قلق من تقاطع روسي أميركي أوروبي على رعاية حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي

محمد قواص *

تبدلت الأجندة التركية في سوريا عما كانت أنقرة تخطط له منذ عام 2011. أصبح لسوريا أمر واقع آخر، وأضحى الثقل الروسي حقيقة لا يمكن تجاوزها. انقلبت أولويات النظام السياسي أنقرة رأسا على عقب منذ محاولة الانقلاب صيف العام الماضي والتي ما زالت ارتداداته شديدة داخل تركيا حتى هذه الأيام. ثم أن ظهور عوارض نشوء كيان كردي معاد لتركيا في شمال سوريا أضحى هاجسا جامعا تتشارك به الموالاة والمعارضة التركية كما مؤسسا »الدولة العميقة«.

 تتصرف تركيا بتوتر شديد إزاء تنامي صعود »المسألة« الكردية في شمال سوريا. وتشعر الحكومة التركية أن هناك تقاطعا غربيا روسيا يعمل على رعاية الحراك الكردي السياسي والعسكري على الرغم من الهواجس التركية في هذا الشأن، وعلى الرغم من وحدة النظام السياسي والمعارضة )ما عدا تلك الكردية( على ضرورة منع تشكّل أي كيان كردي يكون مرتبطا بحزب العمال الكردستاني ويمثل امتدادا جغرافيا له في الداخل السوري.

وتراقب أنقرة بقلق استمرار الرعاية الأميركية العسكرية لقوات »حماية الشعب« الكردية ولـ »قوات سوريا الديمقراطية« التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة صالح مسلم. وقد تطورت الرعاية الأميركية في عهد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب من خلال تسليم الأكراد عربات مدرعة، فيما تقدم الطرف الكردي بطلبات تسليح تتضمن تزويد القوات الكردية بكاسحات ألغام وبصواريخ تاو المضادة للدروع للاستعانة بها في المعركة التي باشرتها في محافظة الرقة.

أنقرة تعوّل على وحدة موقف مع طهران لمنع قيام دولة كردية في المنطقة
أنقرة تعوّل على وحدة موقف مع طهران لمنع قيام دولة كردية في المنطقة

وتراقب أنقرة أيضا استقبال موسكو لوفد من حزب الاتحاد الديمقراطي في إطار مساعيها الدبلوماسية في الشأن السوري، على الرغم من التقارب الحاصل بين روسيا وتركيا ورعايتهما المشتركة لاتفاق وقف إطلاق النار مع شراكتهما في انتاج مفاعيل مؤتمر آستانة. وتستغرب أوساط سياسية تركية موقف موسكو الذي ما زال يعتبر الحزب الذي تعتبره تركيا إرهابيا شريكا كامنا لأي تسوية مقبلة في الشأن السوري، ناهيك عن أن مسودة الدستور التي اقترحتها موسكو على أطراف النزاع السوري مؤخرا، تلحظ وضعا فيدراليا يؤسس لقيام منطقة ذاتية كردية بمسميات مختلفة.

وكانت أنباء نشرتها وسائل إعلام روسية قد أشارت إلى أن موسكو تشرف على مباحثات تجري بين دمشق وحزب الاتحاد الديمقراطي لتقريب وجهات النظر والبناء على ما هو مشترك بين الطرفين. وكشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عن لقاءات جرت بين النظام السوري، والأكراد بوساطة موسكو. وقد كشف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مقابلة أجرتها معه صحيفة »إزفستيا« الروسية، الشهر الماضي، عن »محادثات جرت بين النظام السوري وممثلين عن الأكراد في قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية )غرب( بوساطة روسية، تم فيها بحث موضوع »الفيدرالية«. وأكد لافروف أن موسكو تبذل جهوداً حثيثة للتوصل إلى تفاهم بين الجانبين للحفاظ على وحدة البلاد، موضحا أن 4 لقاءات أجريت بين الجانبين في الفترة بين يونيو وديسمبر الماضيين، بوساطة روسية.

