أربيل بين التحفّظ والانفتاح والاختلاف

من أربيل – رنا خير الدين

تميل طبيعتها إلى الصلابة والأصالة، تفوح من شوارعها روحية التأريخ وتفاصيل الجذور، مناخها انتقالي بين مناخ البحر المتوسط والمناخ الصحراوي، هي عاصمة إقليم كردستان أربيل أو “هولير” بالكردية، التي تزورها النجوم يومياً وتحيطها الغيوم.

زيارتي المؤقتة إلى أربيل كانت كافية للتعرف على أهلها وسكّانها بعاداتهم وتقاليدهم، مأكلهم ولباسهم، فهم شعب يعيش تطوراً نسبياً بين الحياة اليومية والمعتقدات التاريخية، بشكل معتدل غير اعتيادي، فهم رغم الميل الشديد إلى التمدّن في العمارة إلا أنهم ما زالوا يحافظون على صورة الكردي الأصيل في المناسبات والاحتفالات.

هذه المدينة يعمّها السكون وتضجّ بالمشاريع والعمل، فسكانها يكدّون من أجل حياة كريمة وجيدة، مقاطعة بحدّ ذاتها لا تحتاج الكثير من التعمّق حتى تفهم طبيعتها المتأصلة من الحداثة والشعبية في آنٍ معاً.

جذبتني خصوصيتها في شتى المعالم رغم أن شعبها مضياف غير أنها متحفّظة لفرادتها وأصولها، وهي تغرّ كلّ من يزورها حتى يعرفها عن كثب. حالتها الطبيعية هي أشبه بروبوت متحرك يسعى نحو الانفتاح والتطور على نحوٍ ملحوظ يكفل حماية العقلية الايديولوجية لشعبها، مع الوضع في الحسبان أن أساس التطور هو العمل الدؤوب المتواصل للوصول إلى الهدف… ونظراً لهذا التطور خصوصاً العمراني نالت لقب عاصمة السياحة العربية لعام 2014 على مستوى البلدان العربية.

لمحة تاريخية    

يعود تاريخ بناء مدينة أربيل إلى أكثر من 7 الآف عام، لا يُعرف بالضبط من بناها، ويعود أصل تسميتها التاريخية على ما يرجح إما إلى السومريين أو إلى تسمية الآشوريين للمدينة “أربا ايلو” أي أربعة آلهة لأنه كان يوجد على القلعة معبد فيه أربع آلهة، وهو ما وجِد في المدوّنات الآشورية. وقد أنجبت أربيل الكثيرين من العلماء والمؤرخين ورجال الدين الضليعين بشؤون الدين والشريعة وشعراء وفنانين كبار ورجال دولة وسياسة، ومن أبرز الشخصيات التي تنتسب الى أربيل، القائد الأسطوري صلاح الدين الايوبي (1137-1193م) الذي ينتسب أجداده إلى قرية دوين شمال أربيل. وفي أواخر العهد العثماني كانت أربيل جزءاً من ولاية شهرزور التي كانت كركوك مركزاً لها، ثم أصبحت جزءا من ولاية الموصل.

شهدت أطراف أربيل إحدى أهم المعارك التاريخية (معركة أربيللا أو كوكميلا) بين الاسكندر الكبير ودارا الأخميني في القرن الرابع قبل الميلاد. ويطلق الكرد على عاصمتهم اسم (هولير) خولير (أي معبد الشمس).

مجتمع وعادات

عند دراسة أي مجتمع لا بد من التركيز على مقوماته الأساسية؛ الوطن، البيئة، السكان، التنظيم الاجتماعي، والمؤسسات. تتنوع الثقافات في منطقة أربيل يعود هذا التنوع إلى الشعوب والثقافات التي توالت عليها إلى جانب الكرد والتي تمازجت عبر التاريخ من آرية وسامية، وعربية وأرمنية وتركمانية وآشورية وكلدانية، هذا التنوع هو مصدر ثراء ثقافي واجتماعي للإقليم.

من جهة ثانية، كانت ترتبط حياة الكرد بالطبيعة إلى حدّ غير مسبوق يرافقها أنماط التنقل والغزو والفروسية، ومن سماتهم الكرم والشجاعة، كما أنهم يعيشون حياة تعتمد بالدرجة الأولى على الزراعة، والتجارة والإدراة ناهيك عن التطور العمراني الكثيف الذي شهدته المنطقة مؤخراً جعلها منطقة استقطاب سياحي بحت، إلى جانب كثرة الفنادق والمطاعم والمقاهي.

