مسألة اعادة النازحين إلى سوريا

في مراجعة لتاريخ اعادة النازحين إلى بلدانهم في دراسة للأمم المتحدة يظهر ان ما نسبته ٣٠-٣٥ ٪؜ منهم استقرت حيث نزحت لأسباب اقتصادية وسياسية وبسبب مرور سنوات على النزوح مما دفع النازحين للانخراط في مجتمعات حضنتهم وفتحت لهم مجالات العمل.

في لبنان تعد قضية النازحين السوريين واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيدًا والتي تستدعي تعاونًا واسعًا من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية. منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، لجأ ملايين السوريين إلى الدول المجاورة، بما في ذلك لبنان، الذي استقبل نسبة كبيرة منهم. ومع مرور الوقت، أصبحت تحديات إعادة هؤلاء النازحين إلى ديارهم أكثر تعقيدًا بفعل الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية المستمرة في سوريا. لذا، فإن التعاطي مع هذه القضية يتطلب استراتيجيات واقعية ومتكاملة تشمل مختلف الأطراف المعنية.

تعتبر الخطوة الأولى في إعادة النازحين إلى ديارهم هي استعادة الأمن والاستقرار في المناطق السورية. يتطلب ذلك تنسيقًا بين الحكومة السورية والمجتمعات المحلية والأطراف البشرية المعنية. فبدون وجود بيئة آمنة، لن يكون هناك حافز للسوريين للعودة إلى بلادهم. يجب أن تركز الجهود على تحسين الوضع الأمني في المناطق المتضررة من النزاع، كمدن حلب وإدلب وريف دمشق، مع معالجة المخاوف الأمنية التي تعيق العودة.

 من الضروري تعزيز التفاهم بين المجتمعات المحلية والمجموعات النازحة لضمان العودة الطوعية والآمنة.

من جهة أخرى، يلعب الدور اللبناني دورًا محوريًا في تسهيل العودة. تحتاج الحكومة اللبنانية إلى تبني سياسة واضحة ومنسقة تتعلق بالنازحين السوريين، تشمل تحسين الظروف المعيشية لهم في مخيمات اللاجئين والتأكد من حصولهم على أوجه الدعم اللازمة. علاوة على ذلك، يجب أن تتضمن هذه السياسة آليات لتنسيق الجهود بين المؤسسات الحكومية والهيئات غير الحكومية المحلية والدولية. كما ينبغي توفير معلومات دقيقة ومحدثة للنازحين حول الأوضاع في مناطقهم الأصلية لمساعدتهم في اتخاذ قرارات مبنية على الحقائق.

أما الحكومة السورية، فيجب عليها أن تبادر بإعادة بناء الثقة مع المواطنين السوريين الذين اختاروا العودة، من خلال تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية تعزز من استقرار البلاد. يجب أن تتبنى الحكومة سياسات تهدف إلى إعادة دمج النازحين في مجتمعاتهم، سواء من خلال توفير فرص العمل أو تحسين الخدمات الأساسية. يتطلب ذلك أيضًا معالجة المسائل المتعلقة بالعودة الطوعية وتقديم الدعم اللازم للعودة، مثل تسهيلات النقل والمساعدة المالية.

في هذا السياق، يلعب الدعم الإقليمي والدولي دورًا رئيسيًا في إعادة النازحين السوريين. يجب على الدول العربية والجماعات الإقليمية أن تسهم بفاعلية في هذا المجال، إذ يمكن أن يقدموا تمويلات ودعمًا فنيًا يساهم في إعادة الإعمار ودعم النازحين في مناطقهم. على سبيل المثال، يمكن لدول الخليج العربي تقديم الدعم لتعزيز مشاريع البنية التحتية في سوريا، مما يساهم في خلق بيئة ملائمة للعودة. من المهم أن تتعاون الدول الإقليمية مع منظمات دولية مثل الأمم المتحدة لتحقيق هذه الأهداف.

تلعب الأمم المتحدة بدورها الهام أيضًا من خلال منظماتها المختلفة، مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التي يمكن أن تتولى مسؤولية تنسيق الجهود الدولية وتقديم الدعم للجهود المحلية لعودة النازحين. يجب أن تعمل الأمم المتحدة على تعزيز برامج إعادة الإعمار والتنمية للمناطق المتضررة، مما يسهل عودة النازحين. علاوة على ذلك، ينبغي أن تتضمن استراتيجيات الأمم المتحدة دعوات إلى المجتمع الدولي لوضع خطط ملموسة لدعم لبنان، كدولة مضيفة تختبر ضغوطًا اقتصادية كبيرة نظرًا لاستضافة العدد الكبير من النازحين.

