أولا. مستقبلات الصين في عام 2050
ومنذ عام 1991, والعالم يشهد بداية تحولات تاريخية فريدة في سرعتها وشاملة وعميقة في تأثير تحدياتها، فضلا عن أن مخرجاتها بدأت تؤسس لمعطيات دولية جديدة، التي من المرجح أن تؤدي حصيلتها إلى جعل معطيات الواقع الدولي الراهن تنتمي إلى زمان مضى، سيما وان نهاياتها تنفتح على احتمالات مشاهد بديلة عديدة. ومنها بداية تحول ميزان القوى بين القوى الكبرى لصالح قوى اسيوية وفي مقدمتها الصين.
وتفيد تجربة التاريخ الدولي أن هذا الميزان عندما يتغير، فإنه يفضي إلى أن يتغير النظام الدولي السائد إلى أخر مختلف. وبهذا الصدد لنتذكر مخرجات الحربين العالميتين الأولى والثانية مثلا والنظم الدولية التي نجمت عن كل منهما. ويرد هذا التغيير إلى ظاهرة الحراك الدولي، صعودا وهبوطا. ويفيد تاريخ السياسة الدولية أن هذه الظاهرة، كانت حصيلة لتزامن مخرجات نمو القدرة الذاتية على الفعل الدولي الهادف والمؤثر لدولة أوعده دول، مع تراجع هذه القدرة لدولة أو دول أخرى في الوقت ذاته.
وتنسحب ظاهرة الحراك الدولي في نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بشقيها الصاعد والهابط، على الدول المؤثرة حاليا في السياسة الدولية. فهذه الدول تتوزع على ثلاثة مستويات: دول كبرى تتقدم صعودا باتجاه قمة الهرم السياسي الدولي، ودول كبرى أخذت مكانتها الدولية بالتراجع التدريجي. وبينهما ثمة دول كبرى اخرى تكافح من أجل ديمومة بقاء مكانتها وتأثيرها الدولي.
وانطلاقا من أن عالم اليوم يتميز بالتغيير السريع وبتعدد وتنوع التحديات الناجمة عنه، يُعد مهما البحث الموضوعي في حاضر ومستقبل تلك الدول التي تتوزع على المستويات أعلاه، ولاسيما تلك التي تتقدم صعودا، كالصين خصوصا و/ أو تلك التي بدأت تتراجع هبوطا، كالولايات المتحدة. وتنبع أهمية البحث في هذا الموضوع من حقيقة أن المرء لا يستطيع بداهة نكران التأثير الممتد لسياسات الدول الكبرى، ولاسيما الأكثر تأثير, في تفاعلات السياسة الدولية.
يرى كثير من المحللين، ومنذ زمان سابق، أن الصين تعدٌ من بين أبرز مجموعة تلك الدول السائرة في طريق النمو وبوتائر سريعة. وجراء مخرجات النمو الصيني السريع قيل مثلا أنها “… المنافس المحتمل لمقارعة القوة الأمريكية والتفوق عليها، وهي من ستنهي القرن الأمريكي.”, أوانها “… ستقفز إلى المقدمة كأحد العوامل الأساسية التي ستحدد صورة هذا العالم (عالم القرن الحادي والعشرين) “.
وسواء اتفق المرء مع مثل هذه الآراء وسواها أو لم يتفق، ألا أنه لا يستطيع نكران حقيقة موضوعية هي أن الصين استطاعت، ومنذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي صعودا أن تحقق نموا متراكما ومتصاعدا في نوعية قدراتها الداخلية على الفعل، وأن حصيلة هذا النمو الاتجاهي والمستمر في القدرة الداخلية انعكس إيجابا على نوعية فاعلية سياستها الخارجية، ومن ثمٌ على نوعية دورها في النظام السياسي الدولي. فالصعود التدريجي الصيني باتجاه قمة الهرم السياسي الدولي لا يمكن نكرانه موضوعيا. فهذا الصعود يؤكد مصداقية الفرضية القائلة: أن بين نوعية الفاعلية الداخلية لكل دولة وفاعليتها الخارجية تقوم علاقة تكون أما طردية موجبة عندما تكون هذه الفاعلية الداخلية مؤثرة، وأما تكون عكسية سالبة عندما تتسم هذه الفاعلية بحالة التراجع.
