إنفجار مرفأ بيروت.. نكبة وعار

بيروت: سندريللا مرهج

4 آب 2020 الساعة السادسة و8 دقائق مساء بتوقيت بيروت وقعت الكارثة على لؤلؤة البحر الأبيض المتوسط؛ إنفجار مهول ضرب لبنان.

بدأت الكارثة بصوت عصف أشبه بطيران حربي يليه إنفجار في مرفأ بيروت بدا وكأنه حريق غير بسيط فهرع المواطنون لتفقده او لتصويره من على الشرفات والطرقات، ثوانٍ مرّت ووقعت الكارثة الكبرى بدويّ انفجار ضخم دمّر العاصمة وقتل أبرياء وجرح الآلاف.

انه ثالث أقوى إنفجار في العالم بعد قنبلة  »هيروشيما« بحسب مختصين في جامعة  »شيفيلد« البريطانية، وقد تمّ تقديره بـ »عشر القوة المتفجرة لقنبلة  »هيروشيما«.

والثاني كان إنفجار تكساس في السبعينات وكان وزنه حوالي 2300 طن من نيترات آمانيوم.

صراخ المفجوعين عمّ في أرجاء بيروت.تطايرت أشلاء الضحايا من السيارات والشرفات. غيمة غبار بيضاء خنقت الأجواء. إمتلأت المدينة بروائح سامّة غريبة. كل من بقي وحيداً على الحياة يصرخ برعب ويسأل  »شو في؟ شو صار؟ إسرائيل عّم تقصف؟ إنفجار؟« لا أجوبة وسط الهلع.. الأحياء يندبون الأموات والجرحى يضمّدون بعضهم والمفجوعين ينادون على المفقودين. وبدأت سيارات الإسعاف بالوصول تباعاً.

إنّها نكبة.

ماذا حصل؟

في الواقع، إنّ معظم أهالي بيروت كما المواطنين في لبنان القاطنين او المتواجدين بعيدا عن الواجهة البحرية ظنوا ان الإنفجار إستهدف  »بيت الوسط« حيث يقيم الرئيس الأسبق للحكومة اللبنانية سعد الحريري.

حالة فكرية نفسية غريبة طغت على الأذهان ورجعت بها الى إنفجار بيروت عام 2005 حينما أغتيل رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري.

البعض الآخر ونتيجة غيمة الدخان الضخمة قدّرَ أنّ مصدر الإنفجار هو مرفأ بيروت حيث استُهدِف مخزن للأسلحة تابع لحزب الله.

ليصدر بعدها الخبر اليقين عبر وسائل الإعلام ان العنبر رقم 12 في بيروت قد إنفجر جرّاء مواد قابلة للتفجير كانت مخزنة فيه.

ماذا في العنبر رقم 12؟

أربع روايات رسمت لحظة الفاجعة ورَدت على لسان مسؤولين وسياسيين: مفرقعات نارية، أسمدة زراعية، مواد كيمياوية وذخائر.

الواقع، إنّ العنبر رقم 12 والمعروف بتعبير آخر  »عنبر المحروقات  » تودع فيه كل بضائع  »الإيداع« الخطرة القابلة للإشتعال.

بالمبدأ، للعنبر مفتاحان الأول بيد إدارة شركة وإستثمار مرفأ بيروت والثاني بيد الجمارك اللبنانية.

تبيّنَ أن العنبر رقم 12 يحتوي على 2750 طن من نيترات الأمونيوم دخلت الى لبنان عبر باخرة Rhosus التي أبحرت من مرفأ  »باتومي« في جورجيا متوجهة الى زيمبابوي. الباخرة تبدل طاقمها في تركيا وعرّجت على بيروت لتحميل كمية من الحديد حيث قيل إنّها تعطلت وجرى الحجز قضائيا على حمولتها تبعاً لطلبات حجز تقدمت بها شركات تجارية أمام دائرة التنفيذ في بيروت إدعت ان بذمة الباخرة ديون لها.

بعد ان أحتجز افراد الطاقم 11 شهرا جرى فك سراحه بقرار قضائي وأفرغت المواد الكيمياوية في العنبر 12 وتم تعويم الباخرة.

6 سنوات ونيترات الأمونيوم داخل مرفأ بيروت، وإستدعاءات ورقية حول هذه المواد تنتقل فيما بين مديرية الجمارك وإدارة المرفأ والقضاء وحكومات ووزارات وجهات أمنية ومكاتب تجارية ومهن حرّة الى أن انفجرت وحصدت اكثر من 170 شهيد وأكثر من 7000 جريح و40 مفقود وخسائر مادية بمليارات الدولارات ولا أحد يعرف لماذا؟

لماذا إنفجر العنبر رقم 12

التحقيق المحلي بعهدة الجيش اللبناني يأخذ مجراه رغم العديد من المعوقات. القضية أحيلت بموجب مرسوم الى المجلس العدلي.