لكن استقبال قصر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لوفد كردي من حزب الاتحاد الديمقراطي أثار لدى الأوساط الحاكمة التركية مزيدا من القلق حول السرّ الذي يقف وراء توسيع المظلة الدولية فوق الحزب الكردي، خصوصا أن أحزابا كردية أخرى معارضة للحزب الذي يترأسه صالح مسلم تنضوي تحت مسمى المجلس لكردي السوري تنشط داخل مؤسسات المعارضة السورية، لا سيما الائتلاف المعارض وهم جزء من الهيئة العليا للمفاوضات، ولا يشاركون حزب الاتحاد الديمقراطي توجهاته وارتباطاته مع حزب العمال الكردستاني في تركيا، ومع ذلك فإن العواصم الدولية مهتمة فقط بفصيل صالح مسلم دون غيره.

وتؤكد مراجع دبلوماسية أن الهاجس الكردي في شمال سوريا احتل حيزا مهما في الاتصال الهاتفي )7من شهر شباط/فبراير المماضي( بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان. ورغم أن البيانات الرسمية الصادرة عن الطرفين لم توضح ما إذا كانت تركيا حصلت على وعود أميركية جديدة في هذا الشأن، إلا أن إعلان تركيا أنها تقدمت للطرف الأميركي بعد ذلك بخطة عسكرية شاملة لتحرير الرقة من تنظيم داعش الإرهابي، قد يكون سببه الطلب من ترامب بأن تقدم أنقرة خطة ناجعة بإمكانها أن تكون بديلا عن السياسة المعتمدة منذ عهد الرئيس السابق باراك أوباما في الاعتماد قصرا على القوى الكردية المطعمة بقوات غير كردية.

وكانت مصادر دبلوماسية في عهد الرئيس أوباما قد بررت لبعض شخصيات المعارضة اعتماد الولايات المتحدة على العنصر الكردي بأن الفصائل السورية العربية المقاتلة اشترطت مقاتلة النظام السوري قبل التوجه إلى قتال داعش، وأن الطرف الكردي كان حازما في خياره ضد داعش، كما أثبت قدرات قتالية عالية مدعمة بحوافز معنوية وعقائدية حققت إنجازات حقيقية ضد داعش في المنطقة.

ورغم الحساسية التي أثارتها حملة »دعم الفرات« التي أطلقتها تركيا في الشمال السوري بالنسبة لواشنطن، إلا أن الأخيرة سعت إلى تأمين حد أدنى من التعايش بين علاقاتها التركية وتلك الكردية واستخدمت نفوذها لدى الأكراد لتجنب أي تماس قد يتطور إلى صدام بين القوات التركية والكردية. ورغم دعم الولايات للحملة التركية التي تطيح بطموحات الأكراد في وصل كانتون كوباني شرقا بكانتون عفرين غربا، فإن واشنطن حافظت على علاقاتها مع الطرف الكردي وحافظت على اعتباره ركنا أساسيا في معركة الرقة.

تركيا تأمل أن ينجح برزاني في توسيع تجربة اقليم كردستان العراق باتجاه سوريا
تركيا تأمل أن ينجح برزاني في توسيع تجربة اقليم كردستان العراق باتجاه سوريا

ويقول خبراء في شؤون العلاقة التركية بالمسألة الكردية أن أنقرة لا تمانع بقيام كيان ما للأكراد شمال سوريا وفق الصيغ التي يتفق عليها السوريون، لكنها ترفض أن يُحكم هذا الكيان من قبل »حزب إرهابي« يرتبط بحزب إرهابي في تركيا، وهو الوصف الذي يطبقه الأكراد على حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره أنقرة ذراعا تحركه قيادة حزب العمال الكردستاني التركي الموجودة في جبال قنديل. ويقول هؤلاء أن تركيا تعاملت بشكل إيجابي مع إقليم كردستان في شمال العراق وطوّرت معه ومع رئيسه مسعود برزاني علاقات اقتصادية وأمنية وسياسية وصلت إلى مستوى الحلف الذي لطالما استفز الحكومة المركزية العراقية في بغداد.

ولا تخفي بعض الأوساط التركية المتخصصة في الشؤون الكردية تعويل أنقرة على قوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان العراق كما على النفوذ الذي يمتلكه برزاني في صفوف قسم من أكراد سوريا لقلب موازين القوى داخل المناطق الكردية في شمال سوريا، بحيث تأمل أنقرة أن تتمدد التجربة الكردية العراقية باتجاه سوريا لتشكل منطقة صديقة على الحدود مع تركيا تتيح تعاونا مع تركيا كما تمثل حاجزا أمنيا يطمئن الحاكم في أنقرة.

