الولايات المتحدة الأمريكية وعملية تغيير العالم

أ. د. مازن الرمضاني *

  1. رؤية في ماضي الحاضر

منذ اتفاقية وستفاليا عام 1648، التي تشكلت على وفقها فكرة الدولة القومية، والسياسة الدولية تقترن بقوانين لم تلغ ديمومتها المتغيرات الطارئة ولا التطورات العابرة، ومن بين تلك قانون الصراع. وتبعا لذلك تفيد تجربة التاريخ أن الصارع دار، ضمنا أو صراحة، بين قوى دعت للتغيير، وقوى أخرى عمدت إلى مقاومته. بيد أنه كان ينتهي لصالح القوى الأولى.

إن ديمومة قانون الصراع جعلت التاريخ يقترن بدورات متجددة. لذا تتميز مقولة نهاية التاريخ بسفسطة. فالتاريخ لا ينتهي، وإنما يتجدد. وينسحب ما تقدم على الزمان الممتد خصوصا منذ منتصف القرن الماضي صعودا، فمن يعمد إلى دراسته، لابد أن ينتهي إلى إدراكه إنه كان، وبحق، زمان التغيير. فالتغيرات والتحولات العميقة، التي مر بها، وعلى مختلف الصعد، قد تفوق من حيث أهميتها وتأثيرها مجمل التغيرات والتحولات التي عاشتها الإنسانية خلال قرون. ويتأكد ذلك، على المستوى الدولي مثلا. فالمتغيرات المتجددة، التي عاشها العالم منذ نهاية العقد الثامن من القرن الماضي صعودا، أدت إلى رفض عملية تشكل النظام الدولي على نحوٍ جديد، بعنصر مهم مضاف. فإنهيار الاتحاد السوفيتي، ومن ثم إنتهاء الحرب الباردة، سجل نقطة النهاية لدورة تاريخية أمتدت من عام 1945 إلى عام 1991، ونقطة البداية لمرحلة إنتقالية مفتوحة النهاية على شتى الاحتمالات، تمهد لدورة تاريخية جديدة.

وقد عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى توظيف حالة المتاهة واللامعقول، التي اقترنت بها بدايات هذه المرحلة الإنتقالية من أجل أن تكون نهايتها امتدادا لبدايتها، وبما يؤمن تحقيق الغاية النهائية لمشروعها الممتد زمانا في أمركة العالم وتشكيل نظام دولي أحادي القطبية تتربع هي على قمته، ويتماهى مع ثقافتها، ومن ثم اسلوب حياتها، ومصالحها.

إن هذه المقالة تسعى إلى البرهنة على فرضية مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية تتجه إلى أن تكون اكثر عجزا عن الحيلولة دون عملية تغيير العالم.

لقد أدت النقاط الفاصلة في مسيرة التاريخ، كالحروب الدولية والثورات الكبرى إلى اقتران الزمان اللاحق لها بمراحل إنتقالية تميزت بتباينها وتماثلها في أن. فهي تباينت من حيث عدد الدول الكبرى الفاعلة ونوعية تفاعلاتها: صراع أو تعاون. وهي تماثلت في اشتراكها في قاسم مشترك هو المتاهة، بمعنى التسيب والفوضى. وتتماثل المرحلة الإنتقالية التي ما زال النظام الدولي يمر بها مع المراحل الانتقالية السابقة، وتختلف عنها في أن. إذ تجمع بين تعدد القوى الكبرى التقليدية والبازغة، فضلا عن اللاقطبية الدولية.

وعلى خلاف تلك الرؤى المتفائلة، التي سبقت إعلان الولايات المتحدة الأمريكية لنظامها الدولي الجديد، أو تزامنت معه، والتي أفادت أن العالم سيتجه إلى الاقتران بخصائص مخرجات يؤسس لها التمسك بالاخلاق والقانون الدوليين. وقد أكد الواقع الدولي الممتد منذ الثمانينيات صعودا أن هذه الرؤى كانت مضللة. هذا لان بها أريد دعم تسويق الولايات المتحدة لذاتها كقوة عظمى وحيدة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التسويق ليس جديدا على السياسة الخارجية الأمريكية. ففي اعقاب كل من الحربين العالميتين الأولى والثانية عمدت هذه السياسة إلى التبشير بنظام دولي جديد بقيادة أمريكية. لذا لم يختلف، الرئيس تيودور ولسن، بعد الحرب العالمية الأولى عن، الرئيس فرانكل روزفلت، بعد الحرب العالمية الثانية. فكلاهما كان، على الرغم من الفارق الزماني بينهما، امتدادا للاخر في تسويقهما لمثل هذا النظام.

