوضع الجنوبي، اتخذ التصعيد الاسرائيلي منحى جديداً بعد مرور اربعة اشهر على اتفاق وقف اطلاق النار وآلية تنفيذ القرار 1701، عبر العودة الى استهداف العمق اللبناني بالغارات الجوية التدميرية في ضاحية بيروت الجنوبي ومناطق البقاع شرقاً بعد اطلاق عدة صواريخ قديمة العهد عشوائيا من جنوب لبنان وبطريقة بدائية ومشبوهة، تجاه بعض المستوطنات الاسرائيلية، عدا استمرار الغارات على قرى الجنوب يومياً، بعد رفض لبنان رسمياً الاقتراح الاميركي- الاسرائيلي بتشكيل لجان تفاوض دبلوماسية حول ترتيبات الحدود تضم دبلوماسيين، وتمسكه بمفاوضين تقنيين عسكرين ومدنيين لتثبيت الحدود البرية وبتنفيذ اتفاق الهدنة المعقود عام 1949 .
وقال مصدر لبناني رسمي إن الولايات المتحدة كانت تدفع لبنان لاتفاق مع إسرائيل، يكون “أقل من التطبيع وأكبر من اتفاقية الهدنة”، موضحاً أن المقصود به يكمن في ضبط الحدود عبر نزع سلاح حزب الله من كامل مناطق الجنوب وليس جنوب نهر الليطاني فقط كما ينص اتفاق وقف اطلاق النار، وعلى نحو لن يسمح لحزب الله باستخدام سلاحه ضد اسرائيل.
ويقول مصدر سياسي بارز إن نائبة الموفد الاميركي الى المنطقة مورغان أورتاغوس تراجعت في زيارتها الثانية الى لبنان في الاسبوع الاول من شهر نيسان – ابريل الماضي عن الدعوة الى تطبيع العلاقات، وقالت ذلك بصراحة في لقاءاتها اللبنانية. وكانت اكثر ليونة وتفهما لوضع لبنان ذلك ان واشنطن تدرك جيداً وجود استحالة أمام لبنان لتطبيع علاقاته بإسرائيل، لكنها تضغط عليه بشدة عبر تبنيها علنا وعلى ألسنة كبار مسؤولي الادارة الاميركية الاعتداءات الاسرائيلية اليومية وتحمّل الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني مسؤولية ماتصفه “عدم كفاية الاجراءات اللبنانية المتخذة في الجنوب لنشرالجيش وسحب سلاح حزب الله”. وهو عمليا طلب يستبطن دعوة للإشتباك بين الجيش وحزب الله معما يحمله ذلك من انعكاسات خطيرة على مجمل الوضع اللبناني. ومع ذلك وصلت رسائل اميركية الى المسؤولين اللبنانيين مفادها “إما الالتزام بما هومطلوب وإما فإن الاعتدءات الاسرائيلية ستستمر وبوتيرة متصاعدة” وهذا ماحصل فعلاً.
لكن اللافت للإنتباه في زيارة اورتاغوس الاخيرة ربطها استمرار الدعم للبنان والشراكة مع اميركا بتحقيق امرين: نزع السلاح وتحقيق الاصلاحات بسرعة، وهذان امران يستغرقان وقتاً ليس بقصير.نظرا لما ابلغه الرئيس جوزاف عون للموفدة الاميركية ولاحقا لوفد “مجموعة الدعم الاميركية للبنان” زار بيروت مباشرة بعد اورتاغوس، ورد عون حسب معلومات مصادر الرئاسة: أن الإصلاحات وسحب السلاح هما مطلبان لبنانيان كما هما مطلبان للمجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية، ونحن ملتزمون العمل من اجل تحقيقهما. ولكن لبنان بحاجة الى الوقت والمساحة لحل الأمور بروية. ولمسنا ليونة من حزب الله في مقاربة الموضوع.
عون وآلية الحوار
وردا على سؤال الوفد عن رؤيته لطريقة سحب سلاح “حزب الله”، أكد الرئيس عون “أهمية اللجوء الى الحوار”، وقال: المسائل تحل بالتواصل والحوار ففي نهاية المطاف حزب الله هو مكون لبناني. ونحن سنبدأ قريبا بالعمل على صياغة استراتيجية الأمن الوطني التي تنبثق منها استراتيجية الدفاع الوطني.