وقد تفاجأ المراقبون من تصريحات الرئيس التركي في المنامة عن عزم بلاده إقامة منطقة آمنة تتراوح مساحتها من أربعة إلى خمسة آلاف كيلومتر مربع شمال سوريا. واعتبر المراقبون أنه فيما كانت تركيا تعلن موافقتها المبدئية على اقتراح الرئيس الأميركي بإقامة مناطق آمنة في سوريا، إلا أنهم لاحظوا أن هذه الموافقة بدت وكأنها تجامل البيت الأبيض أكثر من كونه خياراً يلتقي مع ما كانت أنقرة تطالب به منذ بدايات الأزمة في سوريا.

وتقول بعض المصادر في أنقرة أن الوقائع الميدانية قد تغيرت وأن العاصمة التركية بدأت تخشى من أن تبيح »المناطق الآمنة« تكريس كيان للأكراد في شمال سوريا يلتقي مع الأفكار التي تضمنتها مسودة الدستور الذي اقترحته موسكو على أطراف الصراع في سوريا والذي يلحظ شكلا لامركزيا يقترب من مفهوم الفيدرالية التي سبق لموسكو ان روجت له حلا للنزاع السوري.

غير أن إعلان أردوغان عن »المنطقة التركية« الآمنة قد تكون نتيجة تفاهم تركي أميركي جاء بعد الاتصال الهاتفي بين رئيسي البلدين وبعد الزيارة العاجلة )9 من شهر شباط/فبراير الماضي( التي قام بها بعد يومين من هذا الاتصال مايك بومبيو مدير وكالة المخابرات المركزية )سي آي إيه( إلى أنقرة. ورأت مراجع دبلوماسية أوروبية أن مناطق أردوغان الآمنة هي الضربة التي تعد لها أنقرة لإزالة أي إمكانية لقيام الكيان الكردي الذي ترفضه أنقرة أيا كانت هوية الحاكم في تركيا.

وعلى الرغم من التباين التركي الإيراني المتعلق بالشأن السوري كما بأجندات البلدين الإقليمية، إلا أن أنقرة وطهران يتشاركان في موقف رفض إقامة كيان كردي شمال سوريا، لا سيما أنه قد يتسبب بعدوى تتمدد باتجاه مناطق الأكراد في إيران. ويرى محللون سياسيون أتراك أن أنقرة ستسعى إلى صيانة علاقاتها مع إيران بغية تصليب الموقف الإقليمي ضد قيام كيانات كردية قد تتحول إلى دولة كردية مستقلة تنفصل مكوناتها عن العراق وتركيا وسوريا وإيران. وكان سبق للبلدين، وبمناسبة زيارة قام بها الرئيس التركي إلى طهران، أن أعلنا موقفا واحدا يشدد »على وحدة الأراضي السورية« وعلى رفض مشاريع الفيدرالية التي كان لمح لها اقتراح روسي.

وتقول أوساط سياسية تركية معارضة أن حكومة حزب العدالة والتنمية، كما حكومة أي طرف آخر، لن تقبل بقيام الكيان الكردي شمال سوري وفق الشروط الراهنة التي يمسك بها الحزب الكردي بقيادة صالح مسلم، وأن سلم الأولويات التركية الاستراتيجية قد انقلب لجهة إمكانية التساكن مع نظام دمشق والقبول باستمرار الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم إذا ما كان أمر ذلك يضمن غياب كردي مسلم عن المشهد. وتدعو هذه الأوساط إلى مراقبة مجريات معركة مدينة الباب التي تخوضها تركيا بالتحالف مع فصائل معارضة من الشمال، فيما تخوضها القوات السورية التابعة للنظام في دمشق بالتحالف مع الميليشيات التابعة لإيران من الجنوب. وترى هذه الأوساط أن المعركة أضحت امتحانا على مدى قبول أنقرة بشراكة مع دمشق تتيح تنسيقا مشتركا لتحرير المدينة من داعش، أو مدى إمكانية تعايش الطرفين ميدانيا في شأن هذه المدينة.