فيما يتعلق بمجلس الأمن، يجب أن يعبر عن دعمه لعمليات إعادة النازحين، ويُظهر استعداده للتدخل حال استمرت الأوضاع الأمنية غير المستقرة. يجب أن تؤخذ القرارات المتعلقة بحق العودة بعين الاعتبار جميع جوانب الوضع السوري، بما في ذلك الحفاظ على حقوق الإنسان وكرامة النازحين. يمكن للمجلس أيضًا أن يساهم في تعزيز التعاون بين الأطراف السورية المختلفة لضمان عودة آمنة وكريمة للنازحين.

تعتبر أهمية توفير الخدمات الأساسية في مناطق العودة من القضايا الحرجة. حيث يجب أن تتواجد خطط واضحة لضمان تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية القادرة على دعم العائدين. إن إعادة بناء المنازل وتوفير فرص العمل تعتبر من العوامل التي تساهم بشكل كبير في تعزيز استقرار المجتمعات العائدة. لذلك، تجب الاستفادة من موارد الدول المتقدمة والمجتمع الدولي لتحسين البيئة المعيشية لتحقيق العودة الفعلية.

رفع مستوى الوعي وتحسين الفهم بين المجتمعات المحلية والمجتمعات النازحة أمر لا يقل أهمية. يتطلب ذلك تنظيم ورش عمل وندوات محلية لتعزيز التفاهم المتبادل ومواجهة المفاهيم الخاطئة المبنية على الخوف أو التمييز. عند تعزيز الروابط الاجتماعية بين النازحين والمقيمين، يمكن أن يتم خلق هياكل مناسبة تؤمن عملية العودة الآمنة والمستدامة.

إن إشراك المجتمع المدني في عملية إعادة النازحين يمثل استراتيجية هامة. يجب تكليف المنظمات غير الحكومية بإنشاء برامج دعم للنازحين وعائلاتهم، وكذلك تسهيل وتعزيز الجهود التشاركية التي تجلب الفئات المختلفة معًا. إن مثل هذ النهج يعزز من الشفافية ويضمن أن تكون احتياجات النازحين موضع اهتمام في جميع مراحل إعادة الإعمار.

تتطلب عودة النازحين السوريين من لبنان إلى ديارهم رؤية شاملة تتضمن توطيد العلاقات بين لبنان وسوريا وتعاون الأطراف الإقليمية والدولية. لتحقيق ذلك، ينبغي أن تُبذل جهود منسقة وقائمة على احترام حقوق الإنسان وضمان سلامة العائدين. يجب على المجتمع الدولي أن يقف إلى جانب لبنان في معالجة التحديات التي يواجهها، كما ينبغي أن يُدعم الشعب السوري في رحلته نحو إعادة بناء وطنهم.

إن معالجة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للأزمة تتطلب فهمًا للأسباب الجذرية للنزوح، وبناءً على ذلك، ينبغي أن تُظهر القوى الإقليمية والدولية اهتمامًا خاصًا بقضايا الفقر والبطالة وعدم الاستقرار. إن وجود خطط تنموية تركز على المدى الطويل يمكن أن يمثل مفتاحًا حيويًا لنجاح هذه العملية.

علاوة على ذلك، تُعَدّ الوسائل الإعلامية الحديثة منصاتً مهمة لرفع مستوى الوعي وتعزيز الأسس الثقافية التي تدعم عودة النازحين. يجب توظيف هذه المنصات في تصوير قصص النجاح والتمكين الاجتماعي إذ تلعب القصص الشخصية دورًا هامًا في بناء التعاطف والفهم لدى المجتمعات المضيفة.

في النهاية، إن إعادة النازحين السوريين من لبنان إلى ديارهم تتطلب تجاهل الخيارات السهلة والتركيز على الحلول المستدامة. يجب أن تكون عملية العودة جزءًا من رؤية عالمية لاستعادة الأمن والاستقرار، ممزوجة بالتعاطف وفهم إنساني عميق للمعاناة التي مرت بها هذه المجتمعات. لن تنجح العودة إلا من خلال الجهود المستمرة والمدروسة التي تشمل جميع الأطراف المعنية، محليًا ودوليًا، والتي تسعى لتحقيق السلام والإعمار وأن تتوجه نحو أفق يعيد الأمل لشعب عانى طويلًا.

       محمد المشنوق

           وزير سابق