على أن هاتين المحاولتين بائتا بالفشل، فمجموعة متغيرات نبعت أما من داخل الولايات المتحدة أو من خارجها فرضت على السياسة الخارجية الأمريكية ثمة قيود لم تستطع تجاوزها. فبينما دفع التيار الانعزالي الداخلي إلى التخلي عن أداء دور فاعل في التفاعلات الدولية، أدى تقاسم النفوذ الدولي خلال حقبة الحرب الباردة (1947-1991) بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق إلى تعطيل مشروعيهما في أما أمركة أو سفيتة العالم، هذا جراء وقوف احدهما بالضد من مشروع الطرف الآخر.

وقد أدى إنهيار الاتحاد السوفيتي، ومن ثم إنتهاء الحرب الباردة، إلى أن تتوافر الولايات المتحدة، كما قال، نيكسون، على فرصة سانحة غير مسبوقة في مضامينها وابعادها. فبروزها كأقوى دولة في العالم متفاعلا مع غياب دولة قادرة، في وقته، على إعادة توازن القوى الدولي إلى حالته الطبيعية، جعلها لا تتردد عن توظيف حالة المتاهة في وقته لإستعراض قوتها العسكرية أمام العالم. ومن هنا جاء استخدامها للقوة العسكرية ضد العراق لإخراج قواته من الكويت أوائل عام 1991، واستمرار حصارها له حتى عام 2003، حيث ثم غزوه واحتلاله بدون تخويل دولي من منظمة الامم المتحدة.

على أن النزوع الأمريكي نحو الاستئثار بالنفوذ العالمي رتب تدريجيا أمرين مهمين ومتفاعلين: أولهما إتجاه المقولات، التي تم من خلالها تسويق المفهوم الأمريكي للنظام الدولي، كنهاية التاريخ لفوكوياما وصراع الحضارات لهينتكتون مثلا، إلى التساقط التدريجي. فالممارسات الاكراهية، المباشرة وغير المباشرة، للولايات المتحدة ألغت مصداقية تلك الرؤى، التي قالت بقيام النظام الدولي الجديد على مبادىء الاخلاق والقانون. أما الأمر الثاني، فقوامه تسارع انتشار دائرة الرفض الدولي لفكرة النظام الدولي بمفهومه الأمريكي. ومرد ذلك التبلور التدريجي لإدراك دولي واسع الانتشار، قوامه ثلاث ركائز مهمة، هي كالآتي:

أولا، إن الهيكلية الدولية لما بعد نهاية الحرب الباردة هي هيكلية مؤقتة، وأنها مفتوحة على شتى الاحتمالات.

ثانيا، إن الدولة الأمريكية تعاني من اثار اختلالات هيكلية داخلية تحد، ولو نسبيا، من قدرتها على دفع قوى كبرى مؤثرة إلى الإنسياق وراء سياستها الخارجية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الفاعلية السياسية الخارجية لكل دولة هي حصيلة لفاعليتها الداخلية.

ثالثا: نزوع حلفاء الولايات المتحدة نحو ممارسة درجة أعلى من الاستقلالية في السياسة الدولية.

