لبنان… التاريخ الذي يعلك نفسه

اتصل بي الدكتور عصام خليفة. قال:

أطرح سؤآلاً وأنتظر جوابك ب: نعم قبل معرفتك بالسؤآل!!!

لم يُطرح عليّ سؤآل مشابه أستاذاً ومديراً ل”كليّة الإعلام”  ولي مؤلّفان في “فنون المقابلة” مُختصرها أنّ “السؤآل هو الحياة لكنّ الجواب هو الموت”.

1- سكتّ لثوانٍ فقد جمعتنا “نكسة العرب” عام 1967 في كليّة التربية ثمّ “ثورة السربون” بباريس 1968 فالانهيارات والمظاهرات في لبنان 2019، فأصدرنا “بريق الثورة في لبنان” متضمّناً المذكرات والإنذارات التي سبقت تحوّلات الثورة إلى حراك”.

قلت: نعم… ما سؤآلك؟

قال: أترعى حواراً مع الوزير إيلي سالم في الحركة الثقافية بانطلياس.

2- نعم بالصوت العالي… وبضمّ الإبهام والسبابة والوسطى في إنطلياس ولبنان وسائر المشرق.

وُلد الوزير سالم في بطرّام/ الكورة. شقيقه الدكتور فيليب سالم طبيب السرطان الشهير في هيوستن بالولايات المتّحدة ، وبطرّام مسقط رأس شارل مالك العربي الوحيد المُشارك بإعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وصياغة بالتعاون مع إليانور روزفلت عام 1948 . سلّمه الله شاباً يافعاً فصيحاً مستقيم الرأي شاء أن نحتفي به في 5 آذار الفائت بعيد ميلاده ال 94.

3- يروي سالم تلقّيه اتّصالاً من القصر الجمهوري العاشرة صباحاً في 6 تشرين الأوّل 1982 يعلمه بأنّ الرئيس أمين الجميل يطلب صعودك  إلى القصر الآن.

الآن؟؟؟ مستحيل أجاب وهو في الجامعة الأميركية في رأس بيروت. الحواجز الإسرائيلية والمعابر المقفلة. دعها إلى الغد. أصرّ المتّصل: “أرجوك تعال الآن. ألا تعرف أنّ الجميل يُلقّب ب “الرئيس العنيد”؟ كان المُتّصل وديع حدّاد الذي فاجأ سالم فأجابه: “أوكي” لينطلق مفتكراً: ماذا يفعل وديع حداد فوق؟

انطلق وبدأت رحلة ال2190 ليلة وليلة شديدة الوعورة والخطورة بين 1982 وال 1988 ليعيش تاريخ لبنان بعجنه ودعكه الصعب الذي لم فار ولم يُخبز كاشفاً  الأغطية عن الأوراق والمراحل الممزقة والمحروقة بعدما تفاقمت الأحداث والتصريحات والأجوبة والوثائق والمواقف وترجرجت رؤوس معظم السياسيين اللبنانيين والعرب والعالم ومواقفهم فساد الإحمرار واللفّ والدوران والضياع فالعجز والحروب حيال تشعّب الأوراق والمضامين والإزدواجيات والمؤآمرات.

وها هو لبناننا يتشعّب مجدّداً أمامنا اليوم وأكثر انفراطاً ممّا خبره الدكتور سالم وكتبه وعانى ونُعاني منه.

4- التقيت الوزير إيلي سالم في القصر الجمهوري لدى عودتي من باريس 1984، وكان شقيقي الصحافي راجح الخوري مستشاراً في القصر. يُذكّرنا سالم بهذا الزمن الُمثقل بالمعجزات والمخاوف إذ تجمّدت عبره العلاقات الجغرافية والسياسية واستحالات الخروج من الحروب الداخلية وإنقسام الحكومات بعد ذلك بين ميشال عون شرقي بيروت وسليم الحص غربها فالتعثرات الإقتصادية والمالية وأراجيح المصارف التي أزهقت اللبنانيين تلاعباً بالدولار طلوعاً ونزولاً كما يحصل اليوم بعد 40 سنة يمضغ اللبنانيون جوعهم وموتهم وانهيار بلدهم و”دولرته” ليتقاضى،على سبيل المثال، نازح يُوزّع قوارير الغاز على البيوت  350 دولاراً شهرياً فيتجاوز بروفسور في الجامعة اللبنانية يحمل 2 دكتوراه ، وله عشرات المؤلفات والدراسات والمقالات والمحاضرات.

