اليمن: هل هو عام الحسم؟

ما هي الأسباب الدولية واليمنية التي قادت إلى انقلاب المشهد العسكري؟

محمد قواص

قد يجوز الاعتقاد أن العام الجديد سيكون عام اليمن. الحسم بات ضروريا لليمنيين طبعا، لكنه بات مطلوبا على المستوى الدولي، ناهيك من حاجات دول الخليج إلى إخماد براكين هذا البلد المنفجرة منذ سنوات.

ولئن أثبت الصراع الراهن من جديد التعقّد التاريخي لأي صراع في اليمن، فإن تراجع خيارات السلم والمفاوضات كما الحاجة إلى دفع اليمن نحو تسوية ما، قاد -على ما يبدو- إلى تحرر الطرف اليمني المتفيئ تحت سقف الشرعية

لماذا فشلت مبادرة بايدن في اليمن؟

بقيادة الرئيس عبد ربه منصورهادي والطرف الإقليمي داخل التحالف العربي، من اعتراضات وفيتوات دولية سابقة من أجل تغيير قواعد اللعبة في الميدان، لعل في ذلك ما يبدل من توازنات القوى المتصارعة على أي طاولة مفاوضات مقبلة.

ارتباك دولي

وليس اكتشافا التركيز على أن للصراع في اليمن أبعادا تتجاوز عوامله البيتية الداخلية. فالبلد في موقعه الجيوستراتيجي المطل مباشرة على اليابسة الخليجية كما على مياهها وممراتها الدولية، ليس تفصيلا هامشيا على الخرائط الإقليمية والدولية، بل يندرج داخل صراع الأمم، سواء في واجهاته الإيرانية العربية أو ذلك بين المنظومة الغربية من جهة والتحالف بين روسيا والصين من جهة أخرى.

والظاهر أن اتساع الهوة بين المتنازعيين في الخارج يقف وراء تفاقم الحرب الداخلية في اليمن كما وراء العجز عن اجتراح تسوية لا يمكن لأطراف الداخل إلا أن يذعنوا لها.

وفيما تعاقب عدة دبلوماسيين على منصب مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن واختلفت جنسياتهم، غير أن النتيجة واحدة مهما تعددت منافع ومصالح أصحاب الشأن الذين يفرضون على الواجهات الأممية أجنداتها، من حيث انتهاءهم إلى الفشل والخروج من المهمة عبر استقالات باتت كلاسيكية في عرف كل من حاول الإبحار داخل أزمة البلد. وما هو مؤكد في تفسير ذلك الفشل، هو أن صراع الدول الكبرى حرم المسعى الأممي من أي مفاعيل جدية تأخذ بها أطراف الصراع في اليمن، كما أن ضبابية وغموض الموقف الأميركي، أتاح لجماعة الحوثي الاستفادة مما لا يمكن وصفه إلا بالتباين بين أجندة السعودية والتحالف العربي من جهة وأجندة الإدارات المتعاقبة في واشنطن من باراك أوباما انتهاء جو بايدن مرورا بدونالد ترامب من جهة أخرى.

واشنطن وطهران

والحال أن واشنطن في عهد أوباما كانت منهمكة في تأمين شروط النجاح لاتفاقية فيينا حول البرنامج النووي التي أبرمتها مجموعة الـ 5+1 (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، روسيا، الصين) في عام 2015. ولئن تدخّل التحالف العربي في اليمن في نفس العام وأعلن انطلاق العمليات العسكرية من واشنطن السفير السعودي في الولايات

كيف انقلبت محاور القتال؟

المتحدة آنذاك عادل الجبير، فإن إدارة أوباما التي دعمت الحملة، لم تفعل إلا ما بامكانه إرضاء الرياض  وحلفائها والتخفيف من قلقهم حيال اتفاق دولي مع إيران بمباركة أميركية لم يأخذ هواجس دول الخليج بعين الاعتبار.

بمعنى آخر لم تر تلك الإدارة في الصراع اليمني أولية يتطلب تموضعا سياسيا وعسكريا واضحا. صحيح أن إدارة ترامب أبدت اهتماما في تعظيم تحالفها مع السعودية وبقية دول التحالف العربي، إلا أن السياسة الأميركية بقيت في الملف اليمني ركيكة، إلى درجة أن مايك بومبيو، آخر وزير خارجية في عهد ترامب، لم يعلن وضع الحوثيين على لوائح الإرهاب إلا قبل 10 أيام فقط من انتهاء ولاية ترامب، بما جعل من القرار متعجّلا استلحاقيا جرى بسهولة اسقاطه والتراجع عنه من قِبل إدارة الرئيس الجديد.

