نداء الى الضمير العربي، افتحوا الأبواب لعودة سوريا الى الجامعة العربيه

بعد فتح الملفات الخليجيه والعراقيه والليبيه واليمنية ماذا ننتظر؟

حين تعود سوريا الى الجامعة العربية ندرك حينها أن الشمل العربي في سبيله لكي يلتئم،واننا بصدد تضميد جراحنا ولملمةشتاتنا،وعبورازماتنا،واصبحنا على بداية الطريق الصحيح لبناء الغد العربي بكثير من الأمل،بعد ان نزفنا الكثير من الدماء،وخسرنا الكثير من الثروات ومزقنا العديد من الأواصر.

اننا نطالع كل يوم الصحف ،ونتابع ألأنباء، سواء عبر شاشات التلفزيون ونشرات الاخبار الرسمية أو عبر القنوات الفضائيه لاسيما الأخبارية منها،ونلهث وراء طوفان التصريحات،وسرعة جريانها ،وهي تعلن انباء الأنفراجات،ان لم تكن المصالحات العربيه والاقليمية  ساعة بعد أخرى،في هذه الأزمة أو تلك في دولة محددة أو في غيرها ،وأن الأجواء كلها ،قد انفرجت ،بعد ان تلاقت الأرادات الوطنية  في المباحثات الرسمية ،وبرعاية أمميه أو دولية،حول مفاوضات كم تعثرت ،وفشلت و قدر لها في النهاية أن تعلن التوافق المرتقب،وأن توضع كلمة النهاية لكل تلك الخلافات. لاشك انها اخبار تسعد الجماهير العربيه حين تسمعها،بعد ان قام الربيع العربي بواجباته في بث الفرقة والأنقسام،وسقطت بفضله ملايين الرؤوس مضرجة في دمائها ،واشتعلت اّلاف الحرائق  وسفكت الشعوب من دمائها انهارا تروي الأرض المقدسة،بعد ان وقعت الحروب الأهلية،وامتطي الأرهاب أكثر من جواد تارة باسم الأصلاح ،واخرى باسم الدين ، وثالثة باسم حتمية التغيير،وتبارت الاقلام المأجورة،والتهبت الحناجر الموتورة،بعد أن غابت عنها قضية الوطن . نطالع ،ونقرأ ،ونسمع ،ونشاهد تلك التطورات نحو تلك التفاهمات ،والرغبه في التطلع الى غد جديد مشرق بالأمل في أكثر من دولة عربيه.نتذكر الخلاف الذي وقع بين قطروالحلف العربي الرباعي المشكل من دول الخليج الثلاث السعودية والامارات والبحرين ومعهم مصر وقد استمر الخلاف لأكثر من ثلاث سنوات،كانت الحملات الاعلامية على اوجها ،فضلا عن الاجراءات التي اتخذت في الطيران والسفرفضلا عن القطيعه السياسية والاقتصادية ،ثم تمت المصالحة من خلال مؤتمر دون شروط مسبقة ،وترك كل ذلك لاحقا من خلال محادثات مباشرة مع كل دولة .نتذكر ماجرى في ليبيا والأنقسام الحاد بين الحكام في طرابلس ،والحاكمين ايضا في بنغازي ،ودخول حفتر مع حرب معلنه ضد الحكومة في العاصمة ،ومعها الميليشات التي كانت تستوطن طرابلس ،والأستعانه بمتطرفين اجانب جرى توصيفهم بأكثر من لون ،وبجنسيات مختلفة ،والآن تدخل ليبيا في مرحلة وفاق وطني ،وتطوى صفحة مؤلمة من التاريخ أعقبت ،ما يسمى بالربيع العربي . في اليمن قال مبعوث الامم المتحدة الخاص مارتن غريفيث ان لديه اقتراح سليم يطرح على الطاولة لانهاء الحرب، وانه يفترض وقف اطلاق النار على الصعيد الوطني ويتضمن اجراءات لتسهيل حركة السلع الانسانية وزيادة النشاط الاقتصادي يتبعها انتقال الى محادثات سياسية شاملة بمشاركة هادفة من النساء والمجتمع المدني والفئات المهمشة. انه اقتراح يبدو ان جميع الاطراف تؤيده من الناحية النظرية ونحن نعمل الان على تحويله الى حقيقة ، ثم اضاف يجب ان نكون واقعيين في هذا الامر فنحن نواجه تحديات كبيرة على طريق السلام ومع ذلك اصر على ان لدينا الزخم نحو انهاء الصراع ونعمل بجد للحفاظ على هذا التقدم والبناء عليه . العلاقه بين مصر وتركيا مرت بفترات صعبه ،ثم يقوم وفد دبلوماسي من تركيا بزيارة القاهرة لعودة السفراء وبداية صفحة جديدة . الخلاصة ان حقبة مؤلمة من تاريخ الامة العربيه ومن تاريخ المنطقة عموما مرت بنا ولم تنقض بعد ،وان كانت بشائر حقبة مختلفة تبدو في الافق القريب ، لكن هناك طرف مازال يئن تحت الحراب ،ومازلنا في غفلة من الآمه ،رغم دوره الكبير تاريخيا ،ومكانته الكبيره ومدى تأثيره الذي لايمكن انكاره . انه البطل القومي العربي الجسور ( الشعب السوري).

