روايتي الأخضر واليابس

اختارت مجلة »نيوليتيراتشر« المقطع التالي من روايتي الأخضر واليابس في سياق التوثيق للكتابة عن الحروب الاهلية المعاصرة:

– عبلة، أفهميني فقط كيف؟ كيف يمكن لانسان من لحم ودم وعقل وإحساس أن يربط إنساناً آخر بحبل مربوط بمؤخرة سيارته، إنسان يستجدي، إنسان حي، يصرخ ويستغيث ويستحلف وينوح، وقاتله لا ينفعل ولا يرتد. أليس هذا ما يفعلونه؟ ثم.. ثم تقولين إنه من شدة ما بات السحل بطولياً في إعتبارهم تحول الى رياضة، إلى تقليعة، صار الواحد يرتدي بدلته، »يسشور« شعره ويضع وردة حمراء في ياقة سترته، ثم يقود سيارته إلى خطوط النار ليشتري جثة طازجة يعود بها مسحولة متمختراً بين الخلائق… ويلاه يا عبلة قولي شيئاً. ذلك المجرجر على الزفت والحجار قبل الموت أو بعده، بأي ألم يمرّ؟ أنا أريد هذا الألم، أريد القبض عليه الآن وتوزيعه بالتساوي على كل الأحياء العميان تحت هذه السماء الملعونة.. يه! معقول! أنا وأنت من هذا البلد يا عبلة، انتبهي. أنت معلّمة وتعرفين، في عين التاريخ، هل تقبلين هذه المسؤولية، هل تأخذين على عاتقك ذ

– آدم! آدم! يا رجل من أجل الله اطلع من هذه الدوامة. طالما قلنا الإنسان لم يتغير منذ كان في الكهف. الاشكال تغيرت. العقل شقع اكتشافاته وثمار فطنته. والذكاء ابدع ولعلع، لكن الوحش البربري ما زال على حاله. كم مرة تحدثنا في هذه الأمور من قبل، حتى قبل بدء الحرب. السحل موجود من أيام الخيل، والسلخ والفسخ والتقطيع والبقر والتشنيع. الشمس رأت الانسان هكذا منذ أشرقت على الدنيا وما زالت، مع ذلك، تشرق والدنيا مستمرة. ليس لدينا إلا أن نستمر. ركّز على هذه النقطة.

– هكذا إذن؟ نستمر، نمرِّر ونستمر، كله ماشي ما دمنا أحياء، نقبل الحاضر البشع لأن الماضي لم يكن افضل. جميل! تخيلي أن هذه الحرب اكملت جنونها لسنوات وسنوات وكبرت بنتنا فيها، ها؟ اليوم استطعنا حجب نظرها عن المشهد الفظيع، وغداً وبعد غد، لكنها أخيراً لن تقتنع بقصة واهية… لا حبيبتي، يلّلا مرّت على سلامة«. كذبة بيضاء ولا شك، لكن البنت سترى بعد وستسأل، وكم ستسأل! بماذا نجيبها يا عبلة؟ اعتبريني أنا مريم وأسألك الآن لماذا يا أمي يجرّون الناس هكذا على الطرق؟ ما هذه الرائحة هناك؟ ماذا يحرقون؟ انظري أليست هذه يد، يد مقطوعة على الناصية. هيّا فبركي لها قصة.

– كل يوم بيومه، واحدة واحدة، لا تعجق راسك هكذا، تجنّ. اشكر ربك اننا أحسن من غيرنا ذ

– أشكره لأننا أحسن من غيرنا؟!

– اي نعم، هناك ناس ما عندها سقف فوق رأسها، ما عندنا لقمة خبز، ناس تتسوّل ثمن الدواء، ثمن الحليب لأطفالها، نعم أُشكر ربك لأنك مستور والله كافيك.

– عال! شكراً لك يا الله لأنك ضربت غيري، وما ضربتني! لأنك جعلت غيري قاتلاً أو مقتولاً ساحلاً أو مسحولاً قاطعاً أو مقطعاً ووفرتني حتى الآن، إنك لعليم قدير!

– أووه علينا، بدأت تكفر، الى متى ستبقى راكباً هذه الموجة، أتعبتني، أنا نازلة عند الجيران.