مستقبلات العلاقة العربية الأوروبية

ا.د. مازن الرمضاني*

تعد علاقات العرب مع سواهم احدى القضايا الفكرية والسياسية التي أولاها العقل العربي بصيغة أو اخرى اهمية مستمرة. على أن مخرجات هذا الأهتمام، وأن ساعدت ضمنا في الأقل على رفد عملية بناء العلاقات العربية- الدولية بما يدعمها إلا ان هذا لا يلغي استمرار الحاجة إلى قراءات معمقة مضافة لماضي وحاضر علاقتنا مع سوانا ولاسيما مع اولئك الذين لا نستطيع التغافل عنهم سبيلا علميا لإستشراف مشاهد مستقبلاتها ومن ثم التعامل معهم على وفق المشهد الذي يخدم المصالح العربية اكثر من سواه.

ففي عالم لا مكان فيه للضعفاء والجهلاء هو عالم القرن الحادي والعشرين تقترن أمكانية كل دولة على إنجاز وظائفها الأساسية ومن بينها تأمين مستقبل آمن ومرفه لمواطنيها تقترن بمدى قدرتها على إدراك أهداف حركة غيرها إدراكا موضوعيا خصوصا أن حصيلة هذا الإدراك تفضي عادة إلى بلورة افعال مدركة لأهدافها وواعية لفاعلية ادواتها وبالتالي قادرة على التاثير.

ومن السذاجة حقا أن يرى البعض أن ثمة دول في عالم الجنوب لا تستطيع اختيار المستقبل الذي تريده. ولنتذكر هنا أن المستقبل كان على الدوام صناعة بشرية تستند إلى الرؤية الدقيقة والإرادة الخلاقة. وتؤكد التجربة ما تقدم. فكثيرة هي الدول في الماضي والحاضر التي استطاعت النهوض الحضاري من واقع متخلف رائ كثيرون أنها لا تستطيع التخلص من معطياته إلى آخر مختلف تماما. ومثال ذلك تجارب ماليزيا وسنغافورة وراوندا.

وانطلاقا من أن وعينا بذاتنا يتطلب منا أيضا معرفتنا الموضوعية بغيرنا : اصدقاء أو اعداء سنعمد في مقالتين متتابعتين إلى تناول ماضي وحاضر علاقتنا بأوروبا مممثلة بدولها الرئيسية في اتحادها الأوروبي سبيلا لإستشراف مشاهد مستقبلاتها. لذا نتسائل: كيف كانت العلاقة العربية-الأوروبية؟ وما هي متغيرات الالتقاء والتنافر العربي-الأوروبي التي تتميز بها هذه العلاقة في الحاضر؟ وما هي مشاهد مستقبلاتها ؟

  1. العلاقة العربية-الأوروبية: ماضي الحاضر

تمتد جذور هذه العلاقة إلى اعماق التاريخ الإنساني المدرك. فالغرب الأوروبي ولد من الشرق العربي مدنيا ودينيا الأمرالذي أدى عبر الزمان إلى تفاعلات بين الطرفين اقترن بعضها بالتعاون وبعضها الآخر بالصراع.

لقد تأسست قديما علاقات التعاون جراء دور الحضارات العراقية والمصرية القديمة في إنماء الحضارة الاغريقية والرومانية التي أسست لاحقا للحضارة الغربية وتفرعاتها. أما علاقات الصراع فلقد أقترنت بنزوع الغرب إلى السيطرة على العرب. ومن هنا كانت مثلا الحروب الصليبية وإخراج العرب من الاندلس والتنافس بين القوى الأوروبية والإستعمار المباشر وغيرالمباشر. وتبعا لذلك كان العرب عمليا أكثر تاثرا بسياسات القوى الأوروبية الكبرى ولاسيما المملكة المتحدة وفرنسا وايطاليا.

بيد أن علاقة الإنسياق العربي وراء أوروبا أخذت بالتراجع بعد عام 1945 إلى مستويات ادنى جراء تاثير الواقع الأوروبي أنذاك. فأوروبا وأن خرجت من الحرب العالمية الثانية منتصرة رسميا بيد أن هذا الانتصار كان مهلهلا عمليا. فالدول الأوروبية كانت بعد هذه الحرب منهكة اقتصاديا وتابعة عسكريا ومسلوبة الإرادة سياسيا. وجراء ذلك عمدت إلى إناطة ضمان مصالحها بالولايات المتحدة الأمريكية. ومما ساعد على ذلك ديمومة توظيف الولايات المتحدة الأمريكية لما سمي في وقته بالتهديد السوفيتي مدخلا لتأمين التبعية الأمنية والسياسية الأوروبية اليها. وقد كان هذا التوظيف ناجحا.

