الصين خفضت هدفها للنمو في 2017 إلى %6.5 وهو الأدنى منذ 1990

لندن: جمال الجزائري

عزّز تخفيض الصين هدفها للنمو للعام الحالي مخاوف حول صحة الاقتصاد الصيني ومخاطر ذلك على الاقتصاد العالمي عموماً.. ففي علامة أخرى من علامات ˜الوهن خفضت الحكومة الصينية هدفها للنمو لهذا العام 2017 إلى 6.5، وهو الأدنى منذ 1990،وذلك في ظل استمرار مسلسل تباطؤ ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والذي ظل لسنوات يعتبر مصنع ومحرك النمو العالمي. وكان الاقتصاد الصيني سجل معدل نمو بلغ 6.7 في 2016، وقبلها سجل 6.9 في 2015.

وظل الاقتصاد الصيني يسجل معدلات نمو مذهلة خلال ربع القرن الماضي، حيث بلغت في فترة ما 10، لكن منذ الأزمة المالية العالمية بدأ مسلسل الهبوط، ولم يتمكن من العودة إلى التحليق مثلما كان في السابق.

وقد خفضت الصين هدفها للنمو هذا العام مع مضي ثاني أكبر اقتصاد في العالم وفي إصلاحات مؤلمة لمعالجة تنامي الديون وإقامة ˜سياج حماية لدرء المخاطر المالية.

وقال رئيس الوزراء لي كه تشيانغ في تقرير عمل خلال افتتاح الاجتماع السنوي للبرلمان خلال الشهر الماضي إن الصين تستهدف نمو الاقتصاد نحو 6.5 بالمئة. وقال لي إن الهدف واقعي.

و قد اعتبر صندوق النقد الدولي إن المستوى الجديد الذي تستهدفه الصين للنمو الاقتصادي يبدو قابلا للتحقيق أنه لا يرى تهديدا وشيكا لسعر صرف العملة الصينية من تدفقات رأسمالية إلى الخارج.

وقال جيري رايس المتحدث باسم الصندوق إن القوة الدافعة للاقتصاد في الصين من المتوقع أن تجعلها قادرة على بلوغ أهدافها للنمو لأنها الآن تتماشى مع التوقعات الحالية لصندوق النقد.

رئيس وزراء الصين لي كه تشيانغ: هدفنا نمو الاقتصاد 6.5 بالمئة
رئيس وزراء الصين لي كه تشيانغ: هدفنا نمو الاقتصاد 6.5 بالمئة

وقال رايس ˜نواصل النصح بتقليل التركيز على مستويات مرتفعة لنمو الناتج المحلي الإجمالي والتركيز بشكل أكبر على التصدي لنمو مفرط في الائتمان وتشديد قيود الميزانية بشأن المشاريع المملوكة للدولة ودعم شبكة الأمان الاجتماعي.

وعن ضغوط التدفقات الرأسمالية من الصين قال ˜أعتقد أن التدفقات الرأسمالية إلى الخارج ستصبح فقط مدعاة للقلق إذا أدت إلى تعديل غير منظم لسعر الصرف. ونحن لا نرى الآن مصوغا لمثل هذا القلق.

وشددت الصين القيود الرأسمالية لوقف التدفقات إلى الخارج في الأشهر القليلة الماضية وباعت مئات المليارات من الدولارات من احتياطياتها من النقد الأجنبي للمساعدة في دعم قيمة اليوان.

كان هدف النمو الصيني بين 6.5 وسبعة بالمئة العام الماضي وبلغت النسبة المحققة 6.7 بالمئة بفضل قروض مصرفية قياسية وطفرة مضاربات بقطاع الإسكان واستثمارات حكومية بالمليارات.

بكين تستعد لمواجهة أوضاع أشد تعقيدا وخطورة

لكن مع تحرك الحكومة لتهدئة سوق الإسكان وكبح الإقراض الجديد وتشديد الإنفاق سيتعين على الصين أن تعتمد بدرجة أكبر على الاستهلاك المحلي والاستثمار الخاص لتحقيق النمو. وكما في 2016 لم تحدد الصين هدفا للصادرات مما يسلط الضوء على ضبابية الآفاق العالمية.

وقال لي ˜التطورات داخل الصين وخارجها تتطلب أن نكون مستعدين لمواجهة أوضاع أشد تعقيدا وخطورة، مضيفا أن النمو العالمي مازال بطيئا.وفي إشارة واضحة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال رئيس الحكومة الصينية ˜إن مناهضة العولمة والحماية التجارية تكتسب زخما.

