ثلاثة ملائكة ومخمور واحد

جاد الحاج

تآزرت الجالية اللبنانية في سيدني كما لم تتآزر من قبل تحت وطأة فقدان أربعة من أطفالها كانوا يلعبون على الرصيف أمام منزلهم في حادث سير مأساوي تسبب به مخمور يقود سيارة رباعية الدفع في منطقة أوتلندس شمال غربي سيدني. وأوتلندس ضاحية سكانية الطابع متنوعة الاجناس محاذية لباراماتا الواسعة ذات التنوع الاثني الكثيف.
ثلاثة أطفال من عائلة واحدة: أنطوني وأنجلينا وسيينا أبناء دانيال وليلى عبدالله، وضحية رابعة هي الطفلة فيرونيك صقر، قتلوا جميعاً في الحادثة، ونقل ثلاثة أطفال آخرين إلى المستشفى، إحداهن بقيت في حال الخطر، وهي شقيقة الأطفال الثلاثة ضحايا الحادث، ومعها أصيب طفلان من عائلة قصاص نقلا إيضاً إلى العلاج.
تردد وقع المأساة في البلاد الاسترالية بسرعة موصوفة نسبة الى التوتر الاعلامي المواكب للحرائق المستمرة منذ ثلاثة اشهر، وقد أزمتها انباء وباء كورونا في اليومين اللاحقين.
بدا الحزن العميق على افرد المراسلين المنتمين الى معظم الصحف ومحطات التلفزة الاسترالية. وغص مكان وقوع الجريمة بالأقارب والجيران من أبناء الحي والمناطق المحيطة. وفي اليوم التالي تدفق عدد اكبر من المغتربين والاستراليين الى اوتلندس للتعبير عن تضامنهم مع عائلة الأطفال الضحايا والمصابين. ودعت الجالية اللبنانية في سيدني الى وقفة حداد عامة في مكان الحادثة يوم الاربعاء في الخامس من شباط المنصرم. وارسل وزير الخارجية اللبنانية ناصيف حتي تعازي الشعب اللبناني إلى العائلتيْن. كما زار سفير لبنان في استراليا العائلتين المنكوبتين ممثلاَ رئيس الجمهورية. وكان لافتاً حجم التضامن الواسع من اللبنانيين في شتى أنحاء العالم مع عائلات الضحايا. باقات الزهر تدفقت الى مكان الحادث واحتشدت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعازي وصرخات الالم والدموع.. امام عدسة القناة التاسعة وقف دانيال عبدلله رابط الجأش، حابس الدمعة، ولو انه شبه مخدر من وقع الصدمة بحسب قوله، لكنه توسل السائقين الا يشربوا ويقودوا رحمة بالكبار والصغار الذين خرجوا للنزهة على الرصيف ولم يعد نصفهم الى اهلهلم احياء. جدة الضحايا الثلاث بكت وهي تحتضن صورة احفادها الى صدرها وبالذراع الاخر ضمّت الاحفاد الذين نفذوا من الكارثة.
ولعل الواقعة التي تركت اثراً بالغاً في نفوس الجميع أن والد السائق الذي يشغل وظيفة عالية في الشرطة الإتحادية جاء معزياً وبكى وصرّح قائلاَ :’لا يكفي ان ادين جريمة ابني، لكن إن لم تنزل به المحكمة حكماً قاسياً جداً فسوف استقيل من وظيفتي احتجاجاَ على الظلم الذي ارجو الا نراه. ‘ وافاد تقرير الشرطة ان صموئيل ديفدسون (29 سنة) اجتاز الضؤ الاحمر واقتحم الرصيف حيث كان الاطفال يتمشون فقتل ثلاثة منهم على الفور.
ليلى، والدة الاطفال الضحايا، قالت وسبحتها معقودة على اصابعها:’انا وزوجي لا ندع للحقد مجال الوصول الى قلبينا، بل نغفر ونسامح لان اطفالنا اليوم ملائكة في حضرة الآب السماوي. ‘

العدد 102 –اذار 2020