 ظواهر المجتمع الكردي:

  • تعدّد الأبناء: يميل هؤلاء كأي مجتمع شرقي إلى كثرة الإنجاب، ويؤمنون أن القوة في الاتحاد والعائلة الكبيرة، لذلك قد نرى الكثير من العائلات التي يتعدد فيها الأبناء، وهذا الأمر بات متفاوتاً بين عائلة وعائلة في أربيل خصوصاً في الآونة الأخيرة.
  • احترام التقاليد والدين: يميل الشعب الكردي إلى احترام خصوصيات الدين وصون تقاليدهم، لأنهم ببساطة أوفياء لتاريخهم وأجدادهم، ولا ينفكون عن التعبير عن فخرهم بأسلافهم.
  • احترام الاختلافات: على الأرجح أن الشعب الكردي في أربيل قد عاشر شعوباً عدّة، الأمر الذي ترك لديه مبدأ الاحترام في الاختلاف، إن كان عرقياً، دينياً، أجنبياً أم إن يرجع في اختلاف العادات وأنماط الحياة.
  • مظاهر الشعوب العديدة: يُلاحظ أن أربيل منطقة استقطاب أجنبي وجذب لليد العاملة بشكل ملفت، حيث أن تجد جنسيات متعددة تعمل في القطاعات المختلفة إلى جانب أهل الإقليم، من الهندية والإفريقية، والآسيوية والكثير من القادمين من بلدان الشرق الأوسط.
  • الميل إلى التحفّظ: يُقصد بذلك أن الشعب الكردي رغم المغريات فهو حافظ بشكل كبير على أوجه الخصوصية في نمط الحياة والايديولوجية لدى شعبه، مع العلم كما ذكرنا أعلاه أن أربيل محطة استقطاب واسعة للعمل.
  • استقلالية “نسبية” للمرأة: النسبية هنا تأتي بمعنى الإيجاب والتعجّب، حيث أن التصور لاستقلالية المرأة في أربيل كان بعيداً، إلى أنك تجد لها كادر ذاتي مستقل في تسلّم المهمات أو في احتلالها مراكز إدارية جيدة، بعد أن أثبتت المرأة العراقية – الكردية جدارتها وذكائها، في الجهة المقابلة إن احترام المرأة هنا (في أربيل) مقدّس، وأقل ما يمكن قوله أن المرأة هنا تعيش بأمان، وسلام.

الأطعمة التراثية المشهورة   

عند زيارة أربيل جلّ ما يفكر به الزائر هو هو تجربة الأطعمة الكردية التي يشتهر بها أهل المنطقة، منها:

“الدوشمة” وهي أكلة سهلة وتعتبر من أهم الوصفات في المطبخ الكردي، و”الدولمة البيضاء” التي تعتبر من أهم الوصفات في العراق ككل وهي مخصصة للعطلات والمناسبات. أما “الدوغاو” فهي عبارة عن شوربة مشهورة في أربيل تتكوّن من السلق واللبن والثوم والليمون. ومن المعروف لدى الكرد أيضاً تقديم المرق إلى جانب الرز والدجاج أو اللحم وأكثر ما يشتهرون به هو “داندوك” يتكوّن من اللبن والحنطة والنعنع. أما بالنسبة إلى “قوراو” وهي طبخة لبن مع اللحم وتقدم كمرقة بيضاء إلى جانب الرز الأبيض إضافة إلى “توجمة” وهي أكلة تركمانية مشهورة جدًا في أربيل. وأخيراً، أشهى ما يمكن تذوقه هو “كباب أربيل” المصنوع من اللحم الطبيعي يقدّم في اغلب المطاعم وتشتهر أربيل به، يقدّم كوجبة أساسية، في المطاعم الشعبية والراقية.

الزيّ الكردي تأصيلٌ للهوية

لا يوفّر الكرد مناسبة حتى يشدّدون على أصالة تراثهم ووحدة شعبهم وخصوصية هويتهم، فهم يحتفلون كل عام العاشر من آذار بـ”اليوم الوطني لارتداء الزي التقليدي”، وهي مناسبة من أجل إحياء التراث القومي الكردي، والحفاظ عليه، حيث تلتزم عناصر الشرطة بارتداء اللباس الكردي التقليدي، ليعلم العالم أن للكرد خصوصيتهم القومية.

والزيّ الرسمي هو عبارة عن: بالمجمل يتصف بأنه زيّ المناسبات السعيدة وذلك لكثرة ألوانه الزاهية وتطريزاته وقماشه الفاخر.  

زيّ الرجال يتكوّن عادة من سروال فضفاض يسمّى شروال وسترة من نفس اللون والقماش. الحزام يكون عبارة عن قماش عريض خفيف بلون مختلف وقد يكون مزركشا أحيانا.

أما زيّ النساء يتألف من ثوب طويل تغطي في الغالب أخمص القدمين، وذات كمين طويلين يرتبطان بذيلين مخروطيين طويلين أيضاً يسميان في اللغة الكردية بـ «فقيانة». وفي الغالب يخيط هذا الثوب من قماش شفاف جدا ذي خيوط حريرية ناعمة الملمس ومطرزة بأنواع مختلفة من المنمنمات والحراشف المعدنية البراقة الشبيهة بحراشف السمك، وترتدي المرأة الكردية تحت هذه الدشداشة العريضة قميصا داخلياً رقيقاً وحريرياً، لكنه ذو لون داكن وغير شفاف ليصبح بمثابة خلفية عاكسة للدشداشة الشفافة. وفي موسم الشتاء تستبدل هذه السترة القصيرة بأخرى طويلة تصل إلى أسفل الكعبين وذات كمين طويلين وتحاك من نفس أقمشة، وعادة ما يتم تنسيق الألوان بدقة متناهية بين لون قماش الدشداشة الرقيقة والقميص الداخلي والسترة القصيرة والسروال الطويل الذي تمتد أكمامه الضيقة إلى أسفل الكعبين، الذي يحاك في الغالب من الأقمشة الحريرية ذات البريق.

العدد 117 / حزيران2021