منقوشة بزعتر

ريما كركي

جلس متوترا، مستلقيا على الكنبة، لا يصدق انها فعلا آتية. اليوم سيلتقيان، اليوم سيحبها ألف مرة… اليوم سيحيا من جديد… سيدخل الجنة ساعة تصل. يقترب من الباب، يفتحه، يُغلقه ثانية، ينظر الى الهاتف، يخرج الى الشرفة، يراقب الشارع… نبضات قلبه تتسارع… يرن الهاتف، صوتها يسرق منه روحه. جملة قصيرة وتقفل: بدي منقوشة بزعتر…

وسقط على الكرسي، كمن غرق في حيرة قاتلة… لماذا تطلب منقوشة بزعتر من جديد، وهي مؤخرا، كانت قد صارحته، بانه هو الشيء الوحيد الأشهر من المنقوشة بكثير…

وعاد بالمشاهد الى ذلك اليوم، يوم التقيا أول مرة… حاول ان يدخل معها في حديث فلسفي، فسألها عما يجعل الدنيا جميلة… فأجابته حينها أنه في هذه اللحظة، وحيث انها تتضور جوعا، لا شيء غير منقوشة ساخنة تستحق ان تبقى حية لأجلها. فسارع لتلبية طلبها، ثم جلس يحدق بها بدهشة كمن اكتشف كائنا جديدا لم يكن يعلم انه موجود، اخذ يراقبها مأخوذا، كطفل بريء بل غبي، لا يعرف ماذا يفعل المرء بمنقوشة!!! يراقب كل حركة، وكأن من يأكل قد يُنوّع بين حركة وأخرى، وكأن تلاحق اللقمات لا يتشابه. حريص هو على ألا يضيع مشهدا واحدا. يراقبها كيف تلتهم المنقوشة بنهم، بلهفة، بعشق… لم يكن يوما يتخيل انه سيغار من منقوشة.

عيناها تخططان بشهية من أية جهة تبدأ… وأية لقمة ستكون أطيب… تلك الكدشة التي تحمل كل الطعمات، كل النكهات، كل اللذات.

رمت بالورقة جانبا، وامسكت المنقوشة بأصابعها العشر. لم تأبه بأن تنزل الورقة تدريجيا كما يفعل الجميع، كي لا تتسخ ايديهم، فهي اوضحت انه ساعة نعشق ما نأكل، تغدو اصابعنا شفاها، ونحرص على نسف كل حاجز قد يحرمنا من المتعة الكاملة. غدت المنقوشة عارية، ارادت عن سابق تصميم ان تلوث اصابع يديها بها، ان تشعر بعجينتها وزيتها وزعترها. عرتها تماما وراحت تتأملها، تتحسسها، كأنها تحاكيها. فتحتها، تنشقت رائحتها: »انه  زعتر برّي«، وهي تعشق كل ما هو بري. عادت واطبقتها وبدأت بتنفيذ خطتها، لقمة من هنا… كدشة من هناك… لم تهدأ… لم ترتح… إلا بعدما تأكدت من التهام الفتات المنثور على الطاولة.

ليته منقوشة!! منقوشة ابدية بين يديها هي!!! هكذا كان يحلم… إلى ان انتزع منها اعترافا بين انتظار طويل، بأنه حتما أطيب من المنقوشة بكثير.

واليوم، لحظة اللقاء، تفاجئه بطلبها، فكر مليا ان يتجاهله عله يكون البديل، عله يكون المنقوشة، ماذا لو اخترع لها عذرا، فهو لا يحتمل منافسة أحد، لا يحتمل ان تشتهي اي شيء آخر… فحبه لها مختل، مجنون، طفولي، أبله.

وصلت احتضنها، عانقها، قبّل وجنتيها.. أمسك بيديها ليجلسها، ليطمئنها: »لقد احضرت لك المنقوشة أتريدينها الآن؟« لم تجبه… كانت تخترق عينيه… »حبيبتي لو كنت جائعة، فقد احضرت المنقوشة«. لم تجبه ايضا، خاف ان تكون حزينة، مترددة، نادمة فعاد يكرر السؤال. فقاطعته: »منقوشة خارقة تلك التي ستجردها أنت من ورقتها«… ليكتشف أنه منذ تلك اللحظة، سيغدو منقوشتها المتجددة، السحرية، التي لا تنتهي..