الفوائد التي جنتها البيئة من فيروس كوفيد – 19

الدكتور هيثم الشيباني- خبير في البيئه

1.المقدمه:

 سبق أن نشرت مقالا من جزئين بعنوان (وباء كورونا نبه العالم على عدو مشترك) وكتبت بتفصيل عن هذا الوباء الكارثي الذي اجتاح العالم وأحدث اصابات خطيرة لآلاف البشر، وانتهت الآف الى وفيات كارثية، أصاب سكان الأرض بلا تمييز بين الدول من حيث الحجم والقوة والثروة، وعبر الحدود السياسية الرسمية، وكانت الدول بجيوشها تتوقف عندها ولا تتخطاها الا بالطرق الناعمة أو بالحروب أو بالتسلل.

مقالي هذا اليوم ربما فيه بعض الغرابة، اذ أني استخلصت أن البيئة، قد حازت على بعض الايجابيات التي أحدثها هذا الوباء، حيث انحسر التلوث البيئي التقليدي، لأن الوباء حدد من النشاط الصناعي الملوث للبيئة، وتوقفت معظم وسائط النقل كالطائرات والسيارات والبواخر، التي عادة ما تستخدم النفط ومشتقاته الملوثة للبيئة، فتحسنت كثيرا بيئة الأنهار والبحار والهواء المحيط بالأرض.

المقصود بعبارة التلوث البيئي في هذا المقال، هو كل أنواع التلوث، وليس فايروس كورونا.لأن الفكرة هي أن كافة الاجراءات التي تم اتخاذها في دول العالم، للحد من عدوى انتقال الوباء بين الأشخاص والمجتمعات، وتعطيل الأنشطة البشرية الصناعية والزراعية والتنقل وغيرها، سجلت انحسارا في التلوث البيئي الذي كان سببا في موت الملايين من البشر سنويا قبل كورونا.

والأهم يجب أن لا ننظر الى وباء كورونا بعين المنقذ للبيئة، لكن ما سيعرضه المقال هو التزامن بين اجتياح فيروس كورونا من جانب، والتناقص الكبير في التلوث البيئي الذي نجم عن توقف الكثير من الأنشطة البشرية الملوثة من جانب آخر.

  1. النموذج الأردني

 يتحدث الجميع عن الاردن، مثل ما يتحدث عن الدول العظمى، الاردن من افقر دول العالم بالماء، مديونيته 30 مليار دولار، لا يوجد فيها بترول او غاز، تستقبل 3 ملايين فلسطيني، تستقبل 1 مليون سوري، تستقبل نصف مليون عراقي، تستقبل نصف مليون عامل مصري . هذا في الاردن ذي الموارد المحدودة.

 يتعامل الاردن مع ازمة كورونا بالحزم والشفافية والرعاية الأبوية، في حين أن الصين ثاني اكبر دول العالم تستخدم

اصبحت السماء صافية في بيروت

القسوة مع شعبها، وبريطانيا تكلم الناس على أن الموت قادم لا مفر منه.

أما كوريا فانها تعزل المصابين بمخيمات. ومعظم الدول العربية انتشر فيها المرض، الاردن اول دولة في العالم تقتحم مطار الصين وتتولى جلب رعاياها من كل أنحاء العالم مجانا وتستضيفهم أولا في فندق خمس نجوم لمدة اسبوعين لأغراض الفحص والمتابعة الصحية والتغذية السليمة على نفقتها.

يعني الاردن تسبق دول أكثر منها ثراء، وتسفر الأردنيين من الصين على حسابها وكلهم بخير.

ملك الأردن ملك الرجولة والانسانية يجتمع بجيشه وينزلهم للشوارع، لحماية الشعب من المرض، وليس لفض المظاهرات.

 الاردن يغلق الجامعات والمدارس ويتحول الى التعليم الكتروني .يعني العملية التعليمة مستمرة والاجيال في بيوتها تتعلم.

 الاردن يفتح قنوات تلفزيونية لبث الدروس، ويلغي القروض والديون على الشعب ويجبر البنوك على صرف الرواتب في منتصف الشهر، ويعاقب تجار جشعين لأنهم رفعوا الاسعار على الشعب والحكومة تحدد سقف الاسعار.

يتعامل الأردن مع الشعب بشكل تربوي أبوي نادر في النماذج التي نشاهدها في وسائل الاعلام ويتحدث عنها أهلنا وأصدقاؤنا المنتشرون في بلاد المعموره.