إيران من جهتها جاهرت بسيطرتها على صنعاء من ضمن أربع عواصم أخرى. لم تخف طهران دعمها الكامل للحوثيين ونصرة قضيتهم. ولئن لم توار وسائل الإعلام الإيرانية كما تلك خارج إيران والممولة من طهران انحيازها الكامل للحوثيين، فإن طهران أرسلت سفيرا إلى صنعاء ذا خلفية أمنية ينتمي إلى الحرس الثوري بما يكشف المهام الحقيقية للرجل. كما أن الدعم العسكري واللوجيستي والتقني والتدريبي بات حقيقة لا تسعى إيران نفسها إلى إخفائها، على الرغم من الزعم الرسمي بأن الحرب يمنية-يمنية وأن السلاح النوعي الذي يستخدمه الحوثيون هو من ترسانة نظام علي عبد الله صالح.

على هذا تعوّل إيران بمستوى استراتيجي على ما يمكن أن يشكّله نفوذها في اليمن من ضغوط على السعودية ودول الخليج كما على أمن وسلامة الملاحة الدولية. وعلى هذا فإن الحرب عبر الوكلاء في اليمن هي، كما الحال في العراق وسوريا ولبنان، تندرج ضمن سلسلة الأدوات التي تستخدمها طهران في مواجهاتها مع المجتمع الدولي، بما في ذلك في مفاوضاتها حول برنامجها النووي وربما لاحقا حول برنامجها الصاروخي. وهي في رفضها أن تناقش مسائل ميليشياتها كما سلوكها الذي يوصف بالمزعزع للاستقرار في المنطقة، فإنها تدافع وتحمي وتصون هذه الأدوات التي تجعل منها دولة مهابة قوية يسعى العالم للاتفاق معها وتجنب الصدام المباشر معها. كيبدأ

بايدن واليمن

بدت ساذجة إطلالة الرئيس الأميركي جو بايدن في الأيام الأولى لتسلّم ولايته على المسألة اليمنية. وبدا في ما قرره بخصوص هذا البلد نزقاً ركيكا لا يليق بالموقف الذي يجب أن تتّخذه دولة كبرى، سواء من حيث التعجّل في الرجوع عن قرار إدارة سلفه دونالد ترامب بوضع جماعة الحوثي على لوائح الإرهاب، أو من حيث استسهال الكيدية تجاه التحالف العربي كرمى لعيون الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة.

الحرب التي تهدد الملاحة الدولية

والقضية لا تتعلق فقط بـ “إرهابية” الحوثيين وفق ما أدرجته الإدارة السابقة. فحتى هذا التطور أتى متأخرا ولم يعلن عنه إلا قبل عشرة أيام من مغادرة ترامب للبيت الأبيض، بما جعل من هذا القرار أيضا شكليا مصطنعاً. لكن الأمر يتعلق بالرؤية الحائرة التي تقارب بها واشنطن الحرب في اليمن منذ إدارة باراك أوباما، دون أن تُظهر إدارة ترامب انخراطاً حقيقيا يبتعد عن مناورات المسايرة للحلفاء التي لم تبلغ حدود الجزم والحسم في هذا الملف.

غير أن بايدن، ومن موقع المنتقد للتحالف العربي، نقل موقف بلاده من حيّز الغموض غير البناء إلى حقبة “التورط” في الوعد بإنهاء هذه الحرب وتكليف تيم ليندركينغ مبعوثاً خاصا لتحقيق ذلك. والحال أن هذا التمرين دفع واشنطن إلى داخل الميدان اليمني والاصطدام بحقائقه التي لطالما اجتهدت حكومات اليمن التابعة للشرعية كما منابر التحالف العربي في شرحها وإماطة اللثام عن وقائعها. وكان على الولايات المتحدة أن تعترف، خلال أشهر فقط، وبرعاية ليندركينغ، بطبيعة جماعة الحوثي وارتباطها العضوي والاستراتيجي بأجندة الحاكم في طهران.

