ماذا بقي من الفنان الكبير.. أنور وجدي ؟

أحد ألأعمدة الكبار الذين أرسوا معالم فن السينما العربيه

لم يكن مطربا أو ملحنا، ولكنه ترك بصمة في الفيلم الغنائي

أمين الغفاري

هو عن جدارة واستحقاق أحد العمالقة الذين أرسوا معالم فن السينما العربية، وخلقوا منها صناعة رئيسية في اقتصاد الدولة، وقد شكل مع جيله المؤسس، مجموعة الرواد لفن السينما، وان كان دوره في بناء صرحها لاينازعه فيه أحد، فهو متفرد فيما قدم من انجازات وحقق من طموحات. ويجدر قبل الاستطراد القول ان صناعة السينما في مصر، لم تكن صناعة مصرية خالصة، وانما هي صناعة عربية، ساهمت في نشأتها وفي تطورها مواهب من جنسيات عربية مختلفة، فأنور وجدي وفريد الأطرش واسمهان أصولهم سورية، ونجيب الريحاني أصوله عراقية، وصباح ونور الهدى وآسيا وماري كويني أصولهم لبنانية، وبدر لاما وابراهيم لاما وعبدالسلام النابلسي أصولهم فلسطينية. لكن يبقى انور وجدي هو الفنان المتفرد فيما قدم انه كتالوج ضخم لصناعة السينما، الذي دخل المهنة بعشق وشربها حتى الثمالة كفن. أنه الممثل

أنور وجدي وليلى مراد
شكلا ثنائيا ترك تراثا ثريا من الفن الجميل

والمخرج والمنتج والموزع، ثم هو أيضا كاتب القصة والمعد للسيناريو، وكذلك صاحب المعامل التي تنتهي اليها صناعة الفيلم من حيث التحميض والطبع.

أنه أستاذ فن الأعلان الذي يقدم انتاجه من خلال الخبر المثير، والضجة المرسومة التي تحقق اهدافها بسلاسة، وابهار.

رحلته مع السينما

أسمه الحقيقي (أنوريحيي الفتال) وقد ولد عام 1904 في القاهرة لأبوين سوريين هاجرا الى مصر، واكتسب اسم (وجدي) من الريجسير (قاسم وجدي) المسؤول عن الممثلين الكومبارس، الذي أولاه عناية خاصة في تقديمه للعمل. التحق بمدرسة (الفرير) وهي مدرسة فرنسية، وان كان قد تخلف عن الدراسة بها لشغفه بالفن، ونال غضب والده لذلك الأمر، مما اضطره الى ترك منزل الأسرة لكي يرضي هوايته، وعرف حياة الصعلكة، وضيق ذات اليه، واشترك مع الفنان الناشيء ايضا عبدالسلام النابلسي في استئجار شقة متواضعة يتقاسمان ايجارها. عمل مع عدة فرق مسرحية في أدوار ثانوية، لاترضي تطلعاته من جهة، ولاتكفل عوائدها على تغطية مصاريف اعاشته، وكانت الأجور لاتتعدى الثلاثة جنيهات. فاتجه الى السينما، وكانت بداياته ايضا في ادوار صغيرة، ولكنها ولدت انطلاقة. أول فيلم كان بعنوان (جناية نص الليل) للمخرج محمد صبري عام 1930، ثم قدم (أولاد الذوات) مع يوسف وهبي عام 1932، الى ان بدأ في تمثيل ادوار البطولة الثانية، وكانت تمثل الفتى العابث في مقابل البطل الرئيسي وهو بالطبع الفتى الجاد، وذلك في افلام مثل (بياعة التفاح) مع محمود ذوالفقار، و(العزيمة) مع حسين صدقي و(ليلى بنت الريف) و(غرام وانتقام) مع يوسف وهبي، الى ان حصل على أدوار الفتى الأول في افلام (قضية اليوم، الحياة كفاح، وأرض النيل) و(أنا وابن عمي) مع عقيلة راتب، وكدب في كدب مع ببا عز الدين. في منتصف الأربعينات تقريبا اصبح نجما لامعا، تتهافت عليه شركات الأنتاج، باعتباره الجواد الرابح في تحقيق الايرادات، وبدأ من جانبه حين شعر بهذا الأرتفاع في اسهمه في البحث عن خطوات جديدة تعزز مكاسبه، وتعود اليه عوائدها، ولذلك كان قراره النزول الى حلبة الأنتاج.