3.أول المستفيدين من جائحة كورونا.

ان حالة الاغلاق العام الذي شهدته العديد من المدن والدول حول العالم اثر تفشي كورونا، جعلت السماء صافية.

 ان فيروس كورونا المخلوق النانوي والذي بالكاد يرى بالمجهر المتخصص جعل العديد من دول العالم تعزل نفسها وتغلق حدودها، وتخصص مليارات الدولارات لمواجهته، بعد ان فتك بأرواح آلاف البشر.

 تسبب الوباء بركود اقتصادي عالمي وأوقف أعمال بورصات عالمية، ودفع المواطنين في الدول المتضررة الى التخزين وكأنهم مقبلون على مجاعة شديدة.

 معروف أن تلوث الهواء من المشكلات التي تواجه المدن الكبرى في العالم بسبب النشاط الصناعي وحركة المرور الكثيفة.

أصبح كوكب الأرض المستفيد الأول، بحسب تقرير نشرته شبكة سي إن إن الأمريكية بسبب إغلاق المصانع وخلو الشوارع في بعض الدول، فأصبحت السماء صافية.

 في الصين مثلا وهي بؤرة انتشار كورونا، حيث أن كورونا ظهر للمرة الآولى في مدينة ووهان في وسط الصين في 12 ديسمبر /كانون الأول 2019 أعلنت أن معدل الأيام التي كان الهواء فيها نظيفا زاد بنسبة 21.5 في فبراير / شباط مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

كما أظهرت صور الأقمار الصناعية التى أصدرتها ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية انخفاضا حادا في انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين التي تطلقها السيارات ومحطات الطاقة والمنشآت الصناعية فى مدن صينية كبرى بين يناير وفبراير وذلك بعد انتشار كورونا.

وبحسب تلك الصور اختفت تقريبا السحابات المرئية من الغازات السامة التي تحوم عادة فوق المنشآت الصناعية.وأشارت شبكة  »سي ان ان« ذلك يعود إلى توقف العديد من المصانع، وتقييد حركات النقل منعا لانتشار الفيروس.

كما أن العديد من الدول الأوروبية والعربية اضافة الى الصين أعلنت عن إجراءات تقيد حرية تحرك المواطنين ومنع التجمعات وإلغاء فعاليات عديدة مثل أماكن الترفيه كمقاهي الانترنت والحدائق العامة.

لهذا السبب يرى الخبراء أن تلك الخطوات ايجابية للحد من كورونا.

وظهرت الاصابات بكثافة في الصين وإيطاليا، وإيران، وإسبانيا، وكوريا الجنوبية، وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة.

وفي 11 مارس/آذار الجاري، صنفت منظمة الصحة العالمية كورونا جائحة، وهو مصطلح علمي للدلالة على أنه أكثر شدة واتساعا من الوباء العالمي ويرمز إلى الانتشار الدولي للفيروس وعدم حصره في دولة واحدة.

  1. الفوائد التي تحققت في يوم الأرض.

صادف تاريخ الـ22 من أبريل الماضي، اليوم العالمي للأرض وهو حدث سنوي عالمي حيث أعلن بهذه المناسبة لأول مرة في عام 1970.

 وكان المفروض احتفال 193 بلداً بفعالية أسبوع الأرض، وهو عبارة عن أسبوع كامل من الأنشطة التي تركز على القضايا البيئية التي يواجهها العالم، بينما مضى يوم الأرض وقد لازم معظم الناس منازلهم في ظل الإجراءات المتبعة للحد من انتشار فيروس كورونا وقد تجاوزت مليونين ومئتي ألف حالة ووفيات تجاوزت 150.000 إلا أن البيئة هي المستفيد الوحيد من البقاء في المنازل وتوقف المصانع الإنتاجية وتوقف الطيران حول العالم.

كشفت صور الأقمار الصناعية التي نشرتها وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية عن انخفاض في انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين التي يحدثها حرق الوقود الأحفوري من يناير إلى فبراير في الصين بسبب الإغلاق التام وتوقف المعامل والمصانع أثناء الحجر الصحي.

كما تظهر النتائج التي توصل إليها مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA) أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الصين من احتراق الوقود الأحفوري قد انخفضت بنسبة

الطرق السريعة اصبحت خالية من طرق اوكلاند بعد منع الحكومة مرور السيارات

25.