لكن بعض المصادر القريبة من كواليس القرار في أنقرة كشفت أن المسؤولين الأتراك حريصون من خلال اجتماعاتهم الأخيرة مع رياض حجاب منسق الهيئة العليا للمفاوضات وأنس العبدة رئيس الائتلاف السوري المعارض، كما مع ممثلين عن المجلس الوطني الكردي والمجلس التركمان السوري، على عدم وجود وفد لحزب الاتحاد الديمقراطي داخل وفد المعارضة إلى مؤتمر جنيف )23 من الشهر الماضي(، وهو تماما ما حصل من خلال خلو وفد المعارضة المشكل من أي حضور لهذا الفصيل. وتذهب هذه المصادر أن تركيا قد لا تعتبر نفسها معنية بالجهود الدبلوماسية حول الشأن السوري إذا ما كانت ستفضي إلى تعويم حزب صالح مسلم، وبالتالي أن أنقرة قد تتحول بسبب ذلك من عامل استقرار إلى عامل تفجير في سوريا.

ما هدف باريس من استقبال وفد اكراد سوريا؟
ما هدف باريس من استقبال وفد اكراد سوريا؟

ولم يكشف النقاب بشكل جلي عن نتائج الزيارة التي قام بها مدير وكالة المخابرات الأميركية )سي آي إيه( مايك بومبيو إلى تركيا. الرجل دشن أول زيارة خارج البلاد منذ تعيينه في هذا المنصب بالتوجه نحو أنقرة. الصحافة التركية قالت إنه »جاء من أجل الرقة«، ولا شك أن الجانب التركي أغدق في تقديم العروض لإعادة ثقة واشنطن بتركيا حليفا أطلسيا بالإمكان الاعتماد على قوته، وبالتالي الاستغناء عن البديل الكردي. لكن العواصم، كل العواصم، بما فيها موسكو بدأت تشعر أن قضية الأكراد ورقة هامة في يدها ستمعن في استخدامها داخل »لعبة أمم« جديدة تعيد رسم مشهد الشرق الأوسط.

على أية حال فإن الرئيس التركي لا يملك خيارا آخر سوى القبول بأي تحالفات وأي مناورات ترفع »الخطر« الكردي عن حدود تركيا. في ذلك أن البراغماتية والرشاقة التي عبرت عنها أنقرة من خلال تطبيع علاقات عالي المستوى مع إسرائيل وروسيا قد تكشف عن مرونة قياسية في استيعاب التحولات في سبيل اسقاط الاحتمال الكردي وابعاد كأسه المر عن قدره بالقرب وداخل تركيا.

تركيا لا تمانع بقيام كيان ما للأكراد شمال سوريا وفق الصيغ التي يتفق عليها السوريون، لكنها ترفض أن يُحكم هذا الكيان من قبل »حزب إرهابي« يرتبط بحزب إرهابي في تركيا، وهو الوصف الذي يطلقه الأتراك على حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره أنقرة ذراعا تحركه قيادة حزب العمال الكردستاني التركي الموجودة في جبال قنديل. ويقول هؤلاء أن تركيا تعاملت بشكل إيجابي مع إقليم كردستان في شمال العراق وطوّرت معه ومع رئيسه مسعود برزاني علاقات اقتصادية وأمنية وسياسية وصلت إلى مستوى الحلف الذي لطالما استفز الحكومة المركزية العراقية في بغداد.

وعلى الرغم من التباين التركي الإيراني المتعلق بالشأن السوري كما بأجندات البلدين الإقليمية، إلا أن أنقرة وطهران تتشاركان في موقف رفض إقامة كيان كردي شمال سوريا، لا سيما أنه قد يتسبب بعدوى تتمدد باتجاه مناطق الأكراد في إيران. ويرى محللون سياسيون أتراك أن أنقرة ستسعى إلى صيانة علاقاتها مع إيران بغية تصليب الموقف الإقليمي ضد قيام كيانات كردية قد تتحول إلى دولة كردية مستقلة تنفصل مكوناتها عن العراق وتركيا وسوريا وإيران. وكان سبق للبلدين، وبمناسبة زيارة قام بها الرئيس التركي إلى طهران، أن أعلنا موقفا واحدا يشدد »على وحدة الأراضي السورية« وعلى رفض مشاريع الفيدرالية التي كان لمح لها اقتراح روسي.

حزب الاتحاد الديمقراطي

هو فرع سوري من حزب العمال الكردستاني. يدعو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني إلى الاعتراف الدستوري بالحقوق الكردية و«الحكم الذاتي الديمقراطي«، ويرفض النماذج الكلاسيكية مثل الفيدرالية والإدارة الذاتية.

