شربل روحانا موقعاً »مقام العود«:

ما يسّر العين، وما يفرح القلب في هذه البادية الفالتة على الرياح الاربع؟

بيروت ـ جاد الحاج

IMG_2719
لقطات من الحضور في حديقة بلدية جبيل

يسرّ عينك ان ترى جمالاً نظيفاً، ناصعاً في المضمون، وإن يكن ملوناً في الشكل. ويفرح قلبك ان مواطناً مثلك ليس منهاراً ولا مغمساً في القنوط ، بل هو شعلة زهوٍ وعطاء وعافية، ينتشل فيك النفس ويعيد الانفاس الى رئتيك. لا احد في الازمنة الرديئة يشعل شمعة متمردة على الظلام كالفنان المبدع، كما ليس ادعى الى التفاؤل في حقل بائد من حفنة قمح واعدة . عصارة توقيع شربل روحانا كتابه »مقام العود« في الحديقة البلدية لمدينة جبيل ان مكتبة العالم كله باتت تحتوي على منهج تدريسي ـ تثقيفي في اللغتين العربية والانكليزية يلقي شمساً على آلة العود بعزفها وتاريخها ومقاماتها.

كتاب دقيق ـ مفصّل، عميق، مزوّد بالرسوم البيانية، بعضها يلمّ بكيفية وضع الاصابع على زند العود وكيفية استعمال الريشة، وبعضها يغوص في النظريات الموسيقية وتطبيقاتها المتنوعة، الى التمارين التدريبية التمهيدية والتكميلية ، ثم الاوزان والايقاعات والمقامات ومقطوعات مقترحة من التراثات الشرقية وفولكلور لبنان وسوريا والاندلس والمنحى السرياني. واكثر…

نشر الكتاب »معهد القديسة رفقا للموسيقى« وهو باكورة المعهد لجهة النشر. واحتفلت جبيل باطلاقه في حفل يشهد مرة اخرى على طليعية سياحية و ثقافية ناجحة شهدتها مدينة الحرف في السنوات العشر الاخيرة. ابرز ما يميّزها مستوى التنظيم الراقي والكياسة الشبابية والانفتاح الرحب على كل جديد مفيد. افتتح الامسية الدكتور وليد مسلّم بكلمة حارة، لبقة، وخاطفة، نقتطف منها ان الفنان » يختزِنُ رَوْعَةَ الفصولِ، وحنينُهُ، أبَدًا، إلى آفاقٍ لم يُبْصِرْها سواهُ«. الاب الدكتور بديع الحاج تحدث في بلاغة بولسية عن كيف« يأخذ العود روحاً من العازف، وبالاحرى روح العازف، وينطق بمجرد ملامسة اوتاره. وابداع عازف وتمايزه عن آخر يقاس بمدى إعطاء هذا الروح ومدى تقمصه في جسد الآلة.« ولاحظ البديع اننا لدى ذكر اسم شربل روحانا يتبادر الى اذهاننا تلقائياً »آلة العود مجردة، مطلقة، وكأنها شخص او صديق ملازم له.«

شكرت رئيسة المعهد الدكتورة الاخت مارانا سعد جميع الذين ساهموا في تحقيق الكتاب وتنظيم توقيعه، واحداً واحداً:« إِستحضرتُكُم جميعًا كما أنتُم أمامي الآن، وشَددتُ على أيديكُم تحيّةَ سلامٍ ومحبّة. وها أنا في حضرتكم، أمُدُّ لكُم يُمنَايَ، أُسلِّمُ على كلٍّ منكم بإحترامٍ وإكبار.« وللامانة المهنية لا مفرّ من القول ان اثر التفاؤل العارم الذي نشرته كلمات الاخت الرئيسة افضى بنا الى الاعتقاد، ولو لوهلة، ان الدنيا يا صاحبي بالف خير!

Charbel Rouhana - 003
شربل روحانا: اعدتُ تشكيل شخصيتي الفنية والانسانية

»لَملَمتُ أوراقي وتجربتي وكَتبتُ في هذا المنهج ما اختبرتُه وأعدتُ النَّظر فيه على مدى ثلاثينَ سنة مع طلابٍ كُثُر وزملاءٍ أعزّاءَ وعازفينَ مرموقينَ ومناهجَ عديدة« قال شربل روحانا للحاضرين في حديقة البلدية. واكد لنا بلا تردد انَّ الجديدَ في هذا الكتاب هو توثيقُ أساليبَ العزفِ النافعةً للطلاّب متمنيًا أن يكونَ مفتاحًا اساسيًا لإبداعهم: » يَقولُ كونفوشيوس : إن كُنتَ تُخطّط لِسَنةٍ واحِدَة إزرَع الأَرُزّ. إن كُنتَ تُخَطّط لِعَشرِ سَنوات إزرَع الأشجار. إن كُنتَ تُخطّط لِمِئَةِ عام علِّم الأطفال.« وهذا ما أتمنَّى أن يَكونَ عَلَيه هذا الكتاب- المنهج مُفيداً وخُصوصًا للأطفال. واسمحُوا لي إن فكَّرتُ في هذه اللَّحظة بعشرات الآلاف من الأطفال مِمَّن حُرِمُوا أَبسَطِ حُقُوقِ العَيش. ماذا يَنتَظِرِهُم؟ وماذا يَنتَظِرُنَا مِن جَرَّاء ذلك الحِرمان؟ »

