قاسم اسطنبولي، والمسرح الوطني في مدينة صور..

»المسرح هو عصب أي مدينة وهو قلبها النابض..«

نسرين الرجب ـ لبنان

يحمل الممثل والمخرج »قاسم اسطنبولي« (مؤسس المسرح الوطني اللبناني في مدينة صور) في قلبه وعقله المسرح، ويسعى بكُل ما أوتي من عزم وشغف وطموح ليُفعّل حضور هذا الفن في بيئته الجنوبيّة وبلده بشكل عام، وهو حين يتحدث عن إنجازات المسرح الوطني للفنون في مدينة صور لا يتحدث بصفته الشخصيّة بل بكُل من يضمه هذا المشروع المسرحي الثقافيّ من متطوعين وشُبان وشابات طموحين وشغوفين بما يقدمونه.

الجنوب الذي عانى لمراحل زمنيّة طويلة الأمَّريْن: ظروف الحرب والتهميش التنموي والثقافي له من قبل الدولة، كان يفتقد لوجود منصّات ثقافيّة عامة، إلّا فيما ندر بعض العروض التي يغلب عليها الطابع الديني، يُشكل المسرح الوطني اللبناني في صور متنفّسًا فعليًّا لهذه المنطقة، وتسعى جمعية تيرو للفنون منذ تأسيسها لإقامة العروض الفنيّة والثقافية ـ مجانًا ـ وفتح منصات ثقافيّة في عدّة مناطق من الجنوب منها سينما ستارز في النبطية والتي أُقفلت.

كان للحصاد هذا اللقاء الحواري مع الأستاذ المسرحي قاسم اسطنبولي، للحديث عن جمعية تيرو للفنون، وفرقة ومسرح اسطنبولي، والمسرح الوطني للفنون في مدينة صور، التأسيس، الأعمال والنشاطات التي أنجزوها ويواصلون العمل عليها، الرؤيا الثقافية والفنيّة التي تجسدها أهدافهم، والمعوّقات التي واجهتهم.

جمعية تيرو للفنون

بدايةً، والحديث لقاسم اسطنبولي تأسست جمعية تيرو للفنون في العام 2014، وهي جمعية شبابيّة قائمة على مبدأ التطوع وتعمل في جنوب لبنان، وتعمل على إيجاد منصات ثقافية مستقلة في لبنان وإقامة المهرجانات والعروض الفنية والورش التدريبية للأطفال والشباب.

يُضيف: منذ تأسيسها عملت الجمعية على فتح منصّات ثقافية في لبنان، من »سينما الحمرا« في مدينة صور و »سينما ستارز« في مدينة النبطية و »سينما ريفولي« في مدينة صور التي تحوّلت إلى »المسرح الوطني اللبناني«، وهو أوّل مسرح وسينما مجانيّة في لبنان، منصّة ثقافيّة حرّة ومستقلة ومجانيّة شهدت على إقامة الورش والمهرجانات المسرحيّة والسينمائيّة والموسيقية، كما وتقوم على برمجة العروض السينمائية الفنية والتعليمية للأطفال والشباب، وتقديم السينما لأيّ شخص يريد تقديم عمله الفنيّ بالمجان، وتهدف الى نسج شبكات تبادليّة مع مهرجانات في الخارج وفتح فرصة للمخرجين الشباب لعرض أفلامهم، وتعريف الجمهور بتاريخ السينما المحليّة والعالميّة، بالإضافة الى اللامركزيّة في العروض عبر »باص الفن والسلام« للعروض الجوّالة في القرى والبلدات اللبنانية من خلال (مهرجان صور الموسيقي الدولي، ومهرجان لبنان المسرحي الدولي للحكواتي وللرقص المعاصر، مهرجان صور السينمائي الدولي للأفلام القصيرة، مهرجان أيام فلسطين الثقافية، ومهرجان تيرو الفني الدولي، ومهرجان صور الدولي للفنون التشكيلية، ومهرجان شوف لبنان بالسينما الجوالة، ومهرجان أيا م صور الثقافية، ومهرجان لبنان المسرحي لمونودراما المرأة).

فرقة مسرح اسطنبولي

يُشير قاسم إلى أنّ فرقة مسرح اسطنبولي، »تأسست في العام 2008، مع مجموعة من الرفاق الخريجين من معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية«.

