توترات البحر الأحمر تهز التجارة العالمية وتهدد الاقتصاد الدولي

الهجمات دفعت أكبر 5 خطوط حاويات إلى تعليق

* انخفضت حركة المرور في قناة السويس بنحو 39 في المئة منذ بداية ديسمبر

* أدت عمليات التحويل إلى زيادة أوقات عبور الناقلة من 16 إلى 32 يوماً

* منظمة التجارة العالمية “أقل تفاؤلًا” بشأن التجارة العالمية في 2024

تشكل الهجمات على خطوط الشحن البحري في البحر الأحمر قبالة سواحل اليمن من قبل الحوثيين، والتي أُطلقت رداً على الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، أخطر تهديد للتجارة الدولية، وبالتالي للاقتصاد العالمي.

فحوالي 20 في المئة من التجارة العالمية تنتقل عبر البحر الأحمر من مضيق باب المندب – قناة بعرض 20 ميلاً تقسم إريتريا وجيبوتي على الجانب الأفريقي واليمن في شبه الجزيرة العربية- وقناة السويس.

كما يعد البحر الأحمر أيضًا طريقًا مهمًا لشحنات الغاز الطبيعي المسال.

وقد تسببت الهجمات في أكبر تحويل للتجارة الدولية منذ عقود، ودفعت أكبر خمسة خطوط حاويات في العالم تمثل حوالي 65 في المئة من طاقة الشحن العالمية، إلى تعليق المرور عبر قناة السويس، حيث انخفضت حركة المرور بنحو 39 في المئة منذ بداية ديسمبر (كانون الأول)، مما أدى إلى انخفاض 45 في المئة في حمولة الشحن، وفقا للأرقام الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد).

هذا الأمر تسبب بزيادة المخاطر الأمنية وبالتالي ارتفاع التكاليف المالية وزيادة الأسعار المفروضة على شحن البضائع بين آسيا إلى أوروبا بسبب الحاجة إلى الإبحار حول القارة الأفريقية. إذ انه رداً على هذه الهجمات، تم تحويل مئات السفن والناقلات المتجهة إلى السوق الأوروبية بعيداً عن البحر الأحمر وقناة السويس عبر رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا. وأدت عمليات التحويل هذه إلى زيادة أوقات عبور الناقلة من 16 إلى 32 يوما في المتوسط.

وارتفع متوسط أسعار تكلفة الشحن من شنغهاي إلى أكثر من الضعف منذ أوائل ديسمبر (كانون الأول) 2023، وتضاعفت تلك إلى أوروبا بأكثر من ثلاثة أضعاف. وقال رئيس الخدمات اللوجستية التجارية في “الأونكتاد” جان هوفمان، إن تلك الرحلات إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة زادت أيضًا، على الرغم من أن الفئة الأخيرة لا تشمل عادةً قناة السويس.

وباتت رئيسة منظمة التجارة العالمية نجوزي أوكونجو-إيويالا “أقل تفاؤلًا” بشأن التجارة العالمية في عام 2024. وذلك يرجع بحسب تصريح لها، إلى ضعف النمو الاقتصادي العالمي، وتفاقم التوترات الجيوسياسية، والاضطرابات الجديدة في البحر الأحمر، وفي قناة السويس، وقناة بنما.

وكانت منظمة التجارة العالمية قد توقعت قبل اندلاع الحرب في غزة أن تنمو التجارة بنسبة 0.8 في المئة في عام 2023 وقدّرت نمواً بنسبة 3.3 في المئة هذا العام.

من جهتها، وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال” ترى أن اضطرابات الملاحة في البحر الأحمر تؤثر سلباً على تدفقات التجارة العالمية. لكنها قالت إن تحويل مسارات السفن بعيدا عن البحر الأحمر سيكون تأثيره ضئيلاً على الكيانات القطرية المنكشفة على النفط والغاز كون غالبية مستهلكيها في آسيا.

لكنها حذرت من أن إغلاق مضيق هرمز ما زال يشكل خطراً، حتى أن إغلاقه بشكل جزئي سيكون له تأثير بدرجة أكبر بكثير على الكيانات القطرية، نظرا لأنه ممر التصدير الرئيسي لها.

ويمر عبر مضيق هرمز حوالي 30 في المئة من صادرات النفط الخام المنقولة بحراً و20 في المئة من الغاز الطبيعي المسال، مما سيعني أن إغلاقه جزئياً فحسب سيؤدي إلى اضطراب كبيرة في الأسواق العالمية لكل من القوى الغربية وشركاء تجاريين مهمين للمنتجين الخليجيين مثل الصين والهند.

وبحسب “ستاندرد آند بورز”، فإن تقييد المرور عبر خليج عدن سيؤخر، بدرجة أكبر مما سيمنع، تسليم الشحنات إلى السوق العالمية، منبهة من أن إن فترات التوقف الطويلة وتعطل حركة الملاحة عبر البحر الأحمر يمكن أن تتسبب في إبطاء عمليات تسليم الغاز المسال القطري إلى أوروبا، والغاز المسال الروسي والأميركي إلى آسيا. فيما يمثل إعادة التوجه صوب رأس الرحاء الصالح المسار البديل الوحيد، لكنه يضيف عشرة أيام على الأقل إلى وقت الرحلة ويقلص هوامش أرباح شركات الشحن.

وتشكل شحنات الغاز القطرية حوالي 10 إلى 15 في المئة من تجارة الغاز الطبيعي المسال الأوروبية، فيما تشكل شحنات الغاز المسال الروسية والأميركية 10 إلى 15 في المئة أيضا من تداولات الغاز المسال الآسيوية.

وتؤثر الاضطرابات أيضا على طريق الشحن بين مضيق باب المندب وقناة السويس التي يمر بها عادة حوالي 10 في المئة من التجارة العالمية المنقولة بحراً.