وخلال الحجر الصحي في إيطاليا أظهرت معلومات الأقمار الصناعية انخفاضا في انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين في المنطقة الشمالية من البلاد وبدت الممرات المائية في البندقية أكثر نظافة وصفاء، بسبب الانخفاض الكبير في حركة القوارب السياحية.

في الهند أدى حظر التجول على مستوى البلاد في 22 مارس إلى أدنى تلوث لثاني أكسيد النيتروجين تم تسجيله في الربيع وفقا لمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف .

وحسب موقع بي بي سي أن أميركا الشمالية التي تعد واحدة من أكبر الملوثات في العالم التي تواجه انكماشا اقتصاديا كبيرا فمن المحتمل أن نرى تأثيرات مماثلة هناك في المستقبل.

 ان البقاء في المنزل نتيجة الوباء العالمي كوفيد-19 ساهم في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة التي تتسبب ظاهرة الاحتباس الحراري.

ان القيود على سفر شركات الطيران وتخفيض رحلاتها بشكل كبير، تؤدي الى قلة انتشار الوباء، وتقليل الملوثات الناتجة من الاحتراق، وبالتالي تقليل الاحتباس الحراري في الجو.

أظهرت دراسة نشرت عام 2018 في مجلة Nature Climate Change أن الانبعاثات من جراء السياحة تضيف ما يصل إلى 8  من الإجمالي العالمي من التلوث ويساهم الطيران بأكبر حصة من ذلك.

وكما نعلم أن تحقيق هدف اتفاقية باريس للمناخ المتمثل في الحد من الاحتباس العالمي إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030 وإجراء تغييرات في طريقة السفروقطاع صناعة الطيران والنقل.

وتحرز بعض شركات الطيران تقدما من خلال البحث عن بدائل للوقود مثل الوقود الحيوي المشتق من المواد العضوية والذي يقلل من تأثيرات قطاع الطيران على الاحتباس الحراري بنسبة 60 مقارنة بالوقود التقليدي والطائرات التي تعمل بالكهرباء.

 لا بد من تغيير نهج سفر الأفراد، ويقترح الخبراء أن السفر مدة طويلة يعد أفضل من السفر عدة مرات في العام الواحد.

كما يعد تصميم الطائرات التي تحوي على مقاعد الدرجة الأولى ورجال الأعمال عاملا مساهما في الانبعاثات السامة المؤثرة في البيئة حيث تسمح بنقل عدد ركاب أقل في الطائرة وبالتالي تحتاج عدد رحلات أكثر.

  1. فيروس كورونا يمنح الأرض هدنة من البشر.

منذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية فايروس كورونا وباءًا عالمياً، دخلت بلدان العالم حالة تأهب قصوى في محاولاتها لكبح انتشار الفيروس فاختلفت الإجراءات ما بين تقييد الحركة العامة للسكان وفرض الحجر المنزلي المشدد في عدة دول ومنع الذهاب إلى دور العبادة، وتوقف حضور الفعاليات الرياضية والمسرحية، ومنع الفعاليات الاجتماعية كحفلات الزفاف ومجالس العزاء والزيارات الدينية المكتضة، والقيام بأي أنشطة أخرى يجتمع فيها الناس بشكل مكثف، وإغلاق حركة الطيران بين دول العالم. مما جعل كورونا يعطي الأرض هدنة من الأنشطة البشرية.

لقد غير فايروس كورونا العالم بشكل كبير في فترة زمنية قصيرة.

لقد ترك فايروس كورونا بعض الإيجابيات على البيئة حسب ما بينته الدراسات التي أجراها موقع Carbon Brief المتخصص ببحوث المناخ، فقد انخفضت مستويات ثاني أكسيد النيتروجين (NO2) انخفاضاً كبيراً خلال الإغلاق في كل من الصين وإيطاليا حيث وصلت في الصين لوحدها إلى 35 مقارنة بعام 2019.

تظهر الخرائط أن قيم NO2 عبر الصين من 1 إلى 20 يناير 2020 (قبل الحجر الصحي) أكبر مقارنة من 10 إلى 25 فبراير (أثناء الحجر الصحي) بشكل ملحوظ جدا.

وفي بيانات جديدة من وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) تظهر انخفاضات في تركيزات NO2 فوق إيطاليا بسبب الإغلاق على مستوى البلاد.

ووفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) في الولايات المتحدة ومحطة ماونا انخفضت نسبة أول أكسيد الكربون إلى 50 فوق نيويورك مقارنة بالعام الماضي.