قدّمت الفرقة العديد من الأعمال المسرحية، والتي تختص في عروض مسرح الشارع والمسرح التفاعلي، ومن هذه العروض، يذكر قاسم: »قوم يابا«، »نزهة في ميدان معركة«، »زنقة زنقة«، »تجربة الجدار«، »البيت الأسود«، »هوامش«، »الجدار«، »حكايات من الحدود«، »مدرسة الديكتاتور«، »محكمة الشعب« و »في إنتظار غودو«.

يُضيف: كما وشاركت الفرقة في مهرجانات محليّة ودولية، وحصدت على جائزة أفضل عمل في مهرجان الجامعات في لبنان، وجائزة أفضل ممثل في مهرجان »عشيّات طقوس« في الأردن، وتعتبر مسرحية »تجربة الجدار« أوّل عمل عربي يدخل في المسابقة الرسميّة لـمهرجان ألماغرو في اسبانيا.

العمل التطوعي هو ضمان استمرارنا

يقوم ضمان استمرار ونجاح الفرقة والجمعيّة، على العمل التطوُّعي، فيُصرح قاسم إلى أن: الداعم الأساسي هو تطوّع الشباب والصبايا وعائلة مسرحنا والتي تضم شُبّان لبنانيين وفلسطينين وسوريين وعراقيين من مجتمعنا، هم من صنعوا كل هذه الإنجازات. ويضيف إلى أن: الفنانين الذي شاركوا في كل المهرجانات وحضروا الى لبنان فعلوا ذلك على نفقتهم الخاصة، وكلّ الجمهور الذي دعمنا من خلال صندوق دعم المسرح الموجود على باب المسرح الوطني اللبناني في مدينة صور، بالإضافة الى مساهمات وشراكة مع مؤسسات ثقافيّة وفنيّة مختلفة خلال السنتيْن الأخيرتيْن من مرحلة تفعيل جمعيّة تيرو للفنون.

عروض متواصلة

تتنوع النشاطات التي يعمل عليها المسرح الوطني اللبناني فالثقافة والفن صنوان في رؤية مؤسسيه الإنمائيّة، فبحسب قاسم يشهد المسرح على عروض سينمائية أسبوعية وورش تدريبية مختلفة، وعروض مسرح ومهرجانات، على مدار العام، ومعارض فنيّة، بالإضافة لوجود مكتبة عامة ومتحف صغير يستقبل الزوّار على مدار الأسبوع بشكل يومي.

يقول الشاعر والمسرحي الألماني برتولت بريخت: »إن المسرح مرآة حقيقية تنعكس عليها مشاكلنا كلها«، وعن هذه العلاقة بين المسرح والمجتمع يرى قاسم أنّ: المسرح هو عصب أي مدينة وهو قلبها النابض لما يساهم به من التأثير على الوعي والثقافة والتغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في علاقة جدليّة، فأي تغيير في شكل الوعي الجمعي ينعكس على السلوك الفردي والمجتمعي بشكل عام، فرؤيته تنطلق من أن المسرح يُهذّب النفس ويسمو بالروح الإنسانية لتتخطى فردانيتها في فضاء هذا العالم.

نشر الثقافة اللامركزية

وعن العوائق التي واجهت مشروعهم الثقافي اللامركزي، يلفت قاسم: ما قمنا به هو تأسيس لمرحلة ساهمت في كسر المركزية الثقافية وتأسيس حركة ثقافيّة فنية في تاريخ الجنوب اللبناني، والمشكلة كانت أننا لا نعلم لماذا أُقفلت سينما ستارز في النبطية بهذا الشكل، وعلى الرغم من هذا الإقفال القسري ما زلنا مستمرين بجهود الشباب، وحتى اليوم قمنا بإقامة 27 مهرجانًا بمشاركة فنانين من 42 دولة حضروا إلى لبنان وتنقلوا بين صور والنبطية.

كان لهذا الإقفال القصري لسينما ستارز في النبطية، أثرًا سلبيًا على منطقة تفتقد لهذا الجو الفني والثقافي المتنوّع، فقد عمل فريق اسطنبولي لسنوات على تحديث بنائها القديم المُتهالك، الذي تحمل آثاره مظاهر سينما قديمة أُهملت وتهدّمت في فترات الحروب التي عصفت بالجنوب، حرصت الفرقة خلال مرحلة تأثيثه على جمع التبرعات من أجل شراء المبنى، ومن خلال تقديم المهرجانات والعروض المسرحية السينمائية لفرق من لبنان ومن خارج لبنان والعالم العربي، والسؤال المطروح بحسب قاسم: »من هو المستفيد من إقفال منصة ثقافيّة مستقلة ومجانية؟ وكل ما يقدم هو مجاني للجمهور«.

