حركة فتح …ترتيبات الوراثة

        اجتمع المجلس الثوري لحركة فتح العمود الفقري للحركة الوطنية الفلسطينية منذ ستينات قرنها الماضي وقد تسلمت قيادة منظمة التحرير وأدارت كل معارك الفلسطينيين العسكرية وجولاتها السياسية التي أفضت إلى إقامة السلطة الوطنية كمشروع حكم داخل الضفة الغربية وقطاع عزة وتحملت مسؤوليته ودفعت ثمنه أيضا .

             لثلاثة أيام بين الرابع والعشرين والسابع والعشرين من أغسطس اجتمع هذا المجلس الذي يعد برلمان الحركة مناقشا ما آلت إليه الأوضاع الفلسطينية التي بدا أنها تتعثر والإوضاع الفتحاوية الداخلية التي لم تكن أقل تعثرا حيث تشهد تراجعا على صعيد شعبيتها وتآكلا في حضورها الجماهيري لأسباب كثيرة ليس أولها وصول برنامجها السياسي إلى طريق مسدود بل أيضا بفعل الإداء الإداري الذي شابه الكثير من الإخطاء .

               في المجلس الذي لم يعقد منذ ثمانية أشهر رغم أن نظامه الداخلي ينص على وجوب عقده كل ثلاثة أشهر فاجا الرئيس محمود عباس الذي قام بإلغاء الإنتخابات العامة العام الماضي بعد أن اتفقت حركتا فتح وحماس على إجرائها وكذلك ألغى مؤتمر الحركة الذي كان قد تقرر قبل عامين مفضلا بقاء الوضع على ما هو عليه رغم تذمر قواعد وكوادر حركة فتح الذين لا يملكون سلطة القرار في ظل مركزتها بيد الرئيس قام الإخير بمفاجاة المجتمعين بتقديم إقتراح يشبه القرار بعقد المؤامر الثامن للحركة في السابع عشر من ديسمبر القادم مرفقاً بلهجة تهديدية بالقول عليكم عقده وإلا ….. بل واضعا تواريخ محددة للجنة المؤتمر التحضيرية وعقد إجتماع المجلس الثوري القادم منتصف نوفمبر لمناقشة التحضيرات .

                تساءلات كثيرة تبعت هذا الحزم المفاجئ والذي يختلف عن السلوك السابق بالتنصل واللامبالاة فالرئيس الذي أصبح قائدا عاما لحركة فتح بعد وفاة الرئيس السابق ياسر عرفات في نوفمبر عام 2004 وتبعها بأشهر مع مطلع 2005 انتخابات رئاسية جاءت فيه إلى رئاسة السلطة ويستمر حتى الآن كان قد تمكن خلال الفترة الطويلة من حكمه من السيطرة على جميع ممكنات الحكم والقوة وجمع بيديه كل السلطات وأبعد خصومه السياسيين داخل الحركة وخارجها متفردا بالسلطات الثلاث بما فيها التشريعية بعد حله و حالة صلاحياته للرئيس حيث أصبحت تدار السلطة بمراسيم لها قوة القانون .

                  في الشهر الإخير بدا ان هناك شيئا جديدا بعد الركود الطويل حيث قام الرئيس عباس بإقالة عدد من المحافظين ” 12 محافظا ” في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد أن تجاهل طويلا مناشدات اقالتهم لإرتكاب بعضهم عددا من الإخطاء التي نالت من سمعة حركة فتح والسلطة ، وإيضا قام بإحالة خمسة وثلاثون سفيرا على التقاعد وربما حتى موعد نشر هذا المقال يكون التعديل الوزاري المنوي إجراؤه قد تم ها هو يقرر عقد مؤتمر الحركة الثامن ما يعني تغيير في الطبقات العليا لحركة فتح أي لجنتها المركزية كأعلى هيئة تقود الحركة وتتكون من ثمانية عشر عضوا بالإضافة للرئيس وكذلك المجلس الثوري الذي يتكون من مائة وعشرين عضوا .

                 هل هذا التسارع في تجديد مؤسسات السلطة وحركة فتح يرتبط بالرغبة بضخ دماء جديدة في عروق الحركة أم بإنتخابات عامة ستتنافس فيها الحركة أمام خصمها الإسلامي حركة حماس ؟ بالقطع لا فالإنتخابات العامة يقف الإسرائيلي حائلا أمامها لانه في حال إجرائها يعني إجهاض مشروعه الإكبر وهو فصل الضفة عن قطاع غزة والذي نجح في تنفيذه بفعل إنعدام كفاءة الفلسطينيين لدرجة أن يستدرجهم لتنفيذ هذا الأمر قبل ستة عشر عاما صيف 2007 عندما قامت حركة حماس بطرد السلطة الوطنية من قطاع غزة وتشكيل حكمها الخاص بالقطاع  وكانت الإعوام الستة عشر قد أحدثت هذا القدر من الإنفصال السياسي والإجتماعي والإقتصادي والنفسي بما يتوافق تماما مع المشروع الإسرائيلي بالتخلص من قطاع غزة ككتلة سكانية زائدة صعب السيطرة عليها تضمن تفوقا ديمغرافيا يهوديا في ظل ضم او استمرار السيطرة على الضفة الغربية تتبقى أغلبية يهودية تضمن تفوقها العددي وتجنبها السيطرة على الإغلبية العربية في حال إنزال حمولة غزة وقد كان .