وكان ترامب تعهد بالتشدد مع الصين فرض رسوم جمركية على السلع المستوردة من الصين بنسبة 45.

و ذهب إلى مهاجمة الصين واتهامها بـ اغتصاب الولايات المتحدة، والمسؤولية عن أكبر عملية سطو في التاريخ.

و اتهم ترامب الصين بالتلاعب بعملتها لتجعل صادراتها أكثر قدرة على المنافسة عالميا، وذلك يلحق ضررًا كبيرا بالشركات والموظفين في الولايات المتحدة. وأكد ترامب أن الولايات المتحدة لديها ˜الكثير من النفوذ لتمارسه إزاء الصين.

وتظهر أحدث الأرقام الصادرة من الحكومة الأمريكية أن عجز الميزان التجاري مع الصين بلغ مستوى غير مسبوق ليصل إلى 365.7 مليار دولار العام الماضي.

من جهته قال هوانغ شو هونغ مدير مكتب أبحاث مجلس الدولة الذي ساعد في صياغة تقرير رئيس الوزراء إن نموا بنحو 6.5 بالمئة سيكفي لحماية التوظيف.

وأضافت الصين 13.14 مليون وظيفة جديدة في المدن عام 2016 وسجل عدد خريجي الجامعات الذين عثروا على وظائف أو بدأوا مشروعات رقما قياسيا حسبما أفاد تقرير لي.

من جانبه قال مايكل تين النائب عن هونغ كونغ في البرلمان الصيني ومؤسس متاجر الملابس جي2000 إنه مندهش لرقم النمو البالغ 6.5 بالمئة.

وأبلغ رويترز ˜أعتقد أنه بالغ الارتفاع.. في الأعوام القليلة الماضية كانوا يحققون أي رقم يأتون به بل ويتجاوزونه بهامش طفيف. لذا ومع هذا الاقتصاد فإن 6.5 بالمئة رقم مذهل.

وفيما يُبدي المسؤولون الصينيون تفاؤلا يقول الاقتصاديون إن من الصعب تحقيق التوازن بين دعم النمو والمحافظة على السيولة وفي نفس الوقت المضي في إصلاحات وترويض القوى المالية الجامحة.

وتحدد هدف نمو المعروض النقدي بمفهوهمه الواسع عند حوالي 12 بالمئة لعام 2017 من نحو 13 بالمئة في 2016. وظل هدف عجز الميزانية الحكومية دون تغيير عند ثلاثة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وقال لي إن الصين ستواصل تطبيق سياسة مالية استباقية مضيفا أن الحكومة تهدف إلى خفض أعباء الضرائب عن الشركات نحو 350 مليار يوان 51 مليار دولار هذا العام.

وأضاف أن الصين ستواصل انتهاج سياسة نقدية تتسم بالحذر والحياد.

وقال لي إن المخاطر الشاملة تحت السيطرة في الوقت الحالي لكن على الصين أن تتحلى باليقظة التامة وأن تشيد ˜سياجا للحماية من المخاطر المالية.

قدمت البنوك الصينية مستوى قياسيا من القروض بلغ 12.65 تريليون يوان في 2016 وتظهر بيانات حديثة أن القروض الجديدة باليوان بلغت 2.03 تريليون يوان في يناير كانون/ الثاني وهو ثاني أعلى مستوى على الإطلاق.

وقال لي ˜سنطبق مجموعة كاملة من أدوات السياسة النقدية ونحافظ على استقرار السيولة ونعمل على أن تظل أسعار الفائدة في السوق عند مستوى ملائم ونحسن آلية انتقال السياسة النقدية.

من جانبه قال مسؤول في اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين إن بلاده ستتخذ المزيد من الخطوات لدعم الاستثمار الخاص في الوقت الذي تتطلع فيه إلى الحفاظ على النمو الاقتصادي القوي في الوقت الذي تجري فيه إصلاحات هيكلية.

وتضطلع اللجنة بمهمة التخطيط الحكومي في الصين.

وأجبر تباطؤ حاد في الاستثمار الخاص العام الماضي بكين على الاعتماد أكثر على الإنفاق الحكومي والمزيد من الشركات الحكومية التي تفتقر إلى الكفاءة للوصول إلى النمو المستهدف مما ترك الاقتصاد غير متوازن.

لكن تشانغ يونغ نائب رئيس اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح قال في مؤتمر صحفي إن الاستثمار الخاص يستقر وإن الإجراءات التي جرى اتخاذها لتعزيز هذا الإنفاق بدأت تؤتي ثمارها.

