الإعلامية سمر أبو خليل لـ “الحصاد”: نحارب طبقة فاسدة أرست قوانين الفساد ولبنان مسرح تجارب وأداة تنفيذ

مسيرة الإعلامية سمر أبو خليل حافلة بالنجاحات، على طريق التصدّي ورفع صوت الحق عالياً، شخصيتها القوية والكاريزمية زادت من محبة الناس لها. صاحبة الكلمة الواضحة والرؤية الثابتة، تركّز على المفاهيم العامة والثابتة ولا تفصل أخلاقيات المهنة عن واجبها كمحاورة أو إعلامية، ولها الكلمة الفصل حين يكون الظلم، أو الفساد من العناوين العريضة للحلقة.

من برنامجها الحدث على قناة الجديد، تطلّ الإعلامية سمر أبو خليل مع ضيوفها التي تختارهم بعناية للحديث عن آخر المستجدات على الساحة اللبنانية، العربية والإقليمية والدولية. كلّ مَن يتابعها يرى فيها صورة المحاور النشط والإعلامي المرن.

درست سمر أبو خليل الإعلام، التاريخ والعلوم السياسية والمسرح من الجامعة اللبنانية.

واليوم بعد مرور ثلاثة وعشرين عاماً على دخولها مجال الإعلام عبر قناة الجديد كمذيعة أخبار ومحاورة، أجرينا معها حديثاً خاصاً، توقفنا خلاله عند محطاتها المهنية، ومدارك الإعلام في ظلّ توسّع السوشيل ميديا، وكيف توجّه صوتها في خدمة الوطن، مع قراءة لأحداث غزة ولبنان.

  • “الحصاد”: يتقابل صوتك بصوت المقاومة، بكافة أشكالها. المقاومة ضد الظلم، المقاومة ضد اللاإنسانية، وانتهاك الحقوق والتعدّي. أي مشهد يستفز سمر حتى تُعلي صوتها؟
  • بالعودة إلى جوهر العمل الإعلامي، واجبنا ومهمتنا قبل أي شيء هو إعلاء الصوت، وإيصاله، ونكون منبراً لكلّ من انتُهكت حريته، أو جُرّد منه أعز ما يملك. هذه العناوين الثلاثة هي أسباب أساسية تجعلني “أنا شخصياً” أُعلي صوتي. فرغم أننا نعيش في عالم ظالم ومجنون، لكنني لا أحتمل رؤية الظلم والسكوت عنه، من واجبنا مواجهته وعدم الاستسلام له. وأخطر ما يمكن أن يعيشه الفرد أن يتأقلم مع واقع مجنون قد فُرض عليه.

وأردّد دوماً للباطل جولة، وللحق جولات. نحن نواجه وسنواجه الفساد، الظلم، الاستبداد رغم أننا ندفع أثماناً باهظة لقاء ذلك.

  • “الحصاد”: الفساد، شعار المرحلة في لبنان. كيف يلعب الجسم الإعلامي دوره الصحيح في هذا المنحى.
  • فُرض الفساد على الدولة اللبنانية وبات أمراً واقعاً للأسف. وعلينا عدم الاستسلام ونزيد المواجهة ومكافحته والكشف عنه. فنحن في لبنان في ظل اللادولة، وفي ظلّ هروب الجميع من تحمّل المسؤولية، وهذا يصعّب هذه المواجهة. اذ أننا نحارب ونواجه طبقة فاسدة قد أرست قوانين الفساد عملياً وتعتبر أنها فوق القانون فمن الطبيعي أن يقف الإعلام بالمرصاد.

ولا بدّ من الإشارة، إلى أن فريق محطّة “الجديد” الاستقصائيّ يعمل بشكل متواصل على مكافحة الفساد، ويقوم بفتح ملفات فساد ممنهجة، ويحاول تحقيق العدل.

  • “الحصاد”: تبتعدين عن تعقيد الأمور، بل تسعين دوماً إلى الحلول في شتى المحاور السياسية، هل ترين أن أزمة لبنان ستحلّ؟ وما سبل ذلك؟
  • لا بدّ ومن المؤكد أن أزمة لبنان ستُحلّ في نهاية المطاف. لكن الطرح الأهم متى وكيف. الأمر مرتبط بحوالي ثلاثين وأربعين عاماً ننتظر أن تحلّ هذه الأزمة التي تتكرر دائماً للأسف، كأننا لم نتعلم من التاريخ.

