قصائد الشاعر السعودي حبيب المعاتيق: حين يتوالف الإيقاع مع الفوتوغرافيا 

من الرياض – رنا خير الدين

“الغائبون وما بانوا وما فقدوا

والحاضرون وما حلوا وما وُجدوا

باتوا يُديرون كالأَجرامِ مهنتَهم،

إن أظلمَ الكونُ في أرواحنا

اتقدوا

ناموا على غُربةِ الذكرى؛

لهم قلقٌ

في وحشة الليل

لم تَرْبِتْ عليه يدُ

مُظللونَ بِوَجْد الأمهات

لهم في كل زفرةِ أمٍّ

مدمعٌ ولدُ…”

هذه الأبيات من قصيدة “الصاعدون كثيراً” للشاعر السعودي حبيب المعاتيق ابن منطقة القطيف استهلّ بها حديثه الخاص مع “الحصاد” حيث استلهم حالة شعرية إدراكية خاصة من تلك الحالات المنفصلة التي يعيشها وتنتقل بين الحواس والخصال النفسية والاجتماعية وتتأرجح على دروب الحزن والفرح، والشوق والكره لديه وفي ما بين هذه الحالات لحظات قد تنتهي وتصبح في خانة الذكريات.

يتصل الشعر عموماً بانفعالات الذَّات ومشاعرها وحاجتها إلى التعبير والإدراك والتواصل إلى أن الشاعر حبيب المعاتيق اختار الشعر العمودي الذي يضمّ تجربته الفنية المرتبطة به بشكل خاص وبما حوله بشكل عام. ولا بد من

الشاعر حبيب المعاتيق.

الإشارة عند الحديث عن أية تجربة شعرية إلى غرضها الفني، أو بمعنى آخر موضوعاتها، منها قصائد غَزل ومدح، رثاء وفخر، هِجاء ووصف وغيرها. لكن اليوم يتّجه المسلك الشعري لدى الشعراء غرض الإضاءة على آفة أو قضية اجتماعية ما، يؤسس من خلالها الشاعر جسور تعبير وتواصل مع القراء.

تقوم قصائد حبيب المعاتيق على عاطفتين متناقضتين؛ تلك المرتبطة بالحب والاستحسان والأخرى تمتلكها مشاعر الرفض والبغض… وهذه ميزة أيّ شاعر أو فنان.

“الحصاد” كان لها حديث مع الشاعر حبيب المعاتيق عرّفنا على نموذج العاطفي والإنساني والاجتماعي لقصائده، كما حدثنا عن أبرز الصعوبات التي واجهته خلال تجربته.

اكتشف حبيب المعاتيق شغفه الشعري خلال المراحل الثانوية الأولى حيث استمتع بقراءة القصائد المدرسية وكان متفوقاً بالنحو في مواد اللغة العربية.

ويقول عن بدايته مع الشعر: جلسات الجامعة مع الزملاء أثقلت ميولي الشعرية، حيث كنا نقيم جلسات شعرية بشكل متواصل دون انقطاع حملت معها سجلات القصيدة بين اليوم والأمس. تعلّمت لاحقاً مادة العروض على يد الأستاذ عبدالله عمران، ولاحقاً اتجهت إلى دراستها كمادة أكاديمية منفردة ضمن التخصص. كما كان للمناسبات الدينية والاجتماعية خاصة كانت أم عامة، أثر إيجابي في توسيع مخيلتي الشعرية.

غالباً، ما ينتقل الشاعر من اتجاه شعري إلى آخر حسب عدة اعتبارات، منها سعياً للكمال الشعريّ ومنها بحثاً عن مسلك خاص به. وفي الحالتين قد يقع خلال هذا الانتقال في فخّ القصيدة الضائعة، لكن حبيب المعاتيق اختار شعر التفعيلة وبقي وفياً للقصيدة الكلاسيكية، حيث يعتقد أن اختيار الشعراء للكتابة وفق نمط كتابي معين، يتعلّق بشكل كبير بعوامل فطرية جينية في تركيبة كل منهم؛ حيث يقول: تماماً كأسباب التفضيلات الجمالية والذوقية التي لا نعلم مصدرها الأساسي، مثلاً من أين فضلنا اللون الأصفر على اللون الأزرق ولا الشكل الدائري على الشكل المربع. كذلك لا أنفي أثر القراءات المتعددة والبيئة الثقافية التي ينشأ فيها كل شاعر، كل هذا المزيج الحي يسهم في تشكّل الذائقة الشعرية لديه.