الحوثيون أنفسهم ومن ورائهم إيران أدركوا عقم محاولتهم أمام إدارة بايدن في تقديم حرب اليمن بصفتها عدوان الخارج على الداخل. أدركوا أيضا أن تجارة المظلومية وحقوق الإنسان لم تعد تجد لها زبائن في أسواق الكونغرس ومؤسسات السلطة التنفيذية من البيت الأبيض إلى وزارة الخارجية مرورا بوزارة الدفاع. وبدا أن تقارير مؤسسات الأمن تتكدس على مكاتب أصحاب القرار في واشنطن محذّرة من استمرار السياسة الساذجة التي دشّن بها بايدن

أي تداعيات لصراع اليمن على مفاوضات فيينا؟

إطلالته على قضايا الشرق الأوسط. والواضح أن فشل الحوثيين في استدراج تحول أميركي لصالحهم، يفسّر قيامهم مؤخرا باقتحام مجمع السفارة الأميركية المغلقة في صنعاء واحتجاز عدد من العاملين اليمنيين قبل أن يتم الإفراج عن معظمهم.

الرد السعودي على بايدن

أخذت السعودية وحلفاؤها في اليمن والمنطقة علما بالمستجد الذي كان متوقعا مع ولوج بايدن عتبة البيت الأبيض. والأرجح أن الرياض لم تتعامل مع المستجد بصفته عداء بنيويا،ً وإن أخذ هذا الشكل، بل انخراطا أميركيا لطالما كان مطلوبا. ولئن تباهى بايدن بالتوعد بإنهاء الحرب، فإن الرياض تقدمت عليه لاحقا حين أعلنت عن مبادرة متكاملة تنخرط داخلها على نحو عملياتي لإنهاء هذا الحرب.

قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في آذار (مارس) الماضي إن المبادرة تتضمن وقفا شاملا لإطلاق النار تحت مراقبة الأمم المتحدة، وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحُديدة في الحساب المشترك في البنك المركزي اليمني في الحُديدة وفق اتفاق ستوكهولم. وتشمل المبادرة أيضا فتح مطار صنعاء الدولي  وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية برعاية الأمم المتحدة بناء على مرجعيات قرار مجلس الأمن الدولي 2216 والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل. رفض الحوثيون المبادرة.

أكثر من ذلك. استجابت السعودية في نيسان (أبريل) لوساطة رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي لإقامة حوار بين الرياض وطهران في بغداد. ولم يكن خافيا أن ملف اليمن هو الأكثر سخونة في سلم النزاعات بين البلدين وأن التقدم في هذا الملف هو مفتاح أي انفراج في العلاقات السعودية الإيرانية. وفيما حرص الطرفان على عدم الافصاح عن فحوى هذا الحوار ومضامينه، إلا أن ما نعرفه هو رواية إيرانية سعيدة بالحوار وتتحدث عن “التقدم الإيجابي” الذي يحققه، ورواية سعودية ظلت تكرر، على الرغم من خوض أربع جولات  من هذا الحوار، أن الحوار ما زال في مراحل استكشافية.

سقوط الدبلوماسية

على ذلك يبدو واضحاً أن صولات واشنطن الدبلوماسية وجولات الحوار الإيراني السعودي لم تسفر عن أي تطور من شأنه وضع القطار على سكة الحل في اليمن. لا بل على العكس من ذلك زادت وتيرة الصواريخ الباليستية والمسيّرات التي تستهدف الأراضي السعودية، واشتدت موجات الهجمات العسكرية التي يشنّها الحوثيين على مأرب، بحيث بات سقوطها بالنسبة لهم أولوية وشرطا لإنجاح مفاوضات الظل في مسقط، وبات بالنسبة لإيران إنجازا وجب تحقيقه قبل الذهاب إلى فيينا ويستحق كل هذا التلكؤ في تفعيل المفاوضات حول الاتفاق النووي.

وفق تلك القراءة المتأنية بالامكان استنتاج التحولات اللافتة التي شهدها المشهد العسكري الذي رسمته التحركات الجديدة التي قلبت المعركة العسكرية في وقت قياسي في اليمن. تحدثت تقارير في التاسع من شهر نوفمبر الماضي عن إعادة تموضع ملتبس للقوات السعودية في عدن. ثم بعد ثلاثة أيام شاب انسحاب القوات المشتركة من محيط

هل يستطيع الرئيس عبد ربه منصور هادي صيانه تحالف الشرعية؟

الحديدة غموضا مباغتا مقلقا سرعان ما أعلن التحالف العربي أنه جزء من تكتيكاته الجديدة. فانسحاب تلك القوات من المناطق المحيطة بالحديدة شكّل صدمة صاعقة لم تكن سارة لخصوم الحوثيين قبل أن يظهر لاحقا أن الأمر يندرج ضمن خطة لإعادة توزيع القوات واستغلال كافة الإمكانات لفتح عدة جبهات كان أبرزها ما تحقق على الساحل الغربي ومناطق أخرى لا سيما في مأرب.