  1. وتشير هذه الركائز إلى أن قيادة الولايات المتحدة للنظام الدولي تجابه بتحديات من نوعين: داخلية، وأخرى خارجية.
  2.  التحديات الداخلية

تؤكد التجربة التاريخية أن ثمة علاقة جدلية تربط، سلبا أو ايجابا، بين الفاعلية الخارجية للدولة وبين فاعليتها الداخلية. فالدول لم تتحول إلى امبراطوريات مثلا إلا بعد أن استطاعت تأسيس المقومات/ الشروط الداخلية اللازمة لذلك. كما أن هذه الامبراطوريات ذاتها لم تسقط لاحقا إلا بعد أن كانت قد تأكلت أولا من الداخل. ومن هنا نبع قانون الصعود والهبوط بالنسبة للقوى الدولية الكبرى. وينسحب هذا القانون على الولايات المتحدة في الوقت الراهن. فداخلها يشهد نوعين من المتغيرات/المعطيات: الأول، يدفع بها إلى المحافظة على وضعها الدولي الراهن. أما الثاني فهو الذي يؤسس لمعطيات أفول هذا الوضع. إن محصلة التفاعل بين هذين النوعين هي التي ستحدد، وعلى الارجح، مكانتها الدولية وقدرتها على الفعل الدولي المؤثر. لذا نتساءل ما تأثيرهما؟

موضوعيا، تتوافر الولايات المتحدة حالياعلى قدرات ذاتية مؤثرة، وكالآتي على سبيل المثال: فاقتصاديا، هي الدولة، التي تنفرد بمساهمة تتراوح بين 20 ـ 25 من مجمل الناتج القومي الاجمالي العالمي، ومن ثم هي الأولى عالميا. أما عسكريا فهي الدولة الأولى في العالم من حيث القدرة النووية، وهي الثالثة عالميا من حيث القدرة العسكرية التقليدية. أما علميا فهي الدولة الأولى في العالم من حيث عدد الحاصلين على جوائز نوبل. أما إعلاميا، فسيطرتها على وسائل الاتصال الدولي لا تنكر.

على أن المصادر المتعددة للقدرة الأمريكية تتقابل، في الوقت ذاته، مع إختلالات هيكلية ولاسيما على الصعد ذاتها التي تكتسب منها الولايات المتحدة قدرتها على الفعل الدولي المؤثر. فمثلا، أضحت اقتصاديا تعاني من اكبر عجز مالي في العالم، وكذلك من اجمالي ديون بلغت في نهاية عام 2019 نحو 24. 2 تريليون دولار، ومن ثم هي الاكثر مديونية في العالم، فضلا عن اختلالات اجتماعية ذات أبعاد اقتصادية، ومنها مثلا ضألة الإدخار، وانتشار الجريمة والإدمان على المخدرات والتفكك الاسري… الخ. وجميع مخرجاتها تفرض على الاقتصاد الأمريكي تحمل أعباء طائلة متصاعدة. أما عسكريا، فالكلفة المالية الباهظة للحروب، كما في حالة الإحتلال الأمريكي للعراق مثلا، جعلت من استخدام القوة العسكرية أداة للردع وليس للاستخدام الفعلي، الأمر الذي لم يدفع إلى البدء بالتحول نحو توظيف أدوات القوة الناعمة بدلا من سواها فحسب، وأنما جعل ايضا من القيمة االمعطاة تقليديا للقوة العسكرية في تآكل. أما على الصعد الاخرى للقدرة الأمريكية، فالمنافسة الدولية الجادة لها جعلت من هذه الصعد في وضع يتميز بالتراجع.

ولقد أدت مخرجات الواقع الداخلي الأمريكي بجانبيه، الايجابي والسلبي، إلى التساؤل : كيف سيكون الدور الدولي للولايات المتحدة خلال القرن الحادي والعشرين؟ وقد تباينت الإجابات بين من قال، استنادا إلى أثر مقومات القدرة الأمريكية الراهنة، إن القدرة الأمريكية على الفعل هي قدرة ممتدة في الزمان، وبين من أكد أن مركز الثقل العالمي سيتحول عن الولايات المتحدة إلى ثمة دول أخرى. ويتكرر القول إن الصين ستكون هي التحدي الاكبر للسياسة الأمريكية خلال زمان المستقبل المتوسط. ومع اننا مع الرأي الثاني، سيما وأن الدولة الأمريكية لا تستطيع، كسواها من القوى العظمى عبر الزمان، أن تكون بمنأى عن الخضوع لمتطلبات قانون الحراك الدولي، الذي يفيد بالصعود إلى قمة الهرم الدولي والهبوط منها، إلا اننا نرى، مع ذلك، أن الدولة الأمريكية ستبقى قوة دولية كبرى ضمن القوى الدولية الكبرى، التي ستشكل النظام الدولي القادم متعدد الاقطاب.