حزب الله ينفي وجود سلاح او ذخائر له في مرفأ بيروت وينفي اساسا استخدام المرفأ ومعرفته بالبضاعة. غضب في الشارع يسقط حكومة الرئيس حسان دياب. إنقسم اللبنانيون بين مطالبين بتحقيق دولي وآخرين يصرّون على تحقيق محلي.

رئيس الجمهورية يرفض التحقيق الدولي. والدول هبّت للمساعدات الانسانية.

ماذا في الموقف الدولي؟

واضح من زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان أنّ قراراً دوليا قد اتّخذ بمسك لبنان من يده النازفة منعاً من سقوطه المدقع.

إتفاق رباعي فرنسي بريطاني أميركي إيراني قضى بوضع لبنان على سكة دولية جديدة أشبه بالحياد.

كان البطريرك الراعي طرح فكرة الحياد لخلاص لبنان وجرى شبه إجماع حولها صريح وضمني وشبه تريّث. هذا على المستوى السياسي، اما على المستوى الشعبي فالانقسام في كل شيء وعلى كل شيء نتيجة انعكاس أداء الزعماء المتشنج تجاه الآخر.

هذا ما دفع الرئيس الفرنسي ماكرون الى جمع رؤساء الكتل النيابية على طاولة واحدة مستديرة وأصرّ على الوحدة الوطنية.

إنّ مفهوم الوحدة الوطنية الفرنسي يختلف عم المفهوم اللبناني. الرجل يسعى اولاً الى السلم الأهلي. فدعى الزعماء الى الإتفاق على التعاون لخلق سلطة حديثة لا إقصاء فيها لأحد مع ضرورة إشراك الناشطين المدنيين. نزل ماكرون الى الشارع اولاً وقبل لقاء اي سياسي، وسار مع الشعب وبكى معهم وسمعهم وشدّ على ايديهم وغمرهم وطمّنهم. رسالة واضحة مفادها ان الإصلاح المنشود دولياً والمطلوب في لبنان يبدأ بسلطة موحدة خارج اطار قوقعة التحالفات الحزبية.

المجموعة العربية لدى الأمم المتحدة تطلب من مجلس الأمن تحقيقاً دولياً حول إنفجار مرفأ بيروت. الإدارة الأميركية ترسل ديفيد هيل حاملاً رسائل متعددة الاتجاهات لا يغيب عنها موضوع ترسيم الحدود.

دولياً، ألمانيا تقوم بدور وساطة بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية لرفع بعض العقوبات رحمة بالشعب الإيراني. وتبدو الإشارات ايجابية لهذه الناحية.

في ظل المتغيرات الدولية لبنان يلملم جراحه ويطلب العدالة. الجميع ينتظر الحقيقة.

تكثر الروايات والتحاليل في الصحف حول تخزين النيترات وإنفجاره او تفجيره من الجو او البحر او عبر صاعق او اكسدته. ولكن هذه المعطيات تستوقنا وتطرح أسئلة كثيرة دون أجوبة:

ـ لماذا جدار العنبر مكسور؟

ـ لماذا أُرسِل العمال لتلحيم الباب؟

ـ لماذا تنتشر صور العمال اثناء صيانة الباب؟

ـ لماذا تم تصوير أكياس النيترات ومَن تداول بها عبر الانترنت؟

ـ لماذا لم يُثر موضوع النيترات في الإعلام من قبل المعنيين في المرفأ على مدى 6 سنوات؟

ـ العقيد جوزف سكاف رئيس شعبة مكافحة المخدرات ومكافحة تبييض الأموال في مرفأ بيروت سابقاً، قُتل أم توفي؟

ـ لماذا ينفجر العنبر بعد اخذ العلم ان رئيس الحكومة يزعم زيارته نتيجة كتاب أمني؟

ـ هل فعلا شرارة تلحيم سببت الكارثة؟

ـ هل اراد أحدهم إخفاء سرقة كميات من النيترات عبر حريق مفتعل ولم يتدارك نتيجته؟

ـ هل داخل الأكياس متفجرات لم يعلم بها أحد؟

ـ هل القضاء والقدر لعب دوره؟

الأسئلة لا تُعدّ ولا تحصى. يأمل العالم ان تتوصل التحقيقات الى الحقيقة والمحاكمة والعدالة.

ولكن، أيّ عدالة؟! لا شيء في الدنيا يعيد إحياء الغوالي الراحلين الى جنان الخلد.

الحقيقة الأكيدة ان 6 سنوات وأطنان النيترات مخزنة في مرفأ بيروت بطريقة تخلو من السلامة، عارٌ على سلطات تعاقبت. عارٌ على دولة فسادها يقتل شعبها ويبيده. عار على مراكز تبوأها فشلة، والعار الأكبر على من يسعى يومياً

الى طمس الحقيقة.

العدد108/ايلول 2020