في حوار مع الحكواتية المغربية أمال المزوري

أمال المزوري للحصاد: “بما أن المسرح أب الفنون فالحكاية أُم المسرح، فلولا الحكي لما كانت استمرارية التعريف بتراثنا، بهويتنا العربية.”

”  أحاول دائما أن أختار القصص الهادفة والبليغة الحكمة خصوصًا ما يتعلق بالتراث الشفاهي المحكي وغير المدون حتى يكون لنا السبق ونترك شيئا مميزًا للجيل المقبل.”

    رافق الفنّ الشعبي أجدادنا وكان له تأثير إيجابي في حياتهم الاجتماعية والثقافية، وقد توارثه الأحفاد وما زال هذا الفنّ يتنقّل من جيل إلى جيل حتى يومنا هذا.

وتتميّز الحكايا التي يختارها الحكواتي بالسهولة والبساطة والعفوية وتحمل في طيّاتها إرثًا من العادات والتقاليد وثقافة البلد الذي تنتمي إليه. أما شخصية الحكواتي فلها تأثير كبير أيضًا في إيصال القصّة والرسالة المبتغاة بأسلوب سلس بسيط وقريب من الناس، وهو الذي يتقن فن الحكاية ويحافظ بدوره على هذا الإرث من القصص والحكايات الشعبيّة.

ضيفتنا في هذا العدد من مجلة الحصاد هي الحكواتية المغربية أمال المازوري التي خاضت هذه التجربة منذ سنوات وعملت جاهدة لإبراز أهمية فنّ الحكواتي ، مشتغلة على تطوير تجربتها الشخصية لتكون فريدة من نوعها بالرغم من الصعوبات التي واجهتها في دربها، متنقلة بين البلاد حاملة معها هذا الإرث الشعبي من الحكايات بالإضافة إلى ما أبدعته مخيلتها من قصص ضمّتها إلى مجموعة الحكايات التي تتلوها وتؤديها بين الناس وقد لاقت أصداء مهمة.

هنا حوار مع أمال المازوري:

الحصاد: كيف ولماذا اخترت هذا المجال؟ بمعنى آخر حدّثينا عن تجربتك.

“أمال المزوري” صدقًا أقول لك إن هذا المجال هو من اختارني، جلبني، طوّقني أدخلنى قصراً في عالم جميل لم أكن أعرف أغواره من قبل، فطمت على الحكاية حتى صرت متيمة بها ولا محيد لي عنها، بل حتى أثناء حديثي أصاب بقشعريرة وتتملكني الفرحة، فما زلت أتذكر في بداية تجربتي استغراب الكل من دون استثناء من اختياري لهذا الفن، مما زادني إصراراً وتعنتاً من أجل سلك غمار هذه التّجربة الفريدة التي كانت مقتصرة على الرّجال فقط، بل لم يقف الأمر عند هذا الحدّ، فلقد وُجّهت إليّ العديد من الإرشادات والنّصائح تحمل في طيّاتها انتقادات لاذعة مفادها أنّ هذا الفن ليست له آفاق مستقبلية لا من حيث الدّخل المادّي ولا من حيث الإشعاع أو الإقبال الجماهيري ولا يصنع النّجومية علما أنني لا أسعى إليها، ولا يصلح بتاتاً للمرأة ولا يمكن مُنافسة الرّجل فيه، وبدعم الأسرة وعرّاب مسيرتي(الخال) تغلبت على الأمر.

وصدقًا نحن في وطننا العربي، بحاجة إلى تشجيع دائم أو سند حقيقي لما راكمناه من مفاهيم خاطئة حول بعض العادات والتقاليد الأسرية ومفاهيمها التي تجعل المرأة رهينة ذلك.

