التساؤل عن (مانديللا الفلسطيني).. في الانتخابات الفلسطينيه ..؟

الديموقراطية هي السبيل لصناعة حكم وطني يؤسس لبناء الدولة

 يقولون ان التاريخ لا يكرر نفسه ،وغالبا قد يكون ذلك صحيحا ، ولكن التجارب الأنسانيه يمكنها

ان تتشابك ان لم يكن الى حد التطابق ،فعلى الأقل يمكنها ان تتماثل في اطار الظواهر ،وامامنا ذلك المثال.نلسون مانديللا في جنوب افريقيا،ومروان البرغوتي في فلسطين.كان مانديلا تجربة نضاليه،

في تاريخه ،وانسانية في صموده و صبره،وفي الجانب العربي أسطورة أخرى نضاليه وانسانيه وهو المناضل العظيم والرمز الفلسطيني لقضية التحرير.مروان البرغوتي ، وكان زعيما للتنظيم في حركة(فتح) في الضفة الغربيه من فلسطين .برز دوره كمناضل جسور خلال الأنتفاضة الفلسطينيه  الثانية، ونتيجة لذلك القت السلطات الأسرائيلية القبض عليه في عام 2002 ،وصدرت ضده مجموعة من الأحكام بالسجن لخمسة مؤبدات، بتهم مختلفة منها القتل والشروع فيه. ان مروان البرغوتي ومجموعته ومسيرتهم يعدون تجديدا للنخبة الرائده التي وضعت لبنات حركة التحريرالفلسطينيه ( فتح) وقادت لواءها  في مطلع عام 1965. وهو تأكيد للحقيقة الناصعه أن شعب فلسطين يسير على طريق التحرر والاستقلال مهما كان حجم المصاعب والمشاق لأسترداد الأرض السليبه /مهما كان حجم البذل والعطاء .

 ألأنتخابات .. مدعاة للأمل وايضا للقلق

لاشك ان المتابعين للشأن الفلسطيني،وفي المقدمة منهم المحبون ينتابهم الكثير من القلق لمايجري على الساحة الفلسطينيه ،خاصة بعد الاعلان عن اجراء الانتخابات، ليس من اجرائها في حد ذاته، فالأنتخابات  تحت كل الظروف، هي المحور الرئيسي للديموقراطيه،وهي الضمان لتجديد ألأمل في ضخ دماء جديدة في اجهزةالحكم، والكشف عن رؤي سياسية مختلفة تتكيف مع دورات الزمن و دروس التاريخ.لكن القلق يرجع لما يصاحب تلك الأنتخابات من صراعات تهدد وحدة الصف،وتثيرمن الضغائن ربما أكثر مما يستوجب من التضامن ودعم العلاقات،والبحث عن تلاقي ألأفكار و الكثير من   الأجتهادات.ثم دعونا نتفق على أن الديموقراطية لاتنحصر فقط في صندوق

المناضل الجسور
مروان البرغوتي بين سجانيه

الأنتخابات،ولكنها تتعلق ايضا بالأجراءات السليمه للعملية الأنتخابية ،وضمانات عدم الحجر،على المرشحين أو تهديدهم ،سواء في اشخاصهم أو تهديد مؤيديهم والمتحمسين لهم .ذلك اول شرط ناهيك عن الشروط الأخرى. تجري الأنتخابات في تسلسل محكم الحلقات على تعدد انواعها.التشريعية يوم 22 مايو،والرئاسية يوم 31 يوليو،والمجلس الوطني 31 اغسطس وذلك وفق المرسوم الذي اصدره الرئيس محمود عباس في 15 يناير الماضي .من الأشياء التي بعثت على الارتياح في نفس الوقت هو الاتفاق الذي تم في القاهره يوم 9 فبراير 2021 بين التنظيمات الفلسطينيه على اختلاف توجهاتها على برنامج الانتخابات واّليات حركتها وطرق ادارتها،بحيث يضمن كل فصيل نزاهة الانتخابات،وعدم تجييرها لحساب طرف على حساب طرف اّخر.أما لماذا القلق مما يجرى هناك في رام الله على الأقل ،فذلك له دواعيه المتعددة.