وكما يفيد عنوان مقالنا هذا، سننصرف أولا إلى استشراف مستقبلات الصين في عام 2050, ومن ثم سنتناول ثانيا، في مقال الشهر القادم, أنماط التعامل الصيني مع الوطن العربي في هذا العام ذاته. وبهذا يتماهى مجمل تناولنا للموضوع مع التطبيق العملي لتلك الدراسات واسعه الانتشار عالميا والمعروفة تحت اسم دراسات المستقبلات Futures Studies)). وكما تفيد جل تطبيقاتها العملية، لا تنصرف هذه الدراسات إلى التنبؤ القاطع بما سيكون، وإنما إلى استشراف المستقبلات المحتملة والمتعددة: الممكنة او المحتملة أو المرغوبة، لموضوع الاهتمام البحثي.
أولا، مستقبلات الصين في عام 2050
لا يعد الحديث عن المشاهد الممكنة أو المحتملة للزمان الآتي، بمعنى المستقبل، موضوعيا إذا لم ينطلق من معطيات الواقع والاتجاهات التي يفرزها. والشيء ذاته ينسحب على الصين. فمشاهد مستقبلها الممتد إلى عام 2050 تتحدد على وفق مخرجات تفاعل معطيات فاعليتها الداخلية مع حصيلة مخرجات سياستها الخارجية. وفي ضوء مخرجات معطيات الواقع الداخلي والخارجي للصين، نرى ان المشاهد المحتملة والبديلة لمستقبلات الصين في عام 2050 تتحدد بثلاثة منها، وكالاتي بالتتابع:
1.1 قيادة الصين للنظام الدولي متعدد الأقطاب.
يفيد هذا المشهد بعودة الصين، ومثلما كانت خلال فترة امبراطوريتها, 1840-1368م، إلى أن تكون مرة أخرى مركزا دوليا فاعلا. لذا، وانطلاقا من حكمة صينية قديمة قوامها لا تركبوا في عربة واحدة، عمدت الصين، من أجل تأمين دعم فاعليتها الداخلية والخارجية، إلى أن تضحى بمثابة القاعدة الإساس في أربع مثلثات تضم مجموعة دول توليها في الوقت الراهن أهمية خاصة، هي الاتي:
فأما عن المثلث الاول، فهو المثلث الدولي الصغير، الذي يجمع الصين قوميا بكل من هونك كونك، وماكاو، وتايوان. وفي هذا المثلث ينصرف الهم الصيني إلى تامين استعادة تايوان(فرموزا)، مثلما تم استرجاع هونك كونك وماكاو في وقت سابق عبر أداة الترغيب. وينطلق هذا الهم من رؤية لتايوان كجزء لا يتجزأ من الوطن الصيني الواحد، وان استعادتها في وقت ما عبر الترغيب و/أو الترهيب هو السبيل لتحقيق الفكرة التي تتأسس عليها هذه الرؤية، اُي: اعادة التوحيد ضمن إطار دولة صينية واحدة، ولكن بنظامين. لذا راحت الصين إلى رفض فكرة وجود أكثر من صين واحدة، وذهبت إلى مقاومتها عبر تبنيها لثمة افعال تباينت مضامينها من حالة إلى أخرى.
ففي حالة تلك الدول التي تنزع إلى إقامة علاقة رسمية مع تايوان والتي توليها الصين أهمية عامة ، فالسياسة الصينية التعمد إلى الحيلولة دون ذلك عبر توظيف سياسة الترغيب والترهيب حيال هذه الدول. وجراء ذلك، لا يعترف بتايوان كدولة مستقلة إلا عدد محدود من الدول. أما في حالة الدول ذات الاهمية الخاصة بالنسبة للصين، فإنها تتبنى سياسة تجمع في أن بين التغاضي عن أنماط حركة هذه الدول مع تايوان و/أو الاحتجاج عليها تبعا لطبيعة هذه الحركة، كالعلاقة الامريكية-التايوانية. وبهذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة في الوقت الذي تعترف بالصين كدولة واحدة، ولا تقيم علاقات دبلوماسية مع تايوان، إلا أنها تمنحها دعما يستوي والخصوصية. وهذا الدعم قد يشكل أحد المداخل لعلاقة متوترة صينية – أمريكية.