 سوريا ..لمذا؟

 دولة واحدة،لا نسمع عنها سوى بالصوت الخافت عبر محادثات أومفاوضات بين اقطار اقليمية ودوليه ،وشخصيات قيل انها من قوى المعارضة السوريه ،تتبدل اسماؤها،وتتغير ملامحها ،,ولانسمع رأيا يمكننا ان نتوقف عنده  ،كأن المصالحة قد خاصمتها ،أو أن المفاوضات الناجحة بالرعاية الأممية ( نسبة للأمم المتحدة ) لم تتعرف عليها ،أو الرعاية الخاصة من دولة مهمومة بالسلام العالمي، لم تسمع بالمأساة على ارضها  ،أوغير ذلك من المصطلحات التي تنتشر وتتداول وتشير في النهاية الى قرب نهاية الصراع بين القوى المتناحرة المدججة بالسلاح على  الأرض .   نتساءل في براءة هل يمكن للمعارضه من الخارج ان تحدث اثرا أي أثر  ،فضلا عن حجمه او قوة منطقه او منهجه ؟؟هل يمكن لتلك المعارضه التي تعيش في اكثر من كنف ،وتحيا تحت اجنحة اكثر من راع ،ان يكون لها صوت

الرئيس بشار الاسد والرئيس الروسي بوتين

مستقل ،او ان تطمع في ان يكون لها في داخل بلدها جمهور او انصارأو حتى ناخبين ان دعت الظروف او حكمت الاقدار،ام ان الاحزاب تبني في الداخل،وتنمو على الأرض، وتكتسب الثقة من خلال المعايشة، في السراء والضراء.ان  المعارضة الحقيقيه  لاتزرع في الخارج ،ثم يجري تعليبها داخل صناديق من الاخشاب لكي يعاد زرعها في الداخل. الغريب الآخر في الأمر ان ( سوريا) هي الدولة الوحيدة المستثناه في  كل ما هو متداول،وتحوطها المخططات من كل جانب ،وتتعدد على ارضها الطاهرة العديد من القوات ،مع اختلاف الجنسيات والأيدولوجيات ،بتنظيماتها المتطرفه والارهابية التي تدمر الاخضر واليابس، تبعا للأهداف والمصالح . سوريا تحديدا وتاريخيا لها دائما اسهامها الوطني والقومي على كل صعيد ،وكان لجنودها دور في حرب فلسطين ،وكان لجيشها ايضا بذل وعطاء في حرب عام 1973 ،وكان لشعبها دائما وعلى مر التاريخ دور وعقيدة واسهام في اي جهاد وطني على الأرض العربيه .كان الدم السوري الذي سفك على ارض فلسطين في ثورة التحرير عام 1936 ،دم عز الدين القسام ، وكان الدم السوري الذي ارتوت به بور سعيد المصرية ،دم الملازم أول ( جول جمال) الذي استشهد في حرب عام 1956 حين نسف احدى البوارج الفرنسية الغازية لميناء بور سعيد ،وكان الأقتصاد السوري الذي دفع الثمن حين اقدم الجنود السوريون على نسف انابيب النفط العراقي التي تمر عبر الاراضي السورية حتى تصل الى بريطانيا وفرنسا ، وحالت سوريا دون وصول البترول العراقي إلى هاتين الدولتين المعتديتين. وقد اتهمت الأوساط البريطانية يومذاك الجيش السوري كله بأنه هو الذي قام بعملية التخريب والواقع أن ثورة الجيش السوري من جراء ذلك العدوان الغاشم .