ولكن على الرغم من انخفاض التلوث وتحسن نوعية الهواء في أماكن محددة إلا أنها لا تعد استنتاجات قاطعة تجاه الوضع البيئي الذي تعاني منه الأرض منذ عقود، حيث أن تلوث الهواء وحده يتسبب في حدوث حوالي 7 ملايين حالة وفاة سنويًا، بينما تتسبب الجزيئات الناجمة عن استخدام الوقود الأحفوري بالوفاة المبكرة ل4 ملايين ونصف المليون أخرين في جميع أنحاء العالم، ومليوني ولادة مبكرة سنويا وأربعة ملايين حالة من الربو تنتج كلها عن تلوث الهواء.

 ويؤدي تغير المناخ إلى زيادة عدد الأشخاص المتأثرين بالفيضانات أو المعرضين لموجات الحر أو المعرضين لخطر الأمراض المنقولة.

 فبالرغم من أن تأثير فيروس كورونا المستجد مفاجئاً للبشرية ولكنه أقل فتكاً من الظواهر المناخية المتطرفة التي يعانيها العالم.

يجب أن يتضمن عصر ما بعد كورونا إجراءات تحسينية لدعم ممارسات عمل صديقة بالبيئة على المدى الطويل وعمل خطط جديدة تأخذ المناخ بعين الإعتبار.

ان الإجراءات التي توصي بها منظمة الصحة العالمية لمكافحة الآثار الصحية الضارة لتغير المناخ هي:

  1. تقليل احتراق الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة.
  2. تنظيم انبعاثات الصناعة وتوليد الطاقة.
  3. تطوير خيارات نقل صحية وفعالة، مثل النقل السريع مع المشي وركوب الدراجات.
  4. تخفيض حرق النفايات الزراعية وحرائق الغابات وبعض أنشطة إنتاج الفحم.
  5. تشجيع خيارات الطاقة النظيفة.
  6. تأثير فيروس كورونا على البيئة وتغيير المناخ.

يريد العالم أن يتعرف على الأثر الحقيقي للحظر الكامل الذي فرضته السلطات للحد من انتشار فيروس كورونا الجديد على البيئة والتلوث وتغير المناخ.

تقول أوكسانا تاراسوفا رئيسة برنامج مراقبة الغلاف الجوي العالمي في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن من المحتمل أن يكون تأثير توقف النشاط الاقتصادي على مستويات ثاني أكسيد الكربون على الغلاف الجوي قليلا.

في أوروبا كانت الشوارع مكتظة بالسيارات باتت فارغة خلال الإغلاقات المفروضة. ومن المؤكد أن يكون هذا الأمر في بعض النواحي جيدا بالنسبة للبيئة، كما أن هواء المدينة بات اليوم أنظف، وتظهر صور القمر الصناعي سنتينيل P5« تراجع متوسط مستويات تلوث الهواء بثاني أكسيد النيتروجين في فرنسا وإيطاليا.

 قال مدير خدمة مراقبة الغلاف الجوي فانسان هنري بوش إن هذه التغييرات مفيدة على المدى القصير. بشكل عام يؤثر مستوى تلوث الهواء على صحة القلب والرئة لذا فإن تقليل تلوث الهواء في وقت انتشار فيروس كورونا أمرا جيدا.

من جهة أخرى اعتبر رئيس الجمعية الإيطالية للطب البيئى أليساندرو مياني أن الجسيمات المعلقة عندما تكون بكثافة معينة مع الكثير من الضباب، تعتبر وسيلة لتسريع انتشار الوباء.

وأضافت تاراسوفا أنه :إذا نظرنا إلى كيفية تشكيل مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فليس الانبعاثات السنوية هي التي تتحكم بهذه المستويات بل التراكم الكامل لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي منذ ما قبل العصر الصناعي والتي تشكل المستوى الحالي. لذا من غير المرجح أن يكون لخفض الانبعاثات في عام معين تأثيرا على المستويات العالمية لثاني أكسيد الكربون.

ولفت فانسان هنري بوش إلى أن الدروس التي يمكننا الاستفادة منها، هي أنه يتوجب علينا وبعد أن نتخطى هذه الأزمة أن نفكر مرة أخرى في مشكلة تلوث الهواء.

وإحدى أبرز الأسئلة التي طرحت خلال هذه المدة كانت، هل كورونا سيختفي بمجرد حلول فصل الصيف، إلا أن الإجابة على هذا السؤال لا تزال غير واضحة وليس لدينا معلومات كافية بعد .

