إنتفاضة أكتوبر صحوة في الضمير العراقي

الانتقال من المطلبية الى دعوة إسقاط النظام أحدث إرتجاجاً في المسرح السياسي

د. ماجد السامرائي

في الأول من اكتوبر الماضي انطلقت تظاهرات حاشدة في العاصمة بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية، كانت تجمعات الشباب المتظاهرين في ميدان التحرير ذات طابع سلمي ركزّت في اليوم الأول على القرار الحكومي الجائر بطرد الساكنين في الدور المتجاوز عليها بما سمي  »العشوائيات« ويعدون بعشرات الألوف دون أن توفرلهم السلطات المختصة البدائل من السكن، الى جانب طرد البائعين المتجولين في بغداد من مواقع الأكشاك المسماة بالعراقية (البسطات) ومنع أرزاق آلاف العوائل دون ان توفر البديل المشرّف، كما سبق يوم انتفاضة أكتوبر تظاهر مجموعة من خريجي الدراسات العليا العاطلين المحتجين أمام مقر الحكومة ببغداد وتم تفريقهم بخراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع وعجّل ذلك بالانتفاضة الكبرى. وتزامناً مع تظاهرات ميدان التحرير ببغداد إنطلقت تظاهرات شبابية واسعة في مدن الناصرية والكوت وكربلاء والديوانية والبصرة التي سبق أن قمع شبابها عام 2018 بالرصاص ولم تنفذ مطالبهم المشروعة بالعمل والخدمات. كان الرد البوليسي على تظاهرة ميدان التحرير عنيفاً باستخدام المياه الساخنة والقنابل المسيلة للدموع، ثم تحوّلت الى استخدام الرصاص ضد الشباب العزل من السلاح وفضيحة  »القناصة« لم تبددها الحكومة، ووقع عدد من الشهداء الضحايا مما ضاعف شدة تلك المظاهرات، وتطورت فيما بعد الى هياج شبابي واسع في جميع المحافظات الوسطى والجنوبية، وبدلاً من خيار الانحياز الى الجمهور من قبل رئيس الوزراء عبر خطاب شعبي يعلن فيه التضامن معهم اختار في الأيام الأولى الصمت وتوجيه الأجهزة المعنية بقطع الانترنيت وإعلان حضر التجوال وغلق الطرق وهو خيار الدولة البوليسية وليست الدولة الديمقراطية. إن أهم تحول نوعي في طبيعة تظاهرات أكتوبر عن سابقاتها إنها يتيمة لا أب ولا أم لها سوى الشعب، ولم يخضع الشباب المنتفض لأجندات سياسية داخلية أو خارجية، وخرجت بصورة خاصة عن عباءة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر رغم إن المتظاهرين هم من الشباب  »الشيعة« ومن المناطق المعروفة بغالبيتها الشيعية كمدينة  »الثورة« ببغداد وكذلك مناطق الشعلة والزعفرانية وغيرها من المناطق المسحوقة في شرقي العاصمة بغداد، بل إن أكثر مدن الانتفاضة قوة هي مدينتي الناصرية والبصرة وكربلاء التي كانت أكثر صلابة وشدة في شعاراتها الوطنية العراقية وفي تشبثها برفض الدخيل الإيراني. إن انتفاضة الشباب العراقي لا يمكن تحجميها بمطالب معدودة وإنما هي تعبير عن سخط عام على الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية. لقد اهتزت أركان النظام (البرلمان والحكومة والرئاسة) حيث سارع رؤسائها الى التشاور السريع لمواجهة التداعيات فعقدت اجتماعات متواصلة منذ الأول من أكتوبر فيما كان الدم يسيل في شوارع بغداد والمدن الأخرى واتخذت بعض القرارات المتعلقة بذوي الدخل المحدود فأصدرت الحكومة سلسلة قرارات وصفتها  »بالمهمة«، خلال جلستين استثنائيتين برئاسة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، رداً على مطالب المشاركين في الاحتجاجات.وتضمنت القرارات الجديدة عدة فقرات أبرزها تسهيل الحصول على أراض سكنية، وبناء وحدات جديدة، إضافة إلى منح 175 ألف دينار (نحو 145 دولارا) شهريا للعاطلين عن العمل، لمدة 3 أشهر.