أنور وجدي الممثل والمنتج والمخرج

هو ظاهرة لم تتكرر، فنان شامل، رجل الفن ورجل الصناعة معا، كانت بدايته كمخرج هي نفس بدايته كمنتج، فقد قرر أن يدخل ميدان الأنتاج، عن قصة كتبها مع بديع خيري، وأسند اخراجها للمخرج (كمال سليم)، ولكن المخرج توفى اثناء اعداده للفيلم، وكانت جرأة انور وجدي أن أقدم بنفسه على اخراج الفيلم بعد أن وافقت النجمة الشهيرة بطلة الفيلم (ليلى مراد)، وكانت النتيجة النجاح الباهر الذي حققه الفيلم عند عرضه، وكان ايضا بداية مرحلة جديدة في حياة انور وجدي الفنية، والأجتماعية في نفس الوقت. تزوج انور وجدي وليلى مراد في نهاية الفيلم، بشكل سينمائي، وكذلك بشكل حقيقي وواقعي، بل كان حفل الزفاف في الفيلم حو حفل الزفاف الطبيعي بينهما، وبداية تعاون كامل امتد لسنوات، وأصبحا يشكلان ثنائيا فنيا قدم أجمل الأفلام الرومانسية الغنائية في تاريخ السينما المصرية. قدما بعد ليلى بنت الفقراء، ليلى بنت الأغنياء وقلبي دليلي وعنبر وغزل البنات وحبيب الروح وبنت الأكابر، وشهد الاعلان عن ذلك الفيلم عبارة (آّخر أفلام ليلى مراد وأنور وجدي). كون(شركة الأفلام المتحدة) وتولت الشركة الأنتاج والتوزيع لأفلامه، كما كون شركة أخرى (المعامل لطبع وتحميض الافلام) وكان في النهاية هو الممثل والمنتج والمخرج وكاتب السيناريو ثم المالك لمعامل التحميض والطبع وأخيرا هو الموزع للفيلم. أي أنه ملك صناعة الفيلم منذ ان يكون فكرة حتى يترجم الى مادة فيلمية كاملة يقوم بتوزيعها.

كان انور وجدي فنانا موهوبا، ذو نظرة أرحب لصناعة الفيلم، ولايتردد في حشد كافة الأمكانيات لكي يقدم فيلما ناجحا. قدم (الطفلة فيروز) وكان عمرها تسع سنوات كبطلة رئيسية في فيلم (ياسمين)

وهي مغامرة لايقدم عليها سوى فنان حقيقي يمتلك أدواته، ويدفع في خطوة (مبتكره) لصناعة الفيلم العربي، وبالطبع كان لها مشابه في السينما الأمريكية (هوليوود) الطفلة (شيرلي تمبل)، ثم قدم لها ايضأ فيلم (فيروز هانم) وفيلم (دهب) وكانت خطوات جريئة في السينما العربية، لم تتكرر من بعده.

 حشد في فيلم (غزل البنات) مجموعة ضخمة من الأسماء اللأمعة (ليلى مراد والريحاني ويوسف وهبي ومحمد عبدالوهاب وأنور وجدي ومحمود المليجي وفريد شوقي وسليمان نجيب وغيرهم) وكانت سابقة في تاريخ السينما لازالت حتى هذه اللحظة مثار تعليق واعجاب. (يقول

أنور وجدي مع اكتشافه
 الطفلة المعجزة فيروز

عادل امام:ماهذا المخرج والمنتج العبقري الذي يقوم بتشكيل هذا الحشد تحت قيادته، انها عبقرية لاشك).

يلاحظ ايضا رغم انه ليس مطربا أو ملحنا، الا أن أجمل الأفلام الغنائية والأستعراضية كانت من انتاجه وبالطبع كانت ليلى مراد هي سلاحه في ذلك الميدان التي يصفها موسيقار الأجيال(محمد عبدالوهاب)

بكونها صاحبة (أجمل وأرق وأعذب صوت عرفته السينما المصريه). لكن ذلك لايقلل من فراسة وفن أنور وجدي، فالجوهرة الثمينة لايدرك مدى قيمتها الا الصائغ الماهر.