  1. هل تراجع مستويات التلوث سيدوم بعد انحسار الفيروس؟

في غضون أشهر قليلة انقلب العالم رأسا على عقب منذ أن ظهر فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية في ديسمبر/كانون الأول الماضي وتفشى في أرجاء العالم وأودى بحياة عشرات الآلاف وأصاب أكثر من مليون شخص.

وخلت شوارع ووهان من المارة منذ أن طبقت السلطات الحجر الصحي الكامل وفرضت إيطاليا أكثر القيود صرامة على حركة السفر والتنقلات منذ الحرب العالمية الثانية وأغلقت لندن حاناتها ومسارحها وأجبر سكانها على البقاء في المنازل.

وألغيت رحلات جوية وعادت أخرى أدراجها في منتصف مسارها وأصبح مستقبل صناعة الطيران في مهب الريح.

ورغم أن الهدف من كل هذه الإجراءات هو الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، فقد ترتب الانخفاض المفاجئ في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري تزامنا مع إغلاق المصانع وشبكات النقل والشركات، فتراجعت مستويات التلوث في نيويورك بنحو 50 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

وانحسرت الانبعاثات في الصين بنسبة 25 في المئة في مطلع العام الحالي منذ أن لزم الناس منازلهم وأغلقت المصانع وتراجع استهلاك الفحم بنسبة 40 في المئة في ست من أكبر محطات الطاقة في الصين منذ الربع الأخير من عام 2019. وتحسنت جودة الهواء في 337 مدينة حول العالم بنسبة 11.4 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

وهذا يعني انخفاض ملحوظ في نسبة الغازات الملوثة للهواء مع انتشار كورونا.

 ان سياسات الإغلاق التام تواصل كبح التلوث الأوروبي، حيث أظهرت الصور الملتقطة بالقمر الصناعي في أوروبا أن نسبة انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين في الجو تراجعت في شمالي أيطاليا وإسبانيا والممكلة المتحدة.

ان إحداث تغيير واسع النطاق بسرعة، مهم للغاية بسبب فيروس كورونا المستجد الذي تخطى عدد ضحاياه حول العالم حتى الآن 2 984 538 مليون، وأمريكا مليون تليها ايطاليا، ثم فرنسا ثم بريطانيا.

ولا يمكن أن نعلق الأمال على هذه الجائحة العالمية الفتاكة لإحداث تغيرات بيئية لأسباب عديدة فهل ستعود انبعاثات الكربون والملوثات في الجو إلى مستوياتها السابقة بعد انحسار الوباء.

وتقول كيمبرلي نيكولاس، الباحثة في علوم الاستدامة بجامعة لاند في السويد إن ثمة عوامل عديدة ساهمت في تخفيض الانبعاثات على رأسها القيود المفروضة على حركة المواطنين لمنع انتشار الفيروس إذ تسهم وسائل النقل وحدها بما يصل إلى 23 في المئة من الانبعاثات العالمية للكربون وتسهم قيادة السيارات بنسبة 72 في المئة والنقل الجوي بنسبة 11 في المئة من إجمالي الانبعاثات العالمية للغازات المسببة للاحتباس الحراري من قطاع النقل.

في بيروت أصبحت السماء صافية، التي اشتهرت بارتفاع مستويات تلوث الهواء

لكن تقول نيكولاس ماذا سيحدث عندما تخفف هذه القيود على التنقلات وتعود الحياة إلى طبيعتها؟، فقد يزداد الناس إقبالا على السفر بعد قضاء فترة طويلة من العزل المنزلي.

و ربما تتغير الأولويات أثناء الحجر الصحي ويقدر الناس أهمية قضاء وقت مع العائلة وقد تساعد الأزمة الناس في التركيز على أهمية صحة العائلة والأصدقاء والمجتمع. وترى نيكولاس أن الاهتمام بالصحة والوقاية من الأمراض قد يقود الناس لاحقا لتخفيض الانبعاثات.

وتقول بونغراتز أن الفعل الايجابي لصالح البيئة لن يكون طويل الأمد اذ أن استغلال المنتجات النفطية والفولاذ وغيره من المعادن، سرعان ما يعود بعد انحسار الوباء.