وجراء المخرجات العملية للحرب العالمية الثانية ذهبت الدول الأوروبية إلى تبني سياسة الإحجام عن الإنغماس في التفاعلات السياسية الدولية الإ بالحدود الدنيا. وقد أنسحب الشىء ذاته على تفاعلاتها مع الوطن العربي حتى حرب تشرين الأول عام 1973 والحظر النفطي العربي الذي تبعها.

إن هذه الحرب عُدت نقطة تحول مهمة في السلوك السياسي الأوروبي حيال العرب. فمخرجات الحظر النفطي العربي أفرزت إدراكا أوروبيا قوامه جدوى رعاية المصالح الأوروبية بجهد مستقل عن الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا وأن ثمة مؤشرات أكدت للأوروبين أن الولايات المتحدة الأمريكية تولي رعاية مصالحها أولوية على المصالح الأوروبية.

إن هذا الإدراك الذي تجسد عمليا عام 1973 في دعوة القمة الأوروبية للعرب إلى البدء بالحوار تفاعل مع إستجابة عربية إيجابية أدت لاحقا إلى البدء بالحوار العربي ـ الأوروبي وعلى وفق صيغة مؤسسية قوامها التمثيل المؤحد لكلا الطرفين: العرب عبر جامعة الدول العربية والأوروبيون عبر السوق الأوروبية المشتركة كما كانت تسمى في وقته قبل الأخذ بتسمية الإتحاد الأوروبي.

إن هذا الحوار الذي دفع إليه أصلا التطلع الأوروبي إلى حماية المصالح المنشودة مع العرب متفاعلا مع نزوع عربي نحو الإستفادة من الإمكانيات الأوروبية تعثر لاحقا جراء تباين الرؤى الأوروبية والعربية. فبينما اراد به الأوروبيون أن لا يخرج عن الإطار الوظيفي (غير السياسي) راح العرب إلى العكس. إذ طالبوا أن يكون سياسيا. وعلى الرغم من أقتراب اعلان البندقية عام 1980، من المطالب العربية إلا أنه لم يستطع إنقاذ الحوار العربي- الأوروبي من الفشل اللاحق. ومما ساعد على ذلك تاثير مجموعة من المتغيرات المؤثرة سلبا في العلاقات العربية- الأوروبية هي متغيرات التنافر التي سنتطرق إليها لاحقا في ادناه.

وجراء عدم استعداد الدول الأوروبية اللاحق التعامل مع العرب كمجموعة سياسية موحدة عبر جامعة الدول العربية فإنهم ذهبوا إلى تبني سلوك سياسي تعود جذوره إلى أواخر الستينيات من القرن الماضي قوامه بناء علاقات تعاون مع دول عربية تقع في جنوب وشرق البحر المتوسط على أساس اقليمي/ ثنائي وإلى الشىء ذاته مع ثمة دول عربية في الخليج العربي. وقد انطلقت عملية البناء هذه أما من اعتبارات اقتصادية واستراتيجية كما هو الحال مع دول الخليج العربي وبتوافق مع الاستراتيجية الأمريكية أو من اعتبارات أمنية وأقتصادية وثقافية كما هو الحال مع دول المغرب العربي وبعدم توافق مع هذه الاستراتيجية.

وبهذا التعامل اريد أوروبيا تحقيق غاية مركبة: اولهما تأمين تبعية دول البحر المتوسط بمسميات براقة ومضامين جذابة. وثانيهما توظيف مخرجات هذه التبعية سبيلا لدعم التوجه الأوروبي عموما والفرنسي خصوصا نحو الحد من التاثير الألماني المتزايد في أوروبا فضلا عن اداء دور دولي اكثر فاعلية في السياسة الدولية.

 إن تطور العلاقات العربية- الأوروبية يفيد بمجموعتين متضادتين من المتغيرات: متغيرات الإلتقاء ومتغيرات التنافر.

  1. حاضرالعلاقة العربية-الأوروبية: متغيرات الالتقاء والتنافر

تقترن العلاقات بين الدول سواء كانت ثنائية أو متعددة الأطراف بثمة متغيرات تدفع طرفيها أو أطرافها إلى الالتقاء خدمة لمصالح مشتركة متوخاة وكذلك بثمة متغيرات تعطل من عملية إرتقائها. وينسحب ما تقدم على موضوعنا.

