حرب غزة ولبنان تتحول اقليمية بفتح الجبهات

اسرائيل تخرق “قواعد الاشتباك” في الجنوب لجرّاميركا

كما كان متوقعاً، توسعت حرب الابادة الاسرائيلية على قطاع غزة في فلسطين المحتلة، لتشمل ساحات لبنان وسوريا والعراق واليمن، وتحولت عملياً حسب تعابير بعض الدول ومنها ايران وصحيفة “معاريف” العبرية الى حرب اقليمية”، بعدما تدخلت الصواريخ والمُسيّرات لقصف القواعد الاسرائيلية في مدينة ايلات الاسرائيلية على البحر الاحمر وفي الجولان، و القواعد العسكرية الاميركية في سوريا والعراق ، فيما لبنان “تكفّل” بدك المواقع الاسرائيلية على طول الحدود الجنوبية، لكن في عمليات عسكرية وصفها المتابعون في بيروت بأنها نوعية ومدروسة ودقيقة ومؤثرة، برغم ان جيش الكيان الاسرائيلي تجاوز في بعض المرات في ردّه قواعد الاشتباك المتفق عليها والسارية منذ حرب العام 2006، بقصف الاحياء

المواقع التي استهدفتها المقاومة

السكنية في بعض القرى، واغار طيرانه على قرى في العمق الجنوبي وشمالي نهر الليطاني والمُتّفق على ان جنوبه هو خط المواجهات.

 كما ورد في عدد “الحصاد” الشهر الماضي، فإن الاتصالات الدولية بلبنان استمرت طيلة الشهر الماضي وعلى مستويات عليا، بهدف حثّ المسؤولين فيه على منع توسيع حزب الله لسياق المعركة القائمة في غزة وفتح جبهة الجنوب على مداها، وتوافد المبعوثون الاميركيون والاوروبيون الى بيروت ناقلين التحذيرات “شديدة اللهجة من عواقب تدميرية لفتح الجبهة”، معطوفة على كلام مفاده ان اصدقاء لبنان في العالم ساهموا في دعمه وفي اعادة الاعمار بعد حرب تموز 2006، لكن في حال توسعت الحرب سيكون لبنان وحيداً، حتى ان وزيرة الخارجية الفرنسية كارتين كولونا نقلت حسب معلومات “الحصاد” الى رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب ما مفاده “ان وضع لبنان منهار تماماً سياسياً واقتصادياً ومعيشياً، ولا يحتمل تبعات اي حرب واسعة، ولن تجدوا من يساعدكم فيها”!

    والبارز ايضا في الاتصالات الدولية، محاولة الموفدين معرفة توجهات حزب الله في إدارة المعركة هل يتجه الى التصعيد اكثر ام يكتفي بالمناوشات الصاروخية عبر الحدود لتبقى محصورة ضمن الجبهة، برغم انها تركت تأثيراً كبيراً وخسائر موصوفة في الجيش الاسرائيلي بشراً وآليات واجهزة تنصت واستشعار وتجسس وكاميرات مراقبة ورصد. لكن كان جواب الحزب “لا نعطي اي معلومة خدمة لإسرائيل وللغرب عمّا يمكن ان نقوم به، وجوابنا سيكون في الميدان”. اما الرد الرسمي فعبّر عنه الرئيسان بري وميقاتي والوزير بوحبيب بطلب الضغط الغربي على اسرائيل لوقف استفزازاتها للبنان وانتهاكاتها المتتالية للقرار 1701 منذ ماقبل حرب غزة. ووقف الحرب في غزة لمنع امتدادها الى لبنان وغيره.

صواريخ نور توازن الردع

   لكن بدا من الوقائع على الارض ان الادارة الاميركية رفضت وقف اطلاق النار في غزة حتى تحقق العملية العسكرية الواسعة هدفها بكسرحركات المقاومة ولا سيما حركة “حماس”، واستمرت في دعم الكيان الاسرائيلي عسكريا بالعتاد والجنود الاميركيين على الارض.

قرار الحرب بيد اسرائيل

وهكذا استمرت المعارك في جبهة الجنوب، ودخل فيها من الجانب اللبناني طرف آخر هو “الجماعة الاسلامية” عبر توجيه جناحها العسكري “قوات الفجر”صليات صاروخية نحو المواقع الاسرئيلية ردا على قصف المناطق السكنية في منطقة العرقوب (قرى شبعا والهبارية وكفرشوبا وغيرها)، عداعن استمرار “حركة حماس وحركة الجهاد الاسلامي” بتنفيذ عمليات عسكرية من الجبهة اللبنانية. وكل ذلك عبر غرفة عمليات عسكرية مشتركة لبنانية – فلسطينية.

