بحبر امرأة

ريما كركي

من خلف الزجاج تراقبه… تراقب خطواته، لهفته، فرحته… تنظر مدهوشة ولا تصدق ما تراه… هو، حبيبها الذي انتظرته عمراً كاملاً، الذي بكت ليالي طويلة لغيابه، الذي تجرأت لأجله على كل ممنوعات الكون، الذي قلبت لأجل عينيه كل مقاييس المنطق، الذي علّمها كيف تحب وما هو الغرام الاصلي الاصيل…

هو، هو نفسه يمرح ويطير في حضن امرأة أخرى… يردد لها الكلام نفسه الذي اعتقدت أنه لم ولن يقوله يوما لغيرها… يقبّل تلك المرأة بكل تفاصيل جسده، يلتصق بها، يختبر كل حواسه معها، يخاف عليها حتى من ذراعيه.. يدلّلها، يغني لها كل الاغاني التي كانت في يوم من الايام ملك احساسها وحدها… أو على الاقل كانت تصدق أنها كانت الوحيدة المتربعة على عرش فؤاده وأن لا عاصفة ستقوى على اقتلاعها من بين ضلوعه…

من خلف الزجاج تراقبه، تناديه بصمت، تعاتبه بحرقة… يسيل دمها من كل خلية فيها… فيما عيناها مسمّرتان على الجرم المشهود…

من خلف الزجاج ينحرها بهدوء، تقتلها ضحكاته واهتمامه وغزله المفضوح بأمرأة بدا لها أنها امرأة عمره من يوم ولد…

من خلف الزجاج، اعترفت لها رقصته مع حبيبته الجديدة القديمة بأنها لم تكن سوى امرأة عابرة ، امرأة سيمحوها الزمن من ذاكرته سريعاً، امرأة لم يحبها بما فيه الكفاية، لم يحبها كما هي أحبته… لم يحبها كما يحب تلك التي يقفز أمامها الآن فرحاً وهياماً…

من خلف الزجاج، كانت تتمزق… يعصر قلبها دمعاً وخوفاً وخيبة… تبكي بصمت حيناً ثم تفتعل اللامبالاة وتحاول أن تفلسف المبررات… تبحث عن ذنب ارتكبته كي تستحق ما تشاهد… لا، لا شيء فعلته يستحق هذا العقاب الاعمى…

من خلف الزجاج، وعلى وقع أنفاس حبيبها في حضن أخرى، كبرت فجأة ، صارت بلحظة عجوزاً حكيمة… لم تكن الغيرة تأكلها كما توقّعت، فهي ما تعودت يوماً أن تمنح أخرى شرف المقارنة بها … لم تكن الغيرة، بل شعورها بأنها غبية حمقاء ساذجة هو ما حوّلها بعصاً سحرية الى امرأة قررت المواجهة… أجل المواجهة.. ليس بتحطيم الزجاج واستعادة من تخلى بل بغلق ستائره السوداء التي تحجب الرؤية عن ألم قررت دفنه بعزم يليق بامرأة مثلها…