ولئن تمثّل القوات التي أعادت تموضعها مزاجاً سياسيا مختلفا عن ذلك الذي يمثله تيار الرئيس عبد ربه منصور هادي وجهدت اتفاقات الرياض لحسن تدبيره، فإن تواكب التحركات العسكرية مع تواجد عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ووفد مرافق له في الرياض، كشف عن تحول باتجاه وحدة الموقف  الميداني اليمني الداخلي في مواجهة الحوثيين من جهة، كما عن وحدة كاملة داخل التحالف العربي في مقاربة المرحلة وظروفها وشروطها.

سباق العسكي والسياسي

والظاهر أن تقاطعا دوليا إقليميا يمنيا توفّر في هذه اللحظة للعبور نحو انعطافة ترقى إلى المستوى الاستراتيجي للوصول إلى مآلات حميدة لوقف الحرب في اليمن. ولئن تتوسع عمليات التحالف العربي (وكأنها تتحرر من قيود دولية سابقة) ويقلب اليمنيون الموحدون حول الشرعية الستاتيكو الذي كان يفرضه الحوثيون المستفيدون من التسامح الدولي، فإن تلك التحولات الميدانية ما زالت في أيامها الأولى وما زال مبكرا استشراف الخطوات الميدانية والدولية المقبلة داخل الملف اليمني، وما زال مبكراً توقع رد فعل الحوثيين وإيران على التحولات الميدانية والدبلوماسية التي تربك حسابات طهران وسلامة نفوذها لدى أذرعها في اليمن.

الحرب كرّ وفر وهي أداة من أدوات السياسة. وفي ما يتبدل على الجبهات ليس بالضرورة أن يؤدي إلى حسم الصراع بالنار، بل أن في ديناميات العسكر في اليمن ما يستتبع مناورات ترفع من مستوى انتاجية المبعوثين الدوليين وتدفع بحوار طهران الرياض إلى مرحلة تخرجه من عنق المراوحة والاستكشاف.

قد لا يكون سهلا حسم الصراع في اليمن عسكريا. وربما ما زالت العواصم الكبرى، وبسبب تناقض مصالحها، لا تسمح بذلك الحسم. غير أن الثابت أن العالم في تحوّل دائما ويتداعى هذا التحول خصوصا على منطقة الشرق الأوسط، وأن لتلك التداعيات مآلات مباشرة على مستقبل اليمن وتشكّل المشهد داخله.

بالمقابل يجب عدم إغفال أن التبدل في موازين القوى العسكري في اليمن يترافق مع نزوع إقليمي نحو السلم وتدوير الزوايا والاهتداء إلى التسويات، وأن الارتخاء المسجّل في علاقات تركيا مع مصر ودول الخليج، كما تمسك طهران والرياض بطاولة الحوار بينهما، كما التقارب الحاصل بين الإمارات وإيران، كل ذلك لا يبنى على فراغ، بل يحضّر المنطقة لأرضية تفاهمات لا تريد التطورات العسكرية في اليمن إلا تشجيعها والدفع بها علّها تضع حداً نهائيا لمأساة اليمن.

الحوثيون أنفسهم ومن ورائهم إيران أدركوا عقم محاولتهم أمام إدارة بايدن في تقديم حرب اليمن بصفتها عدوان الخارج على الداخل. أدركوا أيضا أن تجارة المظلومية وحقوق الإنسان لم تعد تجد لها زبائن في أسواق الكونغرس ومؤسسات السلطة التنفيذية من البيت الأبيض إلى وزارة الخارجية مرورا بوزارة الدفاع. وبدا أن تقارير مؤسسات الأمن تتكدس على مكاتب أصحاب القرار في واشنطن محذّرة من استمرار السياسة الساذجة التي دشّن بها بايدن إطلالته على قضايا الشرق الأوسط. والواضح أن فشل الحوثيين في استدراج تحول أميركي لصالحهم، يفسّر قيامهم مؤخرا باقتحام مجمع السفارة الأميركية المغلقة في صنعاء واحتجاز عدد من العاملين اليمنيين قبل أن يتم الإفراج عن معظمهم.

