الأطفال والصدمة… آثارها وعلاجها

بيروت رنا خير الدين

اعراضها جسمية ونفسية على الطفل

لحظةٌ واحدةٌ، قد تغير سلوك الطفل وتصرفاته، تُقلق حالته وأفكاره، تصيبه بالأرق ليلاً، تعيد أمامه الحادثة تكراراً، تمنعه عن المضي قدماً، وقد تحبسه في اللحظة. هذه العوارض هي عوارض الصدمة النفسيّة الحادة لدى الطفل في حال تعرضه لخطر يهدّده، مثل حوادث السير، الهزّة الأرضية، زلزال اختطاف أو اغتصاب أو حوادث أخرى مثل الإرهاب، الحروب تترافق مع جراحة جدية وخطيرة أو انفجار… كما حصل مع أطفال لبنان عند  »لحظة« وقوع حادث مرفأ بيروت في 4 آب 2020. هذه اللحظة أنتجت ما يسمّى صدمة جماعية، على الكبار والصغار. لكننا اخترنا أن نركّز على الأطفال بحيث أنهم الأكثر عرضة للتأثّر والانفعال مع الحادثة لعدم إدراكهم الكافي الذي يمنعهم من تخطّي واجتيار الحادث باستخدام مهاراتهم العقلية، لذا يتوجّب هنا الاستناد على الطرق الصحية والنفسيّة الأساسية لمساعدتهم في ذلك.

الأهل، المجتمع والبيئة هم العناصر الأساسية في التفاعل وادماج الطفل مجدداً مع الوضع الطبيعي، من خلال عدة خطوات وطرق.

في هذا التقرير، سنتطرّق إلى عوارض الصدمة النفسية على الأطفال والمراهقين بعد التعرّض لحادث مخيف، وأشكالها، سمات الاطفال واختلافاتهم وخصائص العائلة، كما سنتعرف على الحالات الصدمة التي يلحقها اضطراب عصبي، وكيفية المعالجة ودور الأهل.

من الطبيعي أن بتأثر الأطفال من الناحية الجسدية والنفسيّة عند التعرض لصدمة بشكل مباشر (التعرض لحادث خطير) أو بشكل غير مباشر (من خلال مشاهدة العنف والدمار على التلفاز مثلاً). هذه الصدمة التي غالباً ما تكون

الاضطراب ما بعد الصدمة اخطر منها

قصيرة الأمد عند الأطفال، وفي حين استمرارها طويلاً ينتج عنها خللاً في الأداء الوظيفي يحتاج للاهتمام.

غالباً، ما يتم المبالغة باستخدام مصطلح الصدمة النفسية في اللغة العامية، حيث كثيراً ما يستخدم هذا المصطلح بالترافق مع كل التجارب الحياتية السلبية أو المؤلمة أو الذي يصوّرها الإنسان وتعرف بالأوهام ولا وجود لأشياء مؤلمة أو سلبية أي قد تكون واقعية بسبب حدوث اعتداء أي اغتصاب أو تهيؤات. لذا من الضروري، عدم تسمية كل تجرية سيئة أو مؤلمة قد يتعرض لها الطفل على أنها صدمة… فالصدمة النفسية تشكّل المادة العلمية لعلم الصدمة النفسية  »Psychotraumatology«.

تشير الجمعية الأميركية للطبّ العقلي أن الصدمة النفسية تحدث عندما يعيش الفرد أو يُشاهد أو يواجه حدثًا يتضمّن تهديدًا فعليًا بالموت أو الجروح الخطيرة أو تهديد بفقدان السّلامة الجسدية أو بخطر أحد الأقارب أو الأصدقاء أو بتدمير سكن أو باكتشاف جثّة أو جريح وتكون استجابته بالخوف والرعب والعجز وفقدان التحكّم.

آثار الصدمة على الطفل

تختلف عوارض الصدمة بين كل طفل وآخر بحسب أسلوبه في التعبير بحسب الأخصائية مها غزالة (Child therapist & parent coach). فمنهم من يلجأ إلى الانعزال، أو العصبية، أو يسرد القصة مراراً ويكررها. لكن يمكن تلخيص عوارض الصدمة على على الشكل التالي:

الخوف والقلق: التعبير عن الخوف مباشرةً بالحديث، أو غير مباشرة الكوابيس والأحلام.

كيف يواجه الطفل الصدمة النفسية؟

إعادة الحادثة: يسيطر على تفكير الطفل وسلوكه ذكريات ما حدث.

ضعف التركيز: يتشتت الطفل بعد التعرض لصدمة، وذلك طبيعي.

التوتر.

الصداع وآلام المعدة وفقدان شهية.

انكار وقوع الحدث أو الشعور بالخدر.

تجنب الأماكن أو الأشخاص المرتبطين بالحدث.

هذه الأعراض أعلاه هي استجابة طبيعية لأحداث مخيفة وخطيرة يمكن أن تتلاشى بعد عدة أسابيع بمساعدة الأهل.

