المارد الصيني الحزام والطريق

الدكتور إبراهيم الحريري

 »لا يهم مدى السرعة التي تتجه بها نحو هدفك، المهم هو أن لا تتوقف«. كونفوشيوس

يتمثل الصينيون وحكومتهم بفيلسوفهم ويخطون الخطى الواثقة نحو أهدافهم بالتوسع الاقتصادي واستدامة هذا الهدف من خلال القوة الناعمة وذلك بإحياء طريق الحرير التاريخي بمبادرة حزام واحد طريق واحد (مبادرة الحزام والطريق) على خطى الرحالة الإيطالي ماركو بولو مواطن البندقية سافر للصين وعمرة 21 عام وعاش بها 17 عام وعاد لموطنه عام 1292 م، وكذلك على خطى مواطنهم دو غوان الذي قام بقطع طريق الحرير عام 751 م الى الدولة الإسلامية والتي وصل نفوذها لحدود الصين  ووصل الإسكندرية ثم عاد للصين بحرا من الخليج العربي بعد رحلة استمرت 11 عام وسجلها بكتابه ذكريات الرحلة والذي سجل به معلومات عن بلاد غرب اسيا.

تاريخ طريق الحرير

طريق الحرير تاريخيا هو مجموعة من الطرق المترابطة كانت تسلكها القوافل والسفن وتمرّ عبر جنوب آسيا رابطةً تشآن (والتي كانت تعرف بتشانغ آن) في الصين مع أنطاكية في تركيا والبندقية بإيطاليا والطريق البري شمالي صيفي وجنوبي شتوي، يمرّ الفرع الشمالي من منطقة بلغار-كيبتشاك وعبر شرق أوروبا وشبه جزيرة القرم وحتى البحر الأسود وبحر مرمرة والبلقان ووصولاً للبندقية. أمّا الفرع الجنوبي فيمرّ من تركستان وخراسان وعبر بلاد ما بين النهرين والعراق والأناضول وسوريا عبر تدمر وأنطاكية إلى البحر الأبيض المتوسط أو عبر دمشق وبلاد الشام إلى مصر وشمال أفريقيا.

ورغم ان الطريق من اسمه كان بداية لنقل الحرير الصيني المكتشف 3000قبل الميلاد للغرب الا أن سجلات تاريخية صينية تشير الى أن الجوز والخيار والفلفل الأسود جلبت من الغرب. وفي عهد أسرة تانغ ما بين القرن السابع والقرن التاسع الميلادي ازدهر طريق الحرير أكثر حيث جلبت إلى الصين الطيور والحيوانات النادرة والمجوهرات والتوابل والأواني الزجاجية والعملات الذهبية والفضية من الغرب، والموسيقى والرقص والأطعمة والأزياء وزخارفها من غرب آسيا وآسيا الوسطى، وفي نفس الوقت صدرت المحصولات والمنتجات والتكنولوجيا الصينية مثل الحرير وصناعة الورق وفن الطباعة والأواني المطلية باللك والأواني الخزفية والديناميت والبوصلة إلى الخارج عبر طريق الحرير مما قدم مساهمة صينية مهمة للحضارة العالمية.

وقد ساهم طريق الحرير تاريخيا بالتبادل الثقافي والإنساني والاجتماعي والديني والاجتماعي إضافة للتبادل التجاري وقد نقل المعرفة بين دول الطريق.

أعلن رئيس الحزب الشيوعي الصيني الرئيس الصيني شى جين بينغ عن مبادرة الحزام والطريق (OBOR) في سبتمبر عام 2013، وحسب البيان الرسمي الصيني هو مشروع إحياء للطريق التجاري البري القديم »طريق الحرير« الذي كان يربط الصين بأوروبا. وسوف يطور وينمي كل الدول المار منها هذا الطريق، وسيسهم في تحقيق التنمية للدول المشاركة فيه بأقل ضرر على البيئة.

هدف المبادرة هو استثمار وتوظيف ما تمتلكه أكثر من 68 دولة مشاركة فيها من موارد كبيرة في إقامة مشروعات بنى تحتية، بما فيها سكك حديدية وموانئ وأنابيب نفط وشبكات اتصالات ومرافق، بجانب تدشين أكبر منصة للتعاون الاقتصادي، يمكن وصفها بأنها مشروع القرن الاقتصادي في العالم.

