اهتمام دولي بقيادة الجيش وتهدئة جبهة لبنان

مفاوضات على صفيح ساخن لتنفيذ الـ 1701

واصل “طوفان” الحرب على قطاع غزة طوفانه على لبنان سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً، مع تصعيد المواجهات العسكرية في جبهة الجنوب مع فلسطين المحتلة وتجاوزها قواعد الاشتباك المعمول بها بعد حرب العام  2006 ، بل وتجاوز آليات القرار الدولي 1701 بتعرض مراكز قوات اليونيفيل الدولية للقصف الاسرائيلي مرارا واصابة عدد من العسكريين، مقترناً بوضع سياسي داخلي متوتر على خلفية كيفية ملء الشغور في قيادة الجيش مطلع هذا الشهر (كانون الثاني/ يناير ) بإحالة قائد الجيش العماد جوزيف عون على التقاعد اضافة الى الشغور الحاصل منذ اشهر بعد إحالة ثلاثة اعضاء في المجلس العسكري الى التقاعد.

الحدود

ومع هذا الاهتمام الفرنسي والدولي المتوازي بين ملء الشغور العسكري وبين تهدئة جبهة الجنوب، تراجع موضوع ملء الشغور في رئاسة الجمهورية الى المرتبة الثالثة إن لم يكن قد تجمد الى العام المقبل، برغم قيام الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني والموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان بجولة على القيادات السياسية لبحث الموضوع، لكن كان تركيزهما ايضا في اللقاءات على ملفي الجيش و التوتر في جبهة الجنوب.

وواصلت فرنسا جهدها لوقف المواجهات على جبهة الجنوب مع فلسطين المحتلة، ونقل وفد فرنسي مشترك من وزارتي الدفاع والخارجية برئاسة مدير عام الشؤون السياسية والامنية في وزارة أوروبا والشؤون الخارجية فريدريك موندولي خلال زيارة خاطفة الى بيروت، ما تصفه مصادر دبلوماسية لـ “الحصاد” بـ “هواجس اسرائيل” من قوة حزب الله، من دون ان يُقدم الوفد حلولا عملية ترضي ايضا الجانب اللبناني، سوى ما قالت المصادر انه بحث في آلية تنفيذية للقرار ١٧٠١ من ضمن مندرجاته وليس بتعديلها او طرح تكليف جديد لقوات اليونيفيل..

  ونقل الوفد الفرنسي من تل أبيب التي وصل منها مباشرة الى بيروت، مطالب إسرائيل بإبعاد “قوات الرضوان” (القوات القتالية الخاصة لحزب الله) عن الحدود لطمأنة مستوطني شمال فلسطين وتشجيعهم على العودة. وتهدأة الجبهة الجنوبية، وطلب ضمانات بأن لا يقوم حزب الله بما قامت به ” حركة حماس” من اجتياح لمستوطنات الشمال. حيث تبين انه الهاجس الكبير حاليا لدى الكيان الاسرائيلي.

  وحسبما تسرّب من معلومات فقد طرحت اسرائيل عبر الوسطاء التفاوض على التهدئة بشروط ليس اقلها اقامة منطقة آمنة او عازلة بعمق خمسة كيلومترات على الاقل، مع ان ذلك لا يمنع استمرار استهداف المستعمرات الحدودية شمال فلسطين. إسرائيل اشترطت أيضاً انتشار الجيش اللبناني على الحدود مع قوات فرنسية كما اشترطت حصر السلاح جنوب الليطاني بالجيش اللبناني. وتحدثت المصادر عن “ضمانة أميركية بألا تقوم إسرائيل بأي عملية جنوبي لبنان وتنتشر قوات أميركية في الجانب الإسرائيلي”. ما يعني “رقابة فرنسية على الحدود من الجانب اللبناني وأميركية من الجانب الإسرائيلي” .

  لكن كل هذه الرسائل المتبادلة حول التهدئة كانت تتم على صفيح ساخن، نتيجة التصعيد الواسع للمواجهات العسكرية على صفتي الحدود، والتي تجاوزت احيانا كثيرة العمق الذي تحدثت عنه اسرائيل، والتي اغارت طائراتها الحربية على عدد من القرى وسوّت بعض احيائها السكنية بالارض كما حصل في بلدات عيترون وعيتا الشعب ويارون. بينما ردت المقاومة اللبنانية بقصف المستعمرات بعنف والمواقع العسكرية بصورايخ “بركان” الثقيلة التي اخرجت عدداً منها من الخدمة نتيجة الدمار الذي لحق بها.