وإنشاء  »مجمعات تسويقية« حديثة بمناطق تجارية في بغداد والمحافظات.كان الغرض من تلك القرارات هو امتصاص النقمة المباشرة للشباب، لكن تلك القرارات افتقدت الى أهم عنصرين الأول : إلقاء القبض على القتلة وإعلان هوياتهم على العراقيين وإحالتهم الى محكمة خاصة يحضرها ذوو الشهداء وتنقل عبر الشاشات لكي تطفئ نار أهل المغدورين، والقرار الثاني هو إحالة رؤوس الفساد الى القضاء وفضحهم عبرالاعلام ورئيس الحكومة يعرفهم واحداً واحداً ولديه ملفاتهم، هذان الإجراءان لم تتخذهما حكومة عادل عبد المهدي لكي لا تغضب الأحزاب الحاكمة. لكن رئيس الحكومة (عادل عبد المهدي أخذ يستل بعض مشاريع القوانين من مجرات مكتبه ليحيلها الى البرلمان وكأنه كان بحاجة الى هذه الدماء الزكية للشباب لإيقاضه. لقد استطاعت انتفاضة الشباب وعرس الدم أن تحاصر جميع صنوف الطبقة السياسية لدرجة إنهم صمتوا في اللحظات الأولى وتركوا لرصاص القناصة والمدسوسين داخل الأجهزة الأمنية أن يأخذوا دورهم الدموي في الاجرام والكراهية والحقد على شعب العراق وقتل شبابه، ثم بدأت مرحلة الإفصاح عن الوجه السياسي المواجه لهذه الانتفاضة وهو في الحقيقة وجهان الأول تطميني يحاول تخفيف الأزمة وتقديم بعض الحلول العاجلة والثاني تحريضي بوليسي أعطى الوجه الآخر الأكثر خطورة على أمن الشعب رغم إن رواده يدعون حماية أمنه. الرئاسات الثلاث تحدثت بلغة متباينة في التعبير لكنها انطلقت من مضمون واحد في التهدئة غرضها الرئيسي هو الدفاع عن العملية السياسية في مرحلتها التنفيذية الحالية ومحاولة حمايتها وحماية زعمائها من مخاطر الإزاحة والتغيير على يد الشعب،عبرت عن ذلك في لغة الاستمالة العاطفية وتبرير ما حصل من وجهة نظر السلطة وطبقتها السياسية، وما حصل هو استكشاف خيوط واقعية من الصدمة الكبيرة التي سربّت بعض زعامات الفصائل المسلحة إنها كانت على علم بتوقيتها في الأول من اكتوبر الحالي وألبستها ثوب  »المؤامرة على السلطة القائمة« وهذا ما عبر عنه بعد أيام رئيس الحشد الشعبي (فالح الفياض) في مؤتمره الصحفي يوم 7 أكتوبر بنفس يوم خطاب رئيس الجمهورية.أما رئيس الوزراء فحاول في خطاباته المتتالية تبرئة نفسه والدفاع عن مسؤوليته في الحكومة لمدة عام.الخطاب الأكثر وضوحاً جاء من قبل رئيس الجمهورية (برهم صالح) الذي يبدو إنه وبتنسيق مع زميليه رئيسي الحكومة والبرلمان قد أحاط استحقاقات قيادة سلطة الحكم بقدر من الإفصاح عن أسباب الأزمة المباشرة وعن حلول سياسية أكثر مما هي اجرائية يتولاها رئيس الوزراء، فقد أدان المجرمين مطلقي النار على الشباب وطالب بفتح تحقيق قضائي وأخذ قرارات جادة وتشكيل لجنة حوار مع المتظاهرين من العقلاء والحكماء متجاوزاً تولي كل من رئيسي البرلمان والحكومة للحوار مع المتظاهرين، وفتح حوار سياسي شامل وبناء لدعم الاصلاح وتشكيل كتلة وطنية كبيرة ودعم اجراء الحكومة لأداء تعديل حكومي جوهري وتفعيل المحكمة المختصة في ملفات الفساد من دون استثناء لأحد، ويبدو هذا الطلب خيالياً، كما طالب برفع تجاوزات الأحزاب على سكن المواطنين. وكرر المطالبة بتشكيل مجلس الخدمة الاتحادي الذي كان قانونه مودعاً في مجلس النواب منذ عشر سنوات وكذلك تشريع قانون جديد للانتخابات.لكنه تراجع وعزز الموقف الإيراني ببقاء الحكومة ورئيسها (عادل عبد المهدي)