كانت شديدة إلى درجة أن كل مواطن كان على استعداد أن يقوم بهذا العمل بنفسه،وحتى الحكومة السورية كانت على استعداد لتحمل الخسائر الكبيرة التي ستلحق بها من جراء تدمير أنابيب البترول .دعنا نطل على ما تكبدته سوريا من خسائر حين أوقفت مرور النفط من أراضيها ؟ لقد كانت سوريا تحصل على 64 مليون ليرة سورية في العام أي 175 ألف ليرة في اليوم ، لمرور النفط في أراضيها، لكن سوريا لم تحفل بهذا العائد الكبير،وجعلت المصلحة القومية فوق جميع المكاسب والاعتبارات .عزمت سوريا بقناعة قومية على التخلي عن هذاالعائد . مادام المستعمرون والصهاينه يحتلون شبراً من أرض مصر . وإذ ذكرنا أن توقف البترول قد استمر 129 يوماً من 3 نوفمبر 1956 إلى 12 مارس 1957 علمنا أن هذا العائد الذي خسرته سوريا خلال هذه الفترة بلغ 22 مليون و 750 ألف ليرة سوريه،وقد حاولت مصر بعد دحر العدوان ان تقوم بتعويض سوريا عن خسارتها ،لكن سوريا رفضت التعويض بعزة وكرامة باعتبار ان تلك الخسارة ضريبة قومية تدفعها عن قناعة وطيب خاطر. نتذكر ايضا انه في اثناء تلك الحرب عام 1956 على مصر ان قام الطيران الاسرائيلي بقصف شبكات الارسال المصريه في منطقة ابو زعبل ،مما كان له تأثيره على الاذاعة المصريه من انخفاض الصوت ،وكان البديل السريع الاذاعة السورية ،ونتذكر صوت المذيع السوري وهو يقول ( هنا دمشق ،ثم يعود فيقول بصوت جهوري زاعق : لا ..هنا القاهرة ..هنا الأسكندرية ..هنا بورسعيد ..هنا السويس ..هنا كل مدينه وقرية على ارض الكنانه ..نقول للمعتدين لن تتمكنوا من مصر ،ونحن مازلنا على قيد الحياة .. نقسم على ذلك ..نقسم على ذلك . كانت سوريا كذلك هي التي اقدمت بمحض اختيارها،وعبر استفتاء شعبي حر اسفر عن تأييد كاسح للوحدة الأندماجية مع مصر، ورضيت سوريا بأن يتولى رئاستها قائد لايحمل الجنسية السوريه ،ولكنه مصري الجنسية عربي الهوية،وأن تصبح اقليما في دولة ،بعد ان كانت هي دوله ،,كذلك فعلت مصر ،وتشكلت (الجمهورية العربية المتحدة) تضم اقليمين كانا دولتين فأصبحا دولة واحدة،وارتفع علم الوحدة يضم نجمتين ،لكي يرفرف في كل من سماء دمشق والقاهرة.