ومع إعلان اسرائيل ان حرب غزة ستكون طويلة وشاقة ومكلفة، صدرت اصوات من داخل الكيان بأن اي حرب مع لبنان ستكون اصعب، ويبدو ان كل الاطراف تعاملت مع الحرب على انها طويلة ويجب إعداد العدة الكاملة لها على كل المستويات. من الجانب اللبناني تم إخلاء القرى الحدودية الامامية من السكان فتركها نحو ستين الف مواطن، بينما تهجّر من مستوطنات الكيان الاسرائيلي شمالي فلسطسن اكثرمن 100 الف مستوطن. وتعطلت الحياة وحركة الانتاج في الطرفين، وبقي العسكر في الميدان.

بالمقابل، حذّر الرئيس نجيب ميقاتي في مواقف متتالية محلية وخارجية: من أن لبنان في عين العاصفة، وقال “أسعى بكل جهدي لتجنيب لبنان دخول هذه الحرب، لأن في حال دخوله، فإن خطورتها لن تقتصر على لبنان بل ستكون هناك فوضى أمنية في كل المنطقة”.

 وعمّا اذا كان قد حصل على تطمينات دولية، قال: نحن متمسكون بالقرار 1701 لكن قرار الحرب بيد اسرائيل. نحن طلاب سلم وقرار السلم بيد لبنان  وبيد الحكومة، ونحن ننادي بالسلم والسلام لنا ولكل شعوب المنطقة

حرب اقليمية

اما التحذير الاكثر تعبيراً من خطر توسع الحرب فجاء على لسان وزير خارجية إيران حسين امير عبد اللهيان بقوله: “هذه الحرب ستنتقل إلى دول أخرى إذا لم تتوقف إسرائيل عن حربها في غزة”. اما من هي الدول الاخرى فثمة كلام عن إحتمال شمولها مصر والاردن، واميركا عبر ضرب اساطيلها في المنطقة.

كذلك ورد تحذيرآخر على لسان وزير خارجية تركيا حقان فيدان بعد لقاء نظيره الايراني عبد اللهيان في أنقرة، غداة اجتماع الاخير بقيادات من

مادور الاسطول الاميركي في المتوسط

«حماس» في الدوحة.وقال فيدان: إن تركيا تضغط من أجل وقف فوري لإطلاق النار لأنه ليس صعبا التنبؤ بأنّ دوامة العنف هذه سوف تكبر من دون حل دائم للحرب. لا نريد أن تتحول المأساة الإنسانية في غزة إلى حرب تطال دول المنطقة. ونحن قلقون لاتساع النزاع الجغرافي. وقد دعا الوزيران إلى عقد مؤتمر إقليمي بهدف تجنّب توسع الحرب.

إلّا ان الحرب الاقليمية وقعت عملياً بتوسيع نطاق القصف على الكيان الاسرائيلي من اليمن والعراق وسوريا. فانفتحت كل الجبهات في وقت واحد برغم التحذيرات الاميركية.

 اين قواعد الاشتباك؟

   ومع تطور القتال في غزة وفي جنوب لبنان، أسقطت اسرائيل قواعد الاشتباك اكثرمن مرة بقصف المدنيين عمداً، واستهدفت سيارة مدنية بداخلها ثلاث فتيات وجدتهنّ وسيارات الاسعاف، وقبل ذلك استهدفت راعيين في مزارع شبعا سقطا شهيدين، وموكب الصحافيين حيث استشهد المصور عصام عبد الله. وقصف العمق الجنوبي في منطقة الزهراني البعيد 40 كلم عن الحدود وتلال جبل صافي والريحان، مادفع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الى انذار الكيان الاسرائيلي بالعودة الى معادلة “مدني مقابل مدني ومنطقة سكنية مقابل منطقة سكنية “، ونفذ انذاره بقصف مستعمرة كريات شمونة وغيرها وصولا الى صفد التي تبعد عن الحدود اللبنانية بين 15 و20كلم، فيما تولت “كتائب القسام” قصف العمق الفلسطيني مستهدفة عكا وشمال حيفا. كما استخدمت المقاومة اللبنانية لاحقاً صواريخ كبيرة ذات قوة تدميرية عالية مثل “بركان” وغيره لتدمير المواقع العسكرية الاسرائيلية على طول الحدود ما اعتبره الخبراء العسكريون تحولاً نوعيا في المواجهة.

