ضرب الأونروا ..بداية مخطط إسرائيلي لطي ملف اللاجئين وتصفية القضية الفلسطينية

صرخة إلى العالم العربي والإسلامي من كارثة محققة

“18 مانحا أوقفوا دعمهم للأونروا، ولن يمكن للوكالة أن تكون قادرة على تقديم خدماتها بعد نهاية شهر مارس، ولا نملك رؤية واضحة عن كيفية مواصلة عملياتنا بعد ذلك.”.. كانت هذه أجزاء من تصريحات دوروث كلاوس مديرة شؤون وكالة الأونروا في لبنان في أعقاب تجميد عدد كبير من الدول للدعم الذي يقدمونه لهذه المؤسسة الدولية الحيوية والإنسانية، وهي تعكس حجم الأزمة وصعوبتها وما يمكن أن ينجم عنها من كوارث إنسانية خطيرة لتعمق من أوجاع وآلام الفلسطينيين الذين ليسوا في حاجة إلى أزمات أخرى تزيد من معاناتهم في ظل الحرب الشرسة والإجرامية التي يشنها الإحتلال الإسرائيلي عليهم.

لم تكتف إسرائيل بما ارتكبته من جرائم راح ضحيتها عشرات الآلاف ما بين قتلى وجرحى أغلبهم من النساء والأطفال، بخلاف ملايين المشردين الذين حرمتهم الحرب من أبسط حقوقهم الإنسانية، بل عمدت إلى التضييق عليهم بتجويعهم وتعطيشهم ومنع الأدوية عنهم، إلى جانب العمل على قطع الطريق أمام كل أيادي العون التي تمتد لمساعدة الفلسطينيين على تجاوز محنتهم الصعبة وكأنها تتعمد إبادة الشعب الفلسطيني بكل الوسائل. وقد تجسد ذلك بشكل فاضح في سعي إسرائيل لطي صفحة الأونروا  في الأراضي الفلسطينية دون أن تخفي هدفها الأساسي في إنهاء وجود هذه الوكالة واستبدالها بمنظمات دولية أخرى بحسب ما كشفته يديعوت أحرونوت الإسرائيلية. وكانت إسرائيل قد اتهمت عددا من موظفي الأونروا – حوالي 12 متهما – بالتورط في هجوم السابع من أكتوبر، وذلك من إجمالي 30 ألف من موظفي الوكالة، مما ترتب على ذلك قيام عدد من الدول المانحة للأونروا بتعليق دعمهم للوكالة الإنسانية على خلفية الإتهامات المزعومة مما أثار قلق الأمم المتحدة بحكم أن الأونروا تمثل عصب حياة بالنسبة للفلسطينيين داخل وخارج الأراضي الفلسطينية بما فيها قطاع غزة الذي يشهد الحرب الإسرائيلية  الوحشية على سكانه. وتأكيدا على خطورة الوضع المترتب على تجميد الدعم الدولي، حذر المفوض العام للأونروا  فيليب لازاريني من عواقب وخيمة نتيجة توقف الخدمات بسبب العجز عن توفيرها نتيجة لعدم توفر الإمكانيات المالية.

جاء ذلك بينما كانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، تحذر من “انتشار مقلق” للأمراض في قطاع غزة، بسبب نقص المياه النظيفة والصرف الصحي، في ظل استمرار الحرب وتوقف أو تأثر 84% من المرافق الصحية في القطاع.