الشعر والفوتوغرافيا… لذة تلقِّ مزدوجة

على الرغم من خصوصيات كل منهما إلى أن الشاعر حبيب يمزج بين الشعر وفنّ الفوتوغرافيا، الذي ينفتح على التمازج الفني لاكتشاف لغة تعبيرية جديدة، حيث يتماهى في قصيدته الخطاب اللغوي والخطاب البصري. وعن سؤاله عن سبب اهتمامه هذا، قال: كوني مهتماً بهذين اللونين الإبداعيين، وجاءت الفكرة بشكل تلقائي في المزج بينهما في مشروع فني، خصوصاً أن المجالين يقومان على فكرة الصورة، تارةً تكون صورة بصرية وتارة أخرى هي صورة

ديوانه حزمة وجد… مزيج كلمة وصورة.

لغوية، هناك تواشج وعلاقة أنس وحب كبيرة بين هذين الفنين إذا ما مزجا معاً في قالب فنّي إبداعي، مهما كان موضوع القصيدة المطروح.

وعن سؤاله عما هو الغرض وراء الاستعانة بالصور الفوتوغرافية في شعره، يجيب: الباحثة في مجال الصورة والنصّ ليليان لوڤل تقول إن “دمج الصورة والنص في عمل واحد يهبُ المتلقي إحساساً مضاعفاً بالفكرة الفنية، ويولّد لذة تلقٍّ مزدوجة”، كذلك تماماً بالنسبة لكتابة النص على خلفيّة فوتوغرافية؛ فإن في تلك الممارسة ما يُعرف بالتخييل المضاعف، الصورة الفوتوغرافية تدفع بكثير من الأفكار والأحاسيس في مخيلة الشاعر تساهم وتسهل كتابة النص وتفتح له مدارج كثيرة للطيران من خلال النص البصري.

“حزمة وجد”… شعلة إنسانية

في ديوانه “حزمة وجد” مزج حبيب بين قصائده وبعض الصور الفوتوغرافية، إلى أن ذلك أسهم في توسيع قدرة القارئ على التقاط أفكاره بشكل أفضل، على حدّ اعتباره.

حيث يقول: إلى جانب الشعر والقصيدة أهتم كثيراً بتصوير الناس سواء بورتريات أو حياة الشارع أو ما يُعرف بالكانديد بورتريات اللقطات الإنسانية الحياتية. ومثل هذه اللقطات في العادة تكون مكتنزة بالكثير من المشاعر والأحاسيس والأفكار الإنسانية التي تصلح أن تكون كوةً تُفتح على نصّ لغوي. جمعت الكثير من الصور الفوتواغرافية التي تعكس الحياة الإنسانية بمختلف أشكالها، وأقمت معرضاً منها، المعرض يضم ٣٠ لوحة فوتوغرافية و٣٠ نص شعرياً موازياً؛ ودشّنت خلال المعرض إصداري الشعري الفوتوغرافي الأول “حُزمة وجد” عام ٢٠٠٨.

حافة “الأنا” الشعرية للمعاتيق

غالباً ما يتبع شعراء الكلاسيكية أم شعراء التفعيلة أناهم وعاطفتهم ويسعون إلى تجسيد ذلك خلال رحلتهم مع القصيدة إلا أن حبيب المعاتيق لا تتعلق أناه الشعرية بقالب كتابي عن غيره؛ فهي موجودة في كل الأشكال الكتابية وكذلك

معلقون على الحدائق… إهداء للأحباب

العاطفة، التي هي بمثابة الروح في النص الإبداعي بغض النظر عن شكله على حسب قوله. ويضيف: بعض النقاد يعطي قيمة كبيرة جداً لحضور العاطفة في النص الإبداعي بل يقيّم نجاح النصّ على مقدرة القصيدة على نقل شحناتها العاطفية إلى المتلقي نقلاً أميناً. بالنسبة إلي فإني في أعمالي الفوتوغرافية وكذلك نتاجي الأدبي أولي هذ الجانب في كتابة القصيدة أهمية قصوى، القصيدة والعمل الفني بدون روح عاطفية هو أشبه بالقالب الميت.