وعانى حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تأسّس في العام 2003، كفرع من حزب العمال الكردستاني، من سنوات من القمع العنيف على يد النظام السوري، في أعقاب توقيع اتفاق أضنة مع تركيا )1998( وطرد زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان من سورية. في أعقاب اندلاع البركان السوري، انضم حزب الاتحاد الديمقراطي إلى الحركة الوطنية الكردية في أيار/ مايو 2011، لكنه امتنع عن الانضمام إلى الجزء الأكبر من أحزاب المعارضة الكردية التي شكّلت المجلس الوطني الكردستاني في تشرين الأول/أكتوبر 2011. ومنذ تموز/يوليو 2011، لعب الحزب دوراً محدوداً كعضو مؤسّس لهيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي، وانضم إلى الهيئة المعارضة لحزب العمال الكردستاني المعروفة باسم مجلس شعب غربي كردستان، والتي تأسست في 16 كانون الأول/ديسمبر 2011.

واعتمد حزب الاتحاد الديمقراطي موقفاً غامضا من الموقف من النظام. فهو يقف موقفاً مجافياً ومعادياً للأغلبية الواسعة من المعارضة المنظّمة، ويتّهم المجلس الوطني السوري بأنه تابع لتركيا، بينما يعارض أيضاً المجلس الوطني الكردي بسبب توتّرات طويلة الأمد بين مسعود بارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان في العراق، الذي يعتبر مؤيّداً بارزاً للمجلس الوطني الكردي، وعبد الله أوجلان. وعلاوة على ذلك، وبعد الهجمات العنيفة التي قام بها ضد المتظاهرين الأكراد في أربيل وحلب ودوره المزعوم في اغتيال مشعل تمّو )زعيم تيار المستقبل الكردي(، اتُّهِمَ حزب الاتحاد الديمقراطي بالتعاون ضمنياً مع النظام السوري.

 في 11 حزيران/يونيو 2012، وقّع مجلس شعب غربي كردستان اتفاقاً للتعاون مع المجلس الوطني الكردي، وشكّلا »المجلس الأعلى الكردي« المشترك. وألزم اتفاق تكميلي تم توقيعه بالأحرف الأولى يوم 1 تموز/يوليو كلا الجانبين بإنشاء لجان أمنية وقوات دفاع مدنية غير مسلحة لحماية المناطق الكردية. ورغم هذه الاتفاقات، اتهم المجلس الوطني الكردي حزب الاتحاد الديمقراطي بمهاجمة المتظاهرين الأكراد، واختطاف أعضاء في أحزاب معارضة كردية أخرى، وإقامة نقاط تفتيش مسلحة على طول الحدود مع تركيا.

 أصبح المهندس الكيميائي صالح مسلم محمد رئيساً للحزب في العام 2010. كان مسلم يقيم في الأصل في العراق كي يتجنب الاضطهاد السياسي، لكنه عاد إلى سورية للمشاركة مباشرة في الأحداث التي بدأت تتكشّف. أعيد تأكيد زعامته في المؤتمر الاستثنائي الخامس للحزب الذي عقد في 16 حزيران/يونيو 2012، والذي تم فيه توسيع اللجنة المركزية للحزب، وتقديم القيادة المزدوجة. وقد انتخبت آسية عبد الله رئيساً مشاركاً للحزب.

قوات سوريا الديمقراطية

بعد أن سيطر تنظيم »داعش« على الموصل وقطع رأس صحفيين أمريكيين في عام 2014، وجّهت واشنطن جهودها نحو محاربة التنظيم. وتحقيقاً لهذه الغاية، بدأت وزارة الدفاع الأمريكية بدعم »حزب الاتحاد الديمقراطي« الكردي وجناحه المسلّح المعروف بـ  »وحدات حماية الشعب«، علماً أنّ »حزب الاتحاد الديمقراطي« هو الفرع السوري لـ »حزب العمال الكردستاني« – جماعة تركية تحارب أنقرة منذ عام 1984 – وهو مُدرج على لائحة وزارة الخارجية الأمريكية للإرهاب منذ عام 1997.