               لكن الرئيس محمود عباس المولود عام 1935 بات يشعر أنه قد بلغ ما يكفي من العمر وأن وضعه الصحي آخذ بالتراجع فقد ظهر هذا العام أكثر من مؤشر يعكس هذا التراجع وخصوصا أثناء زيارته الأخيرة لألمانيا حيث يداوم على العلاج هناك فلم تكن التقديرات الصحية كما يرام ما استدعى أن يقوم بنفسه على الإشراف على هيكلة السلطة قبل مغادرته وقد وردت منه اشارة ما في خطابه في اجتماع المجلس الثوري الشهر الماضي بأنه معني ” بترتيب الوضع قبل أن يغادر” .

               لا يمكن فصل ذلك عن محيط اقليمي ودولي وعربي واسرائيلي كل هؤلاء جميعا من اتفقوا على اقامة سلطة في الإراضي الفلسطينية واستمروا في تمويلها واسنادها وبقائها وتشي الصدامات التي تصاعدت في العام ونصف الإخيرين بين الفلسطينيين واسرائيل إلى بما يهدد وجود هذه السلطة ما أحدث قلقا للولايات المتحدة محاولة علاج الأمر خلال قمتي العقبة في الأردن وشرم الشيخ في مصر بحضور الأطراف العربية والطرف الإسرائيلي وتزداد خطورة المسالة في حال الغياب المفاجئ للرئيس عباس وخصوصا أنه لم يعين نائبا له خلال فترة حكمه لتضمن المؤسسة على ضعفها انتقالا سلسا للسلطة يضمن بقائها كما حدث لحظة غياب الرئيس عرفات حيث كان يتم الإشارة لمحمود عباس كوريث من جيل التأسيس لكن الآن يختلف الإمر .

            غياب جيل المؤسسين لا يربك اللجنة المركزية فقط في اختيار زعيمها بل يفتح على صراعات تساوت فيه المؤهلات حيث التنافس الخفي بين أعضاء اللجنة المركزية على الوراثة يشتد كلما تراجعت صحة الرئيس أو بدا أن هناك انتخابات أو تعيينات حتى وقد عبر عن نفسه قبل ذلك بصراعات خرجت للعلن وتسريبات كان هدفها تقليل حظوظ المنافسين .

              حسين الشيخ الذي عينه الرئيس عباس أمينا لسر اللنة التنفيذية كخطوة تؤشر على وراثة ما أثارت غضب زملاؤه وهو وزير الشئون المدنية الكلفة بالتنسيق مع إسرائيل للقضايا المدنية حيث أصبح في السنوات الإخيرة أقرب أعضاء المركزية للرئيس لكن الرجل يجد ممانعة كبيرة بين أعضاء المركزية وأبرزهم جبريل الرجوب الذي يعلن دعمه للأسير مروان البرغوثي وهدفه قطع الطريق على الشيخ وفي زاوية أخرى يقف محمود العالول وربما رئيس الوزراء اشتية هذا اذا ما تحدثنا عن عضو اللجنة المركزية السابق محمد دحلان الذي يخوض نزاعا مع الرئيس عباس و يقيم في الإمارات وقد أعلن قبل أشهر عدم نيته أن يكون جزء من صراع الوراثة رغم استبعاد الإنتخابات العامة لكن قائد حركة فتح يصبح قائدا للسلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية أي رئيس الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج .

                لا يمكن فصل هذا النشاط الذي ستشهده مؤسسات حركة فتح في الإسابيع القادمة حتى السابع عشر من ديسمبر أيضا بمعزل عن المجتمع الدولي والعربي الذي يملك قدر من التأثير على الرئيس الفلسطيني في قراره بترتيب الوراثة قبل مغادرته بالتأكيد أصبح الجميع على علم بالوضع الصحي للرئيس عباس وعلى الإغلب أن الألمان وزعوا ذلك على الدول المعنية فالولايات المتحدة لا تريد كابوس العنف في المنطقة إذا ما تدهور تالأوضاع والإردن تخشى كثيرا فوضى تنشأ عن صراع الوراثة وكذلك إلى حد ما اسرائيل وأيضا مصر التي تريد وضعا مستقرا ومعها الإتحاد الإوروبي فهل لعب كل هؤلاء دورا في ضغوطات على الرئيس عباس ودفعه لعقد المؤتمر وترتيب الوريث قبل المغادرة ؟ يمكن ذلك وخاصة أن لم يستجب لكل النداءات الداخلية وهو يضرب عصافير كثيرة بحجر واحد ، يضمن وريثا يستمر بنفس النهج ويزيح منافسيه من أماكنهم ويجردهم من ممكنات القوة ، ويرضي القاعدة الفتحاوية بإجراء المؤتمر وأخيرا يرضي المجتمع الدولي الضامن لإستمرار السلطة وهو صاحب فكرة اتفاقياتها وإقامتها …هكذا يبدو الأمر عندما ينعقد المؤتمر .