لم ننتج يوماً حلولاً داخلية بل نسلّم أمورنا للخارج، وننتظر الضوء الأخضر من الدول كي ننفذ. عملياً، نحن مسرح تجارب وأداة تنفيذ. وأرى ادعاء بعض الأطراف السياسية بالسيادة والحفاظ عليها والاستقلال هو مجرد كلام، فلم يتركوا لنا من الكرامة شيئاً. حتى الساعة، لم نستطع إنتاج طبقة تكون فعلياً حرة ومستقلة.

لذلك، الحلول لن تكون سهلة، كما أنها لن تكون من الداخل سننتظر التسوية ونرى ما هي حصة لبنان منها. على أمل أن يعتبر المواطنون في الاستحقاقات المقبلة.

  • “الحصاد”: الشهرة الإعلاميّة كانت نعمة أم نقمة؟
  • يجوز على الشهرة الإعلامية الوجهان. هي نعمة ونقمة في الوقت عينه. هي نعمة، لأن الشهرة جميلة، يستقبلك الناس بمحبة، يكترثون لوجودك، يرغبون بالتصوّر معك. وأكبر نعمة هي محبة الناس. أما تكون نقمة، هذه الشهرة في مقابلها تضحيات على الصعيد العائلي، المنزلي والحياة الاجتماعية. فالشهرة تفرض حدوداً وشروطاً. أما النقمة الكارثية، فهي حين تصبح الشهرة أداة من التعالي والكبرياء. برأيي، حين يتعالى الإعلامي على الناس سينتهي حتماً. لا تدوم نعمة الشهرة إلا بمحبة الناس وثقتهم.
  • “الحصاد”: ما هي أهم محطة في مسيرتك تركت بصمة خاصة؟
  • بالنسبة إليّ من أهم المحطات في مسيرتي الإعلاميّة كانت مدماك أساس ومعمودية نار هي حرب تموز. فهذه الحرب قد علّمتني، قوّتني وساعدتني في فهم ما تعنيه المهنة الإعلاميّة. حين تواجدت في الميدان الحامي والقاتل لنقل الحدث. كانت نقطة فاصلة وبصمة مهمة في مسيرتي.
  • “الحصاد”: كيف تتعاملين مع الانتقادات التي تتوجّه إليك؟
  • إن كانت انتقادات محقة وبنّاءة أخذها بعين الاعتبار وكلّ رحابة صدر، أراجع حساباتي وأصحّح إن أخطأت. بينما اذا كانت انتقادات غير محقّة، خصوصاً في عصر السوشيل ميديا كلّما طرأ حدث ما أو حديث ما لم يعجب فئة تسلّط عليّ جيوشها الإلكترونية لا يرفَّ لي جفن لها نهائياً.

“الانتقاد من دون وجه حقّ يسقط على الدرب ولا يرفّ لي جفن”.

  • “الحصاد”: أنت محاورة من الطراز الأول. ما هي برأيك سمات المحاور الجيد؟
  • أولاً وأبداً وأخيراً، أن يتمتع بثقافة عالية ومعرفة عامة، لديه مخزون معرفي شامل وعلاقات جيدة يسيّله على طاولة الحوار من طريقة طرحه للأسئلة وجمعه المعلومات، مطّلع على الدوام، يعلم ما يدور حوله. إضافةً، إلى سمات أخرى، منها تخلق بها ومنها ما تحتاج لتدريب ومجهود. على المحاور، أن يعرف كيفية تبادل الكرة بينه وبين مَن يحاوره، ويعمل على إنتاج حوار مفيد يهمّ الناس والرأي العام.

ولا بدّ أن يتمتّع بصفات الموضوعيّة والحياديّة رغم كلّ قناعاته وخلفيّاته.