وفي السياق أكد مصدر دبلوماسي اوروبي لـ “الحصاد”: أن إسرائيل واميركا تعطّلان انطلاقة العهد الجديد والحكومة الجديدة بمواصلة خرق اتفاق وقف النار. وإن موضوع السلاح ما زال يُشكّل العقبة الأساسية أمام الدعم الدولي للبنان وإعادة إعمارما هدّمته الإعتداءات الإسرائيلية، لا سيّما وأن الإدارة الأميركية الجديدة تضع كل ثقلها لحسم هذا الموضوع وتمارس ضغوطها على لبنان، وترهن وقف الإعتداءات الإسرائيلية بتحقيق مطلب نزع سلاح المقاومة.
لكن تمكن الرئيس عون من إقناع الجانب الاميركي بإمهاله فسحة من الوقت لانه وضع آلية لمعالجة مطلب حصرية السلاح بيد الدولة تقوم عى اولوية الإنسحاب الإسرائيلي من التلال والنقاط المحتلة وإعادة الأسرى وبدء التفاوض على النقاط الحدودية الـ ١٣ المختلف عليها. و بالتوازي وبعد حصول الانسحاب الإسرائيلي سيتم التواصل مع حزب الله من أجل البحث في ملف سلاحه خارج منطقة العمليات الدولية، لأنه يفترض في هذه المنطقة ألا يكون هناك سلاح للحزب لاسيما إذا انسحب الإسرائيليون.
تباين فرنسي- اميركي
وعلمت “الحصاد” من مصادر دبلوماسية اوروبية، ان هناك تباينا واضحا بين فرنسا والولايات المتحدة الاميركية حول التعاطي مع الوضع اللبناني، لا سيما لجهة معالجة وضع الجنوب والشروط الاميركية والاسرائيلية المفروضة على لبنان لوقف الاعتداءات.
وحسب المصادر فإن فرنسا لم توافق الطرح الاميركي بضرورة تلبية الطلبات الاميركية والاسرائيلية بتشكيل لجان سياسية اودبلوماسية وعسكرية للتفاوض مع الكيان الاسرائيلي حول مسائل تحقيق الانسحاب من المناطق الجنوبية المحتلة واطلاق سراح المعتقلين اللبنانيين ومعالجة مسألة تثبيت الحدود البرية جنوباً.
و الجانب الفرنسي لا يرى مبرراً لمثل هذه الضغوط والشروط، ويؤكد أن لبنان لم تنطلق منه رصاصة نحو اسرائيل منذ تنفيذ وقف اطلاق النار مع ان اتفاق وقف اطلاق النار اعطاه حق الدفاع عن النفس، وحزب الله ملتزم قرار الدولة ووقف اطلاق النار، ولا يوجد اسرى اسرائيليين لدى لبنان. والتفاوض حول الحدود لا يحتاج دبلوماسيين بل عسكريين وتقنيين من الادارات الرسمية كما حصل في ترسيم الحدود البحرية.والطرح الاميركي يتضمن خللاً بميزان القوى لمصلحة اسرائيل.
اضافة الى ذلك، تهدف فرنسا الى تحقيق الاستقرار في لبنان وخلق نوع من التوازن بمايفيد لبنان ويحافظ على خصوصيته الداخلية الحساسة والهشّة، وبما يقوّي موقفه التفاوضي ، بينما الطرح الاميركي والاسرائيلي بسحب السلاح وتشكيل لجان تفاوض سياسية يسهم في توتير الاجواء الداخلية اللبنانية امنيا وسياسياً، بينما العهد الجديد يسعى لمعالجة المسألة بالحواربين كل الاطراف لطرح الاستراتيجية الدفاعية الوطنية. عداعن ان فرنسا تسعى لإستعادة لبنان دوره وحضوره الاقليمي.
وفي السياق، اكد مصدردبلوماسي غربي مطلع على السياسة الفرنسية لـ “الحصاد” ضعف تأثيرالموقف الفرنسي على الجانبين الاميركي والاسرائيلي لوقف الاعتداءات، وقال: للأسف ان الكلام السائد في لبنان عن عدم تأثيرفرنسا صحيح، بدليل ان اتصالات الرئيس ماكرون اكثرمن مرة بالرئيس الاميركي دونالد ترامب ورئيس وزراء الكيان الاسرائيلي نتنياهو لوقف الاعتداءات لم تسفر عن اي نتيجة، وبقي الدعم والتبرير الاميركي لإسرائيل قائما بل بزخم اقوى.