لكنها ترى أن انعكاسات الوباء على البيئة قد تصبح طويلة الأمد في حال استمر تفشيه حتى نهاية العام الجاري. وذلك لأن الطلب على السلع سينخفض إثر فقدان الوظائف والرواتب.

وأصدرت مؤسسة التعاون الدولي والتنمية تقريرا مؤخرا ذكرت فيه أن توقعات النمو لعام 2020 تراجعت بمقدار النصف إثر تفشي فيروس كورونا.

وأُرجئت مؤتمرات عالمية كان من المقرر إقامتها لمناقشة تغير المناخ مثل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ الذي كان من المقرر إقامته في غلاسكو في اسكتلندا.

وأتاحت دراسة الفرصة لقائدي السيارات لتجربة دراجات كهربائية مجانا لمدة أسبوعين في مقابل تسليم الباحثين مفاتيح سياراتهم وعندما استعاد المشاركون المفاتيح انخفض استخدامهم للسيارات بعد الدراسة مقارنة بما كانت عليه سابقا.

 يرى البعض أن الخطوات التي تتخذها المجتمعات قد تؤثر إيجابيا على المناخ على المدى الطويل.وتقول بونغراتز إن العزل المنزلي أتاح الفرصة للناس لمراقبة استهلاكهم للموارد.

كما يرى البعض أن الضربة الاقتصادية تحمل طابعا إيجابيا، لأنها تسببت في انخفاض النشاط الصناعي ما أسفر عن الحد من تلوث الهواء وبالتالي إنقاذ آلاف الأرواح التي كانت تموت سنويا بفعل تلوث الهواء.

وأكدت صور الأقمار الصناعية أن غيمة التلوث البيئي انخفضت مستوياتها بالعديد من الدول الأوروبية، مثل إيطاليا، وفرنسا، والمملكة المتحدة كما أن مدينة ميلانو هي الأخرى عرفت انخفاضا ملحوظا في مستويات ثاني أوكسيد النيتروجين، وبشكل تدريجي بعد دخول المدينة في حجر صحي شل حركة كل القطاعات الاقتصادية.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية ضمن الدول التي شهدت انخفاضا في مستوى التلوث البيئي بنيويوك فقد تراجعت مستويات التلوث فيها بنحو 50 في المائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي كما عرفت انخفاضا مفاجئا في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري تزامنا مع إغلاق المصانع وشبكات النقل والشركات.

وانحسرت الانبعاثات في الصين بنسبة 25 في المائة في مطلع العام الحالي منذ أن لزم الناس منازلهم وأغلقت المصانع وتراجع استهلاك الفحم بنسبة 40 في المائة في ست من أكبر محطات الطاقة في الصين منذ الربع الأخير من عام 2019 وتحسنت جودة الهواء في 337 مدينة حول

العالم بنسبة 11.4 في المائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

وتقول كيمبرلي نيكولاس الباحثة في علوم الاستدامة بجامعة لاند في السويد نقلا عن البي بي سي العربية، إن ثمة عوامل عديدة ساهمت في تخفيض الانبعاثات على رأسها القيود المفروضة على حركة المواطنين لمنع انتشار الفيروس إذ تسهم وسائل النقل وحدها بما يصل إلى 23 في المائة من الانبعاثات العالمية للكربون.

وتوقع الباحثون في مركز أبحاث الطقس والبيئة الدولي في أوسلو انخفاض الانبعاثات العالمية في عام 2020 بنسبة 0.3 في المائة وقد لا تعود إلى معدلاتها السابقة في حال ركزت جهود دفع عجلة النمو الاقتصادي على قطاعات الطاقة النظيفة كما أن تغيرات سلوكيات الناس بسبب جائحة كورونا قد تساهم أيضا في الحد من انبعاثات الكربون.

في دراسة لخبير الموارد البيئية مارشال بورك حول انخفاض التلوث بالصين، قدر بورك عدد الأرواح التي نجت نتيجة لشهرين من الحد من التلوث بـ 4000 طفل دون سن الخامسة و73 ألف بالغ فوق سن الـ 70 في الصين.

بالطبع فإن هذا العدد أكبر بكثير من عدد الوفيات العالمي الحالي من الفيروس نفسه وبهذا خلص بورك إلى أن هذا لانخفاض في معدل تلوث الهواء سينقذ حياة أشخاص بمقدار يعادل 20 ضعفا من عدد الوفيات الناتج عن كورونا.

  1. مقدار الفوائد المرجوة من وباء كورونا في انقاذ الأرواح من تلوث الهواء.