الوضع مهدد بكارثة إنسانية وفوضى خطيرة

عن أهمية الدور الذي تلعبه وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين تقول الباحثة الفلسطينية رهام عودة في تصريحات خاصة ل”الحصاد”  أن الأونروا تعد من أكبر المؤسسات الأممية و الإنسانية التي تقدم مساعدات إغاثية للاجئين الفلسطينيين وخدمات إنسانية في أوقات السلم والحرب، فعلى سبيل المثال تقدم الأونروا  مساعدات غذائية و مساعدات نقدية، بالإضافة الي تقديم خدمات صحية ودعم نفسي و خدمات تعليمية ، وفي حال إيقاف عملها سيتم حرمان ما يزيد عن 1,4 مليون لاجئ، في 58 مخيم معترف به للاجئين في كل من الأردن ولبنان والجمهورية العربية السورية وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، من هذه الخدمات الإنسانية الأساسية مما سيؤدي الي زيادة نسبة الفقر و الهشاشة بين هؤلاء اللاجئين. وفي غزة بالذات سيؤثر إغلاق مكاتب الأونروا بشكل سلبي على النازحين الموجودين في ملاجئ الوكالة الإنسانية و الذين يتلقون خدمات إغاثية عاجلة منها خلال فترة الحرب الحالية، مما ينذر بحدوث كارثة انسانية وفوضي كبيرة في توزيع المساعدات الانسانية للاجئين بشكل عام والنازحين بشكل خاص في ظل حرب عنيفة تقيد بها إسرائيل حجم المساعدات الإنسانية المسموح بعبورها للقطاع، إضافة لذلك هناك أثر سياسي يتعلق بحق عودة اللاجئين إلي أراضي فلسطين التاريخية، حيث أنه باغلاق الأونروا، يعني ذلك إغلاق ملف اللاجئين الفلسطينين المتواجدين في البلاد العربية والضفة الغربية وغزة و ذلك عبر إلغاء عملية تسجيل أبناء و أحفاد اللاجئين من المواليد الجدد الذي يتم عادة تسجيلهم في سجلات الأونروا لضمان استفادتهم من خدماتها الانسانية ولتوثيق وضعهم كلاجئين لهم الحق بالعودة ضمن الحل النهائي للقضية الفلسطينية. وبإغلاق الأونروا سيتم إغلاق كل ما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين والعمل على توطينهم في أماكن سكناهم وإحالة ملفاتهم لمؤسسات أممية أخرى تعمل بشكل عام على تسهيل الهجرة للاجئين بشكل طوعي إلي بلاد غربية أو تقدم لهم خدمات إغاثية بشكل مؤقت أثناء فترة الحروب و ليس خدمات أساسية مستدامة وتنموية مثل الخدمات التي تقدمها الأونروا عادة في الظروف العادية و التي تشمل خدمات تعليمية وصحية مستدامه.

وكانت إسرائيل قد تبنت خطة أعلنت فيها الحرب على وكالة الأونروا وذلك من خلال بعض الإجراءات التي كشفها الكاتب السياسي والباحث الفلسطيني الخبير في الشؤون الإسرائيلية، إسماعيل مسلماني وذلك في تصريحات خاصة ل”الحصاد” وقد شملت هذه الإجراءات قرار وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، إلغاء الإعفاءات الضريبية لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” وهو القرار الذي ينتظر آراء من وزارتي العدل والخارجية الإسرائيليتين، قبل أن يدخل حيز التنفيذ.

يذكر أن الأونروا تتمتع حاليا ببعض المزايا، قبل اتخاذ أية قرارات لتعطيلها، حيث يحق لها الحصول على إعفاء من ضريبة القيمة المضافة على الواردات، وضريبة قيمة مضافة تبلغ صفر على استخدامات معينة للوقود، والإعفاء من الضريبة الانتقائية على الوقود. ومن ثم فإن قرار الوزير الإسرائيلي يعني أن تضع إسرائيل نظاما ضريبيا وتطبقه محليا، وتجبر الفلسطينيين على غلاف جمركي واحد معها، وفق بروتوكول باريس الاقتصادي، رغم فجوة الأجور الواسعة بين البلدين. وأن تخضع جميع المؤسسات والشركات لذات النظام الضريبي (الدخل، القيمة المضافة، الجمارك) وغيرها من الضرائب المعمول بها وفق القوانين ومنها مؤسسات، تتبع الأمم المتحدة، كانت معفاة من هذه الضرائب والجمارك، وبالتالي فإن مشتريات هذه المؤسسات من السوق الإسرائيلية أو من الخارج وتوريدها إلى إسرائيل قد يخضع لهذه الضرائب مع تفعيل القرار الإسرائيلي. وبالتالي تكون الوكالة مطالبة بدفع الضريبة على مختلف مشترياتها من السلع، ما يعني عبئا ماليا إضافيا، في وقت تعاني من شح المنح الخارجية. وإذا كانت مشتريات الأونروا من السلع سنويا تبلغ 200 مليون دولار، فإنها ستكون مطالبة بعد تنفيذ قرار إلغاء الإعفاء، بدفع ضريبة قيمة مضافة تبلغ 34 مليون دولار.