تشير  »الأخصائية مهى غزالة« بأن الصدمة قد ترافق الطفل عند الكبر. وذلك من جراء تعرضه لصدمة تذكره بكل صدمات قد عاشها سابقاً إن كان واعياً أو غير واعٍ. حين يمرّ الطفل بصدمة لم يتم معالجتها على صغر تزيد إمكانية القلق والتوتر لديه من أي حالة سلبية أو سيئة تصادفه على كبر.

الاضطراب ما بعد الصدمة

هو الحالة التي تستمر مع الطفل أكثر من عدة أسابيع بحيث تكون أخطر على صحته النفسية وإدراكه وتصرفاته وسلوكه الوظيفي وردات فعله، بحيث يمكن أن يصبح أكثر ميلاً إلى العدائية، يتعرض لنوبات بكاء مفاجئة، صداع مزمن، الاكتئاب والذنب، التبول اللارادي، المشي خلال النوم، ردود أفعال مبالغ بها، التصرف بطريقة جنسية، التصرف بطريقة عنيفة، إيذاء النفس كما يمكن أن يعاني الطفل في هذه الحالة توتر العضلات، التعرّق الغزير، التنفس السريع، ضربات القلب السريعة، الغثيان.

علاجات

يعتبر العلاج النفسي الاجتماعي هو الطريقة الفعالة لمساعدة الطفل في تخطي آثار الصدمة، حيث يكون هناك العلاج السلوكي المعرفي يشمل عادة تعليماً نفسياً حول تقنيات الاسترخاء والتعامل مع الإجهاد ويعتمد على العلاج بالحديث. العلاج باللعب (الذي تعتمده الأخصائية مهى غزالة) وذلك لزيادو المرونة لدى الطفل بحيث يعتمد على الألعاب يُستخدم مع الأطفال الأضغر سنّأً. علاج إزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة هي تقنية حديثة تزداد شعبية بين المتخصصين في الصحة العقلية. يتضمن العلاج تمارين حركة العين الموجّهة بينما يتذكر الطفل الحدث الصادم ويعمل من خلال الإدراك والاستجابات العاطفية لهم حول هذا الموضوع، وأخيراً العلاج الدوائي.

نصائح الجمعية العراقية للصحة النفسية للأطفال

تشير الجمعية العراقية للصحة النفسية للأطفال بأن التدخل المبكر بعد حدوث الصدمة مهم جداً، ويساعد في التشخيص والعلاج. كما هناك علاجات متوفرة تساعد الأطفال على التعبير عما يشعرون به والبدء بتقليل مخاوفهم وقلقهم ومن ثم شفاءهم بشكل نهائي، فاللعب والفنّ (الرسم) والعلاجات التعبيرية الأخرى والعلاج النفسي التحليلي هي وسائل مؤثرة تستخدم من قبل المختصين لمساعدة الأطفال على التعامل مع أعراض التوتر وتقوية الاستعداد للتكيّف. إلا أن بعض الحالات القليلة قد تحتاج غلى استخدام العقاقير للسيطرة على أعراض الانفعال والعنف المفرط والقلق واضطراب النوم. كما أن العناية واسناد الكبار في حياتهم، يساعد الأطفال لاعادة مشاعر الأمان، والتغلّب على المشكلات والمصاعب التي تثيرها ذكريات الحادث، والبدء في الشفاء.

هنا بعض نقاط البدء في اسناد الطفل المعرض للصدمة :

ـ كن متوفراً.

ـ التقدير الاصغاء والتطمين.

ـ احترام المشاعر

-دع الطفل يسال ما يشاء، واجب حسب عمره ومرحلة نموه مع استخدام اللغة المفهومة.

 – اللعب مع الطفل الذي لا يتكلم ولا يعبّر عن مشاعره أو لايسأل.

– الاستمرار في أداء المهام الاعتيادية في البيت والمدرسة

دور الأهل

تقديم المساعدة والتقبل: أهم أسلوب فى المعالجة هو تقبّل الاضطراب الذى يحصل للطفل لأن هذا طبيعب فى هذه المرحلة، والسماح لهم بالتحدث عن ما حدث وحتى تمثيل ذلك بالرسوم والصور.

تعليم الطفل عن اضطراب ما بعد الصدمة: يمكن للأهل أن يخبروا الطفل أنه سيعاني من ردود فعل معينة غريبة عليه أن يتقبلها لا أن يخافها.

بناء شجاعة الطفل: وهي الأهم، من خلال تقديم الدعم المعنوي والتشجيع وتذكيره بأنه قادر على التحمّل وأنه قوي، وتحفيز مشاعر الحماس لديه.

كما على الأهل ان يتمتعوا بالإدراك الكافي لتحمّل فترة الصدمة التي يمر بها طفلهم، والاستعانة دوماً بمختصين نفسيين للتوجيه الصائب.

العدد108/ايلول 2020