وفق تلك القراءة المتأنية بالامكان استنتاج التحولات اللافتة التي شهدها المشهد العسكري الذي رسمته التحركات الجديدة التي قلبت المعركة العسكرية في وقت قياسي في اليمن. تحدثت تقارير في التاسع من شهر نوفمبر الماضي عن إعادة تموضع ملتبس للقوات السعودية في عدن. ثم بعد ثلاثة أيام شاب انسحاب القوات المشتركة من محيط الحديدة غموضا مباغتا مقلقا سرعان ما أعلن التحالف العربي أنه جزء من تكتيكاته الجديدة. فانسحاب تلك القوات من المناطق المحيطة بالحديدة شكّل صدمة صاعقة لم تكن سارة لخصوم الحوثيين قبل أن يظهر لاحقا أن الأمر يندرج ضمن خطة لإعادة توزيع القوات واستغلال كافة الإمكانات لفتح عدة جبهات كان أبرزها ما تحقق على الساحل الغربي ومناطق أخرى لا سيما في مأرب.

على ذلك يبدو واضحاً أن صولات واشنطن الدبلوماسية وجولات الحوار الإيراني السعودي لم تسفر عن أي تطور من شأنه وضع القطار على سكة الحل في اليمن. لا بل على العكس من ذلك زادت وتيرة الصواريخ الباليستية والمسيّرات التي تستهدف الأراضي السعودية، واشتدت موجات الهجمات العسكرية التي يشنّها الحوثيين على مأرب، بحيث بات سقوطها بالنسبة لهم أولوية وشرطا لإنجاح مفاوضات الظل في مسقط، وبات بالنسبة لإيران إنجازا وجب تحقيقه قبل الذهاب إلى فيينا ويستحق كل هذا التلكؤ في تفعيل المفاوضات حول الاتفاق النووي.

باب المندب تحت رحمة الصراع

رأت مجلة «The National Interest» الامريكية، بأن سنوات من الحسابات الخاطئة في اليمن والحرب الأهلية المستمرة لديها القدرة على تهديد الوصول إلى قناة السويس والتسبب في خسائر اقتصادية أكبر بكثير على مدى فترة زمنية أطول.

فعند مصب مضيق باب المندب على البحر الأحمر توجد البوابات الخارجية الفعالة لقناة السويس، حيث يبلغ عرض باب المندب ثمانية عشر ميلاً فقط عند أضيق نقطة فيه، وهو رابع أكثر الممرات المائية ازدحامًا في العالم، ويربط المحيط الهندي بالبحر الأحمر، وفق المجلة.

وقال آشر أوركابي، كاتب المقال والباحث المشارك بالمعهد عبر الإقليمي بجامعة برينستون “يمكن أن يكون الممر المائي الرئيسي نعمة كبيرة أو نقمة كبيرة ايضا حيث تتنافس القوى الأجنبية على الوصول والسيطرة، مما يمثل نبوءة ذاتية التحقق من عدم الاستقرار في اليمن، الذي يفتقر إلى القدرة على التغلب على المكائد العالمية والاستفادة من نقطة العبور المربحة التي يمر عبرها الكثير من التجارة والنفط في العالم”.

وأضاف: “حيث أدت تلك الساحة (اليمن) التي تجمع القوى والمصالح المتنافسة إلى تقويض عقود من الحكم المركزي اليمني، مما أدى إلى تفتيت مقلق ونزاع مسلح مستمر وأزمة لاجئين تهدد بتقويض الاقتصاد العالمي”.

عقب اندلاع الأعمال العدائية في عام 2014 واستيلاء الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء، بدأ خبراء السياسة الخارجية في دق ناقوس الخطر بشأن احتمال قيام ميليشيات مدعومة من إيران بتعطيل حركة الملاحة البحرية من خلال استهداف سفن البحر الأحمر.  ولم تنجح الهجمات المتكررة على مستوى منخفض، وإطلاق الصواريخ المتجهة إلى البحر، والاستيلاء على السفن إلا في تفاقم هذه المخاوف.

وفي عام 2015، احتلت قوات الحوثي جزيرة بريم (ميون)، الواقعة وسط باب المندب، وأعلنت للعالم عزمها على ممارسة السيادة اليمنية على المضيق وجني فوائد سياسية واقتصادية لاحقة.