5- بان القصر الجمهوري بعدما سلّمه الرئيس الجميل إلى الجنرال ميشال عون في بعبدا محاصراً ليتهدّم في ال1989 وينتقل عون إلى فرنسا. كانوا يُطلّون من شرفة القصر الجمهوري على البحر الأبيض المتوسط و”بيروت الكبرى والضاحية” المشروع الذي حقّقه الرئيس أمين الجميّل، وها اللبنانيون اليوم يطلّون على القصر الرئاسي الفارغ المهجور على رئيس ينتظرونه يُفترض أن يطلّ من الضاحية على بيروت ولبنان والموفدين الدوليين والثلاثيوة والخماسية بانتظار القرار 1701 ومنها يطلّون على فلسطين وغزّة ودول العرب والعالم كما على مجلس الأمن والمنظّمات الدولية التي أراها عاجزة حائرة تضرب كفّاً بكفٍّ.

6- نعم نلتقي إيلي سالم عبر كتابه ” في حوار مع لبنان…سيرة شخصية سياسية” الصادر عن “دار سائر المشرق” عبر 214  يهتدي القاريء إلى سيرتي الوزير سالم الشخصية والسياسية: الدكتور المُتخرج من جامعة جون هوبكنز في أميركا والأستاذ الجامعي والعميد ورئيس جامعة البلمند والحافلة خزائنه بالأدوار والأسرار اللبنانية والسورية والسعودية والأميركية وعلاقاته الشخصية مع دونالد ريغن وفيليب حبيب وريتشارد مورفي وجورج شولتز وحافظ الأسد والأخضر الابراهيمي ورفيق الحريري وهاني سلام رجل الأعمال اللبناني في لندن في ال1987 طالباُ منه إقناع الرئيس السوري حافظ الأسد بالقبول باتفاقية 17 أيار 1983 بين لبنان وإسرائيل.

7- نعم. كنت مدير تحرير”مجلّة المستقبل” رائدة الصحافة المهاجرة إلى باريس 1976. شارع جورج الخامس المحاذي لفندق” البرانس دو غال” وفيه أقام العميد ريمون إده. تدفّق نحو المقريّن بين 1976 وال 1984، سياسيون من لبنان وبلاد العرب وكان لنا فرص اللقاء بالشخصيات التي خبرت تفاصيل الوصول إلى إتّفاق الطائف 1989 وكان في طليعتهم خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز الذي كان أميراً للرياض ورفيق الحريري بالطبع الذي انتقل إلى لبنان في ال1984 شارياً إمتياز مجلّة “المستقبل” مُعلناً إعادة إعمار بيروت “العاصمةً العريقة للمستقبل” إلى صحيفة يومية وإذاعة وتلفزيون و”تيارسياسي باسم “تيّار المستقبل” جامعاً فيه الّلبنانيين ومُعلناً بالصوت العالي وفقاً لدستور الطائف بوقف العد بين المسيحيين والمسلمين، وهو الذي أودع  حياته وأحلامه في ساحة “الداون تاون” في ال2005 شهيداً وكأنّنا نسينا الإسم الجديد لتعود الساحة ساحةً للشهيد رفيق الحريري في قلبها ومن حوله الشهداء الأحياء الغرباء واللبنانيين في جمهورية مقطوعة الرأس بل مشلولة الأطراف والألسن.

8- يروي سالم “القبضاي” أخيراً ،هجومه على عبد الحليم خدّام لتحقيره الدائم للّبنانيين، إذ لقّنه ضرباً مبرحاً في مكتب سعود الفيصل. إستأذنته بنشر القصة فضحك من بطرّام وكأنّه في الغرفة الثانية من دارتي وقال: أنشر. الرئيس الأسد ضحك طويلاً للرواية. وأضاف:” كان بحوزتي وثيقتان بالإنكليزية والعربية. أعطيت الوزير فاروق الشرع النسخة العربية لكنّه طلب بالإنكليزية فرفضت. سحبها بخفّةٍ من يدي وركض. لحقت به وأمسكته بشعره وانتزعتها منه بالقوة.