حيرة اوروبا في التعامل مع لبنان: “الترهيب والترغيب”

قرار فرنسي – اميركي “بفرض” الحلول وتفعيل الدور السعودي

بيروت –غاصب المختار

خلافاً للمتوقع ولما تم تداوله، غاب الملف السياسي اللبناني عن طاولة محادثات زعماء ورؤساء حكومات الدول الأوروبية الـ 26 خلال القمة الأوروبية، التي عقدت في بروكسل يومي الخميس والجمعة 24و25 حزيران – يونيو الماضي، وكان البند الوحيد المتصل بلبنان يتعلق بالمساعدات الدولية التي ستقدم للاجئين السوريين. فيما تحرّكت فرنسا لاحقاً منفردة لمنع سقوط لبنان عبر تقديم مساعدات ودعم للجيش ولمشاريع الاعمار والبنى التحتية. تواكبها اميركا بمساعدات للجيش ايضاً ولبعض جمعيات وهيئات المجتمع المدني.

وكان مفوض الاتحاد الاوروبي للسياسة الخارجية والامن جوزيف بوريل قد استبق القمة بزيارة بيروت قبل يومين من انعقادها، والتقى رؤساء الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري وحكومة تصريف الاعمال حسان دياب ورئيس الحكومة المكلف سعدالحريري، ووزيرة الدفاع زينة عكر، وشخصيات اخرى، بهدف استطلاع الوضع اللبناني من كل جوانبه، لا سيما لجهة عراقيل تشكيل الحكومة، ولحث الاطراف المعنية على تجاوز خلافاتها وتشكيل الحكومة بسرعة مستخدماً “الترغيب والترهيب”. الترغيب عبر ربط اي دعم اوروبي للبنان لتجاوز ازماته الاقتصادية والمالية بتشكيل حكومة اصلاحات تفاوض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حول سبل معالجة الازمات، والترهيب بالاعلان عن جهوزية العقوبات التي تنوي بعض الدول الاوربية فرضها على من تعتقدهم اوروبا معرقلين لتشكيل الحكومة.

وحسبما رشح من معلومات حصلت عليها “الحصاد” من مصادر رئاسية، فإن بوريل ابلغ المسؤلين اللبنانيين انه سيقدم الى القمة تقريراً “يشجع الاتحاد الاوروبي على تقديم الدعم للبنان، كما شرح بعض الخطوات التي يمكن ان تساعد فيها اوروبا لبنان في حال تشكلت الحكومة… لكن شرط لمس معطيات تشجع الاتحاد الاوروبي على دعم لبنان”.

لكن الواقع الذي اصطدم به بوريل هو تعدد الاراء والاسباب والحجج لدى كل طرف حول تعذّر تشكيل الحكومة وتنفيذ الاصلاحات المطلوبة، وحيث كل طرف يلقي المسؤولية على الآخر لجهة ممارسة الصلاحيات الدستورية في تشكيل الحكومة، عدا شرح الخلفيات السياسية لوجهة نظركل طرف، وبالتالي هو وضع هذه المعطيات المتناقضة بين ايدي الزعماء الاوربيين ليقرروا الموقف ومسار التعاطي مع لبنان في المرحلة المقبلة. فكان ان قررت القمة الاوروبية عدم التعاطي مع الموضوع إلّا من زاوية دعم استيعاب النازحين السوريين.

بالمقابل، وفي الجهة الايجابية لزيارة بوريل، فهي اكدت حسب المصادر، استمرار الاهتمام الاوروبي والدولي بالوضع اللبناني وبسبل منع انهياره كلياً، هذا الاهتمام المرفق بمسعى سياسي على اعلى المستويات، وبالتنسيق مع كل الدول المعنية بإستقرار لبنان، ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وغيرها.

اميركا على الخط مع اوروبا

قمة الاتحاد الأوروبي نفضت يدها من وضع لبنان السياسي الداخلي، فقررت عدم إدراجه على طاولة البحث، إلّا من زاوية معرفة ما إذا كان إجراء الانتخابات النيابية في أيار – مايو المقبل من شأنه أن يحمل معه بوادر تغيير بالطرق الديموقراطية للطبقة السياسية التي أوصلت البلد إلى “جهنم”، وعلى كل المستويات.

في حقيقة الامر، يعكس هذا التوجه نوعاً من الحيرة الاوروبية في التعامل مع لبنان، فلا الدعم والمبادرات السياسية اثمرت، ولا سياسة العقوبات هزّت شعرة من رأس اي سياسي لبناني، لهذا ربما عاد الفرنسي الى الاستعانة بالمؤثر الاكبر في لبنان وهو الراعي الاميركي الفعلي.