وكانت هذه المواجهات هي الأوسع نطاقاً منذ حرب تموز 2006؛ حيث شملت أكثر من 30 بلدة حدودية على الجانب اللبناني ونحو 30 مستعمرة اسرائيلية تمتد على طول الحدود البالغة 120 كيلومتراً، وأُفرغت ضفتا الحدود من القسم الأكبر من السكان المدنيين.

ما موقف لبنان؟

وبحسب معلومات رئاسة الحكومة، “فإنّ زيارة الوفد الفرنسي الذي التقى الرئيس نجيب ميقاتي، إندرجت في اطار مهمة في دول المنطقة بتكليف من الحكومة الفرنسية، لِحَضّ لبنان على اتخاذ الخطوات الاساسية للاسراع في تعزيز الاستقرار في الجنوب، فيما ذكرت مصادر وزارة الخارجية لـ “الحصاد” انّ الوزير عبد الله بوحبيب ابلغ الوفد الهواجس اللبنانية واكد “على التطبيق الكامل للقرار ١٧٠١ من الجانبين وليس من جانب لبنان

القصف الاسرائيلي على القرى

فقط، مع التذكير بأنّ الخروقات الاسرائيلية تزيد عن ٣٠ ألفاً منذ العام ٢٠٠٦، وطالبَ بأن يتم إظهار الحدود البرية والانسحاب من المناطق والنقاط المحتلة، وعدم استخدام الاجواء اللبنانية للاعتداء على سوريا. وطالب بدعم المؤسسات اللبنانية الحكومية لا سيما الجيش لزيادة عديده وتمكينه من الانتشار بشكل اوسع في الجنوب تنفيذاً للقرار 1701. وأن حل ازمة المنطقة والقضية الفلسطينية يكون بحل الدولتين، بينما إسرائيل لا تلتزم بأي حل منذ مؤتمر السلام في مدريد، وبعدها التفلت من كل الاتفاقات التي عقدتها مع السلطة الفلسطينية من اتفاق أوسلو وما تبعه

وقالت مصادر دبلوماسية في السفارة الفرنسية لـ “الحصاد”: إنّ الوفد الآتي من تل ابيب، لم ينقل رسائل تهديد من الكيان الاسرائيلي بل تكلمَ بلغة ديبلوماسية حول ضرورة تطبيق القرار 1701 من الطرفين اللبناني والاسرائيلي وتهدئة جبهة الجنوب كما فعلَ في اسرائيل، وهو بَحثَ بعض الإجراءات العملانية واللوجستية الكفيلة بتحقيق التهدئة في جبهة جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، لذلك ضَم الوفد ضباطاً من الجيش والمخابرات.

  لكن بالمقابل وحسب مصادر الخارجية اللبنانية، لم يقدم الإسرائيلي ما يُطمئن لبنان إلى وقف الانتهاكات اليومية للسيادة اللبنانية و الاعتداءات المتواصلة على القرى اللبنانية منذ بدء تنفيذ القرار ١٧٠١. كما لم يقدم اي موقف حول الاستعداد لمعالجة مطالب لبنان بتحرير الأراضي التي يتحفظ عليها في نقاط الحدود الثلاث عشرة، عدا رفضه حل مسألة احتلال مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

   وعلى هذا غادر الوفد الفرنسي لبنان بإنتظار وصول وفود اخرى لاحقا اوروبية واميركية للهدف ذاته، طمأنة إسرائيل من دون اي تعهدات عملية منها. ومع ذلك لم تيأس فرنسا ولا زالت تحاول التوصل الى آلية تنفيذية مقبولة للقرار ١٧٠١، لكن ما زالت الحرب الهمجية التدميرية الاسرائيلية على غزة تحول دون تمكن الوسطاء من فرض اي امر على الكيان الاسرائيلي وبالتالي على لبنان ولا على حزب الله تحديداً، ذلك ان الحزب الذي قرر مواصلة دعم المقاومة في غزة، ابلغ الموفدين عبر الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي والوسطاء الإخرين ان المطلوب ألزام إسرائيل بوقف العدوان على غزة ووقف الانتهاكات للسيادة اللبنانية ووقف الاعتداءات على سوريا وتحرير  الأراضي المحتلة حتى يتحقق الاستقرار المستدام.