وذكر “ستاندرد” أن شحنات الغاز الطبيعي المسال تمر عادة عبر قناة السويس وتشكل بالأساس شحنات من قطر إلى أوروبا.

التجارة بين الصين وأوروبا

هذا وقد تتعطل التجارة مع الصين وأوروبا بشكل كبير. إذ يشكل النقل البحري العمود الفقري للممرات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والصين، حيث يمثل 90 في المئة من تجارتها. وبلغت الواردات من الصين 626 مليار دولار في عام 2022، بينما بلغت الصادرات 230 مليار دولار، وفقا لبيانات “يوروستات”.

قناة السويس

وعلى خلفية انخفاض عدد السفن المارة عبر الممر الحيوي تجنباً لهجمات الحوثيين على البحر الأحمر، تراجعت إيرادات قناة السويس بنسبة تفوق الـ40 في المئة في يناير (كانون الثاني) 2024 مقارنة بالشهر نفسه من العام 2023 حين بلغت 802 مليون دولار.

وفي ظل الظروف العادية، تمر أكثر من 20 ألف سفينة عبر قناة السويس كل عام، مما يحقق إيرادات قدرها 10 مليارات دولار للاقتصاد المصري في عام 2023.

وتعتبر مصر من الدول الأكثر تضرراً بأزمة البحر الأحمر. وتشكل قناة السويس أحد مصادر مصر الرئيسية للعملات الأجنبية التي تشتد إليها الحاجة في هذه الفترة. ويتفاقم الوضع أكثر بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية وارتفاع التضخم.

ويعني تباطؤ حركة الملاحة في البحر الأحمر، أيضاً تباطؤ حركة واردات مصر، لاسيما الوقود والغذاء اضافة إلى السلع الوسيطة اللازمة للصناعة. وإضافة إلى ذلك، فإن حركة السياحة في البلاد التي تواجه ضغوطاً كبيرة بسبب الحرب الدائرة في أوروبا بين روسيا وأوكرانيا، باتت تواجه ضغوطا إضافية.

ولا تتوقع “موديز” أن يؤثر الانخفاض بشكل كبير على حسابات مصر للعام المنتهي في يونيو (حزيران) 2024، لكنها تشير إلى أن التأثيرات ستزداد إذا استمر الحصار، مشيرة إلى أن الحكومة تحصل على ما بين 60 في المئة و70 في المئة من إيرادات هيئة القناة.

 هل من تداعيات على التضخم؟

من المتوقع أن تؤثر الزيادات في أوقات الشحن وتكاليفه بشكل أكبر على الاقتصاد العالمي، الذي يشهد أبطأ نمو له منذ نصف عقد منذ 30 عاماً، وفقًا للبنك الدولي. وبالإضافة إلى تفاقم العوامل المساهمة في تغير المناخ، يطلق المحللون تحذيرات من ارتفاع التكاليف والتضخم المحتمل الناجم عن تعطيل الشحن.

ففي حين أنه من غير المرجح أن يؤدي انقطاع الشحن إلى زيادة كبيرة في أسعار الطاقة، فإن ارتفاع تكاليف الشحن من شأنه أن يضغط على أسعار السلع الاستهلاكية، وبالتالي زيادة التضخم، في وقت كانت المصارف المركزية تأمل في البدء في خفض أسعار الفائدة.

يقول مصرف “أم يو أف جي” في مذكرة بحثية له “الأهم من ذلك، أننا نعتقد أنه من غير المرجح أن يكون للاضطرابات تداعيات مستدامة على الطاقة (النفط الخام والغاز الطبيعي المسال) وأسعار السلع الأساسية على نطاق أوسع على أساس الدرجة الأولى، لأن إعادة توجيه السفن تعيق سلاسل التوريد العالمية، وليس الإنتاج الحجمي الذي لا ينبغي أن يتم بشكل مباشر”.

في حين هناك تخوف كبير من أن تؤدي المخاطر التضخمية الجديدة الناشئة عن اضطرابات البحر الأحمر إلى عودة التحديات الاقتصادية لأوروبا.

وكما تشير دراسة أجراها صندوق النقد الدولي مؤخراً، كانت أسعار الواردات مسؤولة عن 40 في المئة من إجمالي التغيرات في التضخم الاستهلاكي الأوروبي خلال العامين الماضيين.

ونتيجة لذلك، فمن المرجح أن يتم نقل التكاليف المرتفعة المرتبطة باستيراد السلع من آسيا إلى المستهلكين النهائيين، مما يؤدي إلى مخاوف بشأن التضخم.

يقول الخبير الاقتصادي العالمي رئيس كلية كوينز في “كامبردج” وكبير المستشارين الاقتصاديين في شركة الخدمات المالية العملاقة “أليانز” محمد العريان إنه على الرغم من أن تعطل الشحنات لم يكن بالخطورة نفسها التي كانت عليها خلال أزمة كوفيد، إلا أنه حذر من أنها ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار والإضرار بالنمو الاقتصادي.

ويضيف “مقارنة بما كان سيحدث لولا ذلك، سنشهد ارتفاعاً في التضخم، وارتفاع معدلات الرهن العقاري وانخفاض النمو”.

تعني المخاوف من ارتفاع التضخم أن المصارف المركزية التي أرسلت آمالاً الى الاسواق بأناه سوف تقوم مبكرا هذا العام ببدء خفض أسعار الفائدة، سوف تتراجع عن وعودها، وهو ما سيحبط المستثمرين ويعيد تحرك عوائد السندات في العام 2023 إلى مشهد هذا العام، إلا اذا حصل اتفاق على وقف حرب غزة… فهل سيكون ذلك قريب التحقق؟؟؟