لاشك أن توقف أو تعطل عمل الأونروا بسبب العجز عن توفير إمكانيات يتسبب في مخاطر كثيرة في ظل أهمية الدور الحيوي للوكالة خاصة في المناطق المشتعلة بنيران الحرب في قطاع غزة والتي يوجد فيها 4 مراكز صحية تابعة للأونروا من أصل 22 مركزا بالقطاع. ومع تزايد أعداد النازحين ووجود 1.4 مليون نازح في مدينة رفح وحدها يزداد الضغط بشدة على الخدمات المقدمة من وكالة الغوث وهو ما يعني أن توقف عملهاأو تأثره بتجميد المنح المخصصة لها من قبل دول العالم يعني كوارث إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة.

وقف عمل 30 ألف موظفا بالأونروا للشك في 13 منهم

وكانت مجموعة من الدول بلغ عددها 18 دولة قد سارعت بإعلان تجميدها لمنحها المقدمة للأونروا دعما للمزاعم الإسرائيلية دون انتظار أية تحقيقات ودون النظر بعين العدالة إلى حجم الجرائم والقتل والدمار الذي ارتكبته إسرائيل بحق البشر والحجر خلال الأشهر الأربعة الماضية، أو المطالبة بمحاكمة قادتها على جرائمهم البشعة ضد كل معاني الإنسانية والتزمت الصمت الشيطاني، في الوقت الذي سارعت باتخاذ موقف داعم لإسرائيل لمجرد الزعم والتشكيك بحق 13 موظفا من أصل 30 ألف يعملون لإنقاذ الأرواح وتوفير المتاح من الخدمات الآدمية البسيطة.

وانضمت بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وسويسرا وفنلندا السبت إلى الولايات المتحدة وأستراليا وكندا ومعهم نيوزيلندا ورومانيا والنمسا واليابان في قرار تعليق التمويل للأونروا.

ومع ذلك كانت هناك مواقف أكثر إنسانية وأكثر جدارة بالإحترام لدول قررت استمرار دعمها للأونروا إيمانا برسالتها الإنسانيي السامية منها إسبانيا والنرويج التي أعلنت عن تقديمها 26 مليون دولار مساعدات لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”. كما أعلنت فرنسا وسويسرا أنهما تنتظران النحقيقات قبل اتخاذ أية إجراءات خاصة بوقف أو تجميد المنح. بينما طالب الاتحاد الأوروبي    بتدقيق “عاجل” في عمل الوكالة الأممية. وأكدت المفوضية الأوروبية في بيان أنها “ستحدد قرارات التمويل المقبلة للأونروا في ضوء الادعاءات الخطرة المتعلقة بتورط موظفي الأونروا في هجمات 7 أكتوبر الماضي.”

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد قرر تعيين مجموعة مستقلة لإجراء مراجعة لعمل وكالة الأونروا، بقيادة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا، حيث تعمل على تقييم ما إذا كانت الوكالة “تفعل كل ما بوسعها لضمان حيادها والاستجابة لادعاءات ارتكاب انتهاكات خطيرة عند حدوثها. وهو الأمر الذي تقرر أن يتم بالتعاون مع 3 منظمات بحثية هي: معهد راؤول والنبرغ في السويد، ومعهد ميشيلسن في النرويج، والمعهد الدنماركي لحقوق الإنسان. ومن المخطط له أن تقدم المجموعة تقريرها الأولي إلى الأمين العام للأمم المتحدة نهاية مارس بينما تستكمل التقرير النهائي مع نهاية شهر إبريل المقبل.

جدير بالذكر أنه تم تأسيس “الأونروا” بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، وتم تفويضها بتقديم المساعدة والحماية للاجئين في مناطق عملياتها الخمس، الأردن، وسوريا، ولبنان، والضفة الغربية، وقطاع غزة، حتى التوصل إلى حل عادل لمشكلتهم.

وتبلغ نفقات الوكالة الإنسانية الأممية في فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، قرابة 600 مليون دولار سنويا، بما يشكل قرابة 45 بالمئة من مجمل ميزانية الوكالة في مختلف مناطق عملياتها (الأردن، لبنان، سوريا، فلسطين).

إن مشكلة الأونروا ليست مجرد أزمة مالية لمؤسسة أممية ذات طبيعة إنسانية فقط، وإنما هي أزمة في إطار أقرب للعقاب الجماعي الذي يستهدف الفلسطينيين الذين يدفعون الثمن الأفدح من حياتهم ومستقبل أبنائهم المهددين بالحرمان من حق العودة لأوطانهم كلاجئين باعتبار أن القضاء على الأونروا يعني التخلص من ملفات اللاجئين وإسقاط فرض التفاوض على حق عودتهم بما يدمرالقضية الفلسطينية في أحد أركانها الأساسية.