  • “الحصاد”: هل من برنامج خاص قريباً؟
  • حاليّا كلا، لأن الظروف لا تشجّع ولا تحمّس لتحضير شيء جديد. لكن في المرحلة المقبلة ممكن، إن وُجدت النيّة وسنحت الظروف.
  • “الحصاد”: هل ممكن أن نرى سمر في المعترك السياسيّ؟
  • تجيب ضاحكة: صعبة قليلاً. لكن لا يعني ذلك أنني لا أحب المعترك السياسي، بل أنا من الأشخاص الذين يميلون إلى خوض التجربة السياسيّة لكن في بلد طبيعيّ لا مجنون، ومبني على أسس وطنية لا حزبية وفئوية وطائفية.

“أحب الدخول إلى المعترك السياسي اذا أصبح لبنان دولة، ودائرة انتخابية واحدة، مع اعتماد النسبية”.

  • “الحصاد”: ما الدور الذي لعبته قناة الجديد في مسيرتك؟
  • لعبت قناة الجديد الدور الأساسيّ في مسيرتي، هذا عامي الثالث والعشرون منذ عام 2001. الجديد أعطتني فرصة العمر شرّعت لي أبوابها على الدوام، وبالمقابل أعطيت هذه المحطة وقمت بواجبي المهني.
  • “الحصاد”: كيف ترين المشهد المقبل في غزة؟
  • غزة يا وجع القلب. أرى المشهد صعباً في ظلّ هذا العدو الهمجيّ والإرهابيّ، الذي يمارس القتل المنظّم والإبادة. ما يحدث في غزة هو محرقة، لا أعلم كيف لنا أن نرى المستقبل ونتوقّعه، لكننا محكومون بالأمل ونرى الغد أفضل. كلّ ما أتمناه أن ينتهي هذا الكابوس في غزة، وأنتظر إعادة إعمارها. وآمل أن تصل القضية الفلسطينية إلى حلّ عادل ويأخذ الفلسطينون حقوقهم كافة.
  • “الحصاد”: ماذا تقولين لأهالي جنوب لبنان؟
  • إلى أهلنا في الجنوب الصابرين الصامدين أتوجّه إليهم بتحية. الجنوب يتلقّى الصفعات عن لبنان كلّه، يدافع عن لبنان، الجنوب يدفع ضريبة بالحجر والبشر عن لبنان كلّه، أقلّ ما يمكن فعله هو تقديم تحية شرف لأهالي الجنوب وتعظيم سلام. الجنوب جزء أساسي من لبنان، وأرفض التعامل معه على أنه جزيرة منفصلة عن لبنان، بالعكس ألف تحية للجنوب وأهله، دمهم يروي تراب الوطن.

“أرفض التعامل مع الجنوب اللبنانيّ على أنه جزيرة منفصلة، ألف تحية للجنوب وأهله”.

  • “الحصاد”: بما تنصحين الشباب الإعلاميين الذين ما زالوا في بداية مشوارهم؟
  • بداية أنصحهم، بالتحصّن بالعلم والثقافة، وسعة الاطلاع. الثقافة لها الجزء الأكبر في مهنة الإعلام. بالإضافة، إلى صنع شبكة العلاقات المفيدة، والأهم إتقان اللغة العربية والمحافظة عليها. وأخيراً، أنصحهم أن يحبوا وطنهم ويحافظوا على ثوابتهم الوطنية.

وأقول لهم: كونوا أنتم، لا أبواق لأيّ أحد. وظّفوا طاقتكم لخدمة بلدكم لا لخدمة فئة، أو حزب أو نظام.

  • “الحصاد”: في نهاية الحوار، كلمة لغزة.
  • غزة العزة الصامدة. واجبنا تجاه غزة كبير وصعب، علينا أن نبقي صوتنا عالياً لأجلها، حتى يحفر في ضمائر العالم أجمع، يقع على عاتقنا أن نخبر عن هذه المجزرة حتى لا تنطوي هذه الصفحة على دم الشهداء، كأن شيئاً لم يكن. صفحة غزة لن تنطوي، ودم الشهداء الذي سفك فوق ترابها لن يذهب سدًى. مهما قلنا وفعلنا لغزة نبقى مقصّرين، لذا نقول لها سامحينا!