كما يذكرأن انور وجدي هوالفنان الوحيد الذي قام بأدوار البطولة أمام هذا العدد من المطربات (رجاء عبده في فيلمي رجاء ليلة حظ، وليلى مراد عدة افلام، وأم كلثوم في فيلم فاطمة، وصباح في أفلام القلب له واحد وسر أبي وخطف مراتي، ونور الهدى في فيلم شباك حبيبي، وشادية في فيلم قطر الندى وأسمهان في فيلمي انتصار الشباب وغرام وانتقام).

ماذا قال النقاد عن أنور وجدي ؟

رغم نجاح أنور وجدي، ودوره البارز على الساحة الفنية، الا أنه لم يحظ بالقدر الكافي من الأهتمام أو التكريم لتاريخه الفني أو عطاءه الثري، وانما قيل أنه لم يقدم سوى صنفا من سينما الترفيه أو التسلية، وان موضوعاته حتى وان لمست جانبا اصلاحيا أو اجتماعيا فانه كان في أضيق الحدود، مثل فيلم (أربع بنات وظابط) الذي قدمه مع النجمة (نعيمة عاكف) وحاول ان يقدم من خلاله مشكلة الطفولة المشردة، وفتيات الأصلاحيات، ووضع مناهج لرعايتهم.

ولكن تلك نظرة لاتخلو من الأجحاف، فقد قدم انور وجدي العديد من الأفلام التي ترتكز على قاعدة اجتماعية، ولكن ليس من خلال النمط الدرامي الزاعق في الحزن والأسى، ومنها تلك القضية التي تمت الأشارة اليها، فضلا عن قضايا اخرى تم تناولها بنفس الأسلوب الذي يعتمد على البسمة من خلال الطرح أو التقديم.

مثلا في فيلم (دهب) الذي قدمه مع الفنانة (ماجدة) والطفلة فيروز، قدم معالجة لفكرة الأب ودوره، وهل هو فقط الذي أنجب، أم هو الذي رعى وربى كما جاء في تفاصيل قصة الفيلم.

في فيلم (طلاق سعاد هانم) تعرض لقضية الطلاق لثالث مرة، وقضية المحلل ومدى حرمتها، وقدم في فيلم (شباك حبيبي) مع نور الهدى مشكلة الطفل غير الشرعي، ومايترتب عليها، ثم في فيلم (غزل البنات) وهو درة أفلامه، نشاهد الفيلم وننتشي بكم الطرب في فن الغناء والموسيقى لليلى مراد والفنان الخالد محمد عبدالوهاب، ثم نبتهج مع سخرية وطرائف نجيب الريحاني وسليمان نجيب، وكلها تدور على فكرة(الحب) وضرورة أن يتكافأ مع تقارب العمر، وتناسب المستوى الأجتماعي، ونرى ذلك في التلخيص على لسان يوسف وهبي وهو يكشفه لنجيب الريحاني، في حوارهما في حضور ليلى مراد قائلا (قدامك المدموازيل الحلوة دي.. لاسنك من سنها ولا وسطك من وسطها ولايوجد اي تقارب بينكم)، ثم يصوغه لحنا وغناء عبد الوهاب في (عاشق الروح) في تلك الأبيات (لقيتك في السما عالي وانا في الأرض مش طايلك.. حضنت الشكوى في قلبي وفطمت الروح على أملك، أو حب الروح مالوش آخر لكن حب الجسد فاني) وتتساقط دموع الريحاتي، وتنفطرمعها قلوب المشاهدين، لكن الفيلم يمضي يحمل المتعة المتجددة دائما في كل عروضه حتى الآن رغم مرور سبعون عاما على انتاجه. مع ذلك نجد ان هذا التجني مازال، يتواصل حين نقرأ تلك السطور للناقد الراحل محمد عبد الفتاح (لم يهدف أنور وجدي من أي فيلم الى التعبير عن رؤية أو أفكار، وانما ظل هدفه تقديم المتعة والتسلية أمام الشاشة الساحرة، وحصل في المقابل على نجومية حرص على أن تزداد له بريقا باستمرار. ثم يستدرك في القول : الحق انه لم يدخر جهدا في تقديم سينما جيدة الصنع بمقدار ما تتيح الموهبة والطاقة، لذلك حرص ايضا على اثراءعناصرها وتجديدها بدأب مع الحفاظ على سماتها العامة.