  1.2متغيرات الإلتقاء

تتعدد متغيرات الإلتقاء في العلاقات العربية-الأوروبية وتتنوع. ولعل أبرزها الاتي:

1.1.2 ضمان الأمن

ينطوي الجوار الجغرافي على تاثير في سياسات كافة الدول المتجاورة. على أن نوعية هذا التاثير تتحدد سلبا أو ايجابا على وفق نوعية العلاقات السياسية المتبادلة. لذا يكون سالبا عندما تتميز هذه العلاقات بالصراع. والعكس يكون صحيحا عندما تقترن سمته بالتعاون. وينسحب ما تقدم على العلاقة بين العرب والأوروبيين خصوصا أن بينهم حلقة وصل جغرافية ثابتة لا تلغيها تقانة أدوات الإتصال والمواصلات المعاصرة.

 فمن خلال متاخمة حدود عشر دول عربية وتسع دول أوروبية يلتقي شمال هذا الجواربشرقه وجنوبه الأمر الذي يجعله جيوبولتيكيا منطقة تفاعلات سياسية واستراتيجية مهمة. لذا صار ضمان أمن وأستقرارالشمال أي الأمن الأوروبي مرتبطا بأمن وأستقرار جنوبه أي الأمن القومي العربي وبالعكس وقاسما مشتركا يجمع بين الطرفين.

وجراء هذا الترابط عٌد أي تهديد لأمن الدول الواقعة شمال أو شرق أوجنوب البحر المتوسط تهديدا للمصالح العربية والأوروبية معا. فإغلاق قناة السويس أو مضيق هرمز جراء هذا السبب أو ذاك تنسحب أثاره السلبية المتعددة على الطرفين. ولنتذكرمثلا تاثيرحرب تشرين عام 1967 على البحر المتوسط. فهذا البحر هو أقصر طرق العرب إلى أوروبا وكذلك هو أقرب طرق أوروبا إلى أسيا وشرق أفريقيا.

كما أن المشاكل التي تعاني منها دول في البحر المتوسط ومثالها الثلوث النووي والصراعات البرية والبحرية والعنف الداخلي وتفاقم الهجرة غير الشرعية عبر البحر إلى شماله وانتشار المخدرات والجريمة المنظمة والإرهاب…الخ أن هذه المشاكل تفيد بتهديدات تشمل كافة دول حوض البحر المتوسط خصوصا بعد أن أفضت خصائص عالم اليوم إلى إستحالة حصر أثارها مكانا فضلا عن تاكيد جدوى المعالجة الجماعية لمدخلاتها ومخرجاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وعليه تنطوي المقاربة الجماعية الواعية لكيفية تعزيز الأمن والإستقرار والسلام المتوازن والشامل على مصلحة مشتركة تؤسس فرصة مهمة للإرتقاء بالعلاقات العربية-الأوروبية إلى افاق ارحب وأوسع.

2.1.2 اشباع الحاجات الإقتصادية

يفيد الواقع الاقتصادي لكل من الوطن العربي وأوروبا أن حاجتهما المتبادلة تبقى ممتدة إلى زمان المستقبل البعيد. فأوروبا تعتمد في إشباع نسبة عالية من حاجتها للنفط على دول الخليج العربي المصدرة للنفط والغاز.لذا فأن تعثر تدفقه أوانقطاعه يذكر أوروبا بما حدث في عام 1973 عندما عمد العرب إلى الأخذ بسياسة الحظرالنفطي. ومن هنا يشكل تأمين الحاجة الأوروبية للنفط العربي أحد الأركان الأساسية للسياسة الأوروبية حيال العرب. ويكفي أن نتذكر أن أوروبا لم تقبل في عام 1973 بالحوار مع العرب وتعمد لاحقا إلى تطوير علاقاتها مع دول الخليج العربي الإ بسب النفط.

علما أن حاجة أوروبا للعرب لا تقتصر على تأمين مصادرالطاقة وموارد أولية أخرى وأنما تمتد كذلك إلى الأسواق العربية الواسعة، التي تعد من بين الاسواق العالمية المهمة للصادرات الأوروبية خصوصا وأنها تعاني من المنافسة الدولية لها هذا فضلا عن تامين استمرار الشراء العربي للسلاح الأوروبي واستثمار الاموال العربية في الدول الأوروبية. ومن هنا استمر ميزان التبادل التجاري العربي-الأوروبي للصالح الاوروبي.

