الكاتب العراقي نعيم آل مسافر؛ غاية الكاتب أن يستنطق ويناقش الحروب والأزمات

نشأ الكاتب العراقي  نعيم آل مسافر، في أسرة محبّة ومتذوّقة للأدب العربيّ ولها مكانتها الاجتماعية ومضيفها العامر بالكرم والأدب : “الوالد الوجيه المتديّن، والوالدة التي تسرد الحكايات بطريقة مشوّقة، والخال الشاعر الكبير واليساري عريان السيد خلف”. تشكّلت نواة وعيه الثقافي والأدبي الأولى في مكتبة البيت الصغيرة.

 درس الأدب العربي، وفي بداياته كتب الشعر الشعبيّ ثم غادره إلى غير رجعة ليتفرغ للسرد بأشكاله المتنوعة، له مقالات في عدد من المجلات الأدبية، ونصوصًا في المسرح والقصة، وأصدر العديد من الروايات، عن تجربته في عالم الكتابة المتنوّعة، كان للحصاد معه هذا الحوار.

أثر الصُحبة

يحكي الكاتب نعيم آل المسافر للحصاد كيف كان للصحبة المجتمعة حول حب الأدب الأثر النافع والمفصلي في خياراته الأدبية، يقول: ” كنا نتناقش في كل شيء ونعرض على بعضنا كل ما نكتب ونقرأ بكل صراحة وشفافية، والذي أفادني كثيرا في اكتساب وعي نقدي وتلمس مناطق القوّة فيما أكتب أو أقرأ. أتذكر عندما كتبت روايتي الأولى (كوثاريا) وعرضتها عليهم وهي مخطوطة قبل دفعها للنشر، أقمنا جلسة على ضفة نهر الغراف الخالد لمناقشتها،

الشاعر عريان السيد خلف

وكانوا صريحين جدًا معي ولم يتركوا شيئا لم يناقشوه أو يعطوني رأيهم فيه -سوى أنهم لم يرموني في النهر مع مخطوطتي- وقد فازت الرواية بجائزتين محليّتين وطُبعت ثلاث مرات في العراق والأردن وأمريكا، وكتب عنها الكثير من النقاد والباحثين واختيرت ضمن الكثير من دراسات الماجستير والدكتوراه.

اللهجة العراقيّة؛ هي لغتنا الثانية..

في بداياته كتب القصيدة الشعبية باللهجة العراقيّة المحكيّة؛ وأصدر ديوانيْ “غريب الحق” 2010، و”كبوة جواد” 2012. وهنا يستطرد متحدثًا عن ما يصطلح على  تسميته (اللهجة الشعبية أو الدارجة)، ويقول: اللهجة الشعبية العراقية هي لغتنا الثانية التي نتداولها يوميًا ونفكر بها ونعبر بها عن مشاعرنا وأحاسيسنا، لذا فبعض المواقف المعيّنة قد تقودنا الى أن نعبّر بها عن خلجاتنا. أما اللغة العربية فهي فهي لغتنا القوميّة ولغة القرآن الكريم؛ وهي واسطتنا إلى الأدب قراءة وكتابة. وأعتقد أن ما تسمى -الشعبية أو الدارجة العراقية – ليست لهجة من اللغة العربية الفصحى بل هي لغة عراقية بحد ذاتها، مكوّنة من مفردات سومرية وأكدية وبابلية وآشورية وآرامية وعربية، بالإضافة إلى بعض المفردات من لغات المحتلين الذين احتلوا بلادنا في أحقاب مختلفة كالفرس والأتراك والانكليز. والشواهد كثيرة لا يتسع المجال لذكرها. عيبها الوحيد أنها شفاهية، ولو قدّر أن يكتب السرد بها لوُضعت لها قواعد نحوها وصرفها الخاص، ولأصبحت لغة بحد ذاتها. وقد أشرت إلى ذلك في روايتي (أصوات من هناك)”.

وفي العودة إلى الشعر، يشير أنّه كتب الشعر الشعبي تأثُرًا  بخاله الشاعر عريان السيد خلف، وقد وجد نفسه لاحقًا عالقًا في دائرة التقليد، فكان القرار حاسمًا منه بترك الشعر إلى غير رجعة والتوجه إلى الكتابة في أجناس أدبية أخرى كالمسرح والقصة والرواية وأدب الطفل.

اللجوء للسرد بأجناسه المختلفة، والثبات على  الرواية

كتب نصوصًا مسرحيّة إبداعية منها: “الرواق الأخير”، و”شظايا الأصابع البنفسجية”، إضافة إلى مجموعات قصصية نذكر منها “تجاعيد وجه الماء” 2012. ومقالات أدبية  نشرت في الصحف والمجلات ومنها سلسلة رسائل من أم حسون 313 ونال عنها المركز الأول في المقال، جائزة النور للإبداع 2011. إضافة إلى خوضه مجال أدب الطفل وكتابه “شروكين جنود من ملح وطين”، وهو كتاب كومكس 2018. وأبدع في عالم الرواية، ومنها نذكر: “كوثاريا” والتي نالت عدة جوائز أدبية، “أصوات من هناك” ترجمت إلى الفارسية وهي قيد الترجمة الآن إلى الإنكليزيّة، كذلك رواية “الحياة غير مكتوبة” ترجمت إلى الفارسية.   وهو لذلك يستعين بقول ماريو فارغاس يوسا ليؤكد حبّه للكتابة: “الكتابة نفسها هي أهم ما يمكن أن يحصل للكاتب”.

 تفرّغ لكتابة الرواية لأنها، برأيه: ” شكل ليس له قالب ساكن محدد، فهي بابٌ مفتوح للتجريب، إذ يمكنها أن تستوعب جميع الأجناس الأدبية الأخرى، وليس هناك جنس أدبي يمكن أن يستوعبها…”

استلهم موضوعات رواياته من آفاق النفس البشرية وتجريب مسارات مختلفة في الحياة والموت،  وهو يعتقد أن نضج الموضوع يأتي بجنسه الخاص الذي يُفترض أن يُكتب به. في القصة والرواية فإن الموضوع هو الذي يأتي بنسقه السردي وأسلوبه وكل التقنيات التي تخدمه وتُظهره بشكل صحيح ووافٍ. إلّا أن ما يعطي العمل الأدبي فرادته- والكلام للكاتب- هو قدرة الكاتب على اقتناص الفكرة الناضجة وطريقة تناولها وأسلوب كتابتها، وقوّة الناقد الداخلي لديه، ووعيه بمحيطه والبنية السوسيوثقافية للمجتمع الذي يتناوله، ومعطيات أخرى كثيرة تختلف من كاتب إلى آخر.

        غاية الكاتب أن يستنطق ويناقش الحروب والأزمات

قد تكون تقنية التداعي الحُر والتي لجأ لها علم النفس كوسيلة للتفريغ الذاتي، هي فن يلويه الكاتب ليحكي من خلاله عن الأزمات والحروب التي تترك أثرها في نفسه ويرى تجسُدها في سلوكيات وثقافة مجتمعه، وفي العراق الكثير من الكلام المكبوت والمشاعر المثقلة بالتعب والأنين، من هنا يذكر آل مسافر: “هناك الكثير من الصحفيين والشعراء والقصاصين العراقيين ممن جعلوا السرد واسطتهم وكتبوا روايات وأبدعوا فيها”.

ويشير إلى أن: “غاية الكاتب أن يستنطق ويُناقش تلك الحروب والأزمات، وكتابة تاريخ مواز لها غير ذلك التاريخ الذي يعتمد الرواية الرسمي التي خطتها أيادي السلطة والحكام”، ويؤكد أنه لا يوجد ما يمكن أن يقدم ويبين موقف العراقيين مما عانوه ويعانوه على مدار عقود  سوى السرد.

لجأ في سرده إلى استخدام الرمز، كوسيلة تبعده عن عين الرقيب لتمرير رسائل  سياسية أو دينية أو اجتماعيّة، ويذكر أنه في أحيان أخرى تكون الغاية من الرمز فنيّة بحته، وذلك ” لتعدد دلالاته، كما يضيف، والمساحة الكبيرة التي يوفرها للتأويل، وقدرته على إيصال الفكرة بيسر دون الحاجة للشرح والإسهاب الذي يؤدي إلى ترهل النص، فله فائدة كبيرة في إثارة ذهن القارئ وفتح المجال أمام تأويلات أخرى ربما لم يقصدها الكاتب نفسه، لذلك سيكون القارئ شريكا في كتابة النص حسب ما تذهب إليه نظريات القراءة الحديثة، وربما كل هذا قد حصل معي في كتابة رواية كوثاريا وروايات أخرى مثل رواية “حياة غير مكتوبة” ورواية “حلم أوروك” بوعي تام مني أو من دون قصد في بعض الأحيان.

وفي سؤال عن الفاصل الزمني بين كتاباته الروائية يرى الكاتب آل مسافر أن: “الرواية مثل جنين تحتاج لمدّة زمنية في رحم المخيلة حتى يكتمل نموها، واكتمال النمو يحتاج لظروف ملائمة، وتختلف المدة عن رواية وأخرى.

ويضيف: روايتي الأولى استغرقت كتابتها خمس سنوات والثانية استغرقت ثلاث سنوات. وفي روايتي الثالثة (لحياة غير مكتوبة) انتظرت سنة كاملة من أجل ان أقتنع بعنوان مناسب لها! على الرغم من أنها كانت جاهزة للطبع. وكنت أتصور أن مدة كتابة الرواية ستقل بعد تعدد التجارب الكتابية وتراكم الخبرات، ولكن اتضح لي فيما بعد أن الأمر متعلق بالرواية نفسها وموضوعها المحوري وكيفية صبها في قالب جمالي. فروايتي الأخيرة استغرقت كتابتها خمس سنوات على الرغم من أنها رواية قصيرة.

الجوائز الأدبية؛ سلاح ذو حدّين

نال الكاتب عدة جوائز أدبيّة عن أعماله الأدبيّة، وقد كان أبرز وأكثر هذه الأعمال شهرة، هي رواية كوثاريا التي نالت جائزة محمد الحمراني للرواية عام 2012 ، وكذلك القائمة القصيرة لجائزة بغداد للرواية عام 2016، إضافة إلى جوائز في القصة والشعر والمقال الأدبي، والمشاركة في عدّة لقاءات وندوات أدبية.

يرى  آل مسافر أنّ  الجوائز الأدبية هي “سلاح ذو حدين، ربما تكون فرصة كبيرة لاختصار الزمن في سرعة انتشار الكاتب والترويج لكتبه -وهذا ما يطمح إليه معظم الكُتاب-. ولكن وكما هو معروف فإن لكل جائزة أدبية مموليها وشروطها وسياساتها المعلنة والمخفيّة النابعة من توجه أولئك الممولين،  وتلك الشروط تقوْلِب الكاتب فلا يكون حرًّا أثناء اختيار الموضوع  والكتابة لوقوعه في كماشة التفكير في كيفية حصوله على تلك الجائزة. “ربما تصنع الجوائز أسماءً أدبيّة لامعة لكنّها لايمكن أن تصنع أدباء حقيقين. “

وفي حديث عن الدور التي تؤديه دور النشر في دعم الكاتب، يرى أن أغلب دور النشر غايتها ربحيّة تجاريّة، وفي هذا يوضح: ربما لا أغمط حقهم، لأنَّ لهم الحق في ذلك. ولكن ما يحصل أننا لم نصل حتى الآن إلى أن نُنشئ دورًا تهتم أو تُسخر من أجل دعم المواهب الأدبية فقط!

يخطّط لإصدار أعمال أدبية جديدة، منها قيد الطبع وهي روايته السادسة “ووترفون”  وتعني آلة موسيقية تسمى موسيقى الماء، وهي الآلة التي تعزف منها الموسيقى التصويرية لأفلام الرعب؛ وستصدر هذا العام عن منشورات اتحاد الأدباء والكتّاب العراقيين. وحاليًا يعمل على كتابة رواية جديدة لم يستقر على عنوان لها بعد.

يختم: “ولا زال ولعي بالتجريب لا يتوقف عند حدّ، وأطمح لكتابة رواية لم أكتبها حتى الآن..”