لماذا التركيز على حركة فتح ..؟

مع كل الاحترام والتقدير والاجلال لكل التنظيمات الفلسطينية بكل تركيباتها الأيدولوجية،وتصنيفاتها السياسية يمينا ويسارا،فقد حملت كل منها قضية الوطن أمانة في ايديها،وبذلت دما من اجلها واعطت شهداءا لها، أقدمت ولم تتراجع،اقتحمت ولم تخف او تتوجس،ولكننا مع ذلك نختار ان يدورالحديث عن (فتح) لأسباب نعزوها الى منطق،فهي أكبر التنظيمات الفلسطينية حجما ،وهي أيضا أقدمها تاريخا وحركة ،وهي التي قدمت نمطا في النضال عما سبقها خصوصا بعد حرب 1948. لو عادت بنا الأيام الى الظروف الحاكمه بعد احداث النكبة عام 48، وفي غضون الهدنه الأخيرة للحرب بين الدول العربيه التي دخلت جيوشها الى فلسطين،وبين اسرائيل، نعرف ما اّلت اليه الأمور ،فقد

الزعيم التاريخي لفلسطين ابوعمار
يمكنهم قتلي فأنا قررت ان اكون شهيدا لفلسطين

تشكلت في غزة حكومة أطلق عليها (حكومة عموم فلسطين) برئاسة احمد حلمي في يوم 22 سيتمبر 1948،ثم انتقلت بعد شهور معدودة الى القاهرة في اواخر نفس العام باعتبارها حكومة في المنفى ،ثم انهارت تدريجيا بسبب عجزها وقلة حيلتها، وظل الشأن الفلسطيني  هكذا يعالج من خلال( وكالة غوث اللاجئين)،اي بكونها قضية انسانية ،بالأضافة الى صدور (البيان الثلاثي) عام 1950 البريطاني الفرنسي الأمريكي بضمان الحدود العربيه الأسرائيليه التي توقفت عندها الحرب في الهدنه عام 1949 ،وظل الحال هكذا،رغم ان العالم العربي في تلك الفترة كان يموج بالكثير من الأنقلابات والثورات،بل و التحولات، وكانت فلسطين حاضرة في كل تلك الأسباب المعلنه لتلك التحولات ،ولكن مع ذلك لم تحدث مواجهات متبادلة مع اسرائيل سوى القيام بالرد على العديد من اعتداءتها المسلحة،ولعل ابرزها العدوان على(الصابحة) عام 1955 ثم اشتراكها في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956،ثم عام 67

 (فتح) التحول الأكثر جسارة

كان التحول الأعظم والأكثر جسارة واقداما في معالجة القضية الفلسطينيه، هو بروز منظمة جديده  في اول يناير عام 1965 تم الأعلان عنها تحت اسم (حركة التحرير الوطني الفلسطيني) واختصارها ( فتح) وهي تشكيل معكوس لحروف الأسم. ( فتح) هي حركة ،ليست حزبا أو تنظيما عقائديا أو هيئة للتفاوض،ولكنها حركة جامعة لكل الوطنيين تستهدف تحرير الأرض المغتصبة من البحرالى النهر.وهي بذلك تعد نهجا متطورا للنضال الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي، ونذكر هنا أن تجربة الكفاح الجزائري قد حققت انتصااراتها ،بفضل كفاحها المسلح وضريبة الدم التي دفعتها ، وقد اطلق عليها ( ثورة المليون شهيد) ،ولقد ارتبطت حركة ( فتح) باسم قائدها المؤسس الزعيم الفلسطيني  الأشهر ياسر عرفات ( أبو عمار) حتى استشهاده مسموما عام 2004.  وهي تعد من جانب اّخر ابرز حركات التحرر ضد الهيمنه الأستعمارية تحت مسمياتها المختلفة، وقد لعبت أدوارا رئيسيه في اعقاب نكسة عام 1967 واشهر معاركها في تلك الفترة ( معركة الكرامة) بالأشتراك مع الجيش الأردني ،كما كانت طرفا في احداث جسام ،يمكن ان يحدث الخلاف في تقييمها ،لكنها من جانب اّخرحركة من يعمل ويجتهد مهما كانت معايير الحكم عليها،وحجم الصواب والخطأ  ( أيلول الأسود) و( الحرب الأهلية اللبنانيه) ،كما انها خاضت محادثات ما يسمى ( بمحادثات السلام ) في اوسلو وبمقتضاها وقعت اتفاقيات ( أوسلو ) وأعقبها اعلان واشنطن.