وقال تشانغ إن الصين ستقلص العقبات أمام دخول الاستثمار الخاص وتبسط القواعد وتدعم الاستثمار بشكل أكبر عبر برامج للشراكة بين القطاعين الخاص والعام.

وتتطلع الصين إلى تقليص المخاطر الناجمة عن سنوات من التحفيز المدعوم بالائتمان والذي يتركز في قطاعات حكومية مثقلة بالديون في الوقت الذي حافظ فيه على معدل نمو مرتفع.

وتعتزم بكين خفض طاقة إنتاج الصلب 50 مليون طن وطاقة إنتاج الفحم أكثر من 150 مليون طن هذا العام حسبما ذكرت هيئة التخطيط الرئيسية اليوم مع تعزيز بكين جهودها لمحاربة التلوث وحل مشكلة الطاقة الإنتاحية الفائضة.

وقالت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في تقرير عمل إنها ستغلق أو توقف أعمال البناء بمحطات كهرباء تعمل بالفحم تزيد قدرتها على 50 مليون كيلووات.

تأتي التعهدات في إطار مساعي بكين منذ سنوات من أجل تقليص حصة الفحم في مزيج الطاقة بهدف الحد من التلوث الذي يخنق مدن الشمال وتحقيق الأهداف المتعلقة بتغير المناخ مع زيادة تنظيم الصناعات المتخمة بالطاقة الإنتاجية والملوثة للهواء مثل صناعة الصلب.

˜تشاؤل حول الطلب الصيني على النفط العربي

وفيما يثير التباطؤ والتحول الذي يعرفه الاقتصاد الصيني المخاوف من تداعيات ذلك على الطلب الصيني على النفط العربي،  بددت بيانات الإدارة العامة للجمارك الصينية خلال الشهر الماضي ولو مؤقتا هذه المخاوف،  حيث أظهرت أن السعودية استعادت موقعها كأكبر مورد للنفط الخام إلى الصين في شهر يناير الماضي لتنتعش إمداداتها بقوة بعد هبوط كبير في الشهر السابق بعد أن زادت شحنات النفط الخام السعودي إلى الصين 18.9 في يناير مقارنة مع مستواها قبل عام لتصل إلى 5.03 مليون طن أو ما يعادل 1.18 مليون برميل يوميا، ويمثل هذا ارتفاعا بنسبة 40 مقارنة مع إمدادات المملكة في ديسمبر البالغة 841 ألفا و820 برميلا يوميا.

وقد جاءت أنغولا في المركز الثاني مع ارتفاع شحناتها 63.5 على أساس سنوي إلى 4.95 مليون طن أو 1.17 مليون برميل يوميا، تليها روسيا في المركز الثالث مع نمو صادراتها 36.5 إلى 4.6 مليون طن أو 1.08 مليون برميل يوميا بحسب البيانات.

وكانت روسيا قد تصدرت قائمة أكبر مورد للنفط الخام إلى الصين على أساس سنوي للمرة الأولى في عام 2016 بشحنات بلغ متوسطها 1.05 مليون برميل يوميا؛ فيما احتلت السعودية المرتبة الثانية بعد روسيا بمتوسط إمدادات 1.02 مليون برميل يوميا.

وقال مسؤول بقطاع النفط في بكين على دراية ببرنامج تسويق أرامكو السعودية الخاص بالصين: ˜أرامكو تحاول جاهدة الدفاع عن حصتها السوقية لاسيما من خلال العمل الوثيق مع شركات التكرير الحكومية وهي عملاؤها الرئيسيون.

يأتي هذا في وقت اتفاق شركة ˜أرامكو على إمداد مجموعة ˜نورث هواجين للصناعات الكيماوية بخامها العربي الخفيف الفائق الجودة في 2017، ومن المقرر زيادة إمداداتها إلى شركة ˜سنوك الصينية المتخصصة في النفط البحري التي تديرها الحكومة في وقت لاحق هذا العام.

ارتفعت واردات الصين من النفط الخام فى فبراير الماضى إلى ثانى أعلى مستوياتها على الإطلاق مع استمرار الطلب القوى من المصافى المستقلة فى دفع النمو.

وكانت بيانات الجمارك الصينية أظهرت أن واردات الصين من النفط الخام بلغت فى فبراير/ شباط 31.78 مليون طن أو ما يعادل 8.286 مليون برميل يوميا بزيادة 3.5  مقارنة مع مستواها قبل عام.

وانخفضت الشحنات اليومية فى فبراير دون المستوى القياسى المسجل فى ديسمبر البالغ 8.57 مليون برميل يوميا لكنها تزيد عن مستواها فى يناير البالغ 8.01 مليون برميل يوميا.