ما دور الاساطيل؟

 وإزاء صمود غزة اكثرمن شهر امام المجازر والقصف التدميري، وتوسيع المقاومة في لبنان نطاق عملياتها العسكرية، حشدت الادارة الاميركية قبالة سواحل فلسطين ولبنان غواصة نووية (اوهايو) وثلاث حاملات طائرات ومجموعة كبيرة من السفن الحربية، وارسلت تهديداً علنياً الى المقاومة بقصف لبنان اذا فتح الجبهة الجنوبية على حرب واسعة، لكن رد المقاومة على التهديد الاميركي جاء عبر تسريب فيديو يتضمن مشاهد عن صواريخ “نور” وصواريخ “ياخونت” الروسية المضادة للسفن وعليها شعار المقاومة الاسلامية، وهي صواريخ ضخمة مجنّحة ومؤثرة. وهذا يعني بالمعنى الذي يستخدمه الحزب “توازن الرعب او الردع” مع اميركا لامع اسرائيل فقط.

وفي بعض التحليلات والقراءات السياسية والعسكرية، بات هناك قناعة ان حكومة نتنياهو سَعَتْ جهدها لجر حزب الله والاسطول الاميركي في المتوسط الى الحرب عبر تصعيد الغارات واستهداف المدنيين في جنوب لبنان، وهو امر لم تقتنع به الادارة الاميركية، لا بل حاولت كبح جماح المتطرفين في الكيان الاسرائيلي نظراً لماقد ترتّبه الحرب لو حصلت من انعكاسات بالغة الخطورة على كل الاطراف، وهوما يحاول الغرب عموماً منعه بكل الوسائل بما فيها الترغيب والترهيب. لكن نتنياهو أصر على توسيع رقعة الحرب لتشمل المشافي والمدارس واستهداف المدنيين فيها.

مسعى هوكشتاين

برغم الصورة الملبدة، وصل فجاة الى بيروت كبيرمستشاري الطاقة في البيت الابيض الاميركي آموس هوكشتاين، الذي بات يفهم العقل اللبناني بعد مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، والتقى الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزيف عون. واوضحت مصادر رسمية تابعت عن قرب لقاءات هوكشتاين لـ “الحصاد” ان زيارة لبنان تأتي من ضمن الحراك الاميركي في المنطقة الذي قام به عدد من كبار المسؤولين الاميركيين

ميقاتي قرار الحرب بيد اسرائيل

واستثنى لبنان، فزار هوكشتاين بيروت ليبقى لبنان على خريطة الاتصالات، وهدف الزيارة الاساسي هو تهدئة الوضع على جبهة الجنوب ومنع توسع الحرب والتصعيد، وشرح ما تقوم به الادارة الاميركية من اتصالات ومساعٍ مع اسرائيل وغيرها من اجل وقف الحرب على غزة ولومؤقتاً وتحقيق هدنة انسانية تتيح إدخال مواد الاغاثة الى القطاع.

 واوضحت المصادر: لم يدخل المسؤولون اللبنانيون في التفاصل ولا دخل هوكشتاين فيها، بل عرض العناوين العامة للخطوات الاميركية لتخفيف حدة النزاع في المنطقة من دون ان ينسى توجيه “تحذيرمبطن” للبنان من مخاطر توسيع الحرب وتأثيرها السلبي على استكشاف واستخراج النفط والغاز من البحر اللبناني. وقد طالب الرئيسان بري وميقاتي من الموفد الاميركي وضع حد لتصعيد اسرائيل سواء في غزة او في لبنان، “فليس نحن من نبادر الى التصعيد بل اسرائيل”.

ولاحظت المصادران اللهجة الاميركية والاسرائيلية حيال لبنان تغيرت من التهديد والوعيد الى لهجة اهدأ وتقديم تطمينات، لكنها اكدت انه صحيح ان المواجهات ما زالت ضمن الحد الادنى والمعقول من قواعد الاشتباك برغم بعض الخروقات التي حصلت هنا وهناك، لكن الامور يمكن ان تنفلت وتتصاعد في اي لحظة وبسبب اي خطأ. لذلك فالحل هو ما يطلبه لبنان “بوقف اطلاق النار بشكل تام والعودة للحل السياسي لأن اساس المشكلة هواحتلال فلسطين وما يجري فيها”.

   وبرغم كل المساعي الدولية، استمر الخوف من عدم التزام الكيان الاسرائيلي بهذه النصائح الغربية، والاصرار على تثبيت قدرته الردعية بتوسيع نطاق القصف اكثر ما يعني رداً اوسع واكبر من لبنان، فتنهار كل ضوابط قواعد الاشتباك وتنفلت الامور نحو سيناريوهات اكثرخطورة.

   وبهذا المعنى كان خطابا السيد حسن نصر الله في اوائل الشهر الماضي واضحين بمواصلة العمليات العسكرية ضد مواقع الاحتلال شمال فلسطين، وتدرجها صعوداً كماً ونوعاً وفعالية حسب طبيعة المعركة وظروفها اليومية وما تحتاجه من اسلحة نوعية جديدة مؤثرة اكثر. لكنه في الخطابين وجه الاتهام الى اميركا بأنها هي من تدير الحرب وهي القادرة على وقفها لو ارادت.