أما في الأسلوب، فيعتبر الالتزام تجاه قصيدة التفعيلة أمراً شاقاً، لكن حبيب المعاتيق يتعامل مع ذلك على نمط القصيدة الأساس يسعى إلى هدف القصيدة الأسمى. اذ يعتبر أن قصيدة التفعيلة جاءت لتخفف قليلاً من قيود العمودي ولو كان الشاعر يلتزم فيها بإيقاع ثابت وقافية غالباً، ولكن ذلك تخفيف عن التزامه بالإيقاع الخليلي الأكثر صرامة. وفي كلا اللونين الكتابيين، بالنسبة للشاعر، هناك صعوبة ما وضابطة؛ هذي الضابطة هي واحدة من أهم تحديات الكتابة الشعرية في النمط التقليدي، وبالطبع فإن الممارسة الشعرية الدائمة تهيئ الطريق لتذليل صعوبات الوزن وعوائق الإيقاع والقافية.

قصائد “الخميس الونيس”

يشارك الشاعر حبيب المعاتيق متابعيه على صفحات التواصل الاجتماعي كل خميس بقصائده. ويقول عن الفكرة: هي نمط من أنماط الحياة اليومية الالكترونية وطريقة لنشر القصائد والتي لاقت استحساناً كبيراً لدى الناس. تركز قصائد الخميس القصيرة – والتي لا تزيد عن دقيقتين – على الموضوعات الوجدانية بشكل عام ولعلّ ذلك سرّ من أسرار

يسعى إلى روحية الصورة الفوتوغرافية بأبيات الشعر

القبول الذي حظيت به، تلقيت عليها الكثير من ردود الفعل الإيجابية من مختلف المتابعين في الوطن العربي لأنها تخاطب الناس بشكل مجرد بعيداً عن الخصوصيات المذهبية والمناطقية والعرقية.

القصيدة السعوديّة اليوم

يعتقد حبيب المعاتيق أن الهوة بين المستوى الفني العام للقصيدة العربية بين الأقطار المختلفة بدأ ردمها شيئاً فشيئاً بفعل وسائل التواصل التي قرّبت البعيد؛ وصار من السهل على أي شاعر في أقصى تاروت أن يتشرّب ثقافة القصيدة.

ويقول عن وضع القصيدة في السعودية: المملكة في سنواتها الأخيرة تحديداً انفتحت على الثقافة من أوسع أبوابها ولم نعد نسمع بالثقافة الأحادية التي تكرّست كثيراً في سنوات غابرة؛ هذا الانفتاح بتنا نقطف ثماره عبر تبوّء الريادة في الكثير من المشاريع على الصعيد الأدبي والثقافي بشكل عام.

الشاعر حبيب المعاتيق في أسطر

الشاعر حبيب المعاتيق من مواليد الربيعيّة – تاروت – القطيف. وهو عضو منتدى الكوثر الأدبي. صدرت له مجموعتان شعريتان “معلّقون على الأحداق” ٢٠٢١، وأخرى بعنوان “حزمة وجد” ٢٠٠٨ مزج فيها بين الشعر والفوتوغراف.

فاز بمجموعة من الجوائز المحلية والخارجية. نشرت له العديد من القصائد واللقاءات الفنية والأدبية في مجموعة من الصحف المحلية والخليجية والعربية والقنوات الفضائية. كما له اهتمامات فوتوغرافية؛ فاز بمجموعة من الجوائز وأقام وشارك في الكثير من المعارض وفعاليات التصوير الضوئي.

العدد 130 / تموز 2022