الحصاد: ما هي أهداف هذا الفنّ؟

“أمال المزوري” أهداف هذا الفن جد سامية. بما أن المسرح أب الفنون فالحكاية أم المسرح، فلولا الحكي لما كانت استمرارية التعريف بتراثنا، بهويتنا العربية، بتقاليدنا التي معظمها اندثرت ولم يعد لها وجود وهذه هي مسؤوليتنا نحو الأجيال الصّاعدة حتى لا تضيع هويتنا، وأعمل جاهدة كلما استطعت وبكل ما أوتيت من قوة، على استمرارية هذا الفن وانتشاره وأن تكون الحكاية جزءاً من المنظومة التعليمية على جميع المستويات كما هو الشأن في بعض الدول.

فالحكاية بالنسبة إلي هي الحضن الدافئ الذي يحسسني بالآمان، أحاول أن أجسّد من خلالها ما أتأثر فيه من الواقع الذي يسكننا بقضاياه وأفكاره بأزقته، و بما نحمله من مخزون ثقافي له خصوصيته النوعية والفريدة.

الحصاد: ماذا عن اللغات التي تستخدمينها؟ وإلى أيّ مدى يمكن للغة المحكية أن تصل إلى الجمهور في البلدان الأخرى إذ أننا في هذا الفن نقف أمام تعدد للهجات؟

“أمال المزوري” أصبح من اللّازم على كل حكواتي يُجيد فنّه ويعمل على تطوير ذاته، ويسعى إلى الاستمرارية والإشعاع أن يُتقن اللّغات بجانب إتقانه لفنّه، بحيث يمكن أن يصل إلى أكبر عدد من الجمهور الذي يعشق هذا الفن ويغيب بغياب حسن التواصل وتقديم الأهم والأمثل، ولولا تمكني من اللغة الإنجليزية والفرنسية لما استطعت التواصل مع الضفة الأخرى ولما استطعت دخول مدرجات الجامعة الأمريكية من أجل التعريف بتراثنا وتقديمه على أحسن وجه والتعريف بالحكواتي والترافع عنه.

الحصاد: ماذا عن تجربتك في التأليف؟

“أمال المزوري” ثمة عدة أسباب لدخولي غمار التأليف، أسهمت في تنمية قدراتي الإبداعية في مجال أدب الطفل، ومن أبرزها: تجربتي في فن الحكي واقترابي الدّائم من الطفل ومحاورته ومعرفة مدى تعلقه بالحكايات. ومسايرة أفكاره والتطلع الى ما يريده وقد حاولتُ منذ بدايتي أن أساهم في نشر تراثنا والتعريف به، بما قدّمته من مشاركات دولية، وما كتبت من قصص تراثية مثل ( أكلة العيد، بندقية جدي، الرمل قالها…).في مجلات عديدة أهمها( العربي الصغير، سمير، اقرأ، خطوة، ميشا).

الحصاد: ما هي المعايير التي تعتمدينها لاختيار القصص؟

“أمال المزوري” أحاول دائما أن أختار القصص الهادفة والبليغة الحكمة خصوصًا ما يتعلق بالتراث الشفاهي المحكي وغير المدون حتى يكون لنا السبق ونترك شيئا مميزًا للجيل القادم.

الحصاد: كونك حكواتية، هل تعتمدين على القصص التراثية فقط أو يمكن أن تختاري قصة فتقومين بتعديلها أو إعادة كتابتها مثلًا أو أنك تؤلفين القصة الملائمة للحدث؟

“أمال المزوري” وجود الحكواتي يطغى على قصصي بشكل لافت ما يجعلني أميل دائما إلى القصص التراثية بشكل أساسي بحيث أتخذها كمسؤولية على عاتقي يجب الحفاظ عليها وتلقينها ما يضمن لها الاستمرارية بالإضافة الى قصص تتم صياغتها لما يناسب الظرف والزمان.

الحصاد: انطلاقًا من خبرتك وزياراتك لدول عدة، كيف وجدت إقبال الجمهور على القصص التراثية وتأثّرهم بها؟

“أمال المزوري” هو إقبال يجعلني أزداد تشبثًا بما أقدمه. فجمهور الحكاية هو جمهور نخبوي يشدني ويجعلني أدهش من استمتاعه وتساؤلاته وانبهاره بحيث يزداد شغفًا وحبًا مما يسمع فأحس أن الحكاية تطرب آذانه، حتى صرت أحسب أنّه لزامًا علي التعريف بتراث بلدي “المغرب” وهويتنا العربية المشتركة.