الجنوب وقيادة الجيش؟

بالتوازي، اكدت مصادر دبلوماسية في السفارة الفرنسية لـ “الحصاد” أن فرنسا لم تعد تُخفي قلقها من الشغور في قيادة الجيش، ومن التطورات العسكرية الخطيرة في الجنوب، بقدرما هي قلقة من إطالة امد الشغور الرئاسي، لذلك حمل الوفد الفرنسي الدبلوماسي- العسكري وقبله الموفد الرئاسي جان إيف لودريان الى بيروت مواقف كانت حادة احيانا حول هذه الاستحقاقات الثلاثة لأنها ترى انها مترابطة عضوياً. بحيث انها أظهرت بشكل واضح ان موفدها الرئاسي  لو دريان حمل في جعبته موقف اللجنة الخماسية من  هذه المواضيع الثلاثة ولم تعد تعزف منفردة في لبنان، لكن هذا التماهي برأي المصادر ينفي بشدة كل ما تردد عن خلافات وتباينات في وجهات النظر بين اعضاء الخماسية.

اما لماذا تركز فرنسا على موضوعي الشغور في قيادة الجيش وتنفيذ القرار 1701، فتقول المصادر الدبلوماسية: ان لفرنسا مصالح امنية كبرى في لبنان لوجود نحو 700 جندي لها في قوات اليونيفيل العاملة في الجنوب حياتهم في خطر نتيجة عدم تطبيق القرار الدولي كما يجب، وهوما عبر عنه لودريان صراحة وعلناً في لقاءاته، وهو لم يطرح لا تمديد قيادة العماد جوزيف عون للجيش، ولا انتخاب قائد جديد، بل طلب من المسؤولين

صواريخ ثقيلة تضرب المستعمرات

استدراك الشغور المرتقب في العاشر من كانون الثاني المقبل بما يرتأيه اللبنانيون من حلول. فبرأي فرنسا الوضع في المنطقة بحالة غليان وخَطَرْ توسع الحرب نحو لبنان ودول اخرى قائم بشدة، ما يفترض وجود رئيس للجمهورية وقائد للجيش بصلاحيات كاملة يتصديا لأي ازمة امنية تحصل في الداخل لا على الحدود فقط.

وتوضح المصادر: ان غياب المؤسسات الرسمية على مستويات رئاسة الجمهورية وحكومة كاملة المواصفات وقيادة الجيش يضع لبنان في حالة  خطركبير وربما “على طريق نهاية لبنان” في حال انزلقت المنطقة لحرب اقليمية واسعة.

ولكن بات الكلام عن خلفيات سياسية كبيرة اقليمية ودولية وراء الاصرار على ملء الشغور العسكري من ضمن لعبة “شدّ الحبال” السياسية ليس إلّا، ذلك ان تأخير تسريح قائد الجيش اوتعيين قائد جديد للجيش لن يغيّر شيئاً في الوضع الاقليمي المتوتر، والواقف على حد منحدر كبير قد يؤدي الى حرب واسعة، ولا في المساعي الجارية لإيجاد حل مستدام او استقرار مؤقت في جنوب لبنان، الى حين تبيان نتائج المواجهات العسكرية والاتصالات السياسية الجارية لوقف التصعيد الخطير الذي طال شرق المتوسط والبحر الاحمر وبوابات الخليج العربي نتيجة الحرب الاسرائيلية على غزة.

وفي تقدير مصادر سياسية ان معالجة مسألة الشغور العسكري تهدف الى تأمين الاستقرار وديمومة العمل بشكل سليم في المؤسسة العسكرية وفي المؤسسات الامنية الاخرى لوطال تأخير التسريح كبار الضباط، وهي مرحلة مؤقتة تواكب المساعي الجارية لملء الشغور الرئاسي ومعالجة مسألة تطبيق القرار 1701، ولو ان تحقيق هذين الموضوعين ما زال بعيداً نظراً للخلافات المحلية والخارجية حول كيفية مقاربة الحلول لهما، لا سيما وإن ما يتسرّب، بغض النظر عن صحته اودقّته، حول تحذيرات وتهديدات للبنان وضغوط تُمارس عليه وتلويح وتهويل بالحرب التدميرية لتطبيق القرار الدولي، لايقدم الحلول العملية لمعالجة المخاطر القائمة بقدر ما يزد من التوتر الداخلي اللبناني، إذ ان المطلوب جهدٌ وضغطٌ خارجي موازٍ على الكيان الاسرائيلي للموافقة على مطالب لبنان في حقوقه وسيادته في البر والبحر والجو.