وبالمقابل تدفع متغيرات الجوار الجغرافي والتاريخ والحاجة بالعرب إلى رؤية أوروبا كأحد المصادرالأساسية لإشباع حاجاتهم الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية،فضلا عن حصول بعضهم على  القروض المالية والمساعدات الانمائية.. ومما ساعد على ذلك تحولات السياسة الأوروبية حيال العرب، ولاسيما بعد عقد معاهدة ماسترخت عام 1992 التي أسست الاتحاد الأوروبي. فأوروبا ادركت بعد تردد جدوى توظيف الاقتصاد مدخلا لتوطيد العلاقة مع الدول العربية سواء بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية أو بمعزل عنها.

لذا يعد المتغير الاقتصادي باعتباره أحد أبرز المتغيرات المؤثرة في عموم التفاعلات الدولية مرتكزا داعما لعلاقة عربية-أوروبية لا تتأسس على منطق الهيمنه الجيواستراتيجية والجيوسياسية، وأنما على المصالح المشتركة.

2.2 متغيرات التنافر

تتفاعل المتغيرات التي تدفع بالعرب والأوروبين إلى الإلتقاء مع متغيرات كابحة لتطور العلاقات المتبادلة. وعندنا تتوزع هذه على مجموعتين مؤثرتين:

 1.2.2  المتغيرات المؤثرة في السياسات الأوروبية

الإتحاد الأوروبي أوبالاحرى أوروبا هومجموعة دول تجمعها مع بعض ثمة مصالح مشتركة: اقتصادية واستراتيجية وثقافية. وبالمقابل لا تلغي المصالح المشتركة تفاعلها مع أخرى متناقضة قد تبعد هذه الدول عن بعض، ومثالها: تجارب الماضي ومخرجات تباين التطور الحضاري بين دول الشمال الأوروبي ودول الجنوب الأوروبي ومخرجات صراع المصالح ومحدودية الانصهارفي سياسات خارجية وامنية واقتصادية هذا فضلا عن التناقض بين البحث عن الهوية المشتركة وبين الحرص على الهوية الوطنية. وجراء ما تقدم تتجاذب مستقبلات الاتحاد الأوروبي ثمه مشاهد تتراوح بين الاتجاه نحو ديمومة التماسك أوالاتجاه نحو التفكك أوالاتجاه نحو استمرارية معطيات الوضع الراهن. وقد سبق لنا تناول هذه المشاهد في مقالنا المنشور في العدد 104 من الحصاد.

وعلى الرغم من تحديات الواقع الأوروبي الإ أنها لم تحل دون ان تتحرك أوروبا عبر أتحادها على وفق معادلات قوامها تحقيق نوع من التوازن بين متطلبات المصالح الأوروبية وضرورات تأمينها. فاختلاف مصالح الدول الغربية في الوطن العربي مثلا لم يكن عائقا امام تبنيها لسياسات موحدة حياله. فالدول الأوروبية لم تتردد في احيان عن التنسيق بين سياساتها الخارجية خدمة لمصالحها المشتركة. ولنتذكر مثلا تجربة أنشاء وكالة الطاقة الدولية عام 1974. إذ بها اريد  التنسيق بين مصالح الدول الصناعية الغربية سبيلا لاحتواء احتمالات الحظر النفطي العربي عليها لاحقا. فضلا عن أتفاقها على التعامل مع العرب ككيانات منفردة ناهيك عن عزل الدول العربية المتوسطية عن الدول العربية غير المتوسطية، ومن ثم قصر الشراكة الأوروبية- العربية مع عدد محدود من الدول العربية المتوسطية.

بيد أن تبني أوروبا عبر الزمان لسياسات مشتركة حيال العرب لم يكن بمعزل عن ثمة متغيرات مؤثرة وداعمة لمثل هذا التبني. وعندنا تكمن أهمها في المتغيرات الأمريكية والإسرائيلية.

1.1.2.2 المتغير الأمريكي

لقد مرت العلاقة الأوروبية-الأمريكية بعد عام 1945 بمراحل متعددة عكست تاثير الواقع الأوروبي والدولي السائد في مضامين هذه العلاقة: فمن مرحلة الإنسياق المطلق وراء السياسة الخارجية الأمريكية حتى عقد الستينيات من القرن السابق إلى مرحلة التأزم النسبي في عقد السبعينيات من القرن ذاته، إلى مرحلة بدأت منذ نهاية الحرب الباردة ولازالت مستمرة حتى الان تجمع بين خصائص الانسياق والتأزم.