تصفية القضية الفلسطينية

لاشك أن التضييق على نشاط الأونروا وعرقلته عن أداء دوره في الأراضي المحتلة من خلال تلك التهم المزعومة والدعوة إلى إحلال كيانات أخرى بديلة لتحل محله، يكشف عن مخطط خبيث للإحتلال الإسرائيلي متمثل في تصفية القضية الفلسطينية والتخلص من فكرة عودة أصحاب الأرض لأراضيهم. وهو ما يؤكده الخبير الفلسطيني إسماعيل مسلماني في حديثه الخاص للحصاد حيث قال إن إسرائيل تشعر بالعداء تجاه وكالة الأونروا لأن تقاريرها تكشف للعالم الحقائق الخاصة بالفظاع والجرائم التي يرتكبها الإحتلال ضد الفلسطينيين وضد سكان المخيمات الذين ترعاهم الوكالة الدولية. وأضاف أن الأونروا بطبيعتها لها ممثليات في العديد من المناطق المحتلة منها في القدس وغزة وبلدة الشيخ جراح وغيرها وتشعر إسرائيل بالعداء تجاه هذه المخيمات المكتظة بالسكان لأنها تمثل صورة العودة للفلسطينيين لأرضهم والذين يقومون بإحياء ذكرى النكبة يوم 15 مايو  من كل عام ومن ثم ترى أنها تشكل حالة نضالية كما أن سكانها الأكثر فقرا وظلما وبطالة ومعاناة من الظروف الصعبة التي يفرضها الإحتلال الإسرائيلي عليهم، يتصدرون المشهد الكفاحي والنضالي ويمثلون تذكيرا دائما للشعب الفلسطيني بقضيته، كما أنهم كانوا ولايزالون مصدرا لاشتعال الانتفاضات ضد المحتل وهو ما جعل إسرائيل تضيق بهذه المخيمات وكثيرا ما كانت هناك محاولات إسرائيلية لإلغاء هذه المخيمات لولا دعم الأونروا ومساعدتهم للفلسطينيين المتمثلة في المعونات الشهرية والاهتمام بالصحة والتعليم. ولذلك ظهر التوجه داخل إسرائيل للتخلص من الوكالة الإنسانية خاصة بعد أن ساهمت تقاريرها الدولية للعالم في كشف العديد من الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين. وهو ما حدث في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي حيث استندت في دعواها على كثير من تقارير الأونروا الدولية. ويضيف مسلماني قائلا: إن إسرائيل تسعى حاليا لمنع أي تواصل بين سكان المخيمات الفلسطينيين وبين المجتمع الدولي وتصفية هذه الأماكن وكان هناك مستوطنون في منطقة الشيخ جراح يطالبون بتحويل مخيم شعفاط بالقدس وإعادة بناء الهيكل المزعوم من جديد بما يتناسب مع تطوير البنية التحتية. وهناك أيضا دعوات لتحويل المخيمات إلى قرى ومدن وهو ما يرفضه الفلسطينيون الذين يرونها نموذجا لحقهم في العودة.

ويختتم مسلماني مؤكدا للحصاد على أن هناك نية مبيتة لطي صفحة اللاجئين وشطب القضية الفلسطينية وتصفيتها من خلال ضرب كل المؤسسات الدولية التي تدعم وتساعد الفلسطينيين وعلى رأسها وكالة غوث اللاجئين “الأونروا” التي تعد رمزا  لحق العودة لكل فلسطيني إلى أرضه وتعتبرها إسرائيل مؤسسة عدائية يجب التخلص منها.

إذا كان هذا هو الموقف الإسرائيلي ومعه بعض الدول التي أوقفت منحها للأونروا للضغط عليها ومنعها من أداء عملها، فماذا عن الموقف العربي والإسلامي؟ أليس من الأجدر أن تكون هناك مواقف أكثر  فاعلية بإدرار المزيد من التبرعات لدعم هذه الوكالة أسوة ببعض الدول الأجنبية التي قررت استمرار الدعم أو عدلت عن قرار  تجميد المنح! كما أن التلاعب بالقضية الفلسطينية وملف اللاجئين بهذه الطريقة الخطيرة يجب أن يدركه السياسيون العرب المحنكون ويتخذوا مواقف سياسية حاسمة لحماية القضية تتجاوز الدعم المادي وتذهب بعيدا عن عبارات الشجب والتنديد.