يذكر أن الصين التي تعد ثاني أكبر مشتر للنفط الخام في العالم بعد الولايات المتحدة قد رفعت إجمالي وارداتها النفطية إلى 27.5 الشهر الماضي، ليصل إلى ثالث أعلى مستوى على الإطلاق عند 8.01 مليون برميل يوميا، فيما بدأت المصافي الصينية المستقلة في جلب شحنات نادرة من خام أمريكا الشمالية الثقيل في تدفقات قادمة من أماكن بعيدة يقول عنها التجار إنها أصبحت ممكنة فقط بسبب تخفيضات إنتاج منظمة البلدان المصدرة للبترول ˜أوبك ووفرة الإمدادات الأمريكية والكندية.

وقد فاجأت ˜أوبك السوق حتى الآن بمستوى التزام قياسي بتخفيضات الإنتاج، وقد تزيد التزامها خلال الأشهر القادمة في الوقت الذي تتعهد فيه الإمارات، والعراق بالوصول سريعا إلى أهدافهما الإنتاجية، فيما قال مسؤول بشركة ˜سوناطراك الجزائرية إن حقل حاسي مسعود يكبح الإنتاج حاليا عند 430 ألف برميل يوميا بما يتماشى مع اتفاق ˜أوبكŒ على خفض الإنتاج.

قد تبدو هذه المعطيات ˜مطمئنة ولو مؤقتاً، لكن الاقتصاد الصيني يشبه حسب رئيس الحكومة الصينية ˜الفراشة التي تخرج من الشرنقة وأن التحول الذي يعرفه هذا الاقتصاد بالفراشة يحمل وعوداً وكذلك ألما.

وفيما يحبس العالم أنفاسه خشية مزيد من التباطؤ وحتى التعطل لـمحرك الاقتصاد العالمي، يبدو التفاؤل وإن كان ممزوجاً بالحذر وليس ˜التشاؤم هو الغالب في بكين،  فقد أكد مكتب الإحصاء الوطنى الصيني أن الصين من المحتمل أن تبقى المحرك الأكبر للنمو العالمى. وأشار المكتب إلى أن الصين أسهمت بـ33.2 من التوسع الاقتصادى العالمي في 2016. كما أسهمت بنحو 29.7من النمو العالمي فى 2014 و30 فى 2015. في حين أسهمت الولايات المتحدة وهي أكبر اقتصاد في العالم بنسبة 19.6 من النمو العالمي فى 2014 و21.9 في 2015.

كانت احتياطيات الصين من النقد الأجنبى ارتفعت على نحو غير متوقع للمرة الأولى فى ثمانية أشهر في فبراير/ شباط الماضي متجاوزة ثلاثة تريليونات دولار فى الوقت الذي ساهمت فيه حملة تنظيمية صارمة وتراجع الدولار فى تعزيز تدفقات رأس المال، وزادت الاحتياطيات 6.92 مليار دولار خلال فبراير لتصل إلى 3.005 تريليون دولار فى أول زيادة منذ يونيو/ حزيران 2016 مقارنة مع انخفاض بلغ 12.3 مليار دولار فى يناير حين هبطت الاحتياطيات إلى 2.998 تريليون دولار. وكان خبراء اقتصاد استطلعت رويترز آراءهم توقعوا انخفاض احتياطيات النقد الأجنبى 25 مليار دولار إلى 2.973 تريليون دولار فى فبراير.

وشددت الصين القواعد المتعلقة بنقل رأس المال إلى خارج البلاد فى الأشهر الأخيرة فى الوقت الذى تسعى فيه لدعم اليوان ووقف تراجع احتياطياتها من النقد الأجنبي، واستهلكت الصين نحو 320 مليار دولار من الاحتياطيات العام الماضى لكن اليوان هبط على الرغم من ذلك 6.6  مقابل الدولار ليسجل أكبر انخفاض سنوى منذ 1994، واستقر اليوان فى الأسابيع الأخيرة مع انحسار زخم ارتفاع الدولار. وربحت العملة الصينية 0.2  فى فبراير وارتفعت 0.8  منذ بداية 2017.

 وقد يشعل احتمال تخفيض قيمة اليوان فتيل توترات تجارية مع إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وزادت احتياطات الصين من الذهب إلى 74.376 مليار دولار بنهاية فبراير من 71.292 مليار دولار بنهاية يناير وفق ما أظهرته بيانات نشرها بنك الشعب الصينى )البنك المركزى( على موقعه الإلكتروني.

لي-كه-تشيانغ