رغم التطبيق الصارم لتدابير إدارة أزمات الوباء العالمي فإن تفشي وباء كوفيد-19 أو فيروس كورونا المستجد يزداد يوما بعد يوم ليتجاوز عدد الوفيات الاف الأشخاص من جميع أنحاء العالم. ولهذا يتسبب الفيروس بإثارة هلع عالمي علاوة على توجيهه ضربة مباشرة للاقتصاد العالمي.

 ويرى البعض أن هذه الضربة الاقتصادية تحمل طابعا إيجابيا لأنها تسببت في تناقص النشاط الصناعي مما أسفر عن الحد من تلوث الهواء وبالتالي إنقاذ الأرواح التي كانت تموت سنويا بفعل تلوث الهواء.

بخصوص الحد من تلوث الهواء، بتاريخ 8 مارس/آذار الجاري نشر خبير الموارد البيئية بجامعة ستانفورد مارشال بورك، تقريرا على المدونة العالمية للأغذية والبيئة وديناميكيات الاقتصاد، كان قد أجرى فيه بعض الحسابات حول معدل الانخفاض الأخير في تلوث الهواء على أجزاء من الصين.

وقدر بورك عدد الأرواح التي نجت نتيجة لذلك ووجد أنه نتيجة لشهرين من الحد من التلوث نجا 4000 طفل دون سن الخامسة و73 ألف بالغ فوق سن الـ 70 في الصين.

بالطبع فإن هذا العدد أكبر بكثير من عدد الوفيات العالمي الحالي من الفيروس نفسه هناك. وبهذا خلص بورك إلى أن هذا الانخفاض في معدل تلوث الهواء سينقذ حياة أشخاص بمقدار يعادل 20 ضعفا من عدد الوفيات نتيجة كورونا هناك.

وطرح بورك تساؤلا هاما في نهاية تقريره عما إذا كان عدد الأرواح التي نجت من هذا الانخفاض في التلوث الناجم عن الاضطراب الاقتصادي من فيروس كورونا يتجاوز عدد الوفيات من الفيروس نفسه وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار الكم الهائل من الأدلة على أن تنفس الهواء الملوث يسهم بشكل كبير في الوفيات المبكرة.

انخفضت الانبعاثات بالتزامن مع التدابير الصحية لكورونا والتباطؤ الاقتصادي في الصين(ناسا) .

بتاريخ 3 مارس/آذار من العام الجاري نشرت دورية كارديوفاسكولار ريسرتش (Cardiovascular Research) دراسة تمت من خلال تعاون دولي ما بين جامعات من ألمانيا ولندن والسعودية تفيد بأن تلوث الهواء يسلب من عمر الإنسان ما يقدر بثلاث سنوات من متوسط العمر المتوقع العالمي.

ويقدر بعض الباحثين أن كلا من عدد الوفيات والخسارة المتوقعة في العمر نتيجة تلوث الهواء تنافس تأثير تدخين التبغ كما أنها أعلى بكثير من أسباب الوفاة الأخرى،

حيث يتجاوز تلوث الهواء الملاريا كسبب عالمي للوفاة المبكرة بـ19 ضعفا والعنف بـ 16 ضعفا وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) بـ9 أضعاف والكحول بـ 45 ضعفا وتعاطي المخدرات بـ60 ضعفا.

مع ثاني أكبر عدد من الإصابات بفيروس كورونا التي تحدث في إيطاليا وهو البلد الذي يضع تدابير الحجر الصحي الصارمة، أظهرت بيانات الأقمار الصناعية في شمال إيطاليا الآن انخفاضا كبيرا في تلوث الهواء على وجه التحديد ثاني أكسيد النتروجين وهو غاز ينبعث بشكل رئيسي من السيارات والشاحنات ومحطات الطاقة وبعض المنشآت الصناعية.

 هناك فائدة مباشرة في تقليل عدد الوفيات الناتج عن التلوث الصناعي، مما يمكن أن يعوض عن التدمير الذي يحدثه وباء كورونا.

والأهم هو أن هذه الأرقام الأولية تثبت أن هذه الكارثة الصحية العالمية هي فرصة لتقييم مجمل النشاط البشري في كافة المجالات.