واما عن المثلث الثاني، فهو المثلث الدولي المتوسط، الذي يجمع الصين بكل من اليابان والهند. وتفيد طبيعة العلاقة بين أطراف هذا المثلث، انها غير متماثلة. فبينما هي علاقة تعاون وتنافس مع اليابان، هي علاقة تنافس وصراع كامن مع الهند، وعلى الرغم من تباين العلاقة مع هاتين الدولتين، إلا أن إدراك الصين لأهمية هذا المثلث، بشريا واقتصاديا وتجاريا واستراتيجيا، فضلا عن امتداده جغرافيا من جنوب غرب اسيا إلى جنوب وشمال شرقها، يدفعها إلى أن تكون مؤثرة في تفاعلاته.
ومما يساعد على ذلك ان جل الدول التي تدخل ضمن الرقعة الجغرافية لهذا المثلث لا تشكل منافسا للصين كإندونيسيا، وكوريا الجنوبية والشمالية، وسنغافورة. وعلى الرغم من ان الهند تشكل حاليا ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الاقتصادين الامريكي والصيني، إلا انها تبقى اقل قدرة من الصين على العديد من الصعد. وعلى الرغم من علاقة التنافس والصراع الكامنة بين الدولتين، إلا أن استمرار النمو الصيني شبه الشامل بمعدله المرتفع قد يدفع بالهند الى الارتقاء بعلاقتها مع الصين إلى مستوى التعاون ربما استعدادا لمشاركتها القيادة الاسيوية. والشيء ذاته قد ينسحب أيضا على اليابان.
وأما عن المثلث الثالث، فهو المثلث الدولي الكبير، الذي يجمع الصين بكل من الولايات المتحدة واليابان. وينطوي هذا المثلث على اهمية لأطرافه تنبع من الحاجة المتبادلة لبعض. فالحاجة الامريكية للصين، تجاريا وسياسيا، تتقابل مع الحاجة الصينية للانفتاح على الغرب عموما، والولايات المتحدة الامريكية خصوصا لأغراض تجارية وتكنولوجية وكذلك سياسية تشمل توظيف العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية لطمأنه دول الجوار الصيني من نواياها حيالهم.
أما بالنسبة للحاجة المتبادلة الصينية- اليابانية فهي تكمن في النزوع المشترك إلى مقايضة ما يتوافر لدى كل طرف بما لا يتوافر لدى الطرف الاخر، فضلا عن توظيف الصين لعلاقتها مع اليابان كأداة مضافة وداعمة لتطور العلاقة الصينية-الامريكية، وكذلك توظيف اليابان لعلاقتها مع الولايات المتحدة الامريكية لتطوير علاقتها مع الصين.
واما المثلث الرابع، فهو المثلث الدولي ، الذي يجمع الصين إلى روسيا الاتحادية وكذلك إلى المانيا الاتحادية، فأهميته تنبع من اهمية اطرافه. فعلى الرغم من معاناتها الداخلية، تبقى روسيا الاتحادية دولة مهمة على صعيد الامن الاسيوي والعالمي جراء نوعية قدراتها العسكرية، اضافة إلى عضويتها الدائمة في مجلس الامن. اما بالنسبة إلى المانيا، فان أهميتها كأكبر اقتصاد أوربي متفاعلة مع علاقتها الايجابية والمتطورة مع الصين منذ سنوات طويلة، هي التي تؤسس للأهمية التي تحضي بها من قبل الصين.