ووفق الكاتب، كان أحد الأهداف الأولى لقوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في أكتوبر 2015 هو جزيرة ميون بالفعل، مما حرم الحوثيين من أصول رمزية، إضافة لتأمينه طريقًا تجاريًا استراتيجيًا.

 ولفت “أصبحت الجزيرة منذ ذلك الحين قاعدة عسكرية وجوية متقدمة للقوات المناهضة للحوثيين، تذكرنا بـ 150 عامًا من الاضطرابات التي ميزت جزيرة بريم (ميون) وعلاقة اليمن مع باب المندب”.

وتابع بالقول: “منذ لحظة افتتاح قناة السويس في عام 1869، حددت السلطات الاستعمارية البريطانية في ميناء عدن جنوب اليمن بريم (ميون) كمنارة محسوسة وتصويرية تراقب البحر الأحمر وقناة السويس والطريق الذي يربط الموانئ البريطانية بالثروات الاستعمارية في الهند”.

عندما حصل جنوب اليمن على استقلاله عن الإمبراطورية البريطانية في عام 1967، ليصبح الدولة الشيوعية الأولى والوحيدة في العالم العربي، تحولت جزيرة بريم إلى موقع عسكري استراتيجي تابع للاتحاد السوفيتي بين إفريقيا والجزيرة العربية.  خلال السبعينيات، كانت الجزيرة مصدرًا متكررًا لعدم الاستقرار في البحر الأحمر.

ويعتقد الكاتب آشر أوركابي، أن الفوضى النسبية حول باب المندب خلال هذه الفترة، حدثت بسبب إغلاق قناة السويس من يونيو 1967 حتى يونيو 1975. ومع ذلك، لم يكن لإغلاق عام 1967 تأثير اقتصادي كبير، لأن خطط شركات الملاحة العالمية تم تغييرها بعد إغلاق أقصر بكثير لمدة ستة أشهر في أعقاب حرب سيناء عام 1956.

وقلل صانعو السياسة والمسؤولون التنفيذيون في مجال النفط من اعتمادهم على القناة، بدلاً من تطوير أساطيل أكبر وأكثر تنوعًا يمكنها نقل النفط والبضائع حول رأس الرجاء الصالح بتكلفة أقل من تكلفة سفينة أصغر تعبر قناة السويس.

وفي عام 1956، تم شحن 60 بالمائة من الإمدادات البريطانية عبر القناة، وبحلول عام 1966، انخفض هذا الرقم إلى 25 بالمائة، وفي أعقاب إغلاق القناة في يونيو 1967، دخل النقل البحري حقبة جديدة من الناقلات العملاقة، مما أدى إلى انخفاض التجارة البحرية الدولية المتدفقة عبر قناة السويس من 15 في المائة في عام 1967 إلى 8 في المائة في عام 2020، أعيد افتتاح قناة السويس في عام 1975، وكانت معظم ناقلات النفط أكبر من سعة قناة السويس.

 وذهب المقال الى القول بأن ما وصفه بالتراجع النسبي لأهمية قناة السويس في العقود التي تلت ذلك، سمح بشكل افتراضي، بمستويات أكبر من الحكم الذاتي للحكومات اليمنية حيث لم يعد باب المندب يعتبر ضرورة استراتيجية من قبل القوى العالمية.  خلال هذه الفترة التي امتدت لعدة عقود، دخل شمال وجنوب اليمن في اتفاقية توحيد، شكلت الجمهورية اليمنية مع تدخل أجنبي ضئيل نسبيًا.

لكن في عام 2014، افتتح رئيس هيئة قناة السويس، مشروع توسعة القناة الذي سيكتمل بعد عام واحد – حيث بشرط عدم عرقلتها بواسطة السفن الشاطئية -، يمكن للقناة الموسعة حديثًا استيعاب حركة مرور في اتجاهين وسفن أكبر وعددًا أكبر منها وزيادة سعة الحاويات، كانت أعمال البناء جارية في نفس الوقت بالضبط الذي كانت فيه مليشيات الحوثي تسيطر على جزيرة بريم (ميون) وتهدد باب المندب.

وختم اوركابي مقاله بالقول “بأن القناة الموسعة تلك رفعت من أهمية المضيق والوضع السياسي في اليمن، ودعت مرة أخرى إلى عهد جديد مما اسماه “التدخل الدولي” لتأمين البوابات اليمنية لقناة السويس”.

العدد 124 / كانون الثاني 2022