سوريا .. ضمير الأمة ونبضها

انها سوريا التي لم يذعن شعبها لضربة ألأنفصال ،وقام ليتصدى للهجمة الانفصالية في الشوارع وبلا سلاح،وهنا يقول الكاتب الراحل الكبير ( احمد بهاء الدين ) ان هناك كتابا يبحث عن مؤلف وهو ( كيف قاوم الشعب السوري الأنفصال ؟) ،بل وباعتراف المقدم ( عبدالكريم النحلاوي ) قائد الحركة الانفصالية في حواره مع المذيع احمد منصور في قناة الجزيرة ،انه بالفعل حدثت مقاومة لحركته بما وصفهم ب( المخدوعين) اللذين جابوا الشوارع ، ومما يكذب وصفه انهم مخدوعون ،انه بعد ان قامت ثورة ( 8 اّذار) عام 1963 كان اول بيان لها موجه الى الامين العام للجامعة العربيه بالغاء الشكوى المقدمة من حكومة الانفصال ضد الجمهورية العربيه المتحده بأنها كانت تتدخل في الشأن السوري بعد الانفصال ،وتصف الشكوى بأنها كيدية ،وان اجتماعات الجامعة العربيه في ( شتورا ) اللبنانيه لبحث تلك الشكوى ينبغي ان تشهد في ختامها تأكيد سوريا بالنقدير البالغ لموقف الجمهورية  العربيه المتحده وثباتها امام ما وجه اليها من اتهامات لا اساس لها من الصحة ،والأكثر من ذلك ان الثورة قالت انها في سبيل العمل على اعادة الوحدة ،ولكن بشكل مدروس ، واندلعت المظاهرات في سوريا منادية ( نريد وحدة ملموسة لا وحدة مدروسة ). هذه هي سوريا نبض متحرك بالعروبه ،وضمير يقظ من اجل العروبه

لماذا التركيز على سوريا ؟

لاشك ان التركيز على سوريا، يستهدف دورها العروبي ، ويدخل ضمن استمرار الحملات على الشعله القوميه في المنطقة ،فالحرب والاقتتال على سوريا هو امتداد للعدوان على مصر عام 1967 ،وهو اقتلاع النفس العروبي هل نلاجظ ان سوريا عبر كل تلك السنوات التي اعقبت جريمة الانفصال عام 1961 لم يقدم اي نظام تولى الحكم فيها على تغيير العلم السوري ذو النجمتين وهو علم الوحدة ( علم الجمهورية العربية المتحده ) ومازال هذا العلم يرفرف في سماء دمشق حتى الآن ،في حين ان قوى المعارضه الحاليه ترفع العلم السوري فيما قبل عام 1958 ،وهو عام الوحدة . اي ان المطلوب الآن الذي تطرحه  قوى المعارضة هو اعادة تركيب ( سوريا)  من جديد بحيث تتلائم مع نهج اّخريتناسب مع تطلعات قوى صهيونية واستعمارية. سوريا ايضا رفضت معاهدة ( كامب ديفيد) ،كما رفضت التوقيع عبر اطروحات عديدة خلال عقود مضت على شروط تمس سيادتها على كامل أرضها ،رغم تعدد المفاوضات او الاجتهادات التي طرحت منذ مؤتمر مدريد الذي اعقب حرب الخليج ،وعقد تحت رعاية الولايات المتحدة الامريكيه والاتحاد السوفييتي قبل انهياره . تعددت اطروحات اسحاق شامير واسحاق رابين وشيمون بيريز ونتنياهو ، وكان هناك لقاء بين حافظ الاسد وبيل كلينتون في جنيف في 27 مارس عام 2000. كانت الفجوة كبيره في الرؤى ،وقضية السلام التي لابد وان تستند الى حرمة الأرض وحدودها . التركيز على سوريا ،هو الاستمرار في الضغط على الارادة الوطنيه خصوصا وقد تدخلت في العدوان ايضا مطامح اقليميه في التوسع ،وطائفيه في التقسيم ،ومتطرفه في العقيده الى حد التخريب ،بالأضافة الى الرؤى  الكلية للحركة الصهيونيه والاستعماريه .لقد اتسعت رقعة الحرب ،وتعدد الرعاة لأستمرار اشتعالها ،ولكن سوريا مازالت تقاوم كقلعة صامدة راسخة تستند الى ارادة الشعب وتضحياته المتتالية . سوريا جبهة شعبية متراصة تتحدى من يتلون في غش وتدليس تراتيل حقوق الانسان في كذب وتضليل لاحدود له ،وترفع راية الحرية للشعوب ،وتقدم المثل الواضح لمعنى الارادة الحرة ،حتى وان كانت ضريبتها هي الدم . سوريا التاريخ والحاضر نموذج واضح لسمو وترفع الارادة الوطنيه ،ودرس في معنى المقاومه ضد القهر والتسلط والارغام ،سوريا كانت وستظل ضميرا للأمة العربيه ،وقلعة وفاء وفداء لها .

أمين الغفاري

العدد 117 / حزيران2021