وفي ضوء النتائج الايجابية التي حققتها الصين جراء حركتها الواقعية في مثلثات سياستها الخارجية ومخرجاتها في رفد عملية البناء الداخلي بمقومات الارتقاء، نرى أن ماوتسي تونك لو عاد حيا وتم سؤاله: ماذا فعلت من اجل الصين؟ فسيقول: ” لقد حاولت ان اجعل من الصين قوة دولية مؤثرة، فنصحني الزمان بتأجيل ذلك إلى نهايات القرن الحادي والعشرين. فالصين ستصبح قوة عظمى وتحقق حلمها القومي.”
2.1 المشاركة في تشكيل النظام الدولي متعدد الأقطاب
يفيد هذا المشهد الثاني أن المرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام الدولي تتسم بثمة معطيات لا تسمح مخرجاتها أن يفضي التمركز الراهن لمصادر القوة والتأثير في دولة عظمى واحدة هي الولايات المتحدة الأمريكية باستمرار تربعها على قمة الهرم الدولي منفردة. والى هذا تدفع مخرجات ثلاث معطيات دولية أساسية، هي أولا، بداية تراجع الدور والتأثير العالمي للولايات المتحدة الأمريكية. وثانيا، استمرار صعود دول كبرى تقليدية كالصين وأخرى جديدة بازغة كالهند واليابان وألمانيا باتجاه قمة الهرم الدولي. وثالثا، الرفض الدولي الواسع لديمومة الهيمنة الأحادية الأمريكية
كذلك لا تسمح معطيات هذه المرحلة الانتقالية أن يكون التمركز الراهن لمصادر القوة والتأثير في دولتين هما الولايات المتحدة الأمريكية والصين مدخلا لقيام توازن بنيوي بينهما وتقاسم النفوذ والتأثير بينهما. وتكمن هذه المعطيات مثلا في مخرجات التنافس والصراع بين هاتين القوتين والقوى الفاعلة في دوائر التأثير الأمريكية أو الصينية كل على حدة.
ولان المعطيات الدولية لم تعد تسمح إلا بنظام القطبية الدولية المتعددة يفترض هذا النظام توافر مجموعة من الدول، العظمى والكبرى التقليدية والبازغة على قدرات تأثيرية متماثلة تقريبا، فضلا عن سعيها إلى تأمين مصالح متماثلة ومتناقضة في أن، وكذلك توافرها على ارادة الفعل تحقيقا لمصالحها وعلى الاستعداد لتحمل اعبائه ونتائجه. إن توافر هذه الشروط يفضي إلى بلورة هيكلية دولية قوامها تعدد الاقطاب. ومما يؤكد ذلك ان العالم صار، ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي في بداية عقد التسعينيات الماضي، يتكون تدريجيا على نحوٍ جديد، سيما وان معدل حركة هذا التكون يتسم بتسارع أكثر من معدل تسارع حركة تراجعه. وهنا لنتذكر مرة اخرى قانون الحراك الدولي، الذي يؤكد ان هبوط ثمة قوى دولية من قمة الهرم الدولي تقابل دوما مع صعود غيرها اليها.
وتُعدٌ الصين من بين القوى الدولية، التي يحتمل، وبدرجة عالية، ان تكون طرفا مشاركا في بناء هيكلية تعدد الاقطاب الدولية. ومما يدعم ذلك انها صارت قوة كبرى تتجه إلى أن تكون عظمى، فضلا عن إنها صارت تسعى عبر سياستها الخارجية، وان ببطيء وحسابات ذكية، إلى انجاز ادوار سياسية دولية سبيلا لتحقيق اهداف اقتصادية وسياسية واستراتيجية متكاملة منشودة، وذلك ضمن إطار رؤية استراتيجية متوازنة وطويلة الامد تحقيقا للغاية النهائية للمشروع القومي الصيني المنشود: القيادة والريادة الدولية. ومن هنا جاء الانفتاح السياسي الخارجي الواسع، بمخرجاته الآيجابية المتنوعة، سبيلا لترتيب الأرضية المواتية التي تساعد على تحقيق هذه الغاية.