في محاولة لإخراج حكومة عادل عبد المهدي والأحزاب القائدة للعملية السياسية من أزمتها الحالية تحاول إيران عن طريق ممثلها الجنرال قاسم سليماني تقديم خبراتها الطويلة في حروب قمع الشعوب رغم تعقيدات وخصوصيات الأزمة العراقية التي وصلت الى مأزق مغلق.ثمة لعبة جديدة يتم الشغل عليها حالياً لتوظيف شعار  »السلمية« الذي رفعه المتظاهرون في انتفاضتهم من الأول من أكتوبر الماضي وتصوير المشهد على النحو التالي: قطاع كبير من المتظاهرين يمارس الإسلوب السلمي للمطالبة بحقوق مشروعة من قبل الحكومة التي تؤيد تلك المطالب المحدودة، فيما يوجد قطاع آخر مدسوس يستخدم العنف المسلح ضد القوات الأمنية، وهذا التفسير المغرض عبر عنه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي حين قال في إحدى خطبه بأننا نواجه في التظاهرات جيشاً منظماً له قيادة ومنتسبين يرتدون الملابس العسكرية و »الخوذ« فيما لم يعرض على الشعب ما يؤيد مثل هذه المزاعم التي يكذبها الجمهور المنتفض في ساحة التحرير ببغداد أو ساحات المحافظات الأخرى. إن خرق السلمية قد حصل من قبل القوات العسكرية والأمنية والنتائج هي قتل ما لايقل عن (360) متظاهر وجرح أكثر من خمسة عشر ألف حسب تقارير منظمات حقوق الانسان المحلية التي إتهمها الناطق بإسم القائد العام للقوات المسلحة بأنها  »مسيسة« ومنظمة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة التي أصدرت يوم 8/11 تقريرها الصادم وتوصياتها الى حكومة بغداد  »بضرورة ضمان التزامها بحماية ممارسة الحق في التجمع السلمي وهذا يعني اتخاذ خطوات وقائية لحماية المتظاهرين من العناصر المسلحة، وكذلك إصدار تعليمات واضحة لقوات الأمن بالالتزام بالمعايير الدولية المتعلقة باستخدام القوة، بما في ذلك على سبيل المثال الحظر الصريح لإطلاق النار واستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع مباشرة ضد المتظاهرين«.في المواجهة الحاصلة حالياً هناك طرفان الأول جمهور الانتفاضة السلمية المتمركز حالياً في العاصمة بغداد والبصرة وكربلاء والناصرية والطرف الثاني الأجهزة الأمنية والعسكرية الحكومية وقوات متخفية من المليشيات حيث يتساءل العراقيون مثلا عن القوات الإيرانية التي دخلت الأراضي العراقية عشية الاحتفال بأربعينية (الحسين) بكربلاء وتعدادها (2700) من قوات مكافحة الشغب الإيرانية وفق تصريحات حكومية، ولم يلاحظ المراقبون خروجها من العراق كما لم تعلن الجهات الرسمية الإيرانية ذلك. الطرف الحكومي الذي يمارس قمع المتظاهرين يمتلك امكانيات لوجستية هائلة هي امكانيات دولة من أسلحة فتاكة وقنابل مسيلة للدموع وصفت بأنها تقتل البشر لمواصفاتها الخطرة، وكذلك رجال عسكريون مدربون ضمن القوات الأمنية وجهاز مكافحة الشغب،وآخرون يختفون تحت الأقنعة والملابس السوداء لديهم تجربة الحرس الثوري الإيراني في قمع الشعب السوري واليمني والشعوب الإيرانية. وهناك إمكانيات وتقنيات إعلامية كبيرة مسخره لتوصيل خطاب شيطنة الانتفاضة الشعبية وتقزيمها الى مجرد تظاهرات مطالبة ببعض الحقوق كما تتوفر لدى المؤسسة الحاكمة إمكانيات الانترنيت المقطوع عن المواطنين العراقيين فلديهم بوارج خاصة تغذي محطاتهم في شبكة الانترنيت والتواصل الاجتماعي للتواصل مع العالم الخارجي فيما يحرم منها العراقيون وهي لعبة لا تستخدم إلا في أوقات الحروب وفي أزمات انتفاضات الشعوب الثائرة، أما الشباب المنتفض فلا يمتلكون في مواجهة جبهة القتل سوى صدورهم العارية وشعارات  »نريد وطن وإيران برة برة« في إصرار على تنفيذ مطالبهم بالتغيير السياسي الشامل.

ونشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريراً كشفت فيه نتائج تحقيقها في الانتهاكات التي طالت المتظاهرين منذ الخامس والعشرين من تشرين الاول الماضي، والذي انتهى إلى أن عناصر الأمن العراقي قتلوا بالرصاص الحي، وقنابل الغاز العشرات من المدنيين على الأقل في الجولة الثانية من الاحتجاج.

وما أحرج الأحزاب هو إصرار الجماهير المنتفضة على تطبيق مطالبتاها بإسقاط الحكومة، وقد نشرت وكالة الأنباء الفرنسية تقريراً مفاده إن اجتماعاً خاصا عقد بين الجنرال الإيراني قاسم سليماني ومقتدى الصدر وإبن المرجع الشيعي السيستااني تم خلال قرار الإبقاء على (عادل عبد المهدي) كرئيس للوزراء والعمل على تطبيق استراتيجة ذات جانبين سياسي وأمني : السياسي يتم بالتعاون مع ممثلية الأمم المتحدة (جينيت بلاسخارت) التي قابلت المرجع الشيعي السيستاني لى تنفيذ إصلاحات دستورية وسياسية وتشريع قوانين جديدة للانتخابات، أما الأمنية فتنفيذ خطط الضغظ على محاصرة وقتل المتظاهرين حول ميدان التحرير ببغداد وكذلك في الناصرية والبصرة والمراهنة على الوقت ومحاولة خلق إنقسام داخل صفوف المتظاهرين الذب عبروا عن سخريتهم من هذه اللعبة. ولقد تحولت مراكز المتظاهرين المنتفضين في ميدان التحرير الى مسرح للحياة الجديدة بجوانبها الثقافية والاعلامية والفنية حيث تم إصدار جريدة (التك تك) وإذاعة الشهداء، إضافة الى الفعاليات الشعبية والمبادرات للتبرع لأصحاب سيارات (التك تك) التي أصبحت رمزاً ثورياً لتقديم المساعدات ونقل الجرحى وحمايتهم. ومما يشير الى الشكوك المتزايدة بوجود جهات دخيلة ويقال إنها تابعة لإيران تقوم باختطاف الناشطين والناشطات وقتل بعضعهم بطرق شنيعة، فقد اختطفت الناشطة الدكتورة (صبا المهداوي) التي كانت تداوي الجرحى، وكذلك الفتاة (ماريا محمد) التي كانت تقدم المساعدات للمنتفضين. الانتفاضة الشبابية مستمرة حتى تحقيق أهدافها السياسية