ووصف شربل المنهجُ بانه جواب عن أسئلةٍ كثيرةٍ حَولَ آلةِ العود والموسيقى راوَدته على مرِّ السنين ابرزها : أيُّ عودٍ نُريدُه لطلاَّبِنا في ظِلِّ مجتمعاتٍ تَتجِهُ بأسرِها في سُرعةِ البَرقِ نَحوَ عَولَمةٍ تُهمِّشُ ما هُو فَريدٌ وخاصٌ وجميلٌ وتراثيٌ. وكانَ جوابُه الدفاع عن مُكونَّات المُوسيقى العربية بمقاماتِها وإيقاعاتِها ومَخزونِها العَميقِ والثَري وَوَضعِها مُجَدَدًا في مَعاهدِنا المُوسيقيَّة كَي تَبقَى آلةُ العود تَنطُق بِمَا هو شَرقيٌ أصيلُ وقادرةً في الوقت نفسِه على مواكبَة موسيقى شُعوبِ اخرى تتلاءَمُ وطبيعةَ العود. واضاف شربل: »صحيحٌ أنَّنَا نَحتَفِلُ اليَومَ بآخِرِ صيغةٍ لهَذا المَنهجِ ولَكِنَّني بَدأتُ كتابَتِه مُنذُ تِسعيناتِ القَرنِ المَاضي .فسَنة 1995 طُبِعَ واعتُمِدَ في المَعهَد الوطني العالي للمُوسيقى وفي كُلِيَّة المُوسيقى في جامعة الرُّوح القدُس في الكَسليك.« وبعد ست سنوات من التطبيق والاختبار اعاد روحانا النَّظرَ في المنهج وطُبِعَ للمَرَّة الثانية سنة 2001 مع المعهد الوطني العالي للموسيقى. ومرّت اربع عشرة سنة كان خلالها شربل يعمل على توسيع آفاقه الموسيقية مِن خلال التعرُّف على أساليبَ العزفِ في البُلدان المُجاورة مُشاركاً في وُرَشِ عَمَلٍ عَديدةٍ مع عازفينَ مَرموقين: »لحاجتي إلى إعادة تَشكيلِ شَخصيَّتي الفَنيَّة والإنسانية وإعادة طَرح الأسئلة في كُلِ ما اعتقد ه لِفَترَة أنَّه مِنَ الثَّوابِت، فاكتشَفت أنَّ الثابتَ الوحيدَ لدى الإنسانِ أنَّه دائمُ التَحوُّلِ.«

»وفي العام 2014، تَزامَنَت دَعوَتي وعَودَتي إلى المَعهد الوطني العالي للموسيقى مع شُعوري بأنَّه آنَ الأوان كَي أجمَعَ كُلَّ المراحلِ السَّابِقَة حاملاً كُلَّ ما حَدثَ مَعي وتَعلّمتُ مِنهُ آملاً بتطبيقِه في المعهد وغيرِه من المعاهد اللبنانية. وأعتبر نفسي محظوظاً لانّ الحياة أعطتني هذه الفرصة. وتَشاءُ الصُدفُ أن ألتَقي مع الأُخت مارانا سَعد أو »الطاقة المُتنقِلة« بِكُلِّ ما تَحتَويه من تَصميمٍ وإصرارٍ وإرادةٍ وحُبٍ وجُرأةٍ ومَعرفَةٍ قويَةٍ بالأشخاص وكَيفِيَّةِ تَحقيق الأهداف الكبيرة. الأُخت مارانا قدّمت كُلَّ الدَّعم ولاحَقَت كَعادَتِها كُلَّ التفاصيلِ المُمِلّة من دونَ مَللٍ! وأنا لَم أُقدّم سِوى تَجربَتي في آلة العود. تَصَرَّفتُ كَما يَقولُ فُولتير : » السرُّ في كَونِكَ شَخصًا مُثيرًا لِلمَلَل، هو أنَّك تَقولُ كُلَّ شيء« وأنا قُلتُ كُلَّ شَيءٍ تَقريبًا في هذا المنهج لأنَّ هَمِّي كَانَ أن أنقُلَ للطُلاَّب خُلاصَةَ تَجربَتي على مرِّ السنين من دون إدخالِهم في الزواريب الضيِّقة والأسئلة التي ُتسبِّب ضَياعًا. لا يُوجَدُ في هذا المَنهَج سِوى المُوسيقى و تِقنِيَات أَكدَّت حُضُورَها وفَعالِيتَها بتطوير العَزف والتَذوُّق الموسيقي«.