بانكسي

سهير ال ابراهيم

بانكسي فنان مجهول الهوية، يتواجد في إنكلترا، غالبا ما يُشار اليه بصيغة الجماعة في المقالات الانكليزية التي تتحدث عنه، حيث لا يُعرف ان كان رجلاً أم إمرأة. لا يعرفه إلا القلة القليلة من المقربين منه، والذين يلتزمون بعدم الإفصاح عن شخصيته او اي معلومات اخرى عنه، احتراما لرغبته، وكذلك لحمايته. ورغم الغموض الذي يحيط بشخصيته الا انه اكتسب شهرة عالمية بفضل أعماله الفنية.

بانكسي رسّام وناشط سياسي ومخرج أفلام قصيرة، اكتسب شهرته من خلال ما يعرف بفن الشارع؛ حيث عُرف من خلال رسوماته على الجدران في الأماكن العامة، او ما يعرف بـ )رافيتي(. تشكل الكوميديا السوداء الطابع العام لأعماله، والتي ينتقد من خلالها الكثير من الأوضاع السيئة والظلم في العالم. وقد ظهرت رسوماته التي تضمنت عبارات نقدية سياسية واجتماعية في الشوارع، على جدران وجسور وبنايات في مدن حول العالم.banksy-ghaza

يمنع القانون البريطاني الرسم والكتابة العشوائية على الجدران في الأماكن العامة، وهنالك عقوبات لمن يقوم بتلك الاعمال قد تصل الى السجن لمدة عشر سنوات، او غرامة تتجاوز الخمسة آلاف جنيه استرليني. ولهذا السبب فقد اختار بانكسي ان يظل مجهولا كي يتمكن من نشر رسالة السلام والانسانية التي يحملها على أوسع نطاق ممكن. غالبا ما تتضمن رسومه شعارات مناهضة للحرب والرأسمالية وغيرها من الامور التي يسعى لمحاربتها بفنه، سعياً لنشر العدالة والسلام في هذا العالم.

ظهرت رسومات بانكسي في الأماكن العامة لأول مرة في مدينة بريستل الانكليزية. كان الفنان في البداية يرسم بيديه بشكل حر وبدون استخدام أدوات مساعدة سوى أصباغ الرسم، وكان الرسم الواحد يستغرق عدة ايام احيانا. كانت المدينة، بين الحين والآخر، تستيقظ صباحا لتجد رسماً بحجم كبير على احد الجدران فيها، فقد كان الفنان يستتر تحت الظلام من اجل نقل فكرته ورسمها على جدار ما! ذات ليلة، وبينما كان يرسم، أحس بقدوم رجال الشرطة، فاختبأ منهم تحت شاحنة لنقل النفايات، ومن مكانه تحت الشاحنة خطرت له فكرة اسرع للرسم، وهي اعداد الشكل الخارجي للرسم على ورق عادي او ورق مقوى، او اي وسيلة اخرى، ومن ثم نقل الشكل على الجدار باستخدام علب الاصباغ البخاخة. كان ذلك عام ، ومنذ ذلك الحين بدأت اعماله الفنية تنتشر بشكل واسع وملحوظ، ولم تعد ضمن حدود مدينة بريستل فقط، بل تجاوزتها الى العاصمة البريطانية؛ لندن، ومن ثم الى العالم الواسع!

لا يتوقف انتاج بانكسي الفني على الرسم على الجدران فقط، بل لديه اعمال فنية اخرى تتنوع ما بين رسومات ومجسمات ثلاثية الأبعاد. وقد عرضت اعماله في عدة معارض حول العالم، كان أولها في مدينة لوس انجلوس الأميركية عام .

في عام ، أصدر بانكسي مجموعة فكاهية من الأوراق النقدية من فئة العشر جنيهات استرلينية، حيث استبدل صورة رأس ملكة بريطانيا الذي يظهر على الورقة النقدية الاصلية، بصورة الليدي ديانا، واستبدل عبارة )بنك انكلترا( بعبارة )بانكسي انكلترا(!

قام احدهم برمي تلك الأوراق النقدية على الناس الذين اجتمعوا حينها في مهرجانٍ يقام سنوياً في منطقة نوتنغ هل في لندن. وقد بيعت تلك القطع الفنية فيما بعد في مزادات مختلفة، فقد بيعت واحدة منها بمبلغ 2400 جنيه استرليني، في احدى دور المزاد في لندن عام 2007.

عادة ما تقوم بلديات المدن البريطانية بتنظيف الجدران من رسوم الرافيتي وازالتها تماما، ولكن رسوم بانكسي اصبحت تحمل قيمة فنية كبيرة، بحيث صارت تُعرض في مزادات، وعلى من يشتريها أن يتكفل برفعها وازالتها من المكان العام الذي توجد فيه.

زار بانكسي فلسطين عام ، وقام برسم تسع لوحات على الجدار العازل في الضفة الغربية، في الجانب المواجه للفلسطينيين. من ضمنها رسم ظل اسود لمجموعة بالونات ترفع فتاة صغيرة الى اعلى الجدار. اضافة الى رسومات اخرى تمثل فتحات في الجدار تظهر من خلالها مناظر طبيعية جميلة.

في شهر آذار من هذا العام، افتتح بانكسي فندقاً له في مدينة بيت لحم، وقد أطلق عليه اسم )فندق معزول بجدار(؛ حيث انه يواجه الجدار الذي اقامته حكومة اسرائيل لعزل الفلسطينيين عن مستوطنات اليهود. يقع الفندق في الجانب الفلسطيني، وكل غرفه تطل على الجدار، فهو فندق لا يعد النزلاء بمناظر خلابة، لانه، وكما وصفته بعض الصحف البريطانية، ليس فندقاً فحسب، وانما هو صرخة احتجاج هدفها لفت انتباه العالم لمعاناة الشعب الفلسطيني. كل ركن من اركان الفندق يحمل رسالة على شكل رسم او مجسم او قطعة اثاث، تصور ما تعرض ويتعرض له الشعب الفلسطيني من ظلم وارهاب.

يقول بانكسي، من خلال مساعديه، انه يأمل ان يجتذب اسمه المقترن بالفندق السياح من جميع أنحاء العالم، مما يوفر فرص عمل لسكان المدينة، والأهم من ذلك، انه يأمل ان يرتاد الفندق سياح اسرائيليون، لكي يعيشوا عن قرب الحياة خلف الجدار.

قد يكون الفن بالنسبة للبعض وسيلة للشهرة والثراء، وطالما نسمع عن قطع فنية تباع بأسعار خيالية، لينتهي بها المطاف في قصور الاثرياء. ولكن بالنسبة لبانكسي فإن الفن رسالة سامية. فقد اختار طوعاً ان يختفي عن الأضواء، وان يعرفه الناس باسم مستعار، كي يتمكن من مواصلة كفاحه لجعل هذا العالم مكاناً أفضل