وفي عام 2014، ساعدت الهجمات الجوية الأمريكية »وحدات حماية الشعب« على طرد تنظيم »الدولة الإسلامية« من كوباني وهي بلدة شمالية حدودية في سوريا. ومنذ ذلك الحين، نسق المقاتلون الأكراد بالتعاون مع واشنطن شن هجمات جوية أخرى في محافظتي الحسكة والرقّة في شمالي البلاد. ومع تحوّل »وحدات حماية الشعب« شيئاً فشيئاً إلى القوة المقاتلة الأكثر فعالية ضدّ الجهاديين، رفعت واشنطن سقف مساعداتها. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2015، ألقت الطائرات الأمريكية 50 طنّاً من الذخيرة بشكل 100 حزمة إلى جماعة سنّية عربية مدعومة من »وحدات حماية الشعب« تُعرف باسم »قوات سوريا الديمقراطية«. وفي وقت لاحق من الشهر نفسه، وصل خمسون عنصراً من »القوّات الخاصة الأمريكية« إلى منطقة يسيطر عليها »حزب الاتحاد الديمقراطي« لتدريب مقاتليه وتسليحهم. ومؤخراً قامت القوات الأمريكية بالسيطرة على مهبط طائرات موسع جنوب بلدة رُميلان التي يسيطر عليها »حزب الاتحاد الديمقراطي« لتوفير الإمدادات بطريقة أسهل لـ »قوات سوريا الديمقراطية« وتسليمها الأسلحة.

في بعض الأحيان، يكون الدافع وراء سياسة واشنطن في سوريا كامناً في الفرص التكتيكية بدلاً من الاعتبارات الاستراتيجية. وتتوضّح هذه الحقيقة من خلال معركة كوباني والعلاقة التي أعقبت ذلك مع »حزب الاتحاد الديمقراطي«. فمنذ وقت ليس بطويل، في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2014، رفض المبعوث الرئاسي الأمريكي السابق للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم »الدولة الإسلامية«، الجنرال جون ألين، وصْف كوباني على أنها »هدف استراتيجي«، على الرغم من أن واشنطن كانت ترسل الموارد اللازمة على نحو متزايد إلى المدينة. واعترف المبعوث الرئاسي الأمريكي الحالي للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم »داعش«، بريت ماكغورك، قائلاً: »نحن لم نركّز قطّ على كوباني عندما حددنا الاستراتيجية، وبعد ذلك أصبحت كوباني فرصة لنا.«

لقد عبّرت واشنطن مراراً عن سياستها المضادة لتنظيم »الدولة الإسلامية«، بما في ذلك شقّ العراق، والذي تعمل بموجبه جنباً إلى جنب مع الحكومة المركزية [في بغداد]. غير أنّ واشنطن وجدت هذه المهمة أصعب بكثير في سوريا نظراً إلى تنوّع الجماعات التي تحارب في الميدان، وانعدام دولة شريكة. لذا، يجب على واشنطن أن ترسم أهدافها بوضوح حول ما إذا كانت تريد إضعاف تنظيم »داعش« والقضاء عليه، أو إسقاط النظام، أو إنقاذ الدولة السورية من التفكك. وكما يتضح، تتعارض هذه الأهداف مع سياسات واشنطن الحالية في بعض الأحيان. فالترّكيز بشكل حصري على تنظيم »الدولة الإسلامية« يخاطر بعزل جماعات »الجيش السوري الحر« والسكان المحليين اللازمين لمقاتلة التنظيم الجهادي بشكل فعّال. وبالمثل، فإن تسليح ألوية »الجيش السوري الحر« لمحاربة النظام لا يعزز هدف القضاء على تنظيم »الدولة الإسلامية«. ويهدّد العمل مع »حزب الاتحاد الديمقراطي« بتكرار السياسة الأمريكية في العراق والتي وصفها ماكغورك والجنرال ألين بأنها » فيدرالية وظيفية تسعى إلى تفويض السلطة للمحافظين )حكام المحافظات(«. ومثل هذا النهج يضعف الحكومة المركزية من خلال إطلاق العنان لقوى مندفعة نحو المركز قد لا تكون الحكومات المستقبلية قادرة على السيطرة عليها.

وغني عن القول، أنّ مثل هذه السياسة تغامر باستبعاد تركيا. فقد يؤدي تصاعد الصراع الكردي- التركي في النهاية إلى وضع واشنطن أمام معضلة، مرغماً إياها على الاختيار إما بين حليف أدّى إلى خيبة أملها مراراً وتكراراً في حملتها ضدّ تنظيم »داعش« أو حليف محتمل فاق كل التوقعات.