الحصاد: كيف تنظرين إلى حضور الحكواتي على الصعيدين العربيّ والعالميّ؟

“أمال المزوري” هنا أشيد بالجهود المبذولة في المهرجانين الدوليين:

 – مهرجان الرّاوي في الشارقة – مهرجان مغرب الحكايات في الرباط.

واللذان يعتبرا محطتين أساسيين في مسيرة كل حكواتي دولي ومع ذلك لا مجال للمقارنة بين باقي الدول العربية وما يقدم في الدّول الأوروبية وخصوصًا فرنسا، بحيث توجد العديد من المهرجانات السّنوية للحكاية وفي مختلف المؤسسات العمومية والخاصّة، بل لا تخلو التظاهرات الثقافية من نشاط يتعلق بالحكاية، وهناك حفلات استثنائية تنظم وبشكل لافت للانتباه في كل من المدارس والنّوادي الثقافية ما يجعل حضور الحكواتي مستمرًا ودائمًا وبشكل قوي، بل الأدهى من ذلك هناك من يتخذها مهنة كغيرها من المهن، تحفظ له كرامته ودخله وحقوقه داخل مجتمع يقدر هذا الفن ويساوي بين المهن وهذه قفزة كبيرة يجب الإشادة بها، وهنا أجدد شكري لكل من الدكتور عبد العزيز المسلم والدكتورة نجيمة غزالي طاي طاي وأثني عليهما لما يقدمانه في هذا الشأن.

الحصاد: برأيك ما هي الصعوبات التي تواجه الحكواتي اليوم؟

“أمال المزوري” من بين الصعوبات التي يواجهها الحكواتي هي النظرة الدّونية له، فغالبًا ما يرتبط اسم الحكواتي أو الحلايقي بالسّاحات العمومية كمصدر رزق أو بالأسواق الأسبوعية، بالإضافة إلى عدم وجود فضاء خصب للعمل طول السّنة أو وجود شكل من أشكال التعاقد تجعل له دخلًا إضافيًا يغنيه عما يفعله مع الاهتمام من طرف السلطات أو المنظمات المهتمة بهذا الفن مع العلم أن هناك شباب يحاولون جاهدين على تغيير نمطية الحكي وجعله إضافة نوعية لتأثيث المشهد الثقافي العربي.

الحصاد: ماذا عن مشاريعك جديدة؟

“أمال المزوري” من مشاريعي المستقبلية: إكمال جولاتي الحكائية في بعض الدول العربية والأجنبية

و تنظيم مهرجان الحكاية في نسخته الاولى.

كذلك أفكّر في  السّعي والحركة الدائمة النشيطة وإعادة الحياة إلى الساحات العمومية وضخ دم جديد فيها عن طريق حلقات حكائية (الحلقة)، وذلك من خلال التنشيط المعقلن، من خلال برامج سنوية يسهر عليها ذوو الخبرة في المجال، تتخصص في متابعة حركة التنشيط بالتقييم والنقد والاستفادة مما سبق، مع إعطاء اهتمام خاص للذاكرة الشفاهية وإعادة الاعتبار لها. وإدراج أسماء تجعل من هذا الفن حضورًا قويًا بين باقي الفنون لكي نحقق تقدماً حقيقياً يواكب تغيرات العصر، وتحدياته في مجال الحكي والحكاية، لنساهم بشكل أو آخر في الترويج للسياحة ببلدنا والتعريف أكثر بتراثه الزاخر.

أيضًا استغلال الفضاءت العمومية( ساحات، حدائق، دور شباب) وخصوصًا المتاحف وجعلها تنطق بما تزخر به من آثار بشكل مغاير لما عهدناه.