بوكس جانبي للتقرير

نص تقرير هيومان رايتس 8/11/2019

قالت  »هيومن رايتس ووتش« اليوم إن قوات الأمن أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع مباشرة على المتظاهرين في بغداد، العراق في عدة مناسبات منذ استئناف المظاهرات في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ما أسفر عن مقتل 16 شخصا على الأقل. عدد القتلى هذا هو الأعلى منذ بدء المظاهرات اليومية في بغداد ومدن أخرى جنوب العراق ضد الفساد ولتحسين الخدمات العامة ومطالب أخرى.

وفقا لتقرير  »بعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة في العراق« ( »اليونامي«) في 5 نوفمبر/تشرين الأول، بلغ عدد القتلى بين 25 أكتوبر/تشرين الأول و4 نوفمبر/تشرين الثاني 97 على الأقل في جميع أنحاء البلاد. وفقا لـ »المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان في العراق« (المفوضية العليا)، بلغ عدد القتلى 105 والجرحى 5،655 على الأقل خلال الفترة نفسها. ذكرت  »رويتر« أن قوات الأمن قتلت من 5 إلى 6 نوفمبر/تشرين الثاني ما لا يقل عن ستة متظاهرين آخرين.

قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش:  »يشمل عدد القتلى المرتفع أشخاصا أصابتهم قنابل الغاز المسيل للدموع مباشرة في رؤوسهم. يشير العدد إلى وجود نمط بشع وأن الأمر ليس حوادث معزولة. مع تجاوز عدد القتلى الآن أكثر من 100، ينبغي أن يكون جميع شركاء العراق العالميين واضحين في إدانتهم«.

أدى استخدام قوات الأمن للقوة في بغداد وحدها إلى مقتل 64 شخصا على الأقل بين 25 أكتوبر/تشرين الأول و2 نوفمبر/تشرين الثاني، بحسب مصادر تتتبّع عدد القتلى في بغداد. قابلت هيومن رايتس ووتش 24 شخصا شاركوا في الاحتجاجات في بغداد، والبصرة، وكربلاء، وميسان، والناصرية والبصرة، طلب أغلبهم عدم ذكر أسمائهم لخوفهم من التعرض للانتقام.

حصلت هيومن رايتس ووتش، عبر المقابلات وزيارات الباحثين إلى ساحة التحرير ومراجعة أكثر من 10 مقاطع فيديو صورتها وسائل إعلام، على معلومات عن 12 حالة وفاة على الأقل في بغداد نتيجة لقنابل غاز مسيل للدموع أصابتهم في رؤوسهم. حدد تقرير اليونامي أن 16 شخصا على الأقل قُتلوا جراء اختراق قنابل الغاز المسيل للدموع الجزء العلوي من جسده.

وثقت هيومن رايتس ووتش أيضا بطء الإنترنت وحجب وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام وإغلاق أخرى منذ بدء الاحتجاجات.وحلّلت هيومن رايتس ووتش فيديوهات صورتها رويترز يومي 27 و29 أكتوبر/تشرين الأول، وتأكدت منها بمقابلات مع شهود. تُظهر المقاطع أن قوات الأمن على جسر الجمهورية أطلقت النار على الحشود عند نهاية الجسر المطلة على ساحة التحرير. يُظهر مقطع 27 أكتوبر/تشرين الأول أحد العناصر على يمين الشاشة يطلق قنابل مسيلة للدموع إلى الأعلى بينما يطلق ضابط آخر على يساره القنابل بشكل مباشر ضد حشود المتظاهرين من مسافة تقل عن 100 متر. وراجع محلل في مؤسسة  »أوميغا للأبحاث«، وهي مجموعة بحثية مستقلة تركز على تصنيع وتجارة واستخدام المعدات العسكرية والأمنية والشُرطية، المقطع لصالح هيومن رايتس ووتش وقال.  »الرجل المتواجد على اليسار يصوّب على الأرجح مباشرة نحو الأشخاص الذين يستهدفهم. ينطوي ذلك على خطر كبير بالتسبب في إصابة خطيرة أو وفاة إذا أُطلِقت القنابل المسيلة للدموع. في المقطع الثاني [المُلتقط في 29 أكتوبر/تشرين الأول]، يطلق كلا الرجلين الرصاصات بشكل مباشر. مجددا، هذا استخدام غير مناسب وخطير للغاية لقنابل الغاز المسيل للدموع«.

