أمراض العظام والمفاصل الشائعة… بين الاستهتار والتغيّرات الحياتيّة

من بيروت رنا خير الدين

بنية الإنسان تركيبة متجانسة ومتكاملة من الداخل، تتكامل بالأوردة والعقل والروح. شبكة الجسم مكوّنة من أعضاء وظيفية، جسمانية وإدراكية وأي خلل في أي عضو يرافقه تراجع جزئي أو كلّي في عمل أعضاء أخرى بحسب ارتباطه.

كم ساعة تقضي على الهاتف المحمول (الموبايل)؟ كم من الوقت تقضي جالساً أمام شاشة الحاسوب؟ هل تمارس الرياضة؟ السباحة؟ حركات التمديد؟ كل هذه الأسئلة وغيرها يطرحها عليك يا عزيزي، طبيب العظام والمفاصل، في حال زرته لألم في الظهر، أو المفاصل أو حتى ألم

الام المفاصل عضوية او نفسية

تمزّق العضل.

كثُرت في الآونة الأخيرة مشاكل في الظهر والأكتاف والرقبة وغيرها، حيث تميل الحياة اليوم إلى المكننة والتطور والابتعاد عن الإنتاجية البشرية التي كانت كالسابق في المجتمعات، فبات الطفل منذ صغره يعتاد الجلوس ومشاهدة التلفزيون أو برامج على التلفون، ما أنتج مشاكل صحية وعقلية وإدراكية ترافقها على المدى الطويل اضطرابات في البنية الجسدية وضعف قدرتها على التحمّل.

لذا ومن هنا، اختارت  »الحصاد« التطرّق كالعادة إلى المشاكل الصحية التي تزداد في الآونة الأخيرة حتى يجري تداركها قبل فوات الآوان. فالوقاية خير من ألف علاج. وفي هذا التقرير يشرح لنا البروفسور  »خضر حيدر حسن« أخصائي في جراحة العظام والمفاصل أبرز مشاكل العصر اليومية، ونتائج سوء الوقاية والإهمال في بعض الحالات وكيفية ترابط الهيكل العظمي بالنسيج الجسدي الكلّي كشبكة متلازمة.

مشاكل العظام

تختلف المشاكل الصحية مع كل عصر، وتبرز أنواع جديدة من الآلام والأوجاع مع التطوّر السريع في طبيعة حياة الإنسان اليومية، فبعد أن كان الفرد يقوم بكلّ أعمال الزراعة والفلاحة والاعتناء بالمواشي لتأمين عيشه بات اليوم يجلس ساعات طويلة ويحلّ أعماله عبر الكمبيوتر أو الاتصالات الهاتفية، بمعنى أصبحت هذه الحياة اليومية شبه معدومة الحركة والدينامية. ما أنتجت عنها مشاكل صحية في الجسد ككلّ والجهاز العظمي في الجسم بشكل خاص. الدكتور  »خضر حيدر حسن« عرّفنا على أبرز مشاكل العظام الحالية والمفاصل والأربطة. وهي تتلخص بالآتي:

التهاب أوتار اليد: ظهرت مؤخراً حالات التهاب أوتار اليد، من جراء الاستخدام الزائد والخاطئ للهاتف. فالقيام بحركات اليد المتكرّرة لمدة طويلة دون انقطاع يؤدي إلى إرهاق الأوتار وتشنجها ما يصعب حركتها بعد مدّة.

تشنّج عضلة الرقبة: من جراء الجلوس وانحناء الرقبة للأسفل.

كل عملية متكرّرة على فترة طويلة باليد، أو الكتف أو الأرجل يعرّض الفرد إلى التهاب في أوتار المفاصل.

تزايد أعداد المصابين بالتكلّس، خصوصاً كبار السنّ، بسبب قلّة الحركة والجلوس ساعات طويلة وأسباب أخرى عضوية ونفسية.

التهاب المفاصل وعوارضه

يقول الدكتور حسن: لا بدّ من تحديد معنى المفصل، المفصل هو المنطقة التي تجمع اثنين أو أكثر من العظام. معظم المفاصل تكون متحرّكة، مما يسمح للعظام بالحركة، وتتكوّن المفاصل من: غضروف، الغشاء الزليلي، الأربطة، الأوتار، السائل الزليلي. كلّ هذه الأنسجة تغطّي المفاصل لإمكانية الحركة.

أسباب التهاب المفصل

ويعيد الدكتور حسن التهاب المفصل لأسباب عدة، منها:

ـ أسباب جرثومية كإصابة الجيوب الأنفية بالتهاب.

ـ خلل في جهاز المناعة حيث يفرز الجسم مضادات حيوية لخلايا المفصل حتى يدمّره، بالتالي ينتج عن ذلك التهاب في المفصل.

ـ الوراثة والتاريخ العائلي يلعبان دوراً كبيراً فى تعرّض الأفراد إلى الإصابة.

ـ الوقوف كثيراً يؤدي مع العمر إلى خطر الإصابة بالتكلّس الذي يعتبره البعض أنه نوع من أنواع التهاب المفاصل. ولا بدّ من الإشارة إلى أن الوزن الزائد يمكن أن ينتج مشاكل في المفاصل والتهابها.

إن عوارض التهاب المفاصل تختلف عن تلك التي تحدث في العظام، حيث يحدث تورّم واحمرار في المفصل، وانتفاخ جراء تخزين المياه فيه.