  1.  التحديات الخارجية

إبتداء، تجدر الإشارة إلى أن هذه التحديات تتقابل مع ثمة فرص داعمة للسياسة الخارجية الأمريكية تكمن في، أولا، السيطرة الأمريكية على المؤسسات الاساسية للنظام الاقتصادي الدولي، كالبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والمنظمة العالمية للتجارة الحرة هذا فضلا عن أن حصتها من الشركات متعددة الجنسية عالية، بالمقارنة مع القوى الاقتصادية العالمية الاخرى. وثانيا، فرص عسكرية تتمثل في تأثير أمريكي فاعل ضمن منظمة شمال حلف الاطلسي(الناتو). وعلى الرغم من أن وظيفة الناتو لم تعد كما كانت خلال حقبة الحرب الباردة. فهذه لم تبق عسكرية فقط، وأنما أمتدت لتشمل جوانب أخرى كالتدخل الجماعي في ثمة دول لديمومة بقاء نظم سياسية موالية، وكذلك تأثير سياسي يتمثل في توظيف منظمة الامم المتحدة للصالح الأمريكي عبر، مثلا، توظيف المبادئ، التي جاءت بها وثائقها الاساسية، كالإعلان العالمي لحقوق للإنسان، في الخطاب السياسي الأمريكي سبيلا أيدولوجيا للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى من أجل تامين إنسياقها وراء السياسة الأمريكية، وكذلك توظيف مجلس الأمن الدولي لإتخاذ قرارات داعمة للسياسات الأمريكية. ويكفي أن نتذكر القرارات التي أتخذها مجلس الامن الدولي حيال العراق. فهذه أشرت حالة غير مسبوقة في تاريخ منظمة الامم المتحدة من حيث عددها وسرعة إتخاذها.

بيد أن تأسس السياسة الخارجية الأمريكية على ثمة فرص خارجية داعمة مهمة لم يحد من التقلص التدريجي لفاعلية تأثيرها. ومرد ذلك إلى إمتداد التحديات الخارجية إلى مستويات لم يكن بعضها واضحا سابقا مثلما هوالحال الآن ومنذ زمان. وتكمن هذه التحديات في مستويين أساسيين: المستوى الاسيوي والاوروبي.

تفيد تجربة التاريخ أن النظم الدولية، التي أقترنت به، تأسست على تفاعلات بين مجموعة دول توافرت على قدرات ذاتية خاصة جعلتها قادرة على أداء أدوار سياسية دولية مهمة، ومن ثم المشاركة في صنع هذه التفاعلات وتحديد مخرجاتها. وقد تباينت هذه الدول، التي اعتاد المرء على تسميتها بالدول الكبرى. وعلى الرغم من أن جل هذه الدول كانت، ومنذ القرن الخامس عشر في الأقل، غربية أوروبية) الإنتماء جغرافيا وحضاريا، بيد أن قانون الحراك الدولي أفرز مخرجات أدت إلى أمتداد مفهوم الدول الكبرى ليشمل الدول الآسيوية الأكثر تأثيرا، ولاسيما الصين واليابان، وتبعا لتأثيرها الممتد عبر الزمان اللاحق يكاد الراي يتفق على أن الحافة الآسيوية للمحيط الهادي ستشكل أحد ابرز مراكز القوة والتغيير في القرن الحالي.

