حصاد 100 سنة في الحدود البريّة بين لبنان واسرائيل

الدكتور نسيم الخوري

1- تُربط نهضة لبنان من كوارثه نحو لبنان الجديد بأمر واحد يُتناقل في الأوساط السياسية والدبلوماسية محصور بالتفاهم على استخراج الثروة النفطية والغازية القديمة والهائلة التي تختزنها رقعته الإقتصادية الخالصة لكنّها الحافلة بتعقيدات تكاد تبدو شبه مستحيلة مع “إسرائيل”.

2- يتأرجح الملف بين اللين والمرونة مقابل التشدد والحزم بين الأطراف السياسية اللبنانية إلى حدود تقاذف التهم الخطيرة الناسفة للمفاوضات. لكن الوسيط الأمريكي آخر المفاوضين في الملفّ عاموس هوكشتاين (المولود في “إسرائيل”) والذي حلّ في لبنان مطلع ال2022، كان وصل بيروت في 19/9/2021، لمباحثات تمهيدية بين لبنان و”إسرائيل”، ولعلّه يدرك تلافياً للفشل أيضاً بأن المفاوض الأوّل فريديرك هوف اختصر عقدة المفاوضات منذ ال 2012 لأنها لن تعني السلام أو الدبلوماسية بين البلدين بل تحقيق صيغة تفاهم تحدد حصة كلّ من البلدين برعاية دولية.

فشلت جهود السفير الأميركي دافيد ساترفيلد في ال2016 لتستعاد في ال  2018 وتفشل مع دايفيد شينكر ثمّ تجددت في ال2020 بحضورالوسيط الأمريكي جون ديسروشر، وبعد 5 جلسات في الناقورة، أصرَ لبنان على حقوقه لأنّ مساحة المنطقة المتنازع عليها هي 2290 كلم مربعاً ، وفقاً للقانون الدولي للبحار الذي اعترف به لبنان خلافاً ل”اسرائيل”. توقفت المفاوضات بعد أن رفض الوفد الإسرائيلي الحضور إلى الجلسة السادسة.

3- ولأنه لا يمكن فهم مستقبل هذه المفاوضات وفشلها بترسيم الحدود البحرية دون فهم معضلات الحدود البريّة بين لبنان و”اسرائيل”، باعتبارها المرتكز الأساسي الأوّل الذي دفعني إلى حصاد ملفٍّ عمره 100 سنة في 10 محطّات، 4 منها رئيسيّة و6 حافلة بالحروب على أن نتناول الحدود البحرية في العدد المقبل.

أوّلاً: محطات رئيسية لفهم الحدود البرية بين لبنان و”اسرائيل”:

1- التعريف بالحدود: حصل وفقاً للقرار 318 الذي أصدره الجنرال هنري جوزيف غورو المندوب الفرنسي السامي في لبنان في 31/8/ 1920 أي قبل شهر من إعلان دولة لبنان الكبيرالذي لم يتمكّن من الإحتفال بمئويته في ال2020 بسبب الكورونا والإنقسامات، واقتصر باحتفال بسيط في قصر الصنوبر بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وصل بيروت بعد يومين على تفجير مرفأ بيروت (4 آب 2020) الذي دمّر الأحياء وأودى بحياة 200 شخص و6000 جريح و 300 ألف مشرّد عدا عن المهجّرين والمهاجرين والغموض والإنقسامات المرعبة في كشف الحقائق حتى اليوم.

2- تحديد الحدود: تمّ دمغ علامات الحدود الظاهرة على الأرض بموجب الإتفاق بين بريطانيا المنتدبة على فلسطين وفرنسا المنتدبة على سوريا ولبنان في 23 /12/ 1920.

3- ترسيم الحدود: تعني رسمها على الخرائط وذلك عبر ورشة بدأت في1/6/1921 بين العقيد الفرنسي برونو بوليه ونيوكومب الإنكليزي وتمّ توقيعهما للخرائط المرسّمة في 3/2/1922 لتبرم الإتفاقية في 7/8/1923 ويبدأ العمل بها رسميّاً في 010/3/1923.

4- تثبيت الحدود: حصل في 4/2/1924 بعدما تمّ إيداع محاضر الترسيم ونسخاً عن الخرائط في عهدة عصبة الأمم التي أقرّته رسميّاً لتصبح الحدود معترف بها دوليّاً.