ماذا قال عنه الفنانون

قال عنه الفنان الكبير الراحل فريد شوقي (كان انور وجدي شخصية مبهرة، وكان بريقه أخاذا وملفتا ثم يستطرد في القول : كان يابخت الذي يسأل عنه أنور وجدي، وياسعده وهناه.، قابلت في بداياتي ذات مرة المخرج حسن الصيفي وكان يعمل وقتها مساعد مخرج لأنور وجدي، وقال لي الأستاذ أنور بيسأل عليك، وذهبت من فوري له، وسألني انت بتاخد كام في ادوارك، قلت له آخر أجر 150 جنيه، قال لي 50 جنيه فقط، وكفاية انك حتشتغل مع أنوروجدي وليلى مراد، وعملت معاه دور صغير في فيلم قلبي دليلي، وأثناء التصوير قاللي حعمل معاك ثلاثة عقود، واشتغلت معاه، بعد أن رفع أجري، وكان يتابعني بعد ذلك. كان مبهجا ويتحرك، ولايهدأ باحثا عن ألأفضل.

قال عنه الفنان نور الشريف : انور وجدي فنان عظيم، وهو أحد أعمدة السينما المصرية، وله أسلوب في الأخراج يعتمد على البهجة في الطرح حتى وان كان يعالج مأساة اجتماعية

قال عنه الفنان صلاح السعدني، لاشك انه فنان عظيم، وسمته الرئيسية أنه متأثر بالسينما ألأمريكية الى حد بعيد، وعلى أي حال كانت السينما الأمريكية هي السينما المطروحة في ذلك الزمان.

قالت عنه ليلى مراد : فنان عبقري أتصور انه لو طال به العمر كان سيصنع فيلما عن القمر

قال عنه يوسف وهبي : أنه أنجب تلاميذي.

حياته الأجتماعيه

تزوج أنور وجدي ثلاث مرات، كانت الزوجة الأولى الهام حسين، وقد ظهرت مع محمد عبدالوهاب في فيلم (يوم سعيد) وفيلم (رصاصة في القلب) وكانت بطلة لفيلم (غني حرب) مع بشارة واكيم والوجه الجديد في حينها (كمال الشناوي) واستمر زواجهما عدة شهور، وكنت الزوجة الثانية ليلى مراد واستمر زواجهما سيع سنوات. كانت الزوجة الثالثة ليلى فوزي واستمر زواجهما ستة شهور حيث توفى بمرض الكلى في استكهولم، وقد ذهب الى هناك للعلاج، ولكن تعثرت حالته، ورحل.

ماذا بقي منه.. ؟

رحل انوروجدي عام 1954 أي أكثر من نصف قرن، ولكن مازال تراثه الفني يغمر الشاشات سواء عبر القنوات الفضائية أو عبر دور السينما، مازالت افلامه تحمل كل نسمات الزمن الجميل، وتعد أفلام الأسود والأبيض هي الحاضنة لتلك الفترة من الزمن، فقد كانت سينما عفيفة في المشهد وفي اللفظ، كما كان ابطالها من ذوي المواهب الصارخة التي فرضت نفسها بالموهبة الحقيقية، وبالمعاناة الشديدة، وكذلك بالأصرار العنيد، ومازالت افلام ليلى مراد وأنور وجدي تحتل مكانتها الرفيعة في مشاعر المشاهدين.

بقي من انور وجدي تلك النفحات التي قدمها عبر رحلته الفنية، فقد انتج أكثر من عشرين فيلما، وتعامل مع مجموعة من أهم المخرجين في السينما المصرية منهم صلاح ابو سيف وبركات وأحمد بدرخان ومحمد كريم، واشترك في ستة أفلام تعد من أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية وهي أفلام العزيمة عام1932، غرام وانتقام 1944، وغزل البنات 1949، وأمير الأنتقام 1950، وريا وسكينة 1953، والوحش عام 1954.

رحل أنور وجدي، ولكن تراثه بقى يشع مهارة في الفن، ومتعة في المشاهدة.

 

العدد 93 – حزيران 2019