3.1 قيادة عالم الجنوب
يُعبر هذا المشهد الثالث عن ثمة ثوابت أساسية اقترنت بها السياسة الخارجية الصينية، منذ مرحلة ماوتسي تونك، حيال عالم الجنوب، او العالم الثالث كما كان يسمى خلال مرحلة الحرب الباردة. فمنذ أن طرح ماوتسي تونك نظرية العوالم الثلاثة في عام 1974, التي انطوت على تأكيد انتماء الصين إلى عالم الجنوب/الثالث/ ، وهي حريصة، عبر الزمان، على بناء علاقات وطيدة مع هذا العالم ادراكا منها لأهميته الاقتصادية والاستراتيجية. وقد دفعها هذا الحرص إلى تبني سياسة تتميز بها قوامها عدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، اضافة إلى ان استمرار رؤية صناع القرار الصيني ان بلادهم تنتمي إلى هذا العالم. فقد سبق للرئيس الصيني الحالي في معرض حديثه عن العلاقة بين الصين والعرب تأكيده على انهما “…عضوان في معسكر الدول النامية ” ومما يدعم هذا القول مثلا عضوية الصين في مجموعة من المنظمات الاقتصادية التي تجمعها ثمة دول من عالم الجنوب. ومنها مثلا: مجموعة 77, ومنظمة شانغهاي للتعاون، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ومنظمة بريكس، فضلا عن مبادرة حزام واحد طريق واحد.
وقد تقابل هذا الحرص مع استجابات دول عالم الجنوب للسياسة الصينية حيالها تباينت مدخلاتها من دولة إلى اخرى عبر الزمان. فسابقا كان الموقف المناهض لعدد منها للسياسات الامريكية و/أو السوفيتية مدخلا مهما دفع إلى بناء علاقة وطيدة مع الصين. أما لاحقا، فلقد اضحى هذا الموقف مقترنا بتطلع العديد من هذه الدول إلى توظيف الدعم الصيني لها لأغراض تنموية وسياسية، ومنها الاستفادة من التجربة الصينية في التنمية، فضلا عن حاجتها إلى دعم قوة دولية مؤثرة لها.
وجراء ما تقدم، تطورت العلاقات المتبادلة بين الصين والعديد ومن دول عالم الجنوب بوتائر متصاعدة وعلى صعد عدة. من بينها مثلا العلاقات مع الدول العربية. فبينما كان حجم التبادل التجاري العربي-الصيني[1] ، في عام 1979 نحو800 مليون دولار، تصاعد إلى أكثر من 330 مليار دولار في عام 2022 بزيادة قدرها 37% بالمقارنة مع عام 2020. ومن المرجح ان يستمر هذا التطور مدعوما بالحاجة المتبادلة وكذلك بتعاظم الدور السياسي الصيني، إقليميا وعالميا، وتصاعد تأثيرها الاقتصادي، وقدراتها العسكرية، وبمحصلة قد تؤسس الارضية لقيادة صينية لعالم الجنوب بقاراته الآسيوية والأفريقية والأمريكية الجنوبية. وجراء هذا التطور، يفيد السلوك الصيني حيال دول عالم الجنوب إن الصين لا تترد عن تبني أنماط سلوكية حادة حيال تلك الدول التي تتعرض للمصالح الصينية الراهنة والمستقبلية في احدى هذه الدول.
وفي ضوء مضامين هذه المشاهد، نرجح ان المشهد الأول، أي الصين كقائد للنظام الدولي، هو الذي سيكون لصيقا بالنزوع الصيني نحو الريادة الدولية في عام 2050، ومترجما اياه إلى واقع ملموس، ليس فقط لإنه يتماهى مع المشروع/الحلم القومي الصيني وإصرار صناع القرار الصيني على تحقيق هذا الحلم فحسب، وانما لان كل من المشهدين، الثاني والثالث، يندرجان تحت مضمونه ايضا. لذا لا غلو في القول ان الصين ستكون وعلى الأرجح هي القوة الدولية العظمى في عام 2050. وهذا يتطلب الاستعداد عربيا لهذا الواقع ابتداء من وقت مبكر.
*أستاذ العلوم السياسية/ السياسة الدولية ودراسات المستقبلات / لندن
ورئيس وحدة استشراف المستقبلات في المعهد العالمي للتجديد العربي