التهاب العظام أو Osteoarthritis

التهابات العظام والمفاصل من أكثر الأمراض الشائعة بين ملايين الأشخاص حول العالم، خاصة كبار السنّ والسيدات، وتعيقهم عن الحركة بأريحية وأداء الأعمال اليومية المخوّلين بها. والتهابات العظام خطرة وحلولها صعبة، أبرز أسبابها جرثومية. تنتقل الجرثومة إلى العظام من

البروفسور الدكتور خضر حيدر حسن

خلال جرح عميق لم يعالج.

التهابات العظام، يصنّفها الدكتور “خضر حيدر حسن” بأنواع عدة منها، التهابات روماتيزمية تحدث بسبب بروتينات في الدم، التهابات صديدية نتيجة وصول البكتيريا إلى العظام عن طريق جرح أو حادث أو عن طريق الدم، التهابات نتيجة الاحتكاك المستمر.

علاج هذه الأنواع من التهابات العظام يكون عبر العلاج الدوائي، عدا عن الالتهابات الصديدية فهي تحتاج إلى تدخل جراحي لإزالة أي أنسجة ميتة وزراعة مضاد حيوي موضعي بعد التنظيف، ثم بناء أنسجة جديدة بطرق جراحات إصلاح التشوّهات وبناء العظام، مع تجنّب الإسراف فى استعمال المضادات الحيوية، لأنها لا تفيد بدون تنظيف جيد للعظام، فضلاً عن الأعراض الجانبية التي قد تتسبّب بها، حسبما يقول الدكتور  »خضر حيدر حسن«.

أفضل طريق للوقاية من هذه الالتهابات يكون من خلال اتباع نظام حياة صحي، يتضمّن تناول الغذاء الطبيعي الصحي وممارسة الرياضة بانتظام والنوم المنتظم والابتعاد عن التدخين وتجنّب المياه الغازية والمواد الحافظة، مؤكداً أن أسلوب الحياة الصحي هذا يضمن تمتّع الإنسان بمناعة قوية ويضمن تعزيز صحة المفاصل والعضلات والأربطة بما يحمي الجسم من الإصابة.

متلازمة الألم العضلي المتفشّي أو fibromyalgia؟

يقول الدكتور “حسن” إنها حالة مرضية تتميز بانتشار ألم مزمن في أماكن متعددة من الجسم مع استجابة شديدة ومؤلمة عند الضغط. ألم يصيب نقاط العاطفة الزائدة، وهذه الحالة بدأت تزداد عند الذكور. العلامات التي تعرف بمتلازمة الألم العضلي المتفشّي هي: ألم مزمن واسع الانتشار، التعب، اضطراب النوم، ألم شديد عند الضغط اللمسي. بالإضافة إلى أعراض أخرى قد تشمل الشعور بوخز في الجلد، تشنّجات عضلية مطوّلة، وهن في الأطراف، ألم عصبي، انتفاض أو ارتعاش العضلات، الخفقان، اضطرابات في وظيفة القولون.

يرجّح أسباب هذه حالة إلى مجموعة عوامل نفسيّة، جينيّة، عصبيّة حيويّة، وبيئيّة. وهناك أدلة تشير إلى أن العوامل البيئيّة وجينات محدّدة تزيد خطر الإصابة بمرض الألم العضلي المتفشّي.

 »الفيبرومالغيا« عادةً ما تكون مصاحبة باضطرابات عقلية وبعض الاضطرابات الجسديّة – كالقلق، الاكتئاب، متلازمة القولون المتهيّج، متلازمة التعب المزمن.

 »الكلية الأميركية لطبّ الروماتيزم« تصنّف هذه المتلازمة بأنها متلازمة وظيفيّة جسديّة. أما الاتحاد الأوروبي للتصدّي لأمراض الروماتيزم يصنّفها على أنها اضطراب عصبي حيوي ونتيجة لذلك يقوم حصرًا بدعم علم المعالجة الدوائية إلى حدٍ كبير.

ويشدّد دكتور  »خضر حيدر حسن« على أن أهمّ علاج لهذه الحالة هو قضاء عطلة بعيداً عن ضغوط العمل والعائلة والاضطرابات اليومية والتشنّجات الناتجة عن القلق. فكلّ مشكلة عضوية لا يمكن أن تتأثر بالمكان بينما حالة الإنسان النفسيّة تتفاوت من مكان إلى آخر، فالعمل في المكتب له تأثير مغاير عن قضاء إجازة خارجاً.

في بعض حالات  »fibromyalgia” تكون استشارة معالج نفسي مفيدة أكثر من المعالج الجراحي في العظام والمفاصل.

نصائح وقائية

ويقدّم الدكتور “خضر حيدر حسن” مجموعة نصائح وقائية، منها:

ممارسة الرياضة، كالسباحة، كرة الطائرة وكرة السلّة.

النوم ساعات كافية لا تقل عن 7 ساعات في اليوم.

الحصول على الأغذية التي تحتوي على فيتامين D، فيتامين A، فيتامين K، فيتامين C، الكالسيوم.

إجراء الفحوص بشكل دوري كلّ ستة أشهر.

الابتعاد عن العوامل المسبّبة للضغوط النفسية والقلق.

استخدام مخدّة توازي مستوى الرقبة.

البروفسور “خضر حيدر حسن” في أسطر

أخصائي في جراحة العظم والمفاصل، حائز على دكتوراه دولة أبحاث في الغذاء والصحة، ماجستير في علم أمراض الكتف، ماجستير في الطبّ الشرعي وعلم السموم، ماجستير في أمراض تدمير وإعادة بناء العظم.

متخرّج من جامعات ومستشفيات فلورنسا وبولونيا وإيطاليا. عضو الجمعية الإيطالية لجراحة العظم والمفاصل، أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.

 

العدد 96 – ايلول 2019