  1. الخلاصه:

ان وباء كوفيد-19 أو فيروس كورونا المستجد، خطير ومميت اذا لم يتم التعامل معه بمهنية وحذر شديد، وليس صحيحا أن نستهين به، كما فعلت بعض الدول مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا في بداية اجتياحه وهي المتقدمة في مجالات السلاح والتكنولوجيا، الا أنها كشفت خللا في الاستعدادات وتدابير الوقاية وشحة في الملاكات التمريضية والاختصاصات الطبية والخدمية الساندة، والاستعدادات اللوجستية الصحية. بحيث أنها تأخرت في تشكيل خلايا الأزمة وادارتها بمهارة وسرعة كافية.

على الرغم من تواضع مواردها المالية، فقد تعاملت المملكة الأردنية الهاشمية بوقت مبكرمع الوباء، واستنفرت قدراتها المادية والفنية والصحية بكفاءة عالية ونجحت في تطويق الأزمة باجراءات العزل الصحي، والعزل الاجتماعي، والتحول بسرعة الى التعامل عن بعد، في دوائر الدولة، والجامعات ووالمدارس، والشركات مستفيدة من الانترنت ونشطت في تفعيل المتاح من الجهد الصناعي لانتاج كمامات الوقاية، وتأمين مواد التطهير المنزلي والشوارع والأبنية المكتضة بالسكان (قدر الامكان) والعمل الجدي الدئوب لرعاية المصابين من قبل الملاكات الطبية الوطنية المحلية، والاستفادة من المتطوعين من كل الفئات العمرية، كل حسب اختصاصه وممارسة الشفافية والمصارحة مع أبناء الشعب، والاهتمام بتأمين المواد الغذائية اعتبارا من الخبز اليومي وحتى اللحوم والألبان، وتأمين المحروقات وغاز الطبخ والتدفئة للسكان وكل من يحتاجها والسيطرة على الأسعار منعا لاستغلاها من البعض، وتوزيع الرواتب بوقت مبكر وايصالها الى المستحقين قبل نهاية الشهر. وتفاصيل لا تخطر بالبال، والأهم هو عبور الحالة الصحية منحنى الأمان.

كل النجاح الذي حققته المملكة الأردنية يعود الى القيادة الحازمة والشعب الواعي.

ان حالة الاغلاق العام الذي شهدته العديد من المدن والدول حول العالم اثر تفشي كورونا، جعلت السماء صافية.

أصبح كوكب الأرض المستفيد الأول، بحسب تقرير نشرته شبكة سي إن إن الأمريكية بسبب إغلاق المصانع وخلو الشوارع في بعض الدول.

ان القيود على سفر شركات الطيران وتخفيض رحلاتها بشكل كبير، تؤدي الى قلة انتشار الوباء، وتقليل الملوثات الناتجة من الاحتراق، وبالتالي تقليل الاحتباس الحراري في الجو.

 فاختلفت الإجراءات ما بين تقييد الحركة العامة للسكان وفرض الحجر المنزلي المشدد في عدة دول ومنع الذهاب إلى دور العبادة، وتوقف حضور الفعاليات الرياضية والمسرحية، ومنع الفعاليات الاجتماعية كحفلات الزفاف ومجالس العزاء والزيارات الدينية المكتضة، والقيام بأي أنشطة أخرى يجتمع فيها الناس بشكل مكثف، وإغلاق حركة الطيران بين دول العالم. مما جعل كورونا يعطي الأرض هدنة من الأنشطة البشرية.

يجب أن يتضمن عصر ما بعد كورونا إجراءات تحسينية وتنفيذ خطط صديقة للبيئة ومراعاة تقليل الاحتباس الحراري الى الحدود المتفق عليها عالميا .

 توصي منظمة الصحة العالمية بإحداث تغيير واسع وسريع، لمواجهة فيروس كورونا المستجد.

قدر خبير الموارد البيئية مارشال بورك حول انخفاض التلوث البيئي في الصين عدد الأرواح التي نجت نتيجة لشهرين من الحد من التلوث بـ 4000 طفل دون سن الخامسة و73 ألف بالغ فوق سن الـ 70 في الصين.

إن هذا العدد أكبر بكثير من عدد الوفيات العالمي الحالي من الفيروس نفسه بمقدار يعادل 20 ضعفا.

 ويرى البعض أن هذه الضربة الاقتصادية تحمل طابعا إيجابيا لأنها تسببت في تناقص النشاط الصناعي مما أسفر عن الحد من تلوث الهواء وبالتالي إنقاذ الأرواح التي كانت تموت سنويا بفعل تلوث الهواء.

العدد 105/حزيران 2020