قالت هيومن رايتس ووتش إن التباين في طريقة إطلاق قنابل الغاز يطرح سؤالا عما إذا كانت بعض القوات تعمل جنبا إلى جنب بموجب أوامر مختلفة، أو لديها أوامر بتفريق الحشود بأي طريقة تراها مناسبة، أو أن بعض القوات تتجاهل الأوامر الصادرة لها.

بينما تعتمد قوات الأمن بشكل متزايد على الغاز المسيل للدموع في بغداد، فهي تواصل استخدام الذخيرة الحية. بين 4 و6 نوفمبر/تشرين الثاني، قتلت الذخيرة الحية 14 متظاهرا على الأقل في بغداد، بحسب رويترز. راجعت هيومن رايتس ووتش 3 مقاطع فيديو صُوّرت من دون شك على جسر الجمهورية، ونُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي بين 25 أكتوبر/تشرين الأول و5 نوفمبر/تشرين الثاني. تظهر المقاطع متظاهرين قتلى بإصابات في الرأس لا يبدو أنها ناجمة عن قنابل الغاز المسيل للدموع

بوكس ثان جانبي

نص مقترحات بعثة الأ مم المتحدة لحل الازمة العراقية

اندلعت المظاهرات خلال الأسابيع الماضية في بغداد ومحافظات أخرى في العراق. وتغطي مطالب المتظاهرين الكثير من القضايا، بما في ذلك النمو الاقتصادي والتوظيف والخدمات العامة التي يمكن الاعتماد عليها والحكم الرشيد والنزيه ووضع حد للفساد وانتخابات حرة ونزيهة وعادلة وإصلاح النظام السياسي بما في ذلك تعديل الدستور.

ومن الأمور الملموسة بوضوح تراكم الإحباطات حول عدم تحقيق التقدم في الستة عشر عاماً الماضية ومع ارتفاع أعداد القتلى والجرحى (من المتظاهرين وقوات الأمن العراقية) يخيم مناخ من الغضب والخوف. ولا يمكن للشعب العراقي أن يتحمل أن يعرقله الماضي أو المصالح الحزبية. ويتطلب إعطاء الأمل طفرة إلى الأمام، بما في ذلك إدراك أنه – في العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم – انتقلت الحياة اليومية إلى الإنترنت. وفي نفس الوقت يتزايد خطر اختطاف  »المفسدين« للمظاهرات السلمية ويحتمل أن يعرقل محاولات التغيير الحقيقي. لذلك فإن الوقت عامل جوهري وكذلك تحقيق نتائج ملموسة.

وبداية، وبعد التشاور مع قطاع واسع من الأطراف والسلطات العراقية (بما في ذلك الرئاسات الثلاث ومجلس القضاء الأعلى وعدد من المتظاهرين بالإضافة إلى ممثلين عن النقابات)، تقترح بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) المبادئ والتدابير التالية:

المبادئ:

تنطبق المبادئ التالية على جميع الأطراف في جميع الأوقات:

حماية الحق في الحياة قبل كل شيء.

ضمان الحق في التجمع والتظاهر السلمي وحرية التعبير عن الرأي وفقاً لما كفله الدستور.