لذلك حضر ملف لبنان ثنائياً في محادثات وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان ونظيره الاميركي انطوني بليكن في باريس بعد القمة الاوروبية التي عقدت في بروكسل وشارك فيها بلينكن افتراضيا عن بعد، حيث اعلن لو دريان “قررنا التعاون مع الولايات المتحدة بخصوص أزمة لبنان، ونعرف من هم الذين يتسببون بالأزمة. ويجب ممارسة الضغوط على السياسيين اللبنانيين لإنهاء المأساة التي تعيشها بلادهم”.فيما قال بلينكن: ” نبحث عن قيادة حقيقية في لبنان لمساعدته، ويجب ممارسة المزيد من الضغوط على المسؤولين اللبنانيين”.

مصادر سياسية متابعة اشارت الى ان التحرك الفرنسي حيال لبنان بات يجري بمواكبة اميركية مباشرة، بعد زيارة الوزير بلينكن الى كل من باريس وروما وبرلين قبل وبعد مشاركته في القمة الاوروبية، وبدء النقاش مع الاوروبيين في الازمات التي تشكل اهتماماً مشتركاً ومنها ازمات الشرق الاوسط، ومن ضمنها ازمة لبنان، وربطا العلاقة مع ايران التي تتهمها اوروبا واميركا “بالهيمنة على لبنان”. ما يعني ان نتائج مفاوضات الاتفاق النووي ستنعكس سلبا او إيجاباً على لبنان حسب نتائجها والخطوات التي تليها.

ولاحقاً اعلن وزير الخارجية الاميركية بلينكن في تغريدة مختصرة عبر “تويتر” وليس عبر الاعلام الرسمي والخاص، عن لقاء بينه وبين وزير الخارجية الفرنسية ووزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان يوم  29 حزيران – يونيو، على هامش قمة وزراء الخارجية والتنمية لدول مجموعة العشرين في مدينة ماتيرا الإيطالية، تناولَ في قسم منه الوضع اللبناني، ومن باب الضغط على المسؤولين اللبنانيين الذين يعرقلون الوصول الى حلول للأزمات السياسية والاقتصادية التي يعانيها الشعب اللبناني. وقد سبقه في اليوم ذاته لقاء بين بلينكن وبن فرحان تناول أزمات المنطقة، لا سيما في اليمن، والعلاقة مع ايران.

تحريك الدور السعودي

لكن ظهر في الافق لاحقاً ما يشير الى متابعة عربية ودولية حثيثة للوضع في لبنان، حيث زارت السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا و السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو الرياض في تموز- يوليو وعقدتا اجتماعات مع مسؤولين سعوديين في الخارجية والديوان الملكي، لمتابعة تفاصيل تنفيذية للاجتماع الوزاري الثلاثي الاميركي الفرنسي السعودي بشأن لبنان.لا سيما بعدما لمست الدولتان برودة سعودية حيال التعاطي مع الوضع اللبناني سواء السياسي او الاقتصادي والمعيشي.

وبدا واضحاً من خلال المواقف والتسريبات ان اميركا وفرنسا ستحاولان دفع السعودية الى تفعيل دورها في لبنان على الاقل من حيث تقديم المساعدات الانسانية والعينية وزيادة الدعم للجيش وقوى الأمن الداخلي لمنع السقوط الكبير، واذا امكن من حيث الضغط سواء على الرئيس سعد الحريري او سواه من شخصيات سنية يمكن ان تتولى رئاسة الحكومة في حال اعتذار الحريري، بهدف اساسي “إجراء الإصلاحات العاجلة والأساسية التي يحتاجها لبنان بشدة، والعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين للضغط على المسؤولين عن التعطيل”.

وفي هذا الجانب، ثمة من تحدث عن خروج فرنسي عن المظلة الاميركية التي تضغط على “حزب الله” سياسياً وبالتالي على الدولة اللبنانية عبر مدخل الاقتصاد والمال، “لأن هذا الضغط يصيب الشعب اللبناني بالضرر الكبير” حسب الرؤية الفرنسية والاوروبية.

وجاءت في هذا السياق توصية لجنة الدفاع والقوات المسلّحة في البرلمان الفرنسي، “بإرسال فريق دولي الى لبنان بشكل طارئ تحت سلطة الأمم المتحدة والبنك الدول لتعزيز الأعمال الإنسانية ومساعدة اللبنانيين، ودعم الجيش والقوى الأمنية لحفظ الأمن والإستقرار وضرورة اجراء الانتخابات في موعدها”. وتم رفع هذه التوصية الى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمم المتحدة.على ان يصدر لاحقاً تقريرمفصل عن اللجنة حول لبنان.