قامت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، ووزارة الخارجية، ووزارة التجارة في جمهورية الصين الشعبية بإعلان  »خطة الرؤية والإجراءات« للمبادرة في 28 آذار (مارس) 2015. وتؤكد الوثيقة على أنه بما أن العالم يتجه نحو التعددية القطبية والعولمة الاقتصادية والمزيد من التنوع الثقافي، فإن المبادرة سوف تشجع تطوير البنية التحتية والتعاون التجاري والمالي والتبادل الثقافي والعلمي. وتهدف  »الممرات الاقتصادية« إلى دمج مناطق محددة، بينما ينبغي أن تساعد آليات للتعاون على تنفيذ المبادرة. وبذلك، يعني حجم ونطاق المبادرة أن الخطط ستظل قيد المراجعة المستمرة.

واعتبرها البعض الجيل الثالث من العولمة دولية متعددة الاطراف، مقارنة بالنسخة الأولى للعولمة وسيطرة الدولة الواحدة، والجيل الثاني من العولمة وهي عولمة الشركات متعددة الجنسيات. والعولمة الصينية، إذا جاز التعبير، تدعو، طبقا لتقرير المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني في عام 2017،  »شعوب العالم كافة إلى العمل معا لبناء رابطة المصير المشترك للبشرية«، وأداتها لذلك هي مبادرة  »الحزام والطريق«.

حاضر طريق الحرير

ينقسم مشروع طريق الحرير إلى  »طريق بري« (الحزام الاقتصادي)، وطريق الحرير البحري للقرن 21

وتشتمل على ستة ممرات برية هي:

– الممر الاقتصادي يوارسيا الجديد (500 مليار دولار).

– الصين ـ آسيا الوسطى ـ غرب آسيا (100 مليار دولار).

– ممر الصين ـ الهند الصينية (200 مليار دولار).

– ممر الصين ـ منغوليا (70 مليار دولار).

– ممر بنغلادش ـ الصين ـ الهند ـ ميانمار (70 مليار دولار).

وطرق سريعة أبرزها:

ـ طريق الصين ـ غرب أوروبا السريع.

– طريق الصين ـ باكستان السريع.

أما مشروعات السكك الحديدة فهي:

– مشروع سكة حديد موسكو كازان السريع.

– مشروع سكة حديد خورغوس-أكتاو.

– مشروع سكة حديد الصين ـ أوزبكستان ـ قرغيزستان.

– مشروع سكة حديد تايلاند ـ الصين.

– خط الشحن بوابة خورغوس.

وخطوط طاقة هي:

– خط الغاز الروسي.

– خط غاز آسيا الوسطى.

– خط الغاز (د) آسيا الوسطى.

 تغطي هذه المبادرة أكثر من (68) دولة منها 17 دولة عربية، بما في ذلك 65 من سكان العالم، و 40 من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017، لذلك يقدر أنّها ستدرج ضمن أكبر مشاريع البنية التّحتيّة والاستثمار في التّاريخ.

وتقدر الاستثمارات بقيمة 5 تريليون دولار، منها 43 في قطاعات الطاقة، و41 في قطاع السكك الحديدية، و6 مجمعات صناعية، 2 طرق، 3 موانئ و5 معدات. وتقوم بنوك أنشأت لهذا الغرض بتقديم قروض للتمويل، وأهمها:

البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، صندوق طريق الحرير.

وبدأت الخطوات العملية وأنجزت المرحلة الأولى من هذا المشروع وتم:

بقمة الحزام والطريق 2019 سجلت صفقات وصل إجمالي قيمتها لـ3.67 تريليون دولار.

بدأت بريطانيا إرسال قطارات إلى الصين، بعد أن غادرت أول حاوية محملة شرق لندن بأبريل 2017 متجهة إلى ييوو بمقاطعة جيجيانغ شرق الصين.

ربط شبكات السكك الحديدية بين الصين وكازاخستان في 1990.

في سنة 2008 عندما وصل أول قطار للصين قادما من ألمانيا.

ووقعت حتى الآن 126 دولة و29 منظمة عالمية على وثائق للتعاون في هذا المشروع، حيث ستنفق كازاخستان 9 مليارات دولار على تحسين الطرق وشبكة السكك الحديدية.

كما سيوفر خط حديدي جديد بمليارات الدولارات من زمن الرحلة من ساحل البحر الأحمر إلى أديس أبابا من ثلاثة أيام إلى 12 ساعة فقط.

