ملازمة المنازل: تزايدٌ ملحوظ لخطر الإنترنت على الأطفال

بيروت – رنا خير الدين

مزايا البقاء في المنزل كثيرة، إذا كانت منظّمة ضمن جدول أعمال ونشاطات ترفيهية وفكرية وعملية، تساعد على الاختلاط الجيد والتواصل الحسن مع العالم الخارجي بالطريقة المستجدة عن بعد.

العام الماضي كان استثنائياً على العالم يتبعه هذا العام على الوتيرة نفسها، بحيث تشكّلت لدى أغلب الناس صورة شبه مكتملة عن طريقة العيش وتيسير نمط حياتهم بما يتلاءم مع التغيرات والظروف الطارئة. هذا الإدراك والوعي لمشهدية التغيرات الآنية والظرفية هو عملٌ شاق بالنسبة للكبار لكن الأطفال والمراهقين على اختلاف أعمارهم غير قادرين على استيعاب هذا الكمّ من التغيرات التي فرضتها الجائحة، منها الخروج إلى اللعب، الابتعاد عن التواصل المباشر مع الأقران، الذهاب إلى المدرسة وغيرها من النشاطات اليوميّة التي اعتاد معظم الأطفال القيام بها.

ملازمة المنزل فرضت على الأطفال والمراهقين متابعة دراستهم عبر الإنترنت، ما حجب عنهم الاختلاط الدائم في جميع أنواع النشاطات، الأمر الذي يزيد خطر تعرُّضهم للأذى عبر الإنترنت في جائحة كوفيد-19 العالمية بحسب “اليونسيف”، وأشارت إلى العديد من المخاوف والقلق في هذا الإطار، لذلك يتحتّم على الحكومات والمؤسسات الاجتماعيّة ووسائل التواصل الاجتماعي العمل على تقليص هذا الخطر من خلال خطط تربوية، اجتماعية رقابية لتقديم إنتاجات تنموية تساعد المراهق على التفاعل والديناميكيّة، وتنمية قدراته الابتكارية واللغوية بعيداً عن المحتوى الهزيل الذي قد يدمّر الصحة النفسية للطفل.

صورة جديدة للعالم

 مشهدية غير نمطية اجتاحت العالم بأسره في أقل من عامين، بحيث غيّرت شكل الحياة ومضمونها، أضافت مفاهيم جديدة، أتاحت للعالم الرقمي والإنترنت والتواصل عن بُعد السيطرة والولوج في حياة الأشخاص، حتى بات أساسياً وضرورياً. لا يعني أن العالم الرقمي قد اكتسب امتيازه اليومي في ظل كوفيد 19 لا، بل إن الجائحة زادت من أهميته لدى الأشخاص بعد أن أصبح الركن الأساسي للاجتماعات، العمل، المؤتمرات، الدراسة والتعلّم، إتاحة فرص العمل والمقابلات والتسوّق والتجارة.

 ازديادٌ نسبة التعرض للأذى!

 تحدّد الأخصائية في سلوكيات الطفل “مهى غزالة” أن خطر الشاشة تفاقم بنحوٍ ملحوظ منذ بداية أزمة كوفيد-19 العالمي، حيث أتاحت المجال لبروز مخاطر عديدة عند الطفل أو المراهق قد تتفاقم إلى اضطرابات ما لم تُعالج بالطرق الصحيحة، من هذه المخاطر:

  • التعرض غير المنظّم للمنصات الرقمية على حساب النشاطات الترفيهية الأخرى، وتقليص مدة التواصل الاجتماعي المباشر مع المحيط.
  • الميل إلى العزلة، الذي يحدث من أسباب عدّة، منها عدم تقبّل الواقع والمحيط ورفضه، والتعلّق بالمحتوى الرقمي وما تقدّمه له وسائل التواصل الاجتماعي، يبرز ذلك لدى المراهقين على الأغلب.
  • ازدياد التعرّض للتنمر: ينتج ذلك ويتزايد بسبب تساهل الأهل في عدم مراقبة المحتوى، والأفراد، والمواقع التي يتابعها أبناؤهم.
  • يمكن أن يكون الأطفال والمراهقون أكثر عرضة لخطر الاستغلال الجنسيّ، والاستمالة.
  • ضعف المهارات الإدراكية والاجتماعية.
  • ارتفاع نسبة الاضطرابات الصحية مثل السمنة، وأنماط النوم غير المنظمة، مشاكل سلوكية واضطرابات الحركة.
  • إدمان الشاشة: التواجد الدائم في المنزل سمح للهواتف الذكيّة والكمبيوتر بأن تكون الرفيق الدائم والوحيد للطفل، ما يجعله يتعلق بها وقد ينتج عن ذلك اضطراب جديد يسمّى إدمان الشاشة.

بموجب هذه المخاطر تحدد الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال وقت الشاشة للأطفال وتقسّمها حسب الفئة العمرية:

  • الرضع حتى 18 شهرًا من العمر: يجب ألا يتعرّضوا للشاشة. ​
  • الأطفال من عمر 18 شهرًا إلى 24 شهرًا​: على الوالدين السماح ببعض الوقت بتواجد أحدهما.
  • ​مرحلة ما قبل المدرسة: يجب أن لا يزيد الوقت على ساعة واحدة في اليوم، مع وجود البالغين لمساعدتهم على فهم ما يرونه. ​
  • من عمر 5 إلى 18 سنة​: يجب على الآباء وضع حد ووقت معين بحيث لا يتجاوز ساعتين يوميًّا، كما يجب ألا تشغلهم عن الحصول على ما يكفي من النوم والقيام بالنشاط البدني. ​

 على مَن تقع المسؤوليّة؟

هذا العالم الرقمي المتطور بسرعة هائلة يتطلب دراسات من جوانبه جميعها، جهة التعامل المباشر مع الطفل أو المراهق ويُقصد هنا الوالدان، جهة تحدد المحتويات الرقمية والمواضيع التي يتم التطرق إليها وما يعرض؛ وهذه تقع على عاتق المؤسسات الاجتماعية ومواقع التواصل الاجتماعي، وأخيراً الدور الرقابي الذي هو واجب الحكومات في تأمين سبل حماية وأمان وملاحقة كلّ مَن يتعرّض بالإساءة عبر المواقع والتطبيقات.

في هذا الصدد توصي اليونيسف بعدد من الوصايا بغية إبعاد خطر الشاشة وخطر استغلال الأطفال خلال مسيرة التعليم عن بعد، ووزعت اليونيسف المسؤوليات إلى ثلاث جهات:

  • الحكومة

أكدت اليونيسف ضرورة قيام الحكومات بمهامها وإنجاح المسيرة التربوية، ومن ضمن ذلك جعل الوصول إلى الإنترنت متاحاً للجميع، مع ضرورة تأمين شبكة إنترنت مسيطر عليها لتوفير الأمن للأطفال من استغلالهم. وإضافة إلى ذلك التأكد من أن المنصات الإلكترونية قد عززت تدابير السلامة والحماية، وخاصة أدوات التعلم الافتراضية، وأن تكون في متناول المعلمين وأولياء الأمور والأطفال.

  • المؤسسة التدريسية

تدريب الكادر التعليمي، وتطوير قدراتهم الرقمية، وجعلهم على دراية بإدارة الصفوف الرقميّة وتنظيم مشاركة الطلاب ومتابعة أدائهم وتسهيل أداء الامتحانات.

  • أولياء الأمور

توصي اليونيسف أولياء الأمور بإعادة ترتيب أمورهم وتنظيم أوقاتهم لمساعدة الهيئات التدريسيّة على إنجاح العملية التربوية.

وفي الوقت نفسه تنظيم “وقت الشاشة” لأبنائهم بما يحافظ على الاستفادة من التعليم عن بُعد، وبما لا يضر صحتهم في الوقت نفسه.

العدد 115 / نيسان 2021