ممارسة أقصى قدر ممكن من ضبط النفس في التعامل مع المظاهرات بما في ذلك عدم استخدام الذخيرة الحية وحظر الاستخدام غير السليم للأدوات غير الفتاكة (مثل عبوات الغاز المسيل للدموع).

تحقيق المساءلة الكاملة للجناة وإنصاف الضحايا.

العمل وفقاً للقانون، بما في ذلك ما يتعلق بالممتلكات العامة والخاصة.

الإجراءات:

الإجراءات الفورية (أقل من أسبوع) تشمل ما يلي:

إطلاق سراح كافة المتظاهرين السلميين المحتجزين منذ 1 تشرين الأول/أكتوبر وفقاً للقانون.

عدم ملاحقة المتظاهرين السلميين.

البدء في التحقيق الكامل في حالات الاختطاف (بما في ذلك الاستعانة بتسجيلات كاميرات المراقبة) والكشف عن هوية من يقفون خلفها.

الإسراع في تحديد هوية/تقديم المسؤولين عن استهداف المتظاهرين للعدالة.

محاكمة ومعاقبة للمسؤولين عن الاستخدام المفرط للقوة و/أو المتسببين بأعمال العنف الأخرى وفقاً للقانون.

دعوة كافة الأطراف الإقليمية والدولية علناً لعدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق واحترام سيادته.

الإجراءات قصيرة الأمد (خلال أسبوع إلى أسبوعين) تشمل ما يلي:

الإصلاح الانتخابي: يتم الانتهاء من وضع إطار قانوني موحد بدعم فني من الأمم المتحدة وتقديمه بعد فترة وجيزة إلى مجلس النواب. ويتم استكمال الإجراءات البرلمانية في أقرب وقت ممكن.

إصلاح قطاع الأمن: يتم تطبيق الأمر التنفيذي رقم 237 بالكامل وبدون أي تأخير، ويتم حظر أي أسلحة خارج سيطرة الدولة، ويتم اعتبار أية كيانات مسلحة خارجة عن القانون أو عناصر مارقة غير قانونية وتقع على عاتق الدولة مسؤولية القضاء عليها.

الفساد: ينبغي أن تكون النخبة السياسية قدوة في محاربة الفساد من خلال كشف المصالح المالية داخل البلاد وخارجها سواء أكانت بأسمائهم أو تحت أسماء أخرى. إضافة إلى ذلك، تقوم الأحزاب/الكتل والتيارات السياسية بإلغاء لجانها الاقتصادية.

الإجراءات متوسطة الأمد (خلال شهر إلى ثلاثة أشهر) تشمل ما يلي:

الدستور: تستمر لجنة التعديلات الدستورية بمراجعة الدستور وبدعم فني من الأمم المتحدة وطرح أي تعديل في الدستور للاستفتاء عليه من قبل الشعب العراقي.

الفساد: تقوم هيئة النزاهة بإحالة قضايا الفساد إلى مجلس القضاء الأعلى أو المحكمة المركزية لمكافحة الفساد. وتتولى هذه المحكمة التحقيق في قضايا الفساد في كافة المستويات في الدولة. وتتم مساءلة ومحاكمة كافة المسؤولين الذين يثبت فسادهم.

سن القوانين: تقوم الحكومة بإرسال مشروعات القوانين التالية إلى مجلس النواب والذي بدوره عليه أن يستكملها في أقرب وقت ممكن:

أ) قانون  »من أين لك هذا؟«

ب) قانون المحكمة الاتحادية

ج) قانون الضمان الاجتماعي

د) قانون حل أزمة السكن

ه) قانون النفط والغاز

و) تعديل قانون تشجيع الاستثمار والشراكة بين القطاعين العام والخاص.

ز) قانون مجلس الوزراء والوزارات

ح) قانون مجلس الإعمار

العدد 99 –كانون الاول 2019

.