تخطّت فرقة مسرح اسطنبولي مرحلة التمركز المناطقي، وانطلقوا في نشاطاتهم إلى مختلف المناطق من الجنوب الى الجبل والبقاع وطرابلس، يلفت قاسم: بالنسبة لنا الأولويّة كانت للمناطق البعيدة عن بيروت من خلال العروض الجوّالة التي نقوم بها من خلال كرافان السلام (الباص الجوّال للفنون) لإقامة عروض الأفلام والعروض والوُرش التدريبية.

مبادرة المسرح عبر الانترنت

يقول بول فاليري: »في المسرح إذا لم تكن هناك علاقة تفاعل بين خشبة المسرح والمشاهدين فإن المسرحيّة تموت أو تصبح رديئة..«، لم يتوقّف نشاط الفرقة خلال مرحلة الحجر الصحي، على ما فرضته إجراءات السلامة الوقائيّة من إقفال لجميع مراكز التجمّع الثقافية والترفيهية على السواء، فأطلقوا عبر منصّات التواصل الاجتماعي مبادرة المسرح عبر الانترنت، في سبيل الوصول والتواصل مع المجتمع، وهذا ما وفّرته وسائل التواصل، عبر بناء صلة وصل في ظلّ الظروف الصعبة، على الرغم من أنها لا تُشكل عن علاقة المرسل بالمُتلقي ـ كما يقول قاسم ـ ولا عن متعة المشاهدة مع الجمهور ولا عن اللقاء الحيّ المباشر، لكنها أفضل من القطيعة.

وعن هذه المبادرات يشرح قاسم: »أطلقنا سلسة ندوات وجلسات رقميّة ضمن »شبكة الثقافة والفنون في لبنان«، وذلك من خلال الغرف المغلقة عبر تطبيق زوم حول واقع السينما والمسرح في ظل الأزمات الحالية، بالإضافة الى الورش (اون لاين) ومهرجان السينما عبر الموبايل ومبادرة »من الشباك« و »من كل بيت حكاية« وغيرها. ولعلّ أحدثها كان »نرسم ضد العنصرية« عن موضوع العنصرية والتمييز الذي شغل اهتمام العالم منذ حادثة مقتل الأميركي من أصول أفريقية »جورج فلويد«. فيرى قاسم، أن للعنصريّة أشكالا متعددة، ولا تتوقف على اختلاف لون البشرة، فكان الهدف من هذه الحملة الإلكترونية هو المساهمة في التوعيّة عن ضرورة احترام الاختلافات بين البشر وتقدير تميّزهم، وقد شارك ضمن الحملة الإلكترونية »نرسم ضد العنصرية« نحو 72 فنانًا من 12 دولة عربية وأجنبية، ما دفعنا الى إقامة مهرجان صور الدولي للفنون التشكيليّة في المسرح الوطني اللبناني بمشاركة الفنانين المقيمين في لبنان، على الرّغم من كلّ الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان على جميع الأصعدة مع الأخذ بعين الاعتبار كلّ اجراءات السلامة العامة«.

من أجل بيروت

وأمام المُصاب الأليم الذي وقع في مدينة الحُب والسلام بيروت، إثر الانفجار الغاشم الذي حدث في مرفئها وألحق الضرر الجسيم في بنيها ومبانيها، أطلقت جمعية تيرو للفنون والمسرح الوطني حملة تعاونيّة ومعرض صور فوتوغرافيّة على شبكات الانترنت وعلى الأرض تحت عنوان »من أجل بيروت«، تهدف الحملة إلى التضامن والتواصل مع جميع المراكز الثقافيّة في لبنان من أجل التشبيك ومواجهة الأزمات. بادر المسرح الوطني اللبناني عبر متطوعيه إلى النزول إلى بيروت للمساعدة في تنظيف المسارح التي تضررت جراء الانفجار، وإطلاق حملة الكترونية للرسومات ليتمكن المشاركة فيها فنانين من مختلف أنحاء العالم، بهدف التمكن من بيع هذه اللوحات لاحقًا عبر إقامة معرض فنيّ على المرفأ، وسيعود ريْع هذه المبيعات للتبرع للمسارح المتضررة، يُضيف قاسم: وجودنا كمسرحيين مرتبط بوجود بعضنا البعض، ومن أجل إحداث تغيير في الوضع المأساوي الذي يعيشه لبنان.

العدد108/ايلول 2020