 منظمة ( فتح ) التاريخ والمستقبل

منظمة بهذا التاريخ ،وذاك الحجم ينبغي ان يكون همها على الدوام الحفاظ على قوة اندفاعها الى الامام ،بتطوير الأداء وبتعدد الاساليب ،والمحافظة على موقعها لدي مواطنيها بالدرجة الاولى ،ولدي من يتطلعون اليها من كل القوى الصديقه في انحاء العالم بالدرجة الثانية ،ولكن تبقى جبهتها الداخلية هي قمة الأهتمام، واقوى الأسلحة ،وفيصل الحركة ،وليس هناك اخطر من ان يتفتت هذا التماسك لها كحركة،أو الأنقسام كتنظيم،وان لا  تدخل الانتخابات التي يعد لها الآن وقد غلب فيها عنصر الصراع على سلاح الوحده،أوهيمنة الطموحات الفردية على حجم العطاء للوطن. ان الانتخابات في العادة وسيلة للكشف عن دماء جديده قادرة على طرح رؤى جديدة،وليست قيادات استهلكت وشاخت على مواقعها . لقد كانت اّخر انتخابات فلسطينية للمجلس التشريعي (البرلمان) مطلع (2006)وأسفرت عن فوز (حماس)بالأغلبية،بينما سبقها في(2005) انتخابات الرئاسة وفاز فيها الرئيس الحالي محمود عباس. وقد قدمت اجتهادات كثيرة في تفسير ماحدث من تراجع شعبية (فتح) وتقدم شعبية (حماس)،وقد كان حريا لمنظمة لها هذا التاريخ ،وتلك الجماهيريه المحلية والقومية،بل وذلك التقدير من قوى وتنظيمات عالمية،ان تدرس ماحدث،وأن تقيم على نطاق اوسع تشكيلها التنظيمي،ومدى انضباطه ،وما تردد عن سلوكيات خاطئه طالت او شابت البعض، حتى تحفظ للمنظمة نقائها،ولسياساتها جماهيريتها الواسعة، وان تنكب على تعزيز الروابط ،بين الاعضاء، وافساح الجانب الديموقراطي في معالجة مشاكلها،وعلى الأخص نتائج الانتخابات التشريعية السابقه ،التي اسفرت عن تراجعها المذهل ،فهل وعت ( فتح) الدرس،واتعظت بالتجربة ؟

فتح وقوائمها الانتخابية .. ومانديلا فلسطين

فتح كبرى التنظيمات الفلسطينيه،وتاريخ طويل كما ذكرنا ،ولذلك فان مسؤولياتها في الترتيب والتنظيم لابد ان تتكفأ مع خبراتها،وليس هناك ابلغ من دروس التجربة في العمل السياسي ،وهي سعة الصدر للمعارضين تماما كالتعاطف مع المؤيدين،ولا يدعي احد ان ذلك غير انساني،وانما هو مثالي مفترض وليس عملي أو واقعي ،فالسياسة خير معلم حيث لا مجال للعواطف المجردة، لأن العواقب تكون شديدة الفداحة،ومن هنا فالتساؤل مشروع عن تعدد القوائم في منظمة( فتح) والأقدام على فصل المناوئين ،وايضا وهو الأهم اسدال الستار عن النجم الساطع في حركة الكفاح الفلسطيني المعاصر ( مروان البرغوتي) ،وقد جرت – كما قرأنا- اتصالات به وذهب للقائه مسؤول لكي يثنيه عن التقدم للأنتخابات ،ونلمح في احدى قوائم الترشيح اسم زوجته المحاميه المناضلة فدوى البرغوتي على قائمة احد المفصولين من منظمة فتح بناء على موقفه الانتخابي ،ولا يملك المتابع سوى الدهشة والاستغراب .هنا قد يقول احدهم ان( أهل مكه أدرى بشعابها ) ولكن ذلك امر ربما يتعلق بالجغرافيا وليس بالسياسة، فألأنطباع الخارجي ،له اّثاره السلبيه ،والصدى الجماهيري له تأثير الحقيقة العاريه التي لا تحتاج الى شرح او تفصيل . القوائم الانتخابيه تخضع للقراءة السياسيه ،التي تحاول ان تبحث ما بين السطور . ان حالة الانقسام التي كشفت عنها العمليه الأنتخابيه أفرزت ثلاثة تيارات االأول التيار الرسمي الذي يقوده الرئيس محمود عباس ،وتيار ثان يقوده المناضل السجين مروان البرغوتي الذي تحالف مع القيادي المفصول من التنظيم ناصر القدوة وتيار ثالث للعضو السابق محمد دحلان ، هناك بالطبع عناصر أخرى دخلت في بعض قوائم المستقلين .