من جانبها، وقعت إيطاليا على اتفاقيات بقيمة 8 مليارات دولار لتطوير موانئ لتصدير المواد الغذائية والمنتجات إلى الصين.

وسيعمل خط سكة حديدية جديد من جاكرتا الإندونيسية إلى باندونغ عاصمة مقاطعة جاوة إلى تقليص زمن الرحلة من ثلاث ساعات إلى 40 دقيقة.

وفي باكستان والتي تنقل البضائع بها بالقطار والطرقات للموانئ الواقعة في جوادار وكراتشي، فسيتم تحديثها للسماح بشحنها إلى أفريقيا وغرب آسيا.

مستقبل طريق الحرير وفخ الديون

ان مبادرة الحزام والطريق تهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات في البنى التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، ليكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، ويشمل ذلك بناء مرافئ وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية ومشاريع للطاقة.

و تبدي الولايات المتحدة ومعها الدول الاوربية الشمالية القلق من هذا المشروع الصيني لما له من آثار بعيدة المدى على الدول المشاركة، يرى محللون أن أكبر ثاني اقتصاد في العالم قد يحل محل البنك الدولي بقروض واستثمارات في الدول النامية فاقت 90 مليار دولار امريكي خلال السنوات الخمسة الماضية، والتي تغدق عليها الصين القروض السخية وبنسبة فائدة بقيمة 12 سنويا وبشروط جزائية مجحفة بحالة عدم السداد وبفترة سماح تصل لخمس سنوات مما يشجع الدول على الاقدام على هذه الديون على امل الازدهار لهذا الطريق وتحقيقه الإيرادات الكبيرة وهو الذي لم يتحقق بعد رغم انتهاء مشاريع البنية التحتية العملاقة وهي خاوية على عروشها ولا تخدم احد مما اضطر كثير من الدول لعدم قدرتها للخضوع للشروط الجزائية للتمويل والتي تقضي ببيع الأصول أو تأجيرها لفترة طويلة ومن امثلتها:

انشاء مدن صناعية خالصة صينية داخل الدول الأوروبية مثل المجر وإيطاليا واليونان والبرتغال.

قرغيزستان 21 ابريل 2018 احتجاجات على منجم الذهب المستثمر من الصين .

ميناء جوادر الصين تستثمره 40 سنة.

مرفأ بيرايوس اليوناني أحد أهم المرافئ في العالم انتقل إلى السّيطرة الصّينيّة 2016.

ميناء هامبانتوتا بسيرلنكا الصين تستثمره 99 سنة مقابل دين 1.2 مليار دولار ونسبة فائدة 12 سنوياً وهي مشاريع بنية تحتية منها المطار والميناء والشوارع والجسور وهي فارغة .

ميناء ممباسرا بكينيا بطريقة للسيطرة الصينية بعد الفشل بتسديد قرض القطار الجديد.

ميناء جيبوتي تحت السيطرة الصينية، وأول قاعدة بحرية في البلد الإفريقي سنة 2017، على بعد 12 كم فقط من قاعدة ليمونيه الأمريكية.

استثمارات بإيطاليا بقيمة 3 مليار دولار.

استثمارات وقروض لمصر بقيمة 18 مليار دولار.

تعهدت الصين بتقديم أكثر من 23 مليار دولار لدول عربية،

حجم الاستثمارات والديون الصينية للقارة السمراء 170 مليار دولار.

ان الصين تريد أن تصدر كل شي للعالم منتجاتها وثقافتها وتراثها ولغتها وعمالتها وباتجاه واحد فقط ولا تريد أن تستورد أي قيم انسانية ولا أي ثقافات قد تؤثر على نظامها الشيوعي الحاكم بالقوة والقمع وتصدر تجربتها وتشجع كل الأنظمة التي تماثلها، وبلا شك بدأت رياح المارد الصيني تهب على كل الدول المشاركة ومنها أوروبا وبشكل مستمر وقوي ليتحقق حلم الصين بدمج الاقتصاد الأوروبي والاسيوي بمسمى جديد هو الاوراسيا وهل يتحقق ذلك من خلال هذا المشروع الأضخم عالميا والذي سخرت الصين كل طاقاتها الاقتصادية والمالية والثقافية لتحقيق هدفها.

العدد 110 / تشرين الثاني 2020