وغني عن القول أن هذا الرأي يتأسس على حصيلة جهد الإنسان الآسيوي، ومن ثم، دوره في تأمين النهوض لدولته والتغيير نحومستقبل مرغوب فيه. وتؤكد التجربة الآسيوية وسواها أن النهوض صناعة بشرية، وإنه لا يحتاج مجازا إلى زمان بعيد حتى يتحقق. فثمة دول وجلها آسيوية احتاجت لعدد متفاوت، ولكن محدود، من العقود الزمانية للإنتقال مثلا من حالة الانتماء إلى خانة الدول المسماة بالمتأخرة كالصين، أو المدمرة عسكريا واقتصاديا ونفسيا، كاليابان بعد الحرب العالمية الثانية، إلى حالة مستوى الدولة الكبرى البازغة والمؤثرة. إن استمرار نمو الدول الآسيوية اقتصاديا، وإن بنسب متفاوتة، يؤهلها على أداء ثمة ادوار سياسية دولية مهمة تتماهى ونوعية قدراتها الاقتصادية المتصاعدة، خصوصا وإن نسق القوة الدولية يتجه إلى أن يكون اقتصاديا ومعرفيا. لذا لا يختلف المرء مع ذلك القول الذي يؤكد على أن الصين واليابان والهند خصوصا يشكلان مركز الثقل الآسيوي الجديد، ومن ثم سيكونون أطراف أساسية في عملية تغيير العالم، والنظام الدولي الجديد قيد التشكل حاليا الناجم عنها.

وتتبادل هذه القوى الآسيوية، وسواها، علاقات مع الولايات المتحدة قوامها مزيج من التعاون والتنافس والصراع أيضا. ولنأخذ الصين مثالا. لقد عمدت الصين، منذ نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي، إلى تبني سياسة تغليب التعاون على الصراع مع سواها سبيلا لتمهيد السبل للارتقاء بالفاعلية الداخلية الصينية، عبرالاخذ بسياسة التحديث الشامل، إلى أفاق أرحب. بيد أن هذه السياسة الواقعية لم تحل دون أن يذهب الخطاب الرسمي الصيني إلى مناهضة سياسة الهيمنة الأمريكية عبر تبني مثلا فكرة:  »لا يمكن لاية دولة مهما كان حجمها أن تفرض رأيها (على سواها)«. ومما دعم ذلك إتفاقها مع روسيا الاتحادية على الدفع بإتجاه التغييروالقطبية المتعددة. لذا قيل:  »إن الصين بدأت… رحلة الصراع من أجل التفوق. وأن هذا يبعث الخوف لدى الولايات المتحدة…«

لذا، أن تصاعد الخشية الأمريكية من مخرجات الصعود الصيني هي التي تفسر أهداف مجمل تلك الافعال الأمريكية الرامية إلى أحتواء هذا الصعود المتصاعد، لغاية قوامها تكريس قناعة لدى الصين وسواها بعدم جدوى الصراع مع الولايات و/أو حتى منافستها. ولا نفترض أن هذه الافعال ستكون قادرة على ذلك، خصوصا وأن الصين اضحت تتوافر على تلك الادوات، التي تتيح لسياستها الخارجية أن تكون فاعلة. ولنتذكر أنها تتجه إلى أن تكون بمثابة القوة الأكبر في شرق آسيا.

ونرى أن الافعال الأمريكية حيال بعض القوى الكبرى، التقليدية والبازغة، تؤكد مضامين تجارب تاريخية سابقة تفيد أن الدولة المهيمنة لا تتوان أيضا عن ممارسة التأثير الدولي، بإشكاله وأنواعه المتعددة، من أجل إحتواء تحدياتها الخارجية سبيلا لتعطيل عملية أفولها. لذا لا تختلف أنماط سلوك الويات المتحدة عن أنماط سلوك المملكة المتحدة في أواخر عهد أمبراطوريتها، مثلا. فكما أن هذه الاخيرة لم تستطع الحيلولة دون ذلك، كذلك من المرجح أن ينسحب ما تقدم أيضا على الولايات المتحدة الأمريكية. فعملية التغييرعلى صعيد العالم، قد تستطيع، ثمة قوة أو قوى عظمى، تعطيل مخرجاتها مؤقتا، ولكنها لن تستطيع الحيلولة دونها في النهاية. فالدول في صعود وهبوط في أن. وهذا هو أحد قوانين التاريخ.

* استاذ العلوم السياسية/السياسة الدولية ودراسات المستقبلات

العدد 111 / كانون الاول 2020