 التداول المشروع للسلطه.. يتطلع الى قيادة مروان البرغوتي

ابو عمار كان قيادة تاريخيه بالمعنى الكامل للكلمة لقيادة حركة التحرير الفلسطينيه ،وقد استطاع ان يخترق الحصار الدولي حول القضية الفلسطينيه، ونقلها من قضية لاجئين ترعاهم وكالة الغوث الى كونها قضية تحرروطني.فلسطين تعرضت لأحتلال مزدوج استعماري بريطاني وصهيوني استيطاني بالأضافة الى كون المشروع اساسا مشروع استعماري دولي له اساليبه في االمقاومة ،وقد الرجل دوره ،ورحل شهيدا ،وترك وراءه تراثا هائلا يتمثل في منظمة اعطى عمره من خلالها لوطنه ،كما ترك رفاقا يعدون ثروة مماثله من العطاء والفداء،فيهم من رحل وبذل دمه راضيا بما قدم، ومنهم ابو اياد ،وابو جهاد ،ومنهم من واصل المسيرة باذلا الجهد والعرق وتضحيات السنين ومنهم ابو مازن

اطال الله عمره وابقاه ،وبقية الرفاق ،ولكن للعمر احكامه ،وعلى اهل التجربة في النهاية ان يفسحوا الطريق لأهل الحركة، فالدماء الجديده ،تصاحبها على الدوام رؤى مختلفة ،وأساليبا أكثر جرأة واقتحاما،وكما ان باب السياسة واسع ،وممتد ،وله أجنداته المكتسبة بالخبره ،فان باب المقاومة ايضا أكثر رحابة،ويتسع لمخاطبة قوانين العصر بمفاهيم أكثر من تقليدية ،ومطروقه . لقد كان ابوعمار، وحركة فتح نتاج تمرد على اساليب ( حكومة عموم فلسطين) وسياساتها.كان ابو عمار ،وكانت فتح بداية لعصر مختلف في نضاله ،وفي اعلان حركته،واّن الأوان ( لمنظمة فتح) وقد تراجعت أسهمها في انتخابات عام (2006) وفازت عليها منظمة حماس ،ان تعيد حساباتها من جديد وان تدفع الى الصدارة في عملية القيادة دماء جديدة ،اثبتت من خلال المعارك التي عركتها،والتجارب التي انتجتها أنها قيادة قادرة، ولها اسهامها الواسع، فضلا عن اصالتها وصدقها،ومواقعها المميزة في قلوب الفلسطينيين . يبقى ان نتمنى لفلسطين ان تشهد على اراضيها انتخابات تلبي حاجات شعبها المناضل ،وتحقق اماني كل جماهير فلسطين العربيه وكل المناضلين الأحرارفي العالم، وان يتسع صدر القيادة الفلسطينيه التي تخوض انتخاباتها هذه الأيام وأن تأخذ في رحابها كل عناصر منظمة فتح في الانتخابات الجارية ،فلا تقصي احدا ،ولا تفصل احدا ،خصوصا وهم دماء جديده،لا تفتقر الى الخبرة ،بل وتتمتع بالجماهيرية، ويكون الحكم الاخير للمواطن الفلسطيني ،ورؤاه واختياراته. ان الوطن الفلسطيني يتطلع الى حريته واستقلاله ،والمواطن يتطلع الى عدم الوصاية على صوته .وكل المحبين والعاشقين لفلسطين ،يتطلعون لحرية الوطن فلسطين وأيضا لحرية المواطن الفلسطيني .

أمين الغفاري

العدد 116 / ايار 2021