ثانياً: المحطات الحروب والعقد الموروثة:

1- قيام “إسرائيل”: أصدرت الأمم المتّحدة القرار181 في 29/9/1947  قضى بقيام دولتي فلسطين العربيّة و”إسرائيل”. نشبت بعدها حروب ال1948 العربيّة الإسرائيليّة، وتمّ التوقيع على اتفاقية الهدنة بين لبنان و”إسرائيل” في 23/3/1949 ونصّت المادة 5 حرفيّاً:

“يجب أن يتبع خط الهدنة الدائمة الحدود الدوليّة بين لبنان و”إسرائيل…”

2- في 14 أيار 1949 تمت الموافقة على انضمام “إسرائيل” إلى منظّمة الأمم المتحدة، ولكن تمّ ربط عضويتها بتعهدها الإحترام الصريح لإتفاقيات الحدود والعودة أو التعويض على اللاجئين الفلسطينين الذين هجّروا من بلادهم.

3- قامت لجنة الهدنة اللبنانية الإسرائيلية بين 5 و 15 كانون الأول 1949 ، وبإشراف الأمم المتحدة، بمسح جديد للحدود ووضعت 12 مادة تم بموجبها تثبيت النقاط الحدودية ال38 مجدداً كما كانت، ووضعت 104نقاط وسطيّة مع خرائط توضّح الإحداثيات لتلك النقاط.

4- نصّ محضر إجتماع لجنة الهدنة اللبنانية “الإسرائيلية” في 18/1/1961، وبإشراف الأمم المتحدة على تجديد وضع الشارات ال 38 المذكورة وتثبيتها، بإلإضافة إلى النقاط الثانوية. يتّضح إذن أن مسألة الحدود بين لبنان و”إسرائيل” مرسّمة ومثبّتة وتمّت الموافقة عليها من قبل الطرفين بإشراف الأمم المتحدة، ولا هوامش لأي تفاوض يعيد النظر بالترسيم.

5- قامت “إسرائيل” إثر هزيمة العرب في حرب ال 1967 المعروف بعام “النكسة”، باحتلال قرية النخيلة اللبنانية وبعض مزارع شبعا اللبنانية. وفي 14 آذار 1978، اجتاحت جنوبي لبنان وفقاً للعمليّة العسكرية المعروفة ب”عملية الليطاني” أو “ربّ الحكمة” بالتسمية اليهودية، واحتلّت مناطق لبنانية واسعة . صدر عقب ذلك، عن مجلس الأمن القرار 425 الذي نصّ على ضرورة الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان الى الحدود المعترف بها دولياً باتفاقية الهدنة. وجاء القرار 426 الذي أوضح كيفيّة تطبيق القرار السابق بالإصرار على وجوب الانسحاب حتى الحدود الدولية. بالمقابل، إجتاحت إسرائيل لبنان ثانيّةً في 6/6/ 1982، ووصلت العاصمة اللبنانية بيروت وحتّى القصر الرئاسي في بعبدا.

6- انسحبت “إسرائيل” من لبنان لكنّها بقيت في جنوبه حتى 24 أيار 2000 عندما أعلن إيهود باراك رئيس وزرائها آنذاك إلأنسحاب التام من لبنان، وتبعت الجيش الإسرائيلي جميع القوى اللبنانية التي كانت مساندةً له. استعادت الحكومة اللبنانية 17.751.600 م2 من الأراضي التي كانت إحتلّتها “إسرائيل” من قبل، نتيجة الإنسحاب الإسرائيلي حتّى الخط الأزرق مع بقاء بعض التحفظات اللبنانية على مناطق لا تزال تحتلها إسرائيل في 13 نقطة. تبلغ مساحة تلك الأراضي التي لا تزال محتلة من “إسرائيل” 485487 م2، يضاف إليها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقريتي النخيلة  والغجر بموازاة الحدود اللبنانية السورية المحتلة التي لم تنسحب منها ، بل استحدثت فيها محطات تزلج وسياحة ومنشآت يُقدّر مردودها المالي السنوي إلى 6 مليار دولار سنويا.

العدد 125 / شباط 2022