وتبعا لتحولات العلاقة الأوروبية-الأمريكية كانت العلاقة العربية-الأوروبية انعكاسا لمضامينها. فمثلا أفادت الدعوة الأوروبية عام 1974 للحوار مع العرب جراء الحظر النفطي العربي أن الدول الأوروبية المؤثرة لا تتردد عن الخروج من إطار تبعيتها للسياسة الخارجية الأمريكية عندما تستدعي مصالحها الحيوية ذلك. والشئ ذاته ينسحب على الموقف الفرنسي-الالماني المناهظ للحرب الأمريكية على العراق عام 2003. بيد ان التجربة افادت أيضا وبالمقابل أن نوعية التاثير الأمريكي في السياسات الأوروبية يستطيع الحد في احيان من قدرة هذه السياسات على المضي في نزوعها إلى إستقلاليتها.

ولنتذكر إن إدراك الولايات المتحدة الأمريكية لدالة الحوار العربي-الأوروبي بعد الحظر النفطي العربي عام 1974 وكأنه إنتهاكا للتضامن الأوروبي – الأمريكي افضى بها إلى محاولة إفشاله. ولم تستطع الدول الأوروبية المقاومة. فجراء نوعية التاثير الأمريكي رفضت الدول الأوروبية في وقته مطالب العرب بمقايضة السياسة بالاقتصاد. وقد تكرر هذا الواقع عبر الزمان.

إن نزوع الولايات المتحدة الأمريكية نحو التاثير في السياسة الأوروبية حيال العرب لا يقتصر على مجرد  التاثير في حصيلة العلاقات العربية- الأوروبية لصالحها وإنما يمتد ليشمل أيضا محاولتها الحد من امكانية توظيف أوروبا  لمخرجات علاقتها مع العرب لدعم بروزها عبر الأتحاد الأوروبي كقوة دولية منافسة لها في عالم يتجه إلى ان يكون متعدد الاقطاب.

  المتغير الإسرائيلي2.1.2.2

يمتد تاثير هذا المتغير إلى الدول الأوروبية منفردة وإلى الاتحاد الأوروبي مجتمعا:

فأما عن الدول الأوروبية منفردة فمن المعروف تأريخيا أن المملكة المتحدة وفرنسا والمانيا كانت في وقته من بين أبرز الدول الداعمة لإسرائيل عسكريا وسياسيا واقتصاديا/ماليا قبل تحول الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ولم يتغير الحال لاحقا جراء تقرب بعض الدول الأوروبية من العرب كفرنسا والمانيا مثلا من خلال تبنيها لثمة مواقف متوازنة حيال الصراع العربي- الصهيوني و/أو كيفية تسويته. فعلى الرغم من أن هذه المواقف  كانت تؤدي إلى نوع من التوتر في العلاقة الأوروبية- الإسرائيلية، الإ أنها لم تفضي إلى تدهورها. فالتقارب الأوروبي من العرب أستمر محددا بإطار ضمان الأمن الإسرائيلي. ويرد ذلك ألى تاثير جماعات الضغط الصهيونية المنتشرة في الدول الأوروبية فضلا عن التاثير الأمريكي في السياسة الأوروبية ناهيك عن اخفاق العرب في التاثير على أوروبا سياسيا.

وأما عن الأتحاد الأوروبي فلقد أدركت اسرائيل ومنذ بدء أوروبا مسيرتها التكاملية في عام 1957، جدوى الأستفادة من الأمكانات الأوروبية الواسعة لصالحها. لذا لم تتوان عبر الزمان عن بناء علاقة عميقة مع الاتحاد الأوروبي تتيح لها التمتع بمعاملة داعمة خاصة. وقد أمنت السياسة الأوروبية المسماة بالشراكة المتوسطية لها ذلك. إن توطيد التعاون بين الطرفين ساعدت عليه أيضا التحولات اللاحقة للعلاقة بين بعض الدول العربية واسرائيل كأتفاقات السلام والعلاقات غير المعلنة مثلا فضلا عن نوعية التقيم الأوروبي لنوعية رد الفعل العربي للافعال الأوروبية الداعمة لاسرائيل. فالأوروبيون يدركون في ضوء التجربة أنهم يستطيعون ضمان مصالحهم في الوطن العربي دون تقديم ما يستوي مع ذلك عمليا للعرب. ومما يساعد على ذلك تاثير الواقع الموضوعي العربي بإنكشافاته العديدة في أنماط الحركة العربية على الصعيد الدولي. وسنستكمل الحديث عن مستقبلات العلاقة العربية- الأوروبية في مقالنا للشهر القادم.

**استاذ العلوم السياسية/السياسة الدولية ودراسات المستقبلات

العدد 107/اب 2020