وحسب معلومات “الحصاد” فإن التوصية تتضمن توجهاً نحو تعيين متخصّصين دوليين من مختلف الجنسيّات، للعمل في المدارس والمؤسسات التعليميّة، ودعم المستشفيات والمستوصفات، وتعزيز الدعم المعيشيّ والإجتماعيّ، بالتنسيق مع وكالات ومنظمات الأمم المتحدة، للإبقاء على القطاعات الأساسيّة قائمة كي تبقى قابلة للإستثمار فيها في المستقبل القريب، أيّ مرحلة ما بعد الأزمة. لكن الاكيد ان لا طابع عسكريّاً على الإطلاق للتوصية كما جرى تفسيرها في لبنان على انها ارسال قوات دولية بدل فريق عمل دولي بسبب خطأ في الترجمة.

شركات إعمار وإنماء

وفي السياق، لم يكن ممكناً تجاهل ما اعلنه الرئيس ايمانويل ماكرون عن “العمل مع شركاء دوليين لإنشاء آلية مالية تضمن استمرار الخدمات العامة اللبنانية الرئيسية”، في مسعى منه لتجاوز مخاطر الارتطام الكبير الذي بات حصوله على قاب قوسين او أدنى في لبنان، طالما فشلت الجهود الرامية الى تشكيل حكومة تحقق الإصلاحات وتطلق العنان للمساعدات الدولية.

وفعلاً اوفى ماكرون بوعده فزار لبنان السفير الفرنسي المكلف بتنسيق المساعدات الدولية للبنان بيار دوكان على رأس وفد اقتصادي فرنسي وإلتقى الفاعليات الاقتصادية والسياسية. وهدفت الزيارة، وفق المصادر الفرنسية، الى “متابعة المساعدة الفرنسية والاستمرار في حض وتحفيز الشركاء الدوليين وتحديد الاحتياجات من اجل مؤتمر الدعم 3 الذي خُصَص للشعب اللبناني” (عيُفترض ان يكون قد ُقد بين منتصف ونهاية تموز- يوليو).

كما وصلت خلال شهر تموز- يوليو وفود اقتصادية ومن شركات كبرى بهدف تقديم اقتراحات لإعادة إعمار مدينة بيروت جراء انفجار 4 آب واعمار ما تهدّم في بيروت وتنفيذ مشاريع في المستشفيات والمدارس والكهرباء والمياه والصرف الصحي والنقل ومعالجة أزمة النفايات.وهو امر تداركته فرنسا متأخرة قليلاً بعد “هجمة” الشركات الروسية والصينية والالمانية على مشاريع الاعمار والتنمية والبنى التحتية.

وجرى حديث عن زيارة للسفير المفوّض المشترك بين الوزارات الفرنسية لشؤون منطقة البحر المتوسط كريم أميلال. ووفدٍ من مجموعة الصداقة اللبنانية – الفرنسية في مجلس الشيوخ برئاسة كريستين لافارد للبحث في الاوضاع الاقتصادية والاجتماعة والسياسية والأمنية.

سبب هذه الاندفاعة الفرنسية بإختصار هو الخوف المشترك الاوروبي والاميركي من إنفلات الوضع الى الحد الكارثي امنياً ومعيشياً، بحيث لا يمكن لأي دولة ان تضبطه وبخاصة اذا عادت موجات المهاجرين السوريين وغيرهم من لبنان الى اوروبا، وإذا حصلت تطورات امنية على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة حيث توجد لفرنسا قوات كبيرة في الجانب اللبناني ضمن القوات الدولية (اليونيفيل). كما يدل على ان فرنسا لن تترك شعب لبنان يسقط اقتصادياً ومعيشياً، عداعن فرنسا ستشهد في العام المقبل عملية الانتخابات الرئاسية والتي يريد الرئيس ماكرون قبل إجرائها تحقيق تقدم ما في لبنان.

وفي اعتقاد مصادر نيابية في “تيار المستقبل” ان الإندفاعة الفرنسية تجاه لبنان كانت من اهم عوامل تأجيل إعتذار الرئيس الحريري عن تشكيل الحكومة والذي كان مقرراً منذ منتصف حزيران، بحيث انه ابقى حتى اللحظة الاخيرة كل خياراته مفتوحة بإنتظار المسعى الفرنسي والاميركي مع السعودية التي يحتاج  رعايتها السياسية له اكثر من حاجته الى فرنسا واميركا.

العدد 119 / اب 2021