قمة عمّان هل تعالج الجرح العربي ؟

د. ماجد السامرائي

يرجع تاريخ عقد مؤتمرات القمة العربية إلى بداية تأسيس جامعة الدول العربية عام 1946 والتي ارتبط قيامها بهدف إيجاد كيان عربي يدافع عن استقلال الدول العربية ويحافظ على السلام والأمن بين هذه الدول، والدفاع عن أي دولة عربية تتعرض للتهديد أو العدوان.

ومن هذا المنطلق بدأت مؤتمرات القمة مع أول تهديد واجه الأمة العربية عندما تطورت الأمور في قضية فلسطين عقب زيادة الهجرة اليهودية إليها أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية.  تمّ إرسال بريطانيا والولايات المتحدة لجنة للتحقيق في ما يجري على الأراضي الفلسطينية مطلع عام 1946 والتي جاء تقريرها ضد الآمال العربية لأنه أوصى برفض إقامة دولة عربية أو يهودية في فلسطين واستمرار الانتداب البريطاني عليها مع فتح باب الهجرة إلى فلسطين

وأول قمة عربية كانت عام 1946 في إنشاص وحضرتها الدول السبع المؤسسة للجامعة العربية. والقمة المهمة الأخرى كانت في الخرطوم عام 1967. بعد الهزيمة العربية في حرب يونيو/حزيران، وحضرتها جميع الدول العربية باستثناء سوريا ودعت إلى إزالة آثار العدوان الإسرائيلي واللاءات العربية الثلاث: لا صلح ولا تفاوض مع إسرائيل ولا اعتراف بها، والقمة المهمة الأخرى عقدت في بغداد عام 1978إثر توقيع مصر اتفاقيات كامب ديفد للسلام مع إسرائيل. وشاركت في المؤتمر عشر دول مع منظمة التحرير الفلسطينية، ولم يصدر عنه بيان ختامي، وأهم قراراته:

– عدم موافقة المؤتمر على اتفاقية كامب ديفيد.

– توحيد الجهود العربية من أجل معالجة الخلل الإستراتيجي العربي.

– دعوة مصر إلى العودة عن اتفاقية كامب ديفيد.

– حظر عقد صلح منفرد مع إسرائيل.

– دعم الجبهة الشمالية والشرقية ومنظمة التحرير الفلسطينية ماديا.

– نقل مقر الجامعة العربية وتعليق عضوية مصر.

– تطبيق قوانين المقاطعة على الشركات والأفراد المتعاملين في مصر مع إسرائيل، والتمييز بين الحكومة والشعب في مصر. أما القمة المهمة الأخرى فهي التي انعقدت في القاهرة بعد عشرة أيام من الغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس )1990( ولم يحضرها قادة دول الخليج ما عدا أمير البحرين، والقرار المهم الذي اتخذته القمة )إدانة العدوان العراقي على الكويت( والسماح للمواجهة العسكرية العربية والأمريكية ضد القوات العراقية الغازية والتي انتهت الى طرد هذه القوات من الكويت بما سمي بحرب الخليج الثانية.

كانت وما زالت القمم العربية عاكسة لحالة انهيار النظام العربي غير القادر على المواجهة في ظل تغييب الجمهور العريض المتطلع للحرية والديمقراطية. ولم تتمكن تلك القمم عبر واحد وسبعين عاماً من وضع استراتيجية عملية لمواجهة تحديات الاجتياح الاستراتيجي للمنطقة، بسبب تداخلات المصالح الكبرى مع الأنظمة القائمة الحريصة على بقائها في الحكم. كما إن تلك القمم لم تتواصل مع حالة المد العروبي الثوري منذأوائل خمسينيات القرن الماضي، بل سعت الى إخمادها، ولم يتم التوصل خلال هذه السنوات الطويلة الى تبني مشروع نهضوي عربي بعد أن انسحبت الشعارات القومية في الوحدة والتحرروأصبح شعار »الدولة الوطنية القطرية« هو السائد. وهذا التراجع في أهمية مؤتمرات القمة ترافق مع زيادة غير مسبوقة في التهديدات التي تواجه الأمن القومي العربي والنظام الإقليمي العربي ذاته الذي تم اختراقه وتهديد وجوده من خلال الغزو الأميركي للعراق عام 2003، والتدخلات الإيرانية في العراق ولبنان وسورية واليمن، والأطماع التركية في سورية والعراق، علاوة على استمرار التهديدات الإسرائيلية والاستيطان والعدوان المتكرر على لبنان وقطاع غزة. وأصبحت هذه الحقائق نتيجة طبيعية

Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2017-03-29 10:04:13Z |  |

لضعف النظام الإقليمي العربي ورابطته الأيديولوجية المتمثلة في القومية العربية أو ما يفضل البعض وصفه بالعروبة. أصبح اهتمام الحكومات العربية القائمة الحرص على بناء شراكات عربية مع أطراف إقليمية ودولية من خارج النظام الإقليمي العربي، فيما ضعفت الشراكات العربية حتى في حدودها الاقتصادية والثقافية. جرت محاولات من الحكومات الوطنية لإنجاز التنمية وتحقيق الأمن والاستقرارالداخلي وتلبية المطالب المشروعة لمواطنيها، لكن أغلب تلك الجهود لم ينجح في تحقيق أهدافه لأسباب كثيرة من بينها فساد النخب وصعوبة تحقيق التنمية اعتماداً على الإمكانات والموارد الخاصة بكل دولة. وبدا أن مسار الدولة الوطنية )القطرية( والنظام الإقليمي العربي معرض لأخطار كثيرة داخلية وخارجية، جسدتها ومنذ ست سنوات ما يعرف بثورات الربيع العربي، التي كشفت مدى هشاشة وضعف الدولة الوطنية )القطرية( في بعض الدول العربية وفتحت الطريق أمام حروب أهلية داخلية تبدو بلا نهاية قريبة. والغريب إن أكثر الدول العربية حديثاً عن القومية العربية وتشدقاً بشعاراتها هي الدول التي عانت من آثار الربيع العربي حيث فضحت الانتفاضات الشعبية حالة اللادولة التي كانت تخفيها الشعارات القومية في العراق وسوريا وليبيا واليمن، واعتمادها على القبلية والطائفية والجهوية. وبعد قرابة ست سنوات من ثورات غير مكتملة فإن النظام العربي على وشك الانهيار، فالتدخل الأجنبي حاضر في سورية واليمن وليبيا والعراق، وأصبح الإستقواء بالأجنبي هو أساس الدفاع عن الحكم في هذه الدول، ولا تزال إيران تلعب دوراً غير مقبول أو مبررفي منطقة محيطها، بينما اتسعت طموحات روسيا في المنطقة، حيث استغلت ابتعاد واشنطن وتفضيل أوباما عدم التورط في صراعات المنطقة، ونجحت روسيا في بناء تحالف مع إيران وتركيا لتقاسم النفوذ، حيث تحركت تركيا في سوريا والعراق لتحقيق أطماع تاريخية وجيوسياسية بالتنسيق والتفاهم أحياناً مع طهران، بينما تتدخل الأخيرة سياسياً وعسكرياً في سورية والعراق ولبنان واليمن وتهدد دول الخليج، والشاهد أن مثلث موسكو- طهران- أنقرة قد توافق على تهميش الدول العربية وإعادة تشكيل المنطقة في ضوء مصالح الدول الثلاث. كما إن تولي )دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية( أوائل هذا العام قد وضع المنطقة بسبب سياساته المختلفة جذرياً عن سلفه )أوباما( أمام استحقاقات جديدة، فالمنطقة أمام متغيرات كبرى على جميع المستويات الجيوسياسية. هناك أضرار كبيرة حصلت في العالم العربي، وترامب يحاول مقايضة الإقتصاد بتأمين الأمن والاستقرار لحكومات المنطقة. كما إنه أعلن حرباً قوية على »الإرهاب الداعشي« والاسلام السياسي وكذلك حملته الإعلامية على إيران التي لا يعرف الى أي مدى سترتبط بإجراءات عملية على الأرض. وسيكون الموضوعان )العراقي والسوري( من أهم ملفات الرئيس الأمريكي الجديد وسط الكثير من التسريبات خاصة في الملف العراقي. وفي ظل هذه الظروف الساخنة تنعقد )قمة عمان( التي ينظر اليها المراقبون بإهتمام خاص كونها ستعطي بعض اللمسات الرمزية لما على العرب القيام به.  ولعل التساؤل هل إن انعقاد قمة عمان سيكون وقفة تأمل ومراجعة عربية جادة لمواجهة مخاطر التحولات الاستراتيجية الجديدة أم إنه سيكون رقماً جديداً يضاف الى قائمة القمم السابقة. إن أهم ضمانات نجاح قمة عمان هي:

1- أن تكون قمة غير تقليدية تركز على الأولويات وفي مقدمها استعادة التضامن والتوافق العربي، من خلال تحقيق مصالحات بين عدد من الدول العربية المؤثرة في النظام الإقليمي العربي، ثم تأتي بعد ذلك قضايا ومشكلات مهمة مثل الاستيطان الإسرائيلي واحتمال نقل السفارة الأميركية إلى القدس ومشكلات اللاجئين السوريين.

2- التوصل إلى تفاهم عربي حول واقع ومستقبل الأوضاع في سورية واليمن وليبيا، تفاهم يعتمد على التفاوض والتوافق على حلول وسط جديدة تفرض على كل الأطراف العربية تغيير مواقفها السابقة بحيث تتبنى مواقف تحافظ على الأمن القومي العربي، الذي تعرض لاختراقات خطيرة بسبب اختلاف مواقف الدول العربية.

3- ضرورة تبني مفهوم واضح للأمن القومي العربي في هذه المرحلة وتحديد مصادر التهديد بحيث يمكن بناء توافقات على أولويات الأخطار ومصادر التهديد وكيفية مواجهتها، وفي مقدمها التصدي للخطر الإسرائيلي

4- الوصول الى توافق عربي حول مشكلة »التدخلات الإيرانية في كل من العراق وسوريا واليمن« ومعالجة إثار هذه المشكلة على البلدان العربية ودعوة إيران لتغيير سياساتها الى ما يبعث الإطمئنان للدول العربية المحيطة بها.

5- أهمية ضمان مشاركة معظم القادة العرب بحيث تكتسب مقررات قمة الأردن شرعية وصدقية أعلى تفرضها التحديات التي تواجه الشعوب العربية.

5- نجاح الديبلوماسية الأردنية في الحفاظ على قوة الدفع التي ستولدها القمة وتفعيلها خلال العام المقبل وحتى القمة التالية.

علينا ألا نغرق في الأمنيات كثيراً والتي تترافق دائماً مع كل انعقاد دوري للقمم العربية، صحيح أن القمة العربية لا بد أن تتجاوز هوان الواقع العربي وانكشاف الأمن القومي، وتتطلع لتبني خطط وقرارات أفضل وأعلى مما تفرضه معطيات الواقع، لكن ذلك يجب أن يكون بحساب دقيق وفي ضوء ما تفرضه العلاقات العربية ذ العربية أولاً من قيود وضغوط إقليمية ودولية.  فالمواطن العربي من مشرق الوطن الى مغربه يعيش حالة من الإحباط الممزوج بمرارة الكارثة التي تعصف به خصوصاً في كل من العراق وسوريا، مرارة النزوح عن الأرض والمسكن وغياب الأمل.