المعادلة الذهبية للتوازن

لا يمضي يوم في حياتنا الأرضية من دون إشارات ورسائل قدرية لتذكيرنا بهشاشتنا ووجودنا المحدود ومصائرنا المتأرجحة.

وهم الحياة وحقيقة الموت. المعادلة الذهبية للتوازن، ولارتكاز الرؤوس الملأى بالأوهام. المعادلة التاريخية، الفلسفية، الدينية التي أثارت تساؤلات البشر منذ فجر التاريخ.

الحياة، هذه الهبة الثمينة، تصبح هباء في لحظة غير متوقعة، وتبدو أحياناً كواقع مفترض. بينما الإنسان يمضي حياته في البحث عن السعادة والمعنى، ويقضي وقتاً طويلاً منها في السّعي لتحقيق الرفاهية، ناسياً لزوم العودة إلى معادلة التوازن تلك درءاً للوقوع في محظور الأحلام.

الحقيقة المؤلمة أن الموت جزء عضوي من الحياة. على رغم أنه قد يبدو مرعباً وغامضاً، لكنه النهاية الحتمية وإنما ليس نهاية القصة بل جزء منها. يعود دوماً لتذكيرنا بتفوقه علينا مهما علا شأننا وتعاظمت كبرياؤنا ووأنانيتنا، ومهما كثرت الدوافع لتحقيق معانٍ أكبر لحياتنا.

“الحياة هي الأحلام الصادقة، والموت هو الاستيقاظ الأخير” يقول الفيلسوف الألماني شوبنهاور، واضعاً بذلك هدفاً لحياة أخرى جديدة، وبمعنى آخر الطريق إلى الأمل بالخلود ولكن في مكان آخر، أكثر وعياً وفهماً وتعمقاً في الحقيقة المطلقة. ومع ذلك فإن النظرة إلى الحياة على أنها مجرد وهم أو اختبار، يمكن أن تكون مفهومة بطرق مختلفة. وقد يسعى البعض إلى تحقيق أهداف روحيّة أو البحث عن المعرفة والحكمة، ويسعى البعض الآخر إلى أن يحدث الفارق في حياة الآخرين، ويترك إرثاً إيجابياً. ومهما تباينت الأهداف، يبقى وهم الحياة وحقيقة الموت السرّ الأكبر للوجود البشري. من دون أن يطغى هذا السرّ على غريزة البحث عن السعادة التي تشكّل التحدي الأول لمعنى الحياة وغايتها. إن البحث عن السعادة ومحاولة سبر معنى الحياة، هما الشرارة المتجددة للاستمتاع بالوهم الجميل للحياة، وفهم حقيقة الموت بإيجابية.

الموت والحياة هما جزء لا يتجزأ من الخيال الإنساني والفلسفة، فننظر إلى الموت كنقطة نهاية للحياة ولكن في الوقت نفسه، هو ما يعطي معنى وقيمة للحياة. فالإيمان بلا نهائية الزمن يلغي الدافع للاستفادة من اللحظات القصيرة التي نملكها. وعلى النقيض، يمكننا النظر إلى الحياة كتحدٍّ مستمر، فنبحث عن المعنى ونصنع ذكرياتنا ونبني على تجاربنا. إنها فرصة للتساؤل عن قيمة وجودنا لإيجاد إجابات فلسفية وروحية. فيمكن للحياة أن تكون مجرد وهم إذا لم نبحث في أغوارها ونسعى لفهمها ونتساءل عن الغرض والمعنى في هذا العالم. وليس الموت سوى “بداية جديدة للمغامرة” بتعبير الشاعر الأميركي